شرح فصول أبقراط

ابن النفيس ت. 687 هجري
102

الشرح: من عادة أبقراط أن يتبع الفصل بضده، ففي الفصل الماضي بين حكم الهواء إذا كانت رطوبته أزيد، وهاهنا يبين حكمه إذا كانت يبوسته أزيد. وإذا قلنا هاهنا هواء رطب أو هواء يابس فلسنا نريد بذلك كيفيته A الطبيعية، فإن الهواء كله رطب بذلك التفسير، بل نعني بالهواء الرطب الهواء الذي خالطته أبخرة مائية، أو الذي استحال بتكيفه إلى مشاكلة الجوهر المائي. ونقول هواء يابس ،ونعني بذلك الهواء الذي تفشش عنه ما يخالطه من خلط البخار، او الذي استحال بتخلخله إلى مشاكلة الجوهر الناري. ولا شك أنه إذا احتبس المطر، قلت رطوبات الهواء، لأن حرارة الشمس محللة، فإذا انقطع مدد الرطوبات المائية وجب الجفاف لا محالة. وإذا جف الهواء جفت الأبدان لانتشاف الهواء المحيط ما فيها من الرطوبة، وذلك موجب لنقصان الأمراض، لأن أكثر ما يحدث من الأمراض من الرطوبات؛ إلا أن الأخلاط لا محالة تزداد حدة فإذا حدثت حميات كانت حادة، فإن كثر ذلك الاحتباس في السنة كانت الحدة أكثر. فإن قيل: فلما قال فينبغي أن تتوقع في أكثر الحالات هذه الأمراض وأشباهها. وكان ينبغي أن تتوقع هذه في كل حال لأن السبب قوي. قلنا: إنما يتوقع حدوث الحميات الحادة B إذا كان قد تقدم ذلك الاحتباس مجيء المطر فكان في الأبدان رطوبة، فإن أفرط الاحتباس أفرطت تلك الرطوبة في الاحتداد، وذلك موجب للحميات الحادة. وإذا لم يتقدم ذلك الاحتباس مطر البتة، كما إذا وقع الاحتباس من أول الشتاء ولم يكن وقع في الخريف مطر، فهاهنا لا يكون في البدن ما يحتد باحتباس المطر ، وتكون الأخلاط قليلة جدا؛ ففي الغالب إنما يوجب حمى الدق لا حمى حادة، لكن الأول هو الأكثر فلهذا كان توقع ذلك في الأكثر. فإن قيل: ما الفائدة في قوله: وحدثت في الهواء حال يبس. مع أن ذلك لازم لاحتباس المطر؛ قلنا: لأن يبس الهواء قد لا يلزم احتباس المطر، وذلك بأن يكون هناك مرطب آخر ككثرة المياه، كما يكون بأرض مصر فإن هواءها مع قلة مطرها رطب بسبب كثرة المياه. فإن قيل: فلما قال: وحدثت في الهواء حال يبس. وهلا قال: وحدث في الهواء يبس. قلنا: لأن مفهوم اليبس في العرف لا يصدق على الهواء البتة A فقال: حال يبس. أي حال يسمى يبسا، وتلك الحال هي كونه قليل المخالطات المائية.

[aphorism]

قال أبقراط: إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها، وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه، كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام، حسن البحران. وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة لنظامها، كان ما يحدث فيها من الأمراض غير منتظم، سمج البحران.

[commentary]

صفحة ١٣٤