والذي دعاه إلى ذلك أنه ليس معه ما يعطف عليه قوله: ولتصغي، لأنه متصل بقوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شيطين الإنس والجن} (الأنعام: 112) الآية. وليس في ذلك فعل يمكن أن يكون ولتصغي معطوفا عليه، فحمله لذلك على أنه جواب لقسم محذوف.
ولا حجة له في ذلك، لأنه يمكن أن يكون لتصغي متعلقا بفعل مضمر يدل عليه ما قبله، كأنه قال: فعلنا ذلك لتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة.
وقولنا: كلتاهما خبرية، يعني أن جملة القسم والجواب إذا اجتمعا كان منهما كلام محتمل للصدق والكذب نحو: والله ليقومن زيد، ألا ترى أنه يحتمل أن يكون هذا الكلام صادقا وأن يكون كاذبا، فإن جاء ما صورته كصورة القسم وهو غير محتمل للصدق والكذب حمل على أنه ليس بقسم نحو قول الشاعر:
بالله ربك إن دخلت فقل له
هذا ابن هرمة واقفا بالباب
ألا ترى أنه لا يحسن هنا (أن يقال) صدق ولا كذب. وقول الآخر:
بدينك هل ضممت إليك ليلى
وهل قبلت قبل الصبح فاها
لا يحسن أيضا أن يقال هنا: صدق ولا كذب. فلا يمكن لذلك أن يكون قسما لأن القسم لا يتصور إلا حيث يتصور الصدق والحنث، والصدق والحنث لا يتصور إلا فيما يتصور الصدق والكذب.
ومما يبين أن هذا وأمثاله ليس بقسم أنه لا يتصور أن يكون الفعل المتعلق به المجرور أقسم، ألا ترى أنه لا يتصور أن يقال: أقسم بالله ربك إذا دخلت فقل له، ولا: أقسم بدينك هل ضممت إليك ليلى. بل الفعل الذي يتعلق به المجرور: أسأل، كأنك قلت: أسألك بالله إن دخلت فقل له، وأسألك بدينك.
فإن قيل: مما يدل على أن هذا وأمثاله قسم قول الشاعر:
أحارث يا خير البرية كلها
أبالله هل لي في يميني من عقد
مراده قسمي قولي: بالله هل لي في يميني من عقد.
وإنما مراده: أبالله هل لي في يميني من عقد إن حلفت على أنه خير البرية.
صفحة ٢