كل هذه الأمور جعلت بعض الشراح في مختلف العصور يجنحون إلى التسهيل والإيجاز، وكان مصنف هذا الشرح من أوائل الذين سلكوا هذه السبيل.
وهؤلاء الذين اتخذوا لأنفسهم هذا النهج كانوا يدركون أن لا بد لقاريء الأدب من أن يلم بشيء من تفسير أسماء الشعراء وأخبارهم التي دفعتهم إلى قول الشعر وبقدر من اختلافات الروايات، وبطرف مما يدخل في مجال اللغة والنحو والبلاغة، ولكنهم وهم يدركون هذه الحقائق أدركوا أن الإطالة في جانب من هذه الجوانب أمر يصرف القاريء عن المتن الذي هو قوام للدراسة والشرح، ومن هنا بدت قيمة جنوحهم إلى التسهيل وميلهم إلى الإيجاز.
ونستطيع أن ندرك هذه القيمة إذا تصفحنا شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين، فنحن كثيرًا ما نجد المرزوقي وشرحه ذو فوائد جمة يجنح إلى الإغراق في جزيئة من جزيئات البيت بصورة تنسينا البيت نفسه، ناهيك عن القطعة كلها.
ومن أمثلة ذلك ما جاء عنه في بيت تأبط شرا الوارد في الحماسية (٦٣)، والذ يصف فيه اتجاهه لابن عمه شمس بن مالك بالمديح جزاء ما أعطاه من إبل:
أهز به في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوارك
فقد وقف المرزوقي عند كلمة "هجان" فقال: "ويقع لفظ هجان للواحد وللجمع، يقال ناقة هجان ونوق هجان، ومثله درع دلاص ودروع دلاص، وذلك لأن فعالًا وفعيلا يتشاركان كثيرًا، وكما جمع فعيل فعالا كذلك جمع فعال فعالًا، ألا ترى أن العدد والوزن فيهما واحد، وحرف المد في كل واحد بإزاء ما في الآخر، فإذا كان كذلك حمل عليه إلا أن فعالا إذا كان جمعًا ينوي بحركاته وألفه حركات بنائه، وهو جمع لا واحد كأن الكسرة في أوله الكسرة التي في أول ظراف وكرام لا الكسرة التي في أول حمار وإزار، وكذلك ألفا فاعلمه".
فمثل هذا الكلام مع قيمته العلمية في مجال اللغة فإنه يصرف قاريء الأدب عن الغاية التي بنى عليها أبو تمام اختياره وهي أن يجعله يقف على النماذج الرفيعة من شعر العرب القديم.
2 / 39