شرح فصول أبقراط
تصانيف
البحث الأول
في الغرض من هذا الفصل. الغرض منه * تقديم (219) مقدمة يبني عليها جميع الأحكام الطبية * هي (220) أن الأفعال الطبية يجب أن يحذو بها حذو * الأفعال (221) الطبية. ولذلك قيل «إن الطبيب خادم * للطبيعة (222) » أي أنه يجب عليه أنه متى وجدها * ناهضة (223) بشفاء مرض، قواها أو تركها على حالها. وإن وجدها مقصرة، قواها وقابل مقاومها بما يضاده أو عادمه PageVW5P006B آلة أو * ملسلكا هيأ لها. ذلك (224) مثل رد خلع أو تسوية كسر أو فتح عرق، كل ذلك بحسب الإمكان. وضرب لنا * المثال (225) في ذلك بالاستفراغ لوجوه أربعة. أحدها لظهوره. وثانيها أن أكثر العلاجات والأشفية كائنة بالاستفراغ. فإن الطبيعة تفعل هذا في حال الصحة. وثالثها أن غرضه في أكثر هذه المقالة الكلام في قوانين * التغذية (226) ، والغذاء إنما يكون بعد نقص الفضول من المعاء وغيرها. فوجب * ذكر (227) الاستفراغ. ورابعها أن الغذاء هو * خليف (228) لبدل ما يتحلل، والتحلل استفراغ. فوجب تقديم الكلام في الاستفراغ * لأنه (229) مقدم على التغذية. فلذلك ضرب * المثال (230) بالاستفراغ.
البحث الثاني:
ما لمراد بالنوع الخارج؟ قال جالينوس * مراده (231) بالنوع الذي ينبغي أن يستفرغ الخلط الفاسد في كيفيته لا الخارج في كميته. * واستدل على ذلك بأمرين. أحدهما تكرار اسم «النوع» مرتين (232) والثاني لفظة النقاء. قال «هما لا يستعملان في اللغة اليونانية إلا فيما يؤدي البدن بالكيفية». قال: «ولو أراد الكمية، * لقال (233) إن * استفرغ (234) البدن بالمقدار الذي ينبغي، أو كان استعمل لفظا أعم من النقاء، وهو أن يقول: إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن يستفرغ منه». أقول: إن هذا التأويل الذي تأوله الفاضل جالينوس إنما * يصح (235) لو كان المستفرغ لزيادة الكمية طوعا غير نافع. وليس في كلام الإمام أبقراط ما يدل PageVW1P006B عليه. أما إذا كان ينتفع به وفي كلامه احتمال، فلا وجه للتأويل بما يخرجه عن كلامه وينسب لأجله إلى التقصير. وأيضا * فإن (236) كان الخارج في الكمية * خارجا (237) عن النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، فيكون * أمرا غير طبيعي (238) مؤذ للبدن، لكن خروجه عن النسبة الطبيعية التي له في البدن ليس طبيعيا وعلاج كل خروج بضده والخروج بالزيادة يعالجج بنقصان موجبها. وأيضا فإنه ذكر في هذا الفصل * خلو (239) العروق وخلوها لا يستعمل فيما يؤذي البدن بالكيفية بل بالكمية أو بهما جميعا. * وقوانين الطب أكثرية فظهر ما ذكرنا دخول زيادة الكمية في نوع ما ينبغي أن ينقى منه البدن (240) . وأما جالينوس فيعارض بما جاء في اللغة اليونانية ووقع الاصطلاح عليه وهو أن فيها ألفاظا يقال على سبيل الحقيقة وألفاظا على سبيل المجاز. ويكون أبقراط قد استعمل لقطي النوع والنقاء في هذه الصورة على سبيل المجاز لا على سبيل * الحقيقة (241) . ومراده بالطوع هو الذي لا تستعين الطبيعة في إخراجه بدواء مسهل ولا بغيره وبالنوع المادة الموجبة للمرض. ومثل هذا الإسهال متى حصل، كان نافعا سهل الاحنمال. أما نفعه، فلأن فيه إخراج المؤذي. وأما احتماله، فلأن الطبيعة لا تظن به لأنه مؤذ لها * فسهل (242) عليها مفارقته، إلا أنه ربما حصل معه في حاضر الوقت ضرر لا من كونه كذلك، بل من جهة إعياء يعقبه في الأوعية أو سحج في * المعاء (243) لحرارة المادة. فلا يحس بنفعه في الحال إلى أن يزول العارض.
البحث الثالث:
اعلم أن * هذا (244) الاستفراغ قد يكون بالعرق وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالقيء وبغير ذلك من الاستفراغات المذكورة. وإذا كان كذلك، فلقائل أن يقول: فلم ذكر في * هذا (245) المثال استطلاق البطن والقيء؟ فنقول: * لأن (246) الاستفراغ * فيهما (247) محسوس. وذكر من ذلك ما هو من جهة الأعالي وما هو من جهة الأسافل، ولأنهما أكثر وقوعا من غيرهما. * ولأنهما للإرادة فيهما تصرف، فيكونان أقرب إلى الطول غيرهما (248) .
البحث الرابع
في قوله «وإن لم PageVW5P007A يكن كذلك كان، الأمر على الضد»: ومعناه أن الاستفراغ الطوعي متى وقع ولم يكن من النوعي فإنه يكون مضرا. قال جالينوس: «وهو الاستفراغ من غير الشيء المؤذي». * ونحن نقول: إن استفراغ ما لا ينفع من غير الشيء المؤذي (249) * لا (250) يلزم أن يكون مضرا فإن استفراغ الخلط الأصفر الزائد في بدن المحموم حمى دموية غير ضار بل قد يكون نافعا بوجه ما. بل الذي يضر استفراغه إذا لم يكن من النوع هو الشيء المقاوم للشيء المؤذي، أعني الضد. وذلك كاستفراغ البلغم من البدن في الحمى الصفراوية والصفراء في الحمى البلغمية. وإلى هذا أشار * الأوحد (251) أبقراط فإنه * قال (252) «إن كان ما يستفرغ من البدن طوعا من النوع الذي ينبغي أن * ينفي (253) منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله». ثم أتى بما يقابل ذلك فقال «وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد». ومقابل ما ينبغي ما لا ينبغي وما * لا (254) ينبغي أن يستفرغ في * الحال (255) التي البدن عليها بالحقيقة هو الضد لا المخالف. * فهذا (256) هو الحق في هذا البحث.
البحث الخامس
في تحقيق مراده * بخلو (257) العروق. * قال (258) جالينوس: «أبقراط يسمي كل استفراغ * خلو (259) العروق من قبل ما يعرض منه من * خلو (260) العروق». * وهذا (261) الكلام فيه نظر. فإن الاستفراغ قد يكون من العروق وقد لا يكون من العروق. وذلك من مواضع، منها الاستفراغ لتنقية المعدة * وحوالاها (262) . ومنها الإسهال بالحقن وإخراج ما في المعاء من الثقل. ومنها التحليل لما تحت الجلد بالدلك اللطيف. ومنها استفراغ * ما (263) في الصدر والرئة بالنفث. ومنها استفراغ مادة الزكام من الأنف. ومنها إخراج مائية الاستسقاء بالبزل الرقيق. ومنها تحليل مواد الأورام المجتمعة في عضو عضو. ومنها تحليل المواد * الغليظة (264) المجتمعة في المفاصل. وكل هذه الاستفراغات لا يعرض معها * خلو (265) العروق. فعلى * هذه الحال فحينئذ (266) لا يصح قوله «كل استفراغ يعرض منه * خلو (267) العروق». ولو كان استفراغ يعرض منه * خلو (268) العروق، لكان ذكر أبقراط الاستفراغ الأول لا حاجة إليه لدخوله في عموم الثاني وصلاحية حمل الثاني عليه على ما قاله من تسمية أبقراط لكل استفراغ * خلو (269) العروق. والذي نقوله نحن في هذا الموضع: إن الفائدة من قوله هذا * في الموضع (270) من وجهين. أحدهما أن أبقراط لما خصص ما يستفرغ من البدن النوعي الطوعي * بالإسهال والقيء (271) وحكم عليه بالنفع، نقل هذا الحكم إلى ما هو أعم من ذلك. فكأنه * يقول (272) «ولست أقول إن هذا القدر حاصل في هذا الخاص فقط، بل فيما * هو (273) أعم منه، * ومنه (274) * خلو (275) العروق. فإن * خلوها (276) قد يكون بالقيء وقد PageVW1P007A يكون بالإسهال وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالفصد وقد يكون بالبول. * فهذا (277) مراده بالعموم لا ما ذكره الفاضل جالينوس. * والفائدة الثانية (278) أنه لما تقدم كلامه بذكر استفراغ الأخلاط الثالثة وغالبا هو إما بالقيء * أو (279) بالإسهال وبقي الدم، ذكر استفراغه بمكانه. فيكون قد استوفى الكلام في استفراغ ما يحتاج * إليه في استفراغه من جملة (280) الأخلاط من سائر جهاتها وحينئذ يكون قد أعطى الصناعة حقها.
صفحة غير معروفة