[commentary]
قال عبد اللطيف: ما أشرف هذا وأغزر (316) جدواه وأعظم منفعته في سائر الصناعات الطبيعية PageVW3P049A التي تفتقر إلى مداومة الفعل الواحد زمانا ما معينا حتى يظهر التأثير، فإن قلق الإنسان وعجل ولم يصبر على العمل إلى غايته المحدودة وانتقل عنه أفسده، أو لم يحصل غرضه. وإنما يعجل (317) الإنسان ويعدم الصبر على ملازمة العمل، إذا لم يكن على ثقة من حصول الغاية (318)، ولم يقف على مقدار PageVW1P037A زمان العمل. وإنما يعدم الثقة بحصول الغاية من قبل ضعف قياسه وسوء تمييزه (319)، وعدم التجربة والمزاولة، فإن من سلك طريقا اعتاده وعرفه، كان على ثقة من بلوغ الغاية، ويعلم مقدار المسافة، ومقدار الزمان الذي فيه الوصول، ومقدار الحركة التي يقطع بها هذه المسافة في هذا الزمان، فإذا كان عالما بهذا كله PageVW0P042A علما محصلا ارتقب بلوغ الغاية في الوقت الذي من شأنه يبلغ فيه، ولم يطلب الغاية قبله. وأما من (320) كان جاهلا بذلك كله، فإنه يخبط في عمياء، فربما تجاوز الغاية وهو لا يشعر، وربما ارتصدها قبل حينها، فإذا لم يجدها قلق، وتوهم أنه ليس على الجادة وأنه ضال، فزال عن السمت فضل عن (321) الحقيقة وبعد عن بلوغ الغاية. فقوله: "إن أنت فعلت PageVW2P048B جميع ما ينبغي" أي جميع ما يقتضيه القياس، وتوجبه صناعة الطب، وزاد لفظة جميع، لأن الطبيب إن فعل بعض ما ينبغي ولم يجد ما ينبغي فقد يحتمل أن يكون إخلافه لتركه ذلك البعض الآخر، وأنه لو فعله لوجد ما ينبغي. فإذا فعل الطبيب جميع ما ينبغي على ما ينبغي، أي على شروطه (322) من غير إخلال بشيء من ذلك مما (323) يمكن أن يحال الإخلاف عليه فلم يكن ما ينبغي، فلا تنتقل، فكأنه يقول: إن أنت فعلت جميع ما ينبغي من العلاج مما يقتضيه القياس، على ما ينبغي من الشروط، فلم يكن ما ينبغي من الصحة، فلا تنتقل. فما ينبغي الأول هو الفاعل، وما ينبغي الأخير (324) هو الغاية، وعلى ما ينبغي الأوسط داخل في الأول. وقوله: "فلا تنتقل إلى غير ما أنت عليه" أي فلا تغير التدبير والعلاج إلى ضده أو خلافه عملا منك أنك كنت أولا على الخطأ، فإن هذا PageVW3P049B المقدار لا يكفي في أن يتبين به الطبيب خطأ نفسه، فإنه قد يكون تأخر ظهور النجح لأنه يحتاج إلى زمان أطول من ذلك الزمان. فإنه ليس الزمان الذي ينضح فيه لحم الفروج بقدر الزمان الذي ينضج فيه لحم الديك العتيق. وقوله: "ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا (325)" هذه الشريطة الشريفة يريد بها: ما دام ما أدى إليه نظرك واجتهادك ثابتا، يعني إن ظهر لك قياس أصح من قياسك الأول، * أو تزيف قياسك الأول (326) أو ظهر لك علامة تدلك على فساد قياسك، فإن انتقالك -حينئذ- ليس بخطأ، بل هو عين الصواب. فقوله: "ما رأيته" هو من الرأي لا من الروية، على أنه يجوز أن يفهم منه الرؤية بالبصر، أي ما دامت العلامات التي رأيتها في أول الأمر ثابتة لم تتغير، وما دامت الأشياء التي تقصدها بالعلاج PageVW2P049A وتروم زوالها به ثابتة لم تزد ولم تنقص، فإنها إن نقصت وثقت بأن علاجك على النهج القويم، وإن زادت PageVW0P042B وثقت بأن علاجك خطأ فانتقلت عنه، وإن بقيت (327) ثابتة فإياها عنى أبقراط وفيها أشار عليك بأن لا تنتقل وأن النجح متوقع إذا حان (328) أوانه، فإنك إذا فعلت ما ينبغي ولم يظهر PageVW1P037B للنجح أثر، احتمل أن يكون علاجك على غير صواب. لكنك ينبغي أن تنظر، هل ما كنت رأيته أولا ثابت على حاله، أم تزايد؟ فإن تزايد علمت أن علاجك غير صواب، وانتقلت عنه. وإن وجدته ثابتا على حاله، علمت أن علاجك صواب، وإن تأخر النجح من قبل قصر الزمان فإنه سيظهر فيما بعد إذا استوفى الزمان المحتاج إليه.
[فصل رقم 78]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت بطنه لينة، فإنه ما دام شابا، فهو أحسن حالا ممن بطنه يابسة، ثم يؤول حاله عند الشخوخة إلى أن يصير أردأ؛ وذلك أن بطنه يجف - إذا شاخ - على الأمر الأكثر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد تقدم، وتقدم الكلام عليه، لكنه صرح فيه بقوله: على الأمر الأكثر؛ وأضمره هناك. والبطن تذكيره أفصح في اللغة. فقوله: "فإنه" خبر من، والفاء جواب لما في من من معنى PageVW3P050A الشرط. وقوله: "فهو أحسن حالا" الفاء جواب لما في الكلام المتقدم من معنى الشرط، وهو قوله: ما دام، وهو رباط، وهو الذي يسميه أهل النحو: العماد والفاصلة (329)، ويجوز أن يكون "فهو" بأسره زيادة (330) على جهة التأكيد، كأنه يقول: فإنه مادم شابا أحسن حالا.
[فصل رقم 79]
[aphorism]
قال أبقراط: عظم البدن في الشبيبة ليس يكره، بل يستحب. إلا أنه عند الشيخوخة يثقل ويعسر استعماله ويكون (331) أردأ من البدن الذي هو أنقص منه.
صفحة غير معروفة