شرح فصول أبقراط
تصانيف
البحث الأول
في صله هذا * الفصل (2376) بما قبله وهو أن هذا الفصل كالتعليل لما ذكره في الفصل المتقدم وهو أنه لما أمر بالانتقال من العادة الرديئة إلى العادة الجيدة قال الواجب أن يكون هذا الانتقال قليلا قليلا لأن الكائن دفعة يحصل PageVW5P126B منه كذا وكذا.
البحث الثاني:
الكثير من باب المضاف والمضاف إليه في البدن شيئان * وذلك في الأمرين (2377) أحدهما الأوعية والثاني القوة المدبرة للبدن. فإن أخذنا بالإضافة إلى الأول فهو المسمى عند الأطباء امتلاء بحسب الأوعية * على ما عرفت (2378) وهو أن المواد قد خرجت في كميتها. وإن * أخذنا بالثاني (2379) فهو الامتلاء بحسب القوة وهو أن تكون المواد قد خرجت في كيفيتها. وكلام الإمام أبقراط * يحتمل الأمرين جميعا (2380) . فإن قوله يملأ البدن أو يستفرغه إشارة إلى الأول. وقوله * يبرده أو يسخنه (2381) إشارة إلى الثاني.
البحث الثالث
في بيان علة خطر استعمال الكثير بغتة. قال * الفاضل (2382) جالينوس: * اعلم (2383) أن أس البدن وقوام جوهره بالاعتدال. وكل ما ليس كذلك فهو مغير للبدن مفسد لجوهره. ومراده بالاعتدال هاهنا الاعتدال الإضافي لا الحقيقي. فإن هذا النوع من الاعتدال ليس له وجود ولنبسط القول في هذا الباب. فنقول إن لأفعال القوى البدنية حدا متى تجاوزته تضررت أفعالها. * ووجه (2384) استضرارها بذلك يختلف غير أنه منحصر في ثلاثة أمور. أحدها من جهة الأثفال * والغمر (2385) والثاني من جهة التحليل والاستفراغ والثالث من جهة ما يفيد البدن كيفية غريبة فلأجل هذا كان كل ما يستعمل كثيرا بغتة فهو خطر.
البحث الرابع
في سبب الأمن مما يستعمل * بالتدريج (2386) . وذلك لأن الشيء المخالف والملائم متى كان وروده قليلا قليلا لم ينفعل * البدن عنه (2387) انفعالا ظاهرا فتألفه الطبيعة بطريق لا يتضرر به البدن وإنما قلنا إنه لا ينفعل عنه لأن الانفعال إنما يكون عما يرد البدن دفعة. ويدل على هذا * وجه (2388) لمي * ووجه (2389) إني. أما اللمي فهو أن القوة الحساسة إنما تدرك من محسوساتها ما له قدر محسوس. وما ليس له قدر محسوس لا تدركه ولا تشعر به. ولذلك صارت القوة الباصرة لا تدرك * الهباء (2390) المبثوث في الجو مع أن البصر ألطف الحواس وأقواها إدراكا. فالوارد متى كان قليلا كان زمانه غير مشعور به. ثم في الزمان الثاني تكون الزيادة كذلك ثم في الثالث ثم في الرابع وحينئذ لم يحدث عن ذلك حالة مدركة بحيث أن تكون * القوة (2391) * مشعورا (2392) بها. أما إذا كان حدوثها دفعة كان زمان حدوثها مشعورا به فيكون PageVW1P071B مؤلما أو ملذا. وأما الإني فمن وجوه ثمانية. أحدها أن حرارة حمى الدق أقوى * كثيرا (2393) من حرارة حمى العفن مع أنا لا نجد من الحرارة والالتهاب. وبالجملة شدة الأعراض في حمى الدق ما نجده في حمى العفن. وليس لهذا علة سوى * أن (2394) حمى الدق لما كان حدوثها بالتدريج لم يحصل لنا بها شعور كما يحصل لنا شعور بحمى العفن الحاصلة دفعة. وإنما قلنا إن حمى الدق أقوى * كثيرا (2395) من حمى العفن لأنها متعلقة بجسم صلب PageVW5P127A وتلك بجسم لين وتسخين الصلب أعسر من تسخين اللين. فلو لم تكن الحرارة المسخنة للجسم الصلب قوية جدا لما قدرت على تسخينه بخلاف الجسم اللين فإن أدنى حرارة تسخنه. ولذلك صارت المبردات المستعملة في تبريد هذه الحمى أقوى * كثيرا (2396) من الأدوية المبردة المستعملة في * مداواة (2397) حمى العفن. وثانيها أن اجتماع المني في أوعيته لا يحصل منه ألم بمقدار ما يحصل منه لذة عند استفراغه. وما سبب هذا إلا أن اجتماعه كان بالتدريج وخروجه دفعة. وثالثها أن الداخل إلى الحمام شتاء إذا كان دخوله أولا إلى البيت الأول وصب على بدنه من مائه ثم إلى البيت الثاني كذلك ثم الثالث كذلك فإنه لا يتألم ويشمأز * منه (2398) كما إذا دخل الثالث في أول وهلة واستعمل من مائه. وليس لهذا علة سوى أن دخوله إلى البيت الثالث في الصورة الأولى * كان (2399) بالتدريج وفي الثانية دفعة. ورابعها أن الداخل إلى الحمام في كل يوم لا يحصل * له (2400) من اللذة من تنفية بدنه من الأوساخ كما يحصل له من ذلك إذا جعل دخوله إلى الحمام بعد أيام طويلة. وليس لهذا علة سوى أن الداخل إلى الحمام في الصورة الأولى كان خروج أوساخه عن بدنه أولا فأولا وفي الصورة الثانية عند اجتماعها وكثرتها دفعة. وخامسها أن المتولى لمنصب جليل أو المدرك لمسألة شريفة أو الطالب لكنز عظيم لا يحصل له من اللذة من وجدانه لذلك بالتدريج كما إذا كان حصول ذلك له دفعة. وسادسها أن الذي يحصل له سوء المزاج المختلف لا يحصل له من الألم * بحدوثه (2401) بمقدار ما يحصل له من اللذة بمفارقته بل تألمه بحدوثه أكثر من التذاذه بمفارقته بكثير جدا. وما سبب * ذلك (2402) إلا أن حصوله كان دفعة ومفارقته بالتدريج. وسابعها أن المحسوس في المواضع المظملة جدا مدة طويلة إذا خرج منها إلى المواضع المنيرة جدا * ثم كان خروجه من تلك إلى هذه (2403) بالتدريج بمعنى * أن (2404) خروجه منها إلى ما هو أظهر * منها ضوءا (2405) ثم * إليها (2406) فإن عينيه لا يتألم وروحه الباصرة لا يتضرر كما إذا كان حصول ذلك له دفعة. وثامنهما أن زيادة الأعضاء بالغذاء الوارد عليها في زمان النمو زيادته فيها بمعنى أنه يمددها ويفرق اتصالها لا أن فيها أجزاء خالية يدخل فيها الغذاء على ما * يقوله (2407) أصحاب الخلاء فإنه قد ثبت استحالة وجود الخلاء وهو مع ذلك غير مؤلم. ولو فرضنا حصول ذلك * التمدد (2408) دفعة واحدة لتألمت الأعضاء تألما شديدا. وليس لهذا علة سوى أن التفرق الأول * حاصل بالتدريج (2409) والثاني دفعة. ولنا في هذا المقام * صور (2410) كثيرة دالة كلها على ما كان حصوله بالتدريج * فأنه (2411) لا يؤلم ولا يلذ كما إذا كان حصوله دفعة، والله أعلم.
52
[aphorism]
صفحة غير معروفة