ولا حجة لهم في شيء من ذلك. أما قوله:
............
ولا أرض أبقل إبقالها
فيحتمل أن يكون الذي اضطره إلى حذف التاء أنه ليس ممن لغته النقل، فلو قال: أبقلت إبقالها، من غير نقل على لغته لاختل الوزن.
وأما قوله:
طباخ ساعات الكرى زاد الكسل
فالذي اضطره إلى الفصل أنه لو أضاف لكان متجوزا فيه ويجعل الساعات كأنها هي المطبوخة في المعنى، إذ لا يضاف إلى الظرف حتى يتجوز فيه. فإذا فصل كان الكلام حقيقة لا مجازا، فلما أراد الحقيقة اضطر إلى الفصل.
ومنهم من ذهب إلى أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغير الشاعر في كلامه، لأن لسانه قد اعتاد الضرائر، فيجوز له ما لا يجوز لغيره لذلك، وهو مذهب الأخفش، فكثيرا ما يقول: جاء هذا على لغة الشعر، أو يحمل على ذلك قوله تعالى: {قواريرا من فضة} (الإنسان: 16)، في قراءة من قرأ بصرف الأول. وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون التنوين في قوله: قواريرا، بدلا من حرف الإطلاق، فكان في الأصل قواريرا، وحرف الإطلاق يكون في الشعر وفي الكلام المسجوع إجراء له مجرى الشعر، فأجريت رؤوس الآي مجرى الكلام المسجوع في لحاق حرف الإطلاق، فيكون مثل قوله تعالى: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب: 10)، وهؤلاء {فأضلونا السبيلا} (الأحزاب: 67).
والصحيح ما بدأنا به. فإن جاء في خلاف موضع الإضرار فلا يقاس عليه لشذوذه وقلته.
وإن جاء في مواضع اضطرار فإنه يقسم إلى مقيس وغير مقيس، وسنبين ذلك كله في موضعه إن شاء الله.
فالضرائر تنحصر في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير والبدل. والزيادة تنحصر في زيادة حرف أو زيادة حركة. فمن زيادة الحرف التنوين المزيد في الاسم الذي لا ينصرف إذا صرفته ضرورة نحو قوله:
قواطنا مكة من ورق الحمي
فنون قواطن. ونحو قوله:
صفحة ١٩١