فلما كان لا يمكن في المرأة الحبلى أن تنقى هذا النقاء وكان الجنين المتولد فيها يجذب من الأوعية إليه لغذائه ونموه أجود ما في الدم وأصلحه صار يبقى منه في العروق أردؤه. والطبيعة أيضا تقصد لتنقية هذا باستفراغ الدم الذي يكون بعد الولاد الذي يلقبه أيضا الأوائل «بالنقاء» للسبب الذي تقدم ذكره. فإذ كان ملاك الأمر في جملة علاج المرأة التي هذه حالها أن يستفرغ ذلك الدم فقد ينبغي أن تغذي تلك المرأة وأن ترطب لأن الدم يعسر دروره بالامتناع من الطعام وبالأغذية اليابسة ومما يجتمع فيه الغذاء والترطيب جميعا «ماء كشك الشعير » وفيه مع هذا تلطيف وتقطيع وذلك مما يعين على سرعة دور الدم. وأشار بأن يكون ماء كشك الشعير «ثخينا» لأن ما كان منه ثخينا فهو أغذى مما كان منه رقيقا. ولا ينبغي أن تنيلها منه ما تنيلها في مرة واحدة وذلك أنه يشير بأن يفرق عليها الغذاء وتنيلها إياه قليلا قليلا. وذلك أن من توقينا عليها أن ننيلها من الغذاء ما يكتفي به دفعة خوفا من ألا تستمرئه فإنا نفرقه عليها وننيلها إياه في مرار كثيرة في كل مرة شيئا يسيرا منه.
صفحة ٨١٠