جمهور العلماء على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأرجح منه، أبو علي النيسابوري، وبعض المغاربة فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، حجة الجمهور في ترجيح البخاري أن الأصحية ترجع إلى اتصال الأسانيد وثقة الرواة، والبخاري لا شك أنه أكثر اتصالا؛ لأنه يشترط اللقاء على ما استفاض عنه ونقله أهل العلم وقرروه وحرروه، وإن نوزع في ذلك أخيرا، على ما سيأتي في السند المعنعن -إن شاء الله- تعالى، البخاري -رحمه الله- يعتني بهذا عناية فائقة، إذا كان السند عنده معنعن، والراوي وصم بتدليس ولو كان غير مخل يتبع ذلك بمتابعة تبين أن هذا الراوي قد سمعه من هو فوقه، أو يشهد لما ذكره في السند المعنعن، والأمثلة على ذلك في البخاري كثيرة جدا.
ومسلم -رحمه الله- يكتفي بالمعاصرة في السند المعنعن، قرر ذلك صراحة في مقدمة صحيحه، وشن على من يشترط ثبوت اللقاء، وهذه مسألة طويلة الذيول، مسلم قررها تقريرا لا مزيد عليه في مقدمة صحيحه، والشراح وضحوا مراده ومقصوده، وهل يريد بمن يرد عليه في مقدمته البخاري أو علي بن المديني أو غيرهما، كلام طويل سيأتي أو تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى- في موضعه.
أيضا الرواة بالنسبة لصحيح البخاري، من خرج عنهم الإمام أوثق ممن خرج لهم مسلم، بدليل أن من انتقد من الرواة في صحيح مسلم أكثر مما انتقد من رواة صحيح البخاري، وما انتقد من الأحاديث في صحيح مسلم أكثر مما انتقد في صحيح البخاري.
أيضا الإمام مسلم تلميذ البخاري وخريجه يستفيد منه، معرفته بالعلل لا شيء بالنسبة للإمام البخاري، المقصود أن الإمام البخاري أرجح وكتابه أصح، وهذا ترجيح إجمالي، يعني جملة ما في صحيح البخاري أرجح من جملة ما في صحيح مسلم، وإن كان في صحيح مسلم ما قد يفوق ما في صحيح البخاري لقرائن تحتف به، على ما سيأتي فيما يفيده خبر الواحد.
صفحة ١٨