بسم الله الرحمن * والرحيم (1) .
* قال (2) أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي صادق حرس الله أيامه. * بعد (3) حمد الله بجميع محامده والثناء عليه بما هو له أهل، والصلاة على * أنبيائه أجمعين (4) . إن العناية التي تحث الخلق على اقتناء باب من أبواب العلوم من أشرف الفضائل الإنسانية، سيما ما كان الناس كافة أمس حاجة إليه من غيره كالعلم الطب. فإن من البين عند الكافة أن العافية رأس النعم التي أنعم بها على الإنسان وأولاها وأجلها قدرا. ولذلك فليس تتهنأ مملكة لملك ولا ثروة لمثرئ مع فقدان الصحة التي هي الغاية المطلوبة بهذا العلم. إذ هي أشرف غاية يتمناها الإنسان في هذا العالم. ثم ينضاف إلى شرف هذه الغاية شرف الموضوع الذي هو البدن الإنساني، إذ هو أشرف موجودات هذا العالم. وتقترن بشرف الموضوع هذا العلم وشرف كماله وثاقة البراهين المستعملة فيه. فإن قوانين الطب * أجمع (5) برهانية. وليس يستعمل فيها الحدس والتقريب الصناعي إلا في بعض الجزيئات التي تخرج إلى الفعل. وإذا كانت الصناعات والعلوم تتفاضل بحسب شرف الموضوع وفضيلة الكمال ووثاقة البراهين المستعملة فيها، * ثم (6) كان لهذا العلم أعظم الرتب من ثلاثتها، فبالحري أن يكون له القسط الأوفر من الشرف والفضيلة. وقد كان كل من المتقدمين والمتأخرين ممن تكلموا في الطب رأوا أن يدونوا لمن بعدهم جملا وجوامع من أصوله، إلا أن كتاب الفصول * لأبقراط (7) أفضلها كلها لأنه من أوجز الكتب المصنفة في هذا الباب، وأكثرها حصرا. الفصول، * وهي دساتير وقوانين (8) في أبوابها، وهو أحد الكتب التي لا بد لمن * يريد (9) * الإلمام (10) بهذه الصناعات أن يحفظه، إذ كان كل فصل منه يتضمن أصلا من الأصول يشبه أن لا يكون قد صدر عن صاحبه إلا بتأييد سماوي وتوفيق الهي. ولقد يخس من الفضيلة نصيب من * زرى (11) به * قائلا (12) بأنه مختلط عادم للنظام. فإن مثل هذا الكلام ليس هو من محل أحد من المتأخرين أن ينطق به. وحقا أقول إن * أبقراط (13) قد ألهم بجمعه، وسدد لتأليفه حتى لم يسقط له من فصوله كلمة ولا زلت له فيها قدم. وقد سبق جالينوس * تفسير (14) هذا الكتاب تفسيرا تاما في معناه. ونحن غرضنا أن نستثمر ما قاله ونضيف إليه ما أغفله مما قد استفدناه منه في مواضع * آخر (15) . فأقول إن غرض * أبقراط (16) بهذا الكتاب هو أن يجمع فيه فقر أصول الطب، وأن يستثمر به ما قد جمعه في كتبه الآخر. وهذا ظاهر لمن تأمل فصوله. فإنها تنتظم جملا وجوامع من كتابه في تقدمة المعرفة وكتاب PageVW5P002A الأهوية والبلدان وكتاب الأمراض الحادة ونكتا وعيونا من كتابه المعنون بابيذيميا وفصولا من كتابه في أوجاع النساء وغير ذلك من سائر كتبه الآخر. * والمعرفة بهذا الباب على هذا الوجه جد نافع. أما للمتعلمين، فبأن يأنسوا بها فيدعوهم ذلك إلى الاستكثار من هذا العلم. وأما للمستكملين، فبأن تكون عندهم جملا وجوامع ما مضى لهم في جملة الصناعة، فتكون تذكرة لهؤلاء وتبصرة لألئك. وأما سائر الأبواب الأخر التي تقدم أمام كل تفسير، فلسنا نحتاج نطول الكتاب بذكرها، إذ ليس لها هاهنا وجه. (17)
المقالة * الأولى (18)
وهذه المقالة تشتمل على ثلاثة وعشرين فصلا. * ومنها (19) فصل في مفتتح الكتاب، وفصل في قوانين * كلية (20) , وأحد عشر فصلا في تدبير أغذية المرضى، وأربعة فصول في أغذية الأصحاء، وستة فصول * في (21) الاستفراغ. * وقد كنت هممت أن أرتب فصول هذا الكتاب فأجمع بين الفصول التي تنتظم معنى واحدا وهي متقاربة المعاني وأجعلها في سبع مقالات أخر ثم رأيت أن ترتيب فصول كل مقالة على الانفراد أولى. ثم اقتصرت على ترتيب فصول هذه المقالة الواحدة ليمتثلها من أرادها في المقالات الأخر وهذه المقالة. (22)
1
[aphorism]
قال بقراط: العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق * والتجربة خطر والقضاء عسر (23) . وقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك، ولا سيما التي من خارج.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يحمل معاني هذه الكلمات في هذا الفصل على وجه أعم وأكثر كلية. ويمكن PageVW0P001A أن يحمل على وجه أخص بصناعة الطب. وذلك هو غرض أبقراط، * لأنه (24) إذا حمل على الوجه الكلي، فقد صار محمولا على الجزئي أيضا. وحمله على الوجه الكلي هو أن عمر * الانسان (25) * قصير (26) لأن عمر الإنسان منقطع في نفسه، * وهو مدة بقاء النفس مع الجسم يوجد، قصير (27) بالإضافة إلى سائر الصنائع * النظرية (28) . والعلوم والصنائع النظرية مارة إلى غير التناهي. ومن البين أن المتناهي لا * يساوق (29) غير المتناهي ولا * يساعد (30) في الامتداد معه. وإذا كان الأمر كذلك، فبالحري أن تكون مدة العمر قصيرة بالإضافة إلى * حميع العلوم (31) والصنائع النظرية، * والعلوم والصنائع النظرية (32) طويلة. وأيضا، من البين أن مدة عمر الواحد لا تفي باستنباط قوانين شتى من الصنائع النظرية أجمع، إلا أن يحصل ما استنبطه * ممن (33) تقدم، ثم يضيف إليه ما يحصله من عنده. فإذا العمر قصير بالإضافة إلى جميع العلوم PageVW0P001B والصنائع النظرية والعلوم طويلة. PageVW5P002B وأما ضيق الوقت، فعنى به وقت * التعليم (34) ، فإنه يسير ضيق. وذلك أن الإنسان ممنو طول مدة بقائه بأمور اضطرارية * وغير اضرارية (35) تحول بينه وبين * التعليم (36) ، فيضيق وقت * التعليم (37) لذلك.
[commentary]
وأما عسر القضاء، وهو القياس، * فلأن (38) صناعة القياس في نفسها شاقة عسرة. ثم تحصيل سائر الصنائع النظرية على العموم بطريق القياس مما لا يخفى عسره وصعوبته. وأما الخطر في التجربة، فإن التجربة على وجهين. أحدهما اعتبار ما علم من القوانين الكلية في المشاهدات الجزئية. وهذا يحتاج إليه كل أحد، وليس فيه خطر. والآخر امتحان الشيء من غير قياس يؤدي إليه ولا صادر عن أصل وقانون. ومن البين أن هذا النوع من التجربة غير موثوق به. ولذلك هو خطر، كما يدل عليه الاستقراء. فإن من لا يعرف قوانين الكلام فهو إذا تعاطى علم التوحيد فهو إلى أن يضل، * فيزل (39) أقرب منه إلى أن يصيب ويرشد. ومن جهل قوانين النحو واستعمل الإعراب في كلامه، كان الذي يخطي فيه أكثر مما يصيب. ومن غري عن القوانين الطبية ثم شرع في تدبير المرضى، كان ما يفسده أكثر مما يصلحه. وهذا النوع هو الذي عناه لا غير. وغرض * أبقراط (40) بتصدير الكتاب بهذا الفصل هو الحث على تعلم العلوم عامة والإبانة عن عسر تحصيلها. وكأنه يقول إن عمر الإنسان قصير لانقاطعه في نفسه. والصنائع النظرية في نفسها طويلة لعدمها * التناهي (41) . ومع قصر العمر وطول هذه الصنائع، فإن الذي يمكن صرفه من مدة العمر إلى اقتنائها يسير ضيق. ثم الطريق إلى وجدانها، إما القياس، وهو شاق عسر، وإما التجربة، وتتضمن الخطأ. وإذا كان أمر هذه الصنائع على هذه الصورة، ثم كانت صناعة الطب أحداها، فبالحري أن يصرف الإسنان همته أجمع إلى تحصيلها, ولا يتكل على الهوينا والدعة لينال منها حاجته. وأما الوجه الأخص الذي حمل عليه جالينوس تفسير هذه الكلمات، وهو اللائق بصناعة الطب فقط، فإن عمر الإنسان قصير بالإضافة إلى طول الصناعة. والصناعة زعم * جالينوس (42) طويلة لأن الوقت الذي يستعمل فيه جزئيات صناعة الطب يسير ضيق من قبل أن العنصر الذي يستعمل فيه هذه الصناعة سيال متخلل سهل * التغير (43) من ذاته ومن خارج، فيحتاج لذلك المعنى بها إلى مطالعة علوم كثيرة. وأما ضيق الوقت، وهو وقت استعمال التدابير الجزيئة، فإنه يسير ضيق لكون البدن متغيرا على اللحظات. وأما الخطر في التجربة، فلشرف الموضوع. * فإن (44) الخطأ فيه يؤدي إلى الهلاك. ولا كذلك حال موضوعات سائر الصناعات، فإن الخطأ فيها ليس بضار كيف ما اتفق. وأما عسر القضاء، فأصحاب القياس * فهم (45) منه القياس. والقياس شاق عسر PageVW5P003A صعب المرام. ولذلك بقي الاختلاف فيه على مر الأيام. وفهم منه أصحاب التجربة الحكم على منفعة أو مضرة حدثت عقيب أنواع من العلاج * كأن (46) محموما فصد أولا ثم استفرغ بالدواء ثانيا, ثم دبر بالتعديل للمزاج ثالثا. فالحكم على المنفعة أو المضرة التي تحدث عقيب هذه الضروب من العلاج أنها من أيها كانت عسر شاق. وإنما صدر * أبقراط (47) هذا الكتاب بهذا الفصل بيانا للسبب في وضعه هذا الكتاب على طريق الفصول. فإن الصناعة التي حالها من الطول وصعوبة التحصيل الحال التي وضعها، فبالحري أن لا يمكن ضبطها في العمر القصير إلا بوضع الكتب على طريق الفصول. لأن الفصول، مع الوجازة في اللفظ، أحصر للمعنى وأعلق بالفهم وأضبط للحفظ وأسهل للدرس. وقد ناقض الرازي جالينوس في مواضع من هذا التفسير. * فزعم (48) أنه يكفي في بيان طول الصناعة أن المدة التي يحتاج إليها في الوقوف على كل واحد من أجزائها طويلة. فلا معنى لضيق الوقت في هذا الكلام. فإنه يوجد مؤديا إلى * سقوط (49) جزئيات العلاج. وذهب عليه أنه لو لا ضيق الوقت الذي تستعمل * فيه (50) جزيئات هذه الصناعة لكون البدن سيالا متحللا، لما تفرعت أجزاء الصناعة إلى شعب يحتاج في الوقوف على كل واحد منها إلى مدة * طويلة (51) . ولك أن تقول بالحري أن تكون صناعة الطب طويلة إذا كانت أجزاؤها لا يضبطها الإنسان الواحد حتى يتوزع على أشخاص كثيرين. فالواحد منهم يكون طبيبا و الآخر يكون جراحيا والآخر كحالا وفصادا أو مجبرا أو غير ذلك، فيستغرق الكل أجزاء الصناعة. * وزعم أيضا أنه عنى بضيق الوقت الوقت الذي يدبر فيه الطبيب المريض. فإنه يحتاج في ذلك إلى الروية والفكر في استنباط ما يحتاج إليه بالقياس، خاصة دون التجربة. فإن التجربة لا يجوز استعمالها إلا إذا تعذر الوقوف عليه من جهة القياس وحيث يعلم أنه لا يعقب ضررا لا يتلاحق. وذهب عليه أن هذا هو بعض ما يشمله ما قاله جالينوس من وقت مباشرة جزيئات الطب. فلو لا كان البدن متغيرا على اللحظات، لما احتاج الطبيب لإقدام المشورة إلى وقت طويل يحيل فيه رأيه وفكره. وزعم أن هذا المعنى تمهد عذر الطبيب متى وقع منه تقصير أو خطأ. ولذلك قدمها في صدر الكتاب. (52) وزعم بعض المتقدمين أن سبب تصدير أبقراط هذا الكتاب بهذا الفصل إما صد الراغبين في هذا العلم عنه، أو بيان أن هذا العلم حدس أوتخمين. وهذا بعيد جدا لأنه لا يليق بمن يفتتح بتدوين علم ثم يصدره بما يصد الراغبين PageVW5P003B فيه عنه أو بيان أنه حدس أو تخمين مع علمه بأن قوانين الطب أجمع يقينية برهانية. وتدل على صحة هذا اتباعه هذه الكلمات بقوله وقد ينبغي لك أن لا تقتصر. وزعم قوم أنه أراد به امتحان همة المتعلم. وهذا ، وإن كان أشبه بالحق، فليس بحق. لأن أمثال هذه المعاني لا تفتتح بها * الكتب (53) ، وإنما يخاطب بها المتعلم شفاها. وقوله وقد ينبغي لك أن لا تقتصر، فمعناه أن أمر هذه الصناعة إذا * كان (54) على هذه الصورة، فبالحري أن لا يقتصر الطبيب على صواب تدبيره دون أن يكون المريض ممتثلا لقوله وخدمه مطيعون له فيما يشير به عليهم، وأن لا يعرض من خارج أمر يفسد علاجه نحو الأشياء التي تغم العليل أو تحزنه أو تهيج غضبه، مثل فراق * الأعزاء (55) أو خسران المال أو الخبر الهائل أو خوف من سلطان أو سقطة أو * هدم (56) أو هجوم سبع أو * عصيان (57) من الخدم فيما يأمرهم به وينهاهم عنه. * وقد (58) قال * أبقراط (59) في ابيديميا إن سماع العليل لما يحب * ويكره (60) يبلغ في البرؤ والردائة أمرا ليس باليسير. ولذلك ينبغي أن تقوى نفس العليل دائما. فقد تعرف قوما حدثت لهم نعمة فتخلصوا من المرض الرديء المزمن، وآخرين سلموا من رؤية من أحبوا رؤيته، وآخر توهم في نفسه من زجر طيرانه يموت، فترك الغذاء حتى حم ومات، وآخر ضاع له مال، فلم يزل تاركا للغذاء حتى مات. وكثير من الناس تستولي عليهم الأمراض لجزعهم وفشلهم من الموت.
2
[aphorism]
قال * أبقراط (61) : خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى. وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقرون. ولما كانوا لا يتسقرون ولم يمكن أن يزدادوا صلاحا، فبقي أن يميلوا إلى حال * هي (62) أردأ. ولذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير كيما يعود البدن يبتدئ في قبول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغاية القصوى. فإن ذلك خطر، لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي يقصد لاستفراغه. وكذلك أيضا كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر. وكل تغذية هي أيضا عند الغاية القصوى فهي خطر.
[commentary]
التفسير: غرض * أبقراط (63) بهذه الفصل أن ينبهنا على قانون عام، وهو أن كل كثير عدو للطبيعة مفسد للبدن. ويصح هذا القانون الكلي ببعض جزئياته، وهو الامتلاء المفرط والاتسفراغ * المفرط (64) . وعنى بخصب البدن في الغاية القصوى أن لا يبقى في الأعضاء * تأتي الامتداد للامتلاء (65) . وإذا صارت الأعضاء من الخصب إلى حد لا يتمدد معه أصلا، لم يكن في العروق متسع لقبول الغذاء، ولا للروح متحرك فيها، ولا للحرارة الغريزية * متروح (66) . ولذلك فإن البدن لا يمكن أن تبقى حاله PageVW5P004A تلك، لكنه يصير إلى حال أردأ من قبل أن الطبيعة ترسل الدم في كل يوم إلى العروق لأنها لا تمسك عن فعلها من توليد الدم وتوزيعه على الاعضاء. فيحدث أحد أمرين. إما انشقاق عرق كثير لا يمكن معه أن يلتحم، فيستفرغ منه الدم الذي في البدن كله. وذلك إذا كان جرم * العرق (67) أرخى وأسخف جوهرا. وإما أن يحدث ضرب من ضيق النفس قاتل سريعا. ولذلك إذا كانت أجرام العروق أصلب جوهرا وأشد تلززا. وربما ينصب شيء من الامتلاء إلى تجويف القلب فيقتل قتلا وحيا لأنه * (68) ليس في البدن تجويف تفضي إليه العروق التي يسبح فيها الدم * إلى (69) تجويف القلب. ويتقدم هذه الحال اختلاف في القلب. ولهذا ينبغي أن يستفرغ هذا الامتلاء إلا أنه لا يبالغ في الاستفراغ إلى الغاية القصوى، وهو الحد الذي لا تحتمله القوة، لأن القانون في كمية الاستفراغ ليس هو مقدار الامتلاء فقط، لكن مقدار القوة أيضا. ولذلك إذا لم يكن في القوة محتمل * لمقدار (70) ما يجب أن يستفرغ من البدن، لم يستفرغ في دفعة. * وكما (71) أن الاستفراغ في الغاية القصوى خطر، كذلك التغذية المؤدية إلى الامتلاء في الغاية القصوى فهي خطر. والإبلاغ في التغذية بعد الاستفراغ قريب من الخطر لأن القوة لا تؤمن * عليها (72) من أن تخور مع ضعفها بالاستفراغ إذا حمل عليها أكثر مما تحتمله القوة. ولهذا قالوا إن * أبقراط (73) عنى بقوله وكل تغذية وإنما خصص الخطر في فرط الامتلاء والاستفراغ بأصحاب الرياضة، وهو الذين يستعملون * صروب (74) الرياضات كالمصارعين دون أصحاب الكد والتعب لأن أولئك أوفر الناس قوة وأصحهم أبدانا. فإذا كان الامتلاء والاستفراغ والتغذية في الغاية القصوى في هؤلاء خطر، فكم بالجري أن يكون الخطر * أكثر (75) فيمن هو دونهم في القوة.
3
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة * عسر (76) مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة. والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم يحتمله المريض عسر مذموم.
[commentary]
التفسير: التدبير اللطيف يترتب إلى ما هو في الغاية القصوى في اللطافة، وهو ترك الغذاء أصلا. ويقابل به المرض الحاد في الغاية القصوى من الحدة، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع. وإلى ما هو بالغ في اللطافة لا في أقصاها وهو أن يقتصر بالعليل على سقيه أشربة غذائية كماء الشعير والجلاب وماء العسل ونحوها. ويقابل به المرض الحاد البالغ في الحدة لا في أقصاها، وهو الذي لا يتجاوز بجرانه السابع. وإلى التدبير اللطيف إلا أنه غير بالغ في اللطافة، وهو أن PageVW5P004B يطعم العليل الأحساء. ويقابل به المرض الحاد إذا لم يكن بالغ الحدة، وهو الذي يمتد إلى الرابع عشر. فالتدبير البالغ في اللطافة كالمنزلة بين المنزلتين وهو رديء جدا في جميع الأمراض المزمنة لا محالة، لأن هذه الأمراض شأنها أن تطول والقوة لا تبقى فيها إلى المنتهي مع هذا التدبير. لكن يجب أن يستعمل فيها إما التدبير اللطيف أو التدبير الذي هو أغلظ قليلا. وههنا سها الرازي حيث زعم أن قول أبقراط يجب أن يحمل على الحميات وحدها لأنه إن * حمل (77) كليا أو على الأطلاق، لزم التناقض من قبل أن من الأمراض المزمنة ما ينتفع بالتدبير اللطيف ولا يصلح إلا * لمن (78) عليه، مثل النقرس والصرع. وإنما سها لأنه خفي عليه الفرق بين التدبير اللطيف والبالغ في اللطافة. فإن المنقرس والمصروع تتحرك قوتهما مع التدبير البالغ في اللطافة قبل المنتهى، ولا كذلك مع اللطيف الذي هو غير بالغ * فيها (79) . * وأما (80) * التدبير (81) الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة، فنافع لجميع الأمراض الحادة لتقريبه المنتهى فيها من قبل أن هذه الأمراض تأتي منتهاها في الأيام الأول * والقوة (82) تبقى إلى المنتهى. فإذا استعمل فيها التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة، توفرت القوة بكليتها على نضج العلة ومقوامتها، ولا يتوزع بينه وبين هضم الأغذية، فأعانت في تقريب المنتهى. وإذا كان الغذاء لا يراد لدفع المرض بل لبقاء القوة، فواجب متى لم يكن في القوة محتمل للتدبير اللطيف في الغاية أن لا يدبر به، لكن بالتدبير الذي هو دونه. أما البالغ في اللطافة أو اللطيف الذي ليس بالبالغ فيه. وهاهنا سها الرازي أيضا فظن أن قول أبقراط إن لم يحمل على الحميات، لزم الشك لأن التشنج والكزاز اليابسين مرضان حادان. وواجب أن يستعمل فيها تغليظ التدبير للترطيب ومنع التحليل. وذهب عليه ما اسثنى أبقراط بقوله إذا لم * يحتمله (83) ، * وإذا (84) كان التدبير اللطيف لا يجب أن يستعمل إذا لم يحتمله المريض ولم يحتج إليه، فكم بالجري أن لا يستعمل إذا كان يحتاج إلى التدبير الغليظ؟ ولذلك فإن الاصحاء لا يدبرون بالتادبير اللطيف أصلا. لكن بالمعتدل متى أريد حفظ قواهم، وبالغليظ إذا أراد والزيادة فيها.
4
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم. وذلك أن جميع ما يكون منه أعظم مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ يسير. ومن قبل هذا، صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل. ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات PageVW5P005A أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
التفسير:يريد أن ينبهنا على أنه متى وقع خطأ في تدبير العليل ثم كان الخطأ إلى التدبير الذي هو أغلظ قليلا، فهو أهون منه * إذا (85) كان إلى اللطافة لأن الأول لا يتبعه من الضرر أكثر من تأخير المنتهى قليلا والثاني يتبعه انخزال القوة وتأخير المتهى مع بقاء القوة أسلم من تقريبه مع ضعفها. وهذا الخطأ * يعتبر (86) في الأصحاء، أعني الميل إلى تلطيف التدبير أكثر ضررا لمعنيين. أحدهما عدم الإخلاف بالسواء عما ينقص من أبدانهم. والثاني مخالفتهم العادة التي ألغاها. فالميل إذا إلى تلطيف التدبير على الجملة وبالإطلاق من القول أعظم ضررا في الأصحاء والمرضى من الميل إلى التدبير الذي هو أغلظ قليلا. ولهذا أنتج أبقراط بآخره أن التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا. وإنما خصص ضرر هذا بالتدبير * البالغ (87) في اللطافة لأن الضرر يظهر فيه أشد * وأبلغ (88) . ولعله لما علم أن من المرضى ما لا ينقادون للأطباء في الحمية ولزوم التدبير جدا، أشار بأن يأذنوا لهم * في (89) تناول ماله من الغذاء بعض الغلظ لئلا يتناولوا ما يضرهم جدا. وزعم الرازي كالمناقض لجالينوس أن من تقود من الأصحاء التدبير اللطيف، فإن ضرر التغليظ إذا اتفق له، أشد وأبلغ لوجهين. PageVW0P002A * الأول (90) مخالفة العادة. * الثاني (91) أن قواهم لا تحتمل ذلك لضعفها. وهذا * الاعتراض بمعزل عما قاله جالينوس (92) * لأنه (93) * علق الغليظ بالقلة دون التدبير الغليظ مطلقا. ومن تعود التدبير اللطيف إذا أخذ يستعمل الغليظ القليل في تدبير، لم يضره، بل ينعشه* التدبير البالغ في اللطافة أكثر ضررا من التدبير الذي هو أميل إلى الغلظ بالإطلاق من القول وداخل في البيان بأن تقود من الأصحاء أحد التدبيرين إذا اتفق له الآخر. فأيهما يوجد أشد ضررا وذلك مما يليق بالكلام في العادات (94) .
5
[aphorism]
قال أبقراط: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير الذي في غاية القصوى.
[commentary]
التفسير: عنى به الأمراض التي في الغاية القصوى من الحدة لا القوة. فإن المرض إذا كان في الغاية القصوى من الشدة والقوة، فهو قاتل ولا يقابل شيء من التدبير. * فأما (95) إذا كان في الغاية القصوى من الحدة، فإن بحرانه لا * يجاوز (96) الرابع والخامس. وتلطيف التدبير في الغاية القصوى واجب فيه، لأن القوى * فيه (97) تبقى هذه المدة ويتفرغ لمقاومة المرض * العارض به (98) .
6
[aphorism]
قال بقراط: إذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بديا. ويجب ضرورة PageVW0P002B أن PageVW5P005B يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوة من اللطافة. * وإذا لم يكن كذلك، لكن كان يحتمل من التدبير إلى ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون الانحطاط في العلاج على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة (99) .
[commentary]
التفسير: غرضه بهذا الفصل والذي يليه أن يعطينا الدستور الذي بحسبه نستعمل اللطافة وغلظ التدبير في الأمراض. وهو يعتبر في ذلك أصلين. أحدهما حدة المرض، والآخر قوة المريض. أما الاعتبار بحسب * حدة (100) المرض، فيعلمناه في هذا الفصل وعنى بالمرض الحاد جدا الذي هو في الغاية القصوى * من الحدة (101) لأنه أمر أن يقابل بالتدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة. وعنى بالأوجاع التي في الغاية القصوى غاية عظم المرض وقوته * وشدته (102) وهذا يوجد في المنتهى لأنه غاية تزيده. PageVW0P003A وعنى بقوله بديا الأيام الأول من المرض. وذلك أن بدء المرض يطلق على المبدأ الذي لا جزء له وعلى الوقت الأول من أربعة أوقات المرض وهو ما دام لم يظهر للنضج أثر، وعلى الأيام الثلاثة الأول من المرض. وهذا هو الذي عناه، لأن المنتهى في الأمراض لا يمكن أن يأتي في المبدأ الذي لا جزء له ولا في الوقت الأول. وأما المرض الذي هو في الغاية القصوى من الحدة، فإن المنتهى يأتي فيه في الأيام الأول. ولذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي * هو (103) في الغاية القصوى * من اللطافة (104) . * وإذا (105) لم * يكن (106) في الغاية * القصوى (107) من الحدة بل يكون ألين وأسكن حدة، فإن المنتهى يتأخر عن الأيام الأول. ولذلك ينبغي أن يكون التدبير أحط * من (108) اللطافة عن الغاية. وبحسب ما يوجد المرض أسكن حدة، يجعل التدبير أقل لطافة من الغاية ليبقى إلى المنتهى. وأما في منتهى الأمراض أجمع، فواجب أن يستعمل التدبير اللطيف ليتفرغ الطبيعة لمقاومة المرض بإنضاج PageVW0P003B مادته، ولا يتعاق بنضج الغذاء إذا لم تبق لها * قوة (109) حتى تستكمل الغلبة على المرض إلا اليسير. إلا أن في الحادة منها يستعمل اللطيف في الغاية، وهي تفى بالبقاء مع هذا التدبير مدة المنتهى لأن هذه المدة في أمثال هذه الأمراض يسيرة قصيرة. ومثل هذا التدبير يستعمل في المرض الحاد الذي يرجى له الانحطاط. * وأما (110) لا يرجي له ذلك، لا يقابل بشيء من التدبير. بل يتقدم، فيخبر بما سيكون من العطب لئلا يحمل ذلك على سوء تدبير الطبيب متى وقع.
7
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أيضا أن تزن قوة المريض فتعلم هل يثبث إلى وقت منتهى المرض وتنظر أقوة المريض تخور قبل أن تسكن * عادية (111) * المرض ولا يبقى على ذلك الغذاء أم المرض تخور قبل وتسكن عاديته (112) .
[commentary]
التفسير:هذا الفصل PageVW5P006A يتضمن الأصل الثاني من الدستور الذي بحسبه يستعمل التدبير اللطيف في الأمراض الحادة، وهو قوة المريض. وذلك أن الغذاء إنما يراد لبقاء القوة لا لدفع المرض. فمتى علم أنها تبقى إلى المنتهى PageVW0P004A من دون الغذاء، لم يعط العليل منه شيئا. وإلا، فبحسب ما يحتاج إليه يطلق له منه. ولهذا قد يغذى في وقت المنتهى لعارض يحل القوة. وإنما يعلم أن القوة تبقى إلى المنتهى * أم (113) لا بثلاثة أشياء. أحدها مقدار قوة المريض. ويعلم ذلك * بقوة (114) النبض وصحة الذهن والهشاشة إلى * الطعام (115) . والثاني قوة المرض. ويعلم ذلك من قوة الأعراض * المتقومة (116) له * من (117) اسقلال العليل بالعلة. والثالث مدة المرض. ويعلم ذلك بما سنقوله في الفصل الذي أوله أنه يدل على نوائب المرض. وإذا كان أمر القوة يعتبر بهذه الثلاثة المعاني، فمن البين أن القوة متى كانت من التوفر بحيث تقاوم المرض وتبقى إلى المنتهى * آل (118) الأمر إلى السلامة لا محالة. * فإن (119) كانت القوة متوفرة إلا أن * بالمدة (120) من الطول ما لا يمكن أن تبقى إلى المنتهى أو كانت المدة قصيرة إلا أن بالمرض من القوة ما لا يستقل بمقاومته، أوكانت المدة قصيرة والمرض غير قوي، إلا أن بالقوة من العجز ما لا يقاوم أو لا تبقى إلى المنتهى، * آل (121) الأمر إلى PageVW0P004B الهلاك. وقد شبه القدماء قوة المريض بالحمال، وقوة المرض بالثقل الذي يحمله، ومدة المرض بالمسافة التي يسلكهما حاملا * للثقل (122) . ومن البين أن وقوة الحمال * متى (123) كانت من التوفر بحيث يستقل بالحمل طول المسافة، بلغ المقصد. * وإن (124) كانت القوة ضعيفة، أو الحمل أثقل * مما (125) تستقل به القوة، أو المسافة أكثر من أن يقدر على قطعها، كان الأمر بالضد.
8
[aphorism]
قال أبقراط:والذين يأتي منتهى مرضهم بديا، فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بديا. والذين يتأخر منتهى مرضهم، فينبغي أن يجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ، ثم ينقص من غلظه قليلا قليلا، كلما قرب منتهى المرض وفي وقت منتهاه بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه. وينبغي أن يمنع من الغذاء في * وقت (126) منتهى المرض. فإن الزيادة فيه مضره.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل وإن كان يتضمن ما مضى له في الفصل المتقدم الذي أوله إذا كان المرض حادا جدا، فإنا نؤيده بفضل شرح. وهو أن منتهى المرض إذا كان يأتي PageVW0P005A في الأيام الأول، * فاستعمال (127) التدبير اللطيف في الغاية واجب، إذ لا مانع من ذلك مع توفر القوة وسرعة مجيء المنتهى. ومتى فعل بخلاف هذا، تضاعف المرض PageVW5P006B بالزيادة في مادته، وكانت الحرارة الغريزية برطوبات الغذاء بهضم الغذاء واشتغلت القوة بهضم الغذاء عن نضج العلة. وأهون ما يتبع جميع ذلك أن يمتد المرض أكثر ويتأخر المنتهى. وأما إذا كان المنتهى يتأخر في المرض الحاد، فينبغي أن يجعل التدبير في ابتداء المرض أغلظ قليلا ليمنع ضعف القوة أو سقوطها في الابتداء، ولا تكتسب مادة العلة حدة ولذعا ورداءة كيفية، فيصير أعسر قبولا للنضج، وأشد تهيجا وأقوى أذى للطبيعة. ولأن الحرارة الغريزية تكتسب * حدة (128) ودخانية، فإذا جرى أمر التدبير على ما ينبغي، جاء الانتهاء والقوة قوية، يمكن معمها استعمال التدبير اللطيف في الغاية، فتنفرد الطبيعة بالعمل في العلة وحدها وهي قوية ذكية والعلة غير مكتسبة رداءة * في (129) الكيفية PageVW0P005B ، فيجري الأمر في ذلك على غاية الصواب. وأما إذا فعل بخلاف ذلك واستعمل التدبير اللطيف في المرض الحاد الذي يتأخر منتهاه، انحزلت القوة أولا وضعفت وصارت الحرارة الغزيرية إلى الحرافة والنارية واكتسب المرض رداءة كيفية. * فإذا (130) كان المنتهى وأطعم العليل فيه، شغلت القوة بنضج الغذاء عن دفع العلة، وصارت الحرارة بفضل رطوبات الغذاء خاملة خالدة كليلة في أمس وقت احتيج فيه أن تكون مشتغلة ذكية * وازداد (131) المرض مادة، فيضطرب الأمر ويفسد النظام.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان للحمى أدوار، فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها، * فإن الزيادة فيه مضرة (132) .
[commentary]
التفسير: قد انتقل في هذا الفصل إلى تعليمنا عن الأوقات الجزئية التي يغدى فيها المريض. وهو يحذرنا أن نغذوه في أوقات النوائب لأن الحرارة الغريزية تنغمر بثقل الخلط الذي هو مادة النوبة وتضعف بهجوم الحرارة النارية PageVW0P006A التي هي ضدها عليها وتنعطف إلى * داخل (133) أكثر إذا كان مع الحمى نافض. * فإذا (134) كان الأمر كذلك ثم كان حال الحرارة الغزيزية مع الغداء في أول ما يرد على البدن حال الحطب الذي يوضع على النار من انغمارها أولا إلى أن تعمل النار فيه وتلهبه، صار إذا غذي في وقت نوائب الحمياو وسيا في ابتدائها أو بالقرب منها، فكأنما اكتسب العليل حمى أخرى. ولهذا، يجب أن يغدى العليل في الحميات الدائرة في وقت الفترة أو في انحطاط النوية متى احتيج إلى ذلك. وأما في الدائمة، ففي وقت ما يكون العليل أخف بدنا وأهدأ حرارة.
10
[aphorism]
قال أبقراط:إذا كانت * نوائب (135) الحمى لازمة لإدوارها، فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا أو أن يضطر إلى شيء. لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات قبل PageVW5P007A أوقات الانفصال.
[commentary]
التفسير: يحتاج أن * يتصفح (136) من هذا الفصل عدة * معان (137) . منها أن الحمى، إذا كانت ذات نوائب PageVW0P006B وكانت نوائبها معلومة الأوقات، فلا ينبغي * مبدأ (138) النوائب * مرة (139) ولا بالقرب منها أن يغذى العليل للعلة التي قلناها. ومنها قوله " * أو يضطر (140) إلى شيء". وفهم المفسرون من كلمة "أو" * أو (141) التأكيد. فكأنه قال: وإن اضطر إلى شيء يعني أن العليل لا يغدى في ابتداء * النوبة (142) ، وإن كان محتاجا إلى الغذاء لبعد عهده به لئلا تتضاعف بلية الحمى * لما (143) ذكرنا. وهذا، وإن كان حقا، فقد قرأنا لجالينوس في الصناعة الكبيرة أن الحميات التي مع رقة الأخلاط قد يضطر فيها أن يغذى العليل في ابتداء النوائب. وإن لم يغذ، لحقه من الغشي ما يخشى أن لا يكون معه إفاقة. وأحسب أني وجدت في بعض الشروح المنطقية * أن كلمة (144) "أو" في لغة اليونانيين تستناب مناب كلمة إلا. فيكون لهذا الفصل من الزيادة على ما للفصل المتقدم * أن (145) العليل لا يغذى في ابتداء النوائب إلا إن يضطب إليه في الندرة في الحميات الغشية التي مع PageVW0P007A رقة الأخلاط. وإن فهم غير هذا، لزم التناقص. * وأما (146) قوله وينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات النفصال، والزيادات يمكن أن تفهم منها الأخلاط المولدة للحمى. ويمكن أن يفهم منها ما ينصب من الخلط الرديء في وقت النوبة إلى المعدة والأمعاء حتى يعرض للعليل بسببه غشي أو مغص. * وأما (147) وقت الانفصال، فيمكن أن يفهم منه انفصال النوبة الجزئية. ويمكن أن يفهم منه منتهى المرض، لأن هناك ينفصل أمر المريض إلى السلامة أو التلف في الأكثر. ويمكن أن يفهم منه وقت البحران. والكل محتمل، إلا أنه إن * فهم (148) من الزيادات المعنى الأول، فليفهم من الانفصال وقت المنتهى * إذ البحران (149) على الأكثر يكون في المنتهى. ويكون معنى الفصل هو أن مادة المرض تستفرغ قبل وقت البحران. وإن فهم من الزيادات المعنى الثاني، فهم من الإنفصال * انفصال (150) النوبة ويكون معناه أن لا يغذى العليل في وقت النوبة PageVW0P007B و إن عرض له * مغص (151) أو غشي، * فيعان (152) على ما يطلق البطن أو يسهل القيء. وهذا التفسير أوقع عندي لأنه أليق بأوائل الفصل.
11
[aphorism]
قال بقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين لا سيما الصبيان وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغذى بالأغذية الرطبة.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل ينتظم أمر PageVW5P007B كيفية الغذاء، إذ قد فرغ من الكلام في كميته في الفصول المتقدمة. ولما كان المرض يقابل بالضد والصحة تحفظ بالمثل، أعطى فيهما قانونا يشملهما. فزعم أن الغذية الرطبة توافق جميع المحمومين لأنها تضاد الحمى التي هي حرارة نارية يابسة، وتوافق من كان رطب المزاج، سواء كان ذلك بالطبع كاصبيان، أو بالاكتساب كمن قد تعود أن يغتذي بالأغذية الرطبة لأنها تشاكل إمزجتهم. فإذا المحموم إذا كان رطب المزاج، فإن الأغذية الرطبة توافقه من الوجهين جميعا، أعني من جهة المضادة والمشاكلة معا .
12
[aphorism]
قال بقراط PageVW0P008A : وينبغي أن يعطى بعض المرضى غذاؤهم في مرة واحدة، وبعضهم في مرتين ويجعل ما يعطونه منه أكثر و أقل، وبعضهم قليلا قليلا. وينبغي أن يعطى الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا والعادة والسن.
[commentary]
التفسير: بعدما فرغ من تعليمنا * عن (153) كمية الغذاء * للمرضى (154) وكيفيتها ووقت استعمالها، أخذ يعلمنا عن * مراتب (155) الغذاء. والدستور في ذلك قوة المريض وحال البدن في الحاجة إليه. ثم بعدهما الوقت الحاضر والعادة والسن. فمتى كانت القوة ضعيفة وحال البدن حال فساد * ونقصان (156) ، فليغذ صاحبة قليلا وفي مرات. أما قليلا، فلأن ضعف القوة لا يفي بالكثير. وأما في مرات، فلحاجة البدن إلى الزيادة ليخلف الناقص ويعدل الفساد. وهذا التدبير أولى أن يستعمل في الصيف لأنه يتحلل من البدن الكثير والقوة ضعيفة. وإن كانت القوة ضعيفة وحال البدن ليس حال فساد ولا نقصان، * فليغذ قليلا لضعف القوة وفي مرات قليلة، إذ لا فساد ولا نقصان (157) . وافهم PageVW0P008B أن * كما (158) لا فساد ولا نقصان يتناول حال الاعتدال وحال الامتلاء وكلاهما يقتضيان مع ضعف القوة ما يقتضيه الإمتلاء مع توفر القوة، أعني أن يغذى يسيرا وفي مرات يسيرة، وهكذا فليدبر في الربيع. لأن القوة تكون فيه قوية، وحال البدن تكون حال الإمتلاء، لأن الأخلاط التي كانت في الشتاء متماسكة في العروق كالجامدة، * تكون (159) في الربيع قد ذابت وانبسطت. وإن كانت القوة قوية وحال البدن إلى النقصان أو الفساد، فليطعم كثيرا و في مرات كثيرة. وهكذا فليدبر في الخريف، سيما في آخره، لأن القوة تكون قد انتعشت قليلا بانكسار الحر * ونقص (160) من البدن شيء كثير، وعرض للكيموسات الفساد. * وأما (161) أوائل الخريف، فأشبه بالأمراض التي وقع فيها نقصان الأخلاط * وفسادها (162) . ولذلك يحتاج فيها أن يغذى في مرات، إما قليلا إن كانت القوة ضعيفة PageVW5P008A ، وإما كثيرا * إن (163) كانت قوية. وإن كانت القوة قوية ولافساد ولا نقصان على معنى الاعتدال، فليطعم كثيرا وفي مرات PageVW0P009A قليلة. وهكذا فليدبر في الشتاء إذا القوة قوية ولا فساد ولا نقصان في البدن. وإن حمل "لا نقصان " على معنى الامتلاء، فليطعم قليلا في مرات قليلة حسب ما ذكرنا في الربيع. وعلى هذا القياس حال الأسنان والعادات والبلدان.
13
[aphorism]
قال أبقراط: إنه يدل على نوائب المرض * ومرتبته (164) الأمراض أنفسها وأوقات السنة وتزيد الأدوار بعضها على بعض نائبة كانت في كل يوم أو يوم نعم و يوم لا أو في أكثر من ذلك من الزمان * والأشياء (165) التي تظهر من بعد. ومثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب. فإنه إن ظهر النفث بديا منذ أول المرض، كان المرض قصيرا. وإن تأخر ظهوره، كان المرض طويلا. والبول والبراز والعرق إذا ظهرت * بعد (166) ، فقد تدلنا على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
التفسير: يريد الآن أن ينبهنا على الأشياء التي يتوصل بها إلى العلم بمراتب الأمراض الحادة وأن يعلم أن المرض PageVW0P009B في نفسه حاد أو مزمن. فإن الوقوف على ذلك ضروري في تقدير أغذية المرضى. وعنى بنوائب المرض أن ينوب كل يوم أو غبا أو ربعا أو غيرها. فإن الأمراض التي تنوب غبا على الأكثر حادة، والتي تنوب ربعا على الأكثر مزمنة. والنائبة كل يوم متوسطة بينهما. وعنى بمرتبه المرض حاله في الحدة والزمانة. وحال الأمراض الحادة * بحسب (167) مراتبها. ويوجد في بعض النسخ "ونظامه"، وعنى بالنظام تأليف المرض من أوقاته كما ذكر في إبيديميا أن لكل واحد من الحميات نظاما. فإن الحمى قد تأخذ بقوة وتبلغ غايتها من الشدة، ثم تخف عند البحران. وربما تبتدئ وهي هادئة، ثم تستصعب كل يوم إلى أن تنتهي غايتها عند البحران. والذي يستدل به على نوائب الأمراض ورتبتهما من الحدة والزمانة أشياء. منها * نوع (168) * نوائب الأمراض ومراتبها من الحدة والزمانة (169) . فإن الغب من الحميات الدائرة حادة والربع مزمنة PageVW0P010A والنائبة متوسطة بينهما والمحرقة الدائمة حادة * واللثقة (170) مزمنة والشطر متوسطة بينهما. * وهكذا (171) حال السرسام والذبحة والشوصة وذات لجنب. فإنها أمراض حادة، وأدوارها تشتد على الأكثر غبا. وبالضد حال الإستسقاء والسل، فإنهما تطول وتنوب * في (172) الأكثر * كل (173) يوم. ومنها أوقات PageVW5P008B السنة، فإن الربع الصيفية أقصر، الشتوية أطول، والخريفية متوسطة بينهما. وبمثله الغب، فإنها في الصيف تكون أقصر منها في الشتاء. ومنها سن المريض ومزاجه وخلقة بدنه وحال قوته ومهنته * والوقت (174) من السنة وحال الهواء في الوقت الحاضر وكمية المادة التي هي سبب المرض وقوامها. فإن الحمى تعينها إذا عرضت * للشباب (175) والحار المزاج ولقضيف والسخيف والمتوفر القوة والمكدورو في الصيف. وإذا كانت المادة يسيرة أو رقيقة، كانت أقصر منها إذا عرضت للشيخ والبارد المزاج PageVW0P010B والمترف * والملزز (176) البدن والضعيف القوة في الشتاء والهواء البارد. وإذا كانت المادة كثيرة أو غليظة * أو لزجة (177) وتنوب الأولى عبا في الأكثر والثانية تنوب كل يوم. ومنها حال الأدوار في الامتداد والاشتداد والتقدم * والسرعة (178) . فإن التزيد في ثلاثتها أو في البعض منها يدل على سرعة حركة المرض إلى المنتهى وعلى القصر. والبلادة فيها تدل على بطؤ حركة المرض إلى المنتهى وعلى الطول. * ومنها (179) الأشياء التي تظهر من بعد، وهي ثلاثة. أحدها أعلام النضج. فمتى ظهرت بسرعة، دلت على استيلاء الطبيعة على المرض وسرعة المنتهى. ومتى تأخرت، فبحسب ذلك يتأخر المنتهى. وهذه الأعلام ليست تبتدئ مع المرض كما تبتدئ الأعلام المقومة للمرض. لكنها قد تقترن بأواخر المبدأ الذي هو جزء من جملته. * والثانية (180) أعلام عدم النضج. وهذه قد تقترن بأول المرض، وقد تظهر من بعد. وتدل بذاتها على طول المرض فقط وتدل باقتران العلامات PageVW0P011A الرديئة بها على الشر ولا تدل على الخير أصلا حسب ما تدل عليه علامات النضج. * والثالثة (181) أعلام البحران. فمتى ظهرت بعد النضج، دلت الخير، لأنها تدل على استيلاء الطبيعة على المرض وحلها عقدته. ومتى ظهرت قبل النضج، أنذرت بالشر لأنها تدل على أن بالمرض * من (182) القوة والرداءة ما يزعج القوة لدفعه قبل أن تعده بالنضج للدفع. وذلك أن الإعداد والتهيئة للدفع يكون قبل الدفع. وعند ذلك، لا يؤمن أن تسقط القوة، لأن المقاوم إذا لم يقهر ضده، لم يؤمن أن يقهره الضد. وجالنوس يذكر أن القوة إذا نهضت للدفع ولم تقو عليه، ربما عرض لها أن تسقط كالذي لا يقدر أن يطرح ثقلا عن نفسه * إلا بأن يسقط معه. وكالذي يعدو عدوا لا يتمالك نفسه حتى (183) يقع في مهواة. ومتى ظهرت علامات * البحران (184) ولم يكن بحران، دل PageVW5P009A على أن الطبيعة نهضت لدفع ما يؤذيها * ولم (185) تقو على ذلك. وبالجري أن يموت المريض إن كانت القوة ضعيفة. وإلا، فيعسر البحران لا محالة جدا.
14
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم ومن PageVW0P011B بعدهم الكهول والفتيان أقل احتمالا له. وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان. ومن كان من الصبيان أقوى شهوة، * فهو (186) * أقل (187) احتمالا له.
[commentary]
التفسير: قد انتقل في هذا الفصل إلى الكلام في أغذية الأصحاء. وقوله أحمل الناس للصوم يعني اكثرهم أن لا يجوعوا وأن لا يضرهم الجوع إذا لم يأكلوا. و قوله * والصبيان (188) أقل احتمالا له يعني أحوجهم إلى الغذأ، وأن يضرهم إذا تراكوه. والحاجة إلى الغذأ أولا إنما * هي (189) بحسب * التحلل (190) من البدن، ثم بحسب الحاجة إلى الزيادة لأجل النماء ثانيا. أما بحسب التحلل، فلأن الجسم لا يمكن أن يبقى أوقاتا * إلا لأنه ليس (191) ينقض منه شيء كالحجر مثلا، أو لأنه يعود إليه بدل * مما (192) ينقص منه، كالرياحين والبقول. وأما بحسب النماء، فلأن الجسم الذي ينمو يحتاج أن ينضاف إليه من الزيادة أكثر مما يحتاج إليه * الجسم (193) الذي لا ينمو. وإذا كان مساس الحاجة إلى الغذاء إنما هو * لهذين (194) ثم يوجد المعينان كلاهما أبلغ في الصبيان منهما في المشايخ. أما التحلل، فلأنهم، لقرب PageVW0P012A * العهد (195) بالكون، أحر وأرطب * من (196) سائر * الانسان (197) مزاجا وهما يقتضيان كثرة التحلل، كما أن المشايخ، لسلوكهم طريق الفناء، قد غلب * على أبدانهم البرد واليبس (198) ، وهما يقتضيان قلة التحلل لأن الهيولي للتحلل هو الجوهر الرطب، والفاعل له الحرارة على ما يدلنا عليه تعريضنا الماء والحجر * للشمس (199) . * فلذلك (200) فإن الصبيان يحتاجون من الغذاء أكثر مما * يحتاج (201) إليه الشيوخ. وأما النماء، فلأن الصبيان بعد في السلوك إلى الكمال اللائق * الكائن (202) بالإنسان. فهم يحتاجون لذلك إلى الزيادة في الغذاء. * وأما المشايخ، فلأنهم آخذون في النقصان. فليسوا يحتاجون إلى الزيادة في الغذاء (203) أصلا، بل حاجتهم من ذلك إلى أقل مما يتحلل من أبانهم. فبالحري أن يكون المشايخ أحمل الناس للصوم والصبيان أقل الناس احتمالا له. ومن كان من الصبيان أقوى حارا غريزيا، فهو أقوى نهما وهضما وأكثر نماء. فهو لذلك أقوى شهوة للطعام وأكثرهم حاجة إليه وأقلهم احتمالا * لتركه (204) . ولأن الشبان * بلون (205) * الصبيان (206) في حرارة ورطوبة المزاج وفي النماء، والكهول * والمشايخ (207) PageVW0P012B في البرد واليبس والنقصان. فبالحري أن يكون * الشبان (208) * أقل (209) احتمالا للصوم. * ومن (210) بعدهم الفتيان. والكهول PageVW5P009B * أكثر (211) احتمالا له بعد المشايخ. * وأقلهم المشايخ (212) الذين لم يبلغوا الغاية القصوى من الشيخوخة. فإن من بلغها منهم لا يحتمل الإمساك عن الغذاء اصلا. لكونهم يحتاجون إلى اليسير منه متتابعا، كالسراج الذي قارب الانطفاء. فإن لم يمد باليسير من الدهن متتابعا، انطفأ.
15
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأبدان في النشوء، فالحار الغزيري فيهم على غاية ما يكون من الكثرة. ويحتاج من الوقود إلى أكثر * ما (213) يحتاج إليه * غيرهم (214) سائر الأبدان. فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. * وأما (215) الشيوخ، فالحار * الغريزي (216) فيهم قليل. ومن قبل ذلك ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير، لأن حرارتهم تطفأ من الكثير. ومن قبل هذا أيضا ليست تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في يكون الذين في النشوء PageVW0P013A . وذلك لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
التفسير: * هذا (217) الفصل يشبه أن يكون متصلا بالفصل المتقدم كما قاله جالينوس لأنه ينتظم شرحه. فكأنه يقول * ومن (218) كان من الصبيان أقوى شهوة، فهو أقل احتمالا له، لأن ما كان من الأبدان في النشوء، فهو أكثر حارا غريزيا. وافهم من * الحار (219) الجوهر الحامل * للحرارة (220) * الذي له الحرارة (221) الغريزية، لا نفس الحرارة التي هي الكيفية. وهذا الجوهر في الصبيان أكثر منه في غيرهم * لأنهم (222) أقرب عهدا بالكون. وذلك أن الكون إنما يتم من مبدأ حار ورطب، وهو الدم والمني والروح، إلا أن الإنسان من * حين (223) يوجد وإلى أن يفنى لا يزال يزداد يبسا تتحلل الرطوبات * ويزداد (224) بردا بفناء الحرارة، إذ الرطوبة الطبيعية تجري من الحرارة الغريزية مجرى المادة ، كالدهن للسراج والوقود للنار. وإذا كان الأمر كذلك، فالحار الغزيري يوجد في الصبيان على أكثر ما يمكن أن يكون عليه. ولذلك يحتاجون PageVW0P013B من الغذاء إلى أكثر * ما (225) يحتاج إليه سائر الإنسان. وأما المشايخ، فلأنهم أقل الناس حارا غريزيا، فإنهم إذن أقلهم حاجة إلى الغذاء من غيرهم. وأما المتوسطون، * فحاجتهم (226) متوسطة في ذلك. وقد ظن بعض أن بقراط عنى بالحار الغريزي كيفية الحرارة دون الجوهر، ثم زعموا أن كيفية الحرارة في الشبان أقوى * إذا وأكثر (227) حارا غريزيا. وغلطوا في هذا لأن أبقراط عنى بالحار ما ذكرنا من جوهر الحار دون الكيفية. وجوهر الحار الغزيري جوهر هوائي * لذيذ (228) غير لذاع كما هو عليه الحال في الصبيان. وأما الشبان، فلأن رطوبتهم قد نقصت عما في الصبيان. فجوهر الحار فيهم أقل، إلا أنه أقوى سورة من جهة أن كيفية * الحرارة (229) قد خرجت فيهم إلى الفعل لأنها كانت من قبل مغمورة PageVW5P010A بكثرة الرطوبة. ولذلك فهي أحد وأكثر دخانية، ومن قبل هذا، صار ما يتحلل من الصبيان. فهو عذب من جوهر البخار الهوائي الرطب، وصار ما يتحلل من الشبان أكثر دخانية PageVW0P014A وحدة ولذعا. وإنما استشهد أبقراط بقلة حرارة الحمى في المشايخ على قلة الحار الغزيري فيهم لأن الموضوع لهما، أعني الحار الغزيري والحار الغريب، واحد. * فبحسبما (230) يوجد مستعد القبول الواحد منهما، يقبل االآخر. وهاهنا سها الرازي أفحش سهوا، فظن بالحار الغزيري أنه والحار الغريب واحد بالنوع. وإنما يختلفان بالنسبة. فمتى كانت نسبته إلى الرطبوبة بحيث ينشرها إلى سطوح البدن ولا يفرط في تحليلها ويفعل * الهضم والطبخ (231) والنضج، كان غريزيا. ومتى كان يتبدد ويفعل التنشيط والتعفين والإحراق، كان غريبا. ولهذا صارت حرارة الشبان تنقلب في الحمى إلى حرارة محرقة وحرارة * المشايخ (232) إلى حرارة غير حادة. ولم يعلم أن الحرارة الغريزية * تكون (233) راجعة إلى القوة عند خروج الحرارة الغريزية إلى الفعل في الحمى. وإنهما لو كانتا واحدة في الذات، لزم * منها (234) * كثرة الحرارة الغريبة بالحار (235) الغريزي في أي وقت كان، ولو في الحمى PageVW0P014B أن لا تفعل التنشيط والتعفين ، بل النضج والهضم. وقد تكلمنا في هذا * القول (236) الشك في أواخر شكوك حيلة البرؤ * وفي (237) كتابنا في النقض على الرازي شكوكه على جالينوس.
16
[aphorism]
قال أبقراط: الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع، والنوم أطول ما يكون. فينبغي في هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من * الأغذية (238) أكثر. وذلك أن الحار الغريزي في * الأبدان (239) في هذين الوقتين كثير. ولذلك * يحتاج (240) إلى غذاء كثير. والدليل عليه أمر الأسنان والصريعين.
[commentary]
التفسير:هذا الفصل يتضمن تقدير الغذاء بحسب أوقات السنة. * وكما (241) أن الدستور في تقديره بحسب الأسنان * كان (242) الحار الغزيري، أعني أن ما كان من الأسنان أكثر حارا غزيريا، كان أمس حاجة إلى الغذاء، كذلك الأمر في أوقات السنة. وإنما صارت الأجوف أسخن في الشتاء سخونة بالطبع وبعده في الربيع لأن البرد يكثف سطوح الأجسام، * فيحتقن (243) الحار الغزيري PageVW0P015A داخلا * فيها (244) فيتوفر، ولأنه * يكون (245) راجعا إلى داخل بسبب الضد الوارد عليه كما يبرز في الصيف إلى المجانس له فينفش. وافهم هذا فيما كان من الحيوان قوي الحرارة غزير الدم، فإنه يعرض له أن تنحصر الحرارة فيه كامنة في الداخل * وتجتمع (246) ، فتقوى صنيع الإستحمام بالماء البارد. * فأما (247) ما كان من الحيوان قليل PageVW5P010B الدم يسير الحرارة، فإنه يبقي في الشتاء خدرا كالميت إلى أن تعاوده الحرارة في الصيف. ولأن الحار الغريزي هو الفاعل للأفعال كلها سيما الطبيعية منها، * إذ (248) هو الآلة للفاعل * في (249) أفعاله أجمع. فإنه إذا اجتمع في داخل الأبدان في الشتاء وقوي حاد الاسمراء وتولد الدم ودفع الفضول وبهذايتم الأغتذاء. ومن قبل ذلك تزداد الشهوة للطعام ويسمن البدن. ومما يعين على توفر الحرارة في الأجواف في الشتاء استفاء النوم بسبب طول الليالي. وذلك أن ظلمة الليالي جالبة للنوم لأنها مانعة من التصرفات PageVW0P015B البصرية. ولهذا تغمض الإنسان عينيه متى طلب من نفسه النوم. والحار الغزيري يجتمع في بواطن الأبدان عند النوم، فيتوفر الهضم وسائر الأفعال الطبيعية. وقد يظن أن التحلل يقل في الشتاء لتكاثف سطوح * الأبدان (250) بسبب برد الهواء. فيجب أن تقل الحاجة فيه إلى الغذاء، وأن لا تتحلل الفضول على ما ينبغي. والدليل على * ذلك (251) قلة العرق في الشتاء وكثرته في الصيف. وليس الأمر على ما ظنه هؤلاء لأن التحلل إنما يوجد صادرا عن فاعل يقوى في الشتاء. فهو لذلك يلطف الجوهر تلطيفا أكثر ويحلله عفوا تحليلا * خفيا (252) . * ولذلك (253) فإن الحاجة * إلى الغذاء في الشتاء (254) تزيد على ما كانت عليه في الصيف حتى إن لم يتناول ذلك، غلب البرد على الأبدان ووجد * من (255) ذلك الضرر العظيم. ولهذا لم يقنع * أبقراط (256) بقوله إن الحار * في الأبدان في الشتاء (257) أكثر حتى أمر بأن يكون ما يتناول من الغذاء أكثر. * فلهذا (258) نجد الأبدان في الخريف PageVW0P016A قضافا قليلة الدم. ثم نجدها * مخصبة (259) في الشتاء وتغزر دماؤها حتى أنه يحتاج في الأكثر إذا كان الربيع وانبسطت الدماء في العروق حتى لا تسعها * العروق (260) أن يخرج الدم. وإلا، ولد عللا دموية. وأما الفضول فإن ما تلطف منها يتحلل تحللا خفيا. والذي يبقى غليظا لايتحلل. وقد كان يخرج بالعرق في الصيف لسعة المسام تدفعه الطبيعة مع مائية الدم إلى ناحية الكلى. ولذلك يعزر البول في الشتاء زيادة على ما كان في الصيف ويرسب فيه أكثر مما كان يرسب قبل ذلك. * وأما (261) العرق الذي يوجد في الصيف، فليس ذلك مما يجمد إذا كان البدن يجري أمره المجرى الطبيعي. بل العرق إنما يوجد في الحمام أو في الرياضة الشديدة أو في الصيف. فإنما يوجد لجاذب يستكره على الخروج. وجميع ما قلنا في الشتاء، فافهم مثله في أوائل الربيع وفي جملته متى كانت جملته باردة شبيهة بالشتاء. وقد استشهد أبقراط على أن الحاجة إلى الغذاء PageVW0P016B إنما هي بمقدار الحار الغزيري بالأسنان والصريعين. أما الأسنان فقد تبين أن ما كان منها أكثر حارا عزيريا PageVW5P011A ، فهو أحوج إلى الغذاء من * غيره (262) . * وأما الصريعون، فإنهم باستعمالهم الرياضة، أكثر حارا غزيريا من غيرهم (263) . فهم لذلك أحوج الناس إلى كثرة الغذأ وأقدرهم على أن يتناولوها. وقد سهى الرازي في هذا الباب، قائلا بأن الأجواف لا تكون أسخن في الشتاء منها في الصيف. وأن ذلك إنما يوجد بحسب النسبة، كالبول الذي * يحس (264) خارج الحمام حارا وداخله باردا. وقد نقضنا هذا في حلنا شكوكه على جالينوس.
17
[aphorism]
قال أبقراط: أصعب ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف * والخريف (265) . وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء ثم من بعده في الربيع.
[commentary]
التفسير : هذا الفصل يتضمن نتيجة الفصل المتقدم. وذلك أن الأجواف إذا كانت في الشتاء والربيع، أسخن ما يكون بالطبع. ولذلك صار ما يتناول فيهما من الغذاء يجب أن يكون أكثر. وبالضد من ذلك حال الصيف PageVW0P017A والخريف. فمن البين أن أصعب ما يكون احتمال الطعام على * الأبدان (266) في الصيف * ثم بعده في الخريف (267) . وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء ثم * بعده (268) في الربيع.
18
[aphorism]
قال أبقراط: * إن (269) كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء الذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه الدن، نقع ذلك وسهل احتماله. وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق، فإنها إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه، نفع ذلك وسهل احتماله. وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. وينبغي أن تنظر أيضا في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي السن وفي البدن وفي الامراض، هل توجب استفراغ ما قد هممت باستفراغه أم لا.
[commentary]
التفسير: غرض أبقراط بهذا الفصل أن يعلمنا * به (270) كيفية الإستفراغ دون الكمية بدليل أنه أطلق لفظتي * النقاء والنوع (271) وهما لا يستعملان إلا فيما يودي البدن بالكيفية PageVW0P017B وحدهما، وجعل الاستفراغ الذي يكون من تلقاء النفس قانونا يمتثل في الاستفراغ الذي يتعمد له لأن التدابير الطبية تحذو * حذو (272) الأفعال الطبيعة. ولأن الإستفراغ قد يكون من تجويف المعدة والأمعاء ولا تخلو معه العروق. وقد يكون من البدن كله ويتبعه خلاء لعروق. فهو يجعل هذا * القانون (273) فيهما أجمع ليكون قد وفى في الصناعة حقها. * أما (274) الستفراغ الذي يكون من تجويف المعدة والأمعاء، فيكون باستطلاق البطن والقيء اليسيرين لا غير. وأما الذي تخلو معه العروق، فيكون بالقيء والاستطلاق * وبإدرار (275) البول والعرق. وأما خروج الدم والإمساك عن الطعام وإن كان تخلو معهما العروق، فلا من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه، بل ومما لا ينبغي أن يخلو منه PageVW5P011B أيضا. * ولذلك (276) ليسا يدخلان فيما هو غرض أبقراط هاهنا. والإمساغ لمن يزعم أن خروج الدم * إذا (277) احتيج إلى خروجه هو خلاء العروق من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه، لأن الدم لا يوذي البدن PageVW0P018A بكيفية إلا أن يردؤ * أو (278) * يستحيل (279) عن نوعه. وعند ذلك يكون الأذى * جاريا (280) عند جالينوس من قبل كيفية خلط ما أخر، لا من نفس الدم، لأنه يرى أن الدم، إذا عفن، أستحال إلى المرة ويستدل على أن ما تدفعه الطبيعة هو من الخلط الرديء الذي يؤذي البدن أن يكون خروجه طوعا، أي عفوا لا يلحق صاحبه مشقة ولا كرب ولا أذى، وأن ينتفع البدن بخروجه أي يخف عليه وأن يسهل احتماله أي لا يتعقبه ضعف أصلا. ويستدل على الخلط الذي يقصد * استفراغه (281) * بلون (282) البدن متى كان الخلط في سطح الدبن، وبالمزاج والسن والتدبير المتقدم والوقت الحاضر والبدن متى كان الخلط عائرا. وأقوى الاستدلال هو الوقوف على نوع المرض. * فإن (283) الشيخ في الشتاء * والبلد (284) البارد متى حم حمى محرقة، لم يستفرغ البلغم، وإن كان السن والوقت والمزاج * والبلد (285) يوجبه.
19
[aphorism]
قال بقراط: ليس ينبغى أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ PageVW0P018B من البدن من كثرته، لكنه ينبغي أن يستغنم الاستفراغ ما دام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي يستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة وحيث ينبغي. فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي وإنما ينبغي أن تفعل ذلك متى كان المريض محتملا له.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يتضمن تعليمنا كمية الإستفراغ إذ قد سبق الكلام في كيفيته والدستور الذي يعتبر به مقدار الاستفراغ، وهو ثلاثة أشياء. أحدها مقدار المادة. فإن بحسبها يجب أن يكون مقدار الاستفراغ. وهذا هو الذي عناه أبقراط بقوله "ما دام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي يستفرغ". والثاني قوة البدن. فمتى وجدت مسقلة بالاستفراغ، فليغتنم ذلك. وهذا هو الذي عناه أبقراط بقوله "والمريض محتملا له". والثالث أن يجد * له المرض (286) راحة وخفة. وهذا هو الذي عناه بقوله "بسهولة وخفة". وذلك أنه مهما استفرغ ما لا يجب أن يستفرغ، أحس له بصعف وثقل وكرب. وأقصى حدود القوة التي توقف عندها في PageVW0P019A الاستفراغ هو حدوث الغشي لأنه النهاية في احتمال القوة. فتمى * أوجب (287) الاستفراغ هذا الحد وفي القوة محتمل لذلك، فليغتنم * تلك (288) الحال في إخراج الدم في الحميات المطبقة وفي الأورام الحارة العظيمة وفي الأوجاع الصعبة الشديدة. ويعتبر الغشي الذي يكون من مقدار PageVW5P012A الاستفراغ دون ما يعرض لبعض المرضى خوفا من الفصد أو الخلط لذاع في فم المعدة أو يتجلب إليه في ذلك الوقت أو من قبل انتصابهم في الجلوس. ولذلك يفصد بعض المرضى وهو مستلق. وفي هذه الضروب من الغشي لا ينبغي أن يقطع الاستفراغ لأنه ليس حادثا من مقدار الاستفراغ ولا دالا على الحد الذي انتهى إليه مقدار الحاجة.
20
[aphorism]
قال بقراط: إنما ينبغي لك أن يستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض. فأما ما دام نيا وفي أول المرض، * فلا (289) ينبغي أن يستعمل ذلك إلا أن يكون المرض * مهتاجا (290) . وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون المرض PageVW0P019B * مهتاجا (291) .
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يعلمنا فيه متى يستفرغ الكيموس الذي يحتاج إلى استفراغه بالدواء المسهل. ويقول * إنه (292) متى كانت الأخلاط هائجة أي منصبة، تعد إلى الموضع الذي ينصب إليه كما يوجد عليه حال المواد في مبادئ الأمراض وكانت من الهياج بحيث لا تستقر لكن تسيل من عضو إلى آخر. فالواجب أن يبادر إلى استفراغها في * مبدأ (293) المرض لئلا يصير في الأول * ورم (294) في العضو * أو تتصرف (295) من عضو أخس إلى عضو أشرف في الثاني. * فأما (296) إذا كان الفضل ساكنا، فينبغي أن يتفقد * ما (297) كان سائحا في تجويف العروق كما هو عليه حال المواد * في الحمايات (298) التي لا ورم معها، فليستفرغ في أي وقت احتيج إليه ولا يلتفت إلى أمر النضج. وهكذا يفعل إن كان قد خرج عن العروق إلا أنه غير محتاج إلى النضج. فأما إذا كان راسخا في العضو وهو * ني (299) لا يجيب إلى الاستفراغ إلا بعد أن ينضج، فليتقدم النضج أولا لأنه متى استعمل فيه الإستفراغ قبل النضج، PageVW0P020A خرج ما هو الألطف ويبقى الباقي غليظا لا يؤاتي النضج بعده ولا الإستفراغ بسهولة. * وهكذا (300) هو حال الأورام الرأسبة في الأعضاء وفي مرض النقرس والصرع وسائر ما يوجد من المواد الباردة الغليظة والرطبة اللزجة. وهذا هو الذي عناه أبقراط بما في هذا الفصل لا غير. وزعم جالينوس أن الخلط متى كان ساكنا في العضو، فلا ينبغي أن يحرك بالدواء المسهل قبل ان ينضج. * فإنها إذا نضجت، كانت الطبيعة معينة له على الإستفراغ لأن الطبيعة لا تدفع الفضل إلا بعد النضج. (301) وقد ناقضه الرازي في هذا الباب قائلا بأن الطبيعة أحوج ما يكون إلى معونة الطبيب لإخراج الخلط قبل استيلائها عليها بالنضج لأنها إذا نضجت المادة، استغنت عن المعونة. والمسهل ربما يضر لإنهاكه القوة، ولذلك ليس ينبغي أن يؤخر الإسهال متى أحتيج إليه لا في المحرقة وفي الغب فقط PageVW5P012B ، بل وفي البلغمية والربع معا إذا لم يكن عن أورام. فإن التجربة تشهد بظهور PageVW0P020B النفع فيها أجمع. وأقول إن المتقدمين إنما أخروا * استعمال (302) المسهل في الحمايات لأنهم لم يكونوا يجدون من الأدوية التي تستفرغ * ما يستفرغ (303) ولا يسخن ما نجده نحن اليوم كضروب الهليلجات وكالتمر الهندي والبنفسج وكالتربخبين * والشيرخشك (304) إذ ليس يوجد لأمثال هذه الأدوية * ذكر (305) في كتبهم، بل كانوا مدفوعين إلى * استعمال (306) أدوية تسخن جدا ولحوم المحمومين قبل الرابع عشر حارة شديدة الحرارة. * فهي (307) تجذب الدواء إليها بسرعة، إلا أن يكون * الدواء (308) من القوة بحيث لا يقدر البدن على جذبه. ومثل هذا الدواء يجذدب جذبا قويا ويفعل من الإسهال ما لا يؤمن معه أن يصيبهم تشنج. فإن بجوار كتبهم الحمى بعد ذلك بأكثر مما كانت من قبل ويكون العليل معه على خطر من الهلاك، سيما إن كان الوقت * صيفا (309) . فلذلك لم يكونوا يسقون المحمومين دواء مسهلا إلا عند * الضرورة (310) . بل كانوا * مدفوعون (311) في أمثال هذه الأحوال إلى الحقن. ومن أراد أن يحمل كلام أبقراط هاهنا على الحمايات، فله أن يحمله على وجه آخر من التفسير PageVW0P021A ، وهو أنه عنى بالدواء ما يحرك المواد على * الأكثر بالإدرار (312) . وذلك أن من * الحمايات (313) ما لا يقلع إلا بعد النضج كالحمايات الربع والنائبة كل يوم. ومن البين أن ألأدوية المدرة لموادها لا يمكن أن يستعمل فيها إلا بعد النضج لأنه ليس يؤمن متى استعملت قبل النضج أن ترقق المادة وتصيرها إلى عضو آخر يكون مستوقدا لنوبة أخرى من الحمى. فتصير الحمى الواحدة جمتين كما وصفه في أغلوقن. وأما بعد النضج فمتى استعملت هذه الأدوية، استفرغت المادة بالعرق وانقطعت الحمى. فيكون تقدير قول أبقراط هكذا: إنما ينبغي لك أن يستعمل الدواء المحرك بالإدرار بعد أن ينضج المرض. فأما ما دام نيا وفي أول المرض، فإنه عنى بأول المرض النهوة لأن أول يتحد بعدم النضج. فليس ينبغي أن يستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجا أي متحركا مجيبا إلى الإستفراغ غير محتاج فيه إلى النضج. وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون كذلك.
21
[aphorism]
قال أبقراط PageVW0P021B : الأشياء التي * ينبغي (314) أن تستفرغ * يجب (315) أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
التفسير:عنى بالأشياء التي ينبغي أن تستفرغ الأخلاط المولدة للأمراض. وهو يريد يعلمنا هاهنا بأي * عضو (316) يجب أن يستفرغ هذه المواد. ويجعل الدستور في ذلك شيئين. أحدهما ميل المادة إلى بعض النواحي. فإن استفراغها PageVW5P013A من الناحية التي هي إليها أميل أسهل من استكراهها على الاستفراغ من ناحية أخرى. وذلك أن استفراغ المادة التي في الكبد من ناحية الأمعاء * إذا (317) كانت مائلة إليها أوفق من استفراغها من ناحية الكلى وهي غير مائلة إليها. والآخر طبيعة العضو، فإنها متى كانت شريفة، كان الضرر الحادث من ميل الخلط إليه أعظم من النفع الذي * يكتسب (318) باستفراغه منه. وذلك نحو ميل * المادة من (319) الكبد إلى الصدر والرية والقلب. ولهذا يجب متى كان * الخلط مائلا (320) إلى ناحية غير PageVW0P022A صالحة للاستفراغ، أن يمال به إلى ناحية أخرى أوفق منها، ومتى مالت إلى النحاية الموافقة كالمعدة والأمعاء والمثانة والرحم والجلد واللهوات والمنحرين، فليعدلها الطبيب ما يحتاج إليه ويعينها على الاستفراغ متى أحس للطبيعة * تقصير (321) * منه (322) .
22
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي يأتيها أو قد أتاها البحران على الكمال لا ينبغي أن يحرك بشيء ولا أن يحدث فيها حدث لا بدواء مسهل ولا بغيره من التهييج لكن يترك.
[commentary]
التفسير: يريد أن يعلمنا في هذا الفصل متى يجب علينا أن * نكل (323) أمر المريض إلى الطبيعة، ولا نتكلف نحن سوى تدبير غذائية ومتى يجب * علينا (324) أن يعينها بالاستفراغ بعض المعونة. فهو يقول متى تقدم للعليل بحران تام، فليس ينبغي أن يهيج العليل بدواء مسهل ولا بغيره مما يستفرغه لأن البدن قد نقي نقاء تاما على أحسن الوجوه. وكذلك متى وثقنا من ظهور علامات النضج وعلامات السلامة PageVW0P022B ومن توفر القوة أن البحران الذي يريد تآتيه سيكون بحرانا تاما لأن الطبيعة حينئذ تستفرغ مادة المرض بأوفق مما يستفرغه المسهل. فأما متى تقدم * للعليل (325) بحران غير تام أو علمنا أن البحران كائن لا محالة ولا نثق بأن القوة تقوى عليه، فحينئذ نتقدم فنستفرغ البدن من الأخلاط التي تؤذيه. والبحران التام هو الذي يستكمل ستة خصال. هي أن يكون باستفراغ دون خراج أو انتقال وأن يكون الاستفراغ من الخلط الموجب للمرض وأن يكون من الجانب الذي فيه المرض وبعد علامات النضج وفي يوم باحوري ويتعقبعه راحة وخفة.
23
[aphorism]
قال أبقراط: قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها. وينبغي أن يفعل ذلك بعد أن يتقدم فيدبر الأمر على ما ينبغي.
[commentary]
التفسير: أما ما يقتضيه ظاهر كلام أبقراط، فهو ما فسره جالينوس، وهو أنه يحتاج PageVW5P013B في الندرة في الأمراض الحادة إلى أن PageVW0P023A يستعمل الدواء المسهل في أولها لأن في الندرة يتفق أن يكون الفضل المولد * للمرض (326) مهتاجا في أوله. ثم متى اتفق أن يكون كذلك، * قد (327) يتفق أن لا يكون بدن المريض غير متهيئا للاستفراغ. فإن من تقدمته تخمة أو طعمة لزجة أو فيما دون الشراسيف منه انتفاخ أو في بعض أحشائه ورم أوسدة أو به حرارة شديدة أو كيموسات بدنه غليظة، فليس يمكن أن يستعمل في * واحد من (328) هولاء الدواء المسهل دون أن يتقدم فيعين إما بالهضم أو بما يقطع ويلطف أو يحلل ويرخي أو يسكن. وهذا هو معنى قوله بعد أن يتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي. قال جالينوس وإنما امتنع أبقراط و نهى عن استعمال الدواء المسهل في أوائل المرض الحاد لأن هذه الأمراض تحتاج إلى ما يبرد ويرطب، والمسهل يسخن ويجفف، فيزيدها رداءة وشرا. * فلذلك (329) لا يستعمل إلا حيث يوثق أن الانتفاع به أكثر من المضرة PageVW0P023B الحادثة منه. وإلا * فقد (330) قال في هذا الكتاب إن كنت محركا في الأمراض شيئا، فحركه في ابتدائه. وأما نحن، فلا مانع لنا * في (331) الاستفراغ في أي مرض حاد كان لوجداننا الأدوية التي تصلح لذلك. * وأما (332) إذا كانت الحمى بليدة والأخلاط غليظة لزجة، تحتاج أن تنضج أولا، لم يكن ذلك داخلا في * عداد (333) الأمراض الحادة . وأما قلة تهيأ البدن لاستعمال * الدواء (334) فيه، فقد يمكن أن يصلح ذلك قبل أن يجوز مبدأ المرض. فلا ينبغي أن يؤخر لأجله الاستفراغ مع الحاجة إليه. وأما * حدة (335) الأدوية المسهلة، فنحن في * غنى (336) عنها * لوجدننا (337) أدوية تسهل وتبرد وترطب * معا (338) . * فإذا (339) كان الأمر على هذا، فقد يمكن أن يحمل * قول (340) أبقراط على الوجه الأول وهو أن لا تكون لفظة "الندرة" دالة على استعمال الدواء في أوائل الأمراض الحادة، بل عائدة إلى ما هو مضمر فيه. * فكأنه (341) يقول الأمراض الحادة التي تحتاج إلى ان يستعمل الدواء المسهل في أولها PageVW0P024A * قد (342) لا يمكن أن يستعمل ذلك في الندرة إلا بعد أن نتقدم فيدبر الأمر على ما ينبغي. * ويحتمل (343) أيضا أن يكون تقدير قوله هكذا قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها حاجة أكثر. وذلك إذا كان المرض مهتاجا. وينبغي أن يتقدم فيدبر الأمر على ما ينبغي إن كان يحتاج إلى ذلك .
المقالة * الثانية (1)
1
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا، فذلك من علامات الموت. وإذا كان النوم * ينفع (2) ، فليس ذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير PageVW5P014A :إذا كان الذي يقابل النفع هو الضرر، فبالحري أن يفهم من قوله يحدث وجعا أي ضررا. وإنما صار الضرر الذي يحدث عقيب النوم أدل على PageVW0P024B المكروه لأن الطبيعة أقوى ما تكون على حل المرض * إنما تكون (3) في وقت النوم لاجتماع الحار الغريزي في باطن الأبدان. * فإذا (4) كان المرض من القوة بحيث يغلبها في هذه الحال ويزيد في الضرر، فبالحري أن * يدل (5) على غاية المكروه. وهذا في جميع الأمراض. * ولذلك (6) قال من بعد متى سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة إلا أن جالينوس حمل معنى الفصل على الحمايات وحدها.و زعم أن هذا في منتهى النوائب، وفي وقت الانحطاط يدل على الشر. * وأما (7) في ابتداء النوائب، فإن الحرارة والكيموسات تغور إلى عمق البدن سيما إن كان نافض أو قشعريرة. ومتى اتفق النوم في هذه الحال، تطاولت مدة أعراض المرض، * ولم (8) تنته النوبة منتهاها إلا بكد. وإن كان بصاحبها ورم في بعض الأحشاء أو ينجلب إلى معدته من بعض الكيموسات، زاد فيه. ولذلك يؤمر المريض في هذه الحالة بالانتباه لتبرز الحرارة إلى ظاهر PageVW0P025A البدن، فيقاوم العارض. وقوله * "وإذا (9) كان النوم ينفع، فليس ذلك من علامات الموت" ليس معناه أنه يدل على السلامة. بل أنه لا يدل على الشر فقط.
2
[aphorism]
قال أبقراط: متى سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يؤيد الفصل المتقدم. إذ هو أحد ما شمله الحكم العام المتقدم
3
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والأرق إذا جاوز كل واحد منهما المقدار * القصد (10) ، فهو علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: عنى بالأرق اليقظة. وكل واحد منهما إذا جاوز الاعتدال، فليس بمحمود لأن النوم الطبيعي يكون من رطوبة الدماغ باعتدال. * وإفراطه (11) يدل على فرط رطوبة الدماغ. فإن انضاف اليها برد، كان من ذلك السبات. وإن انضاف إليها حر، كان من ذلك ليرغس. واليقظة الطبيعية تكون من يبس الدماغ باعتدال، والأرق يدل على فرط اليبوسة. فإن انضاف إليها برد، كان من ذلك الجمود. وإن انضاف إليها حر، PageVW0P025B كان من ذلك اختلاط. وجالينوس يفرض هاهنا * سبب (12) النوم واليقظة برد وحر الدماغ.
4
[aphorism]
قال أبقراط: لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء بمحمود إذا كان مجاوزا للمقدار الطبيعي.
[commentary]
التفسير:الشبع المفرط قد يكون لحر المعدة أو المرار فيها أو لقلة ما يجيئها من PageVW5P014B الخلط الأسود أو لامتلاء * في (13) البدن أو لقلة التحلل * منه (14) أو لآفة بالعصب النازل إليها من الدماغ. والجوع المفرط قد يكون لبرد المعدة أو لكثرة ما ينجلب إليها من المرار الأسود أو لشدة تخلخل البدن * ولكثرة (15) ما يتحلل منه أو لنقصان قد تقدم من البدن. وهذه الأحوال كلها ليست محمودة. وذلك أن الصحة إذا كانت بالاعتدال، فمن البين أن * كل (16) ما جاوز الاعتدال لم يكن محمودا.
5
[aphorism]
قال أبقراط: الإعياء الذي لا يعرف له سبب ينذر * بمرض (17) .
[commentary]
التفسير: الإعياء كلال يلحق القوة المحركة للبدن من رفعها الثقيل إلى فوق PageVW0P026A وحطها الخفيف إلى أسفل. ومن قبل أن آلات الحركة تضعف لأنها تسخن وتنحلب إليها فضول. وإذا لم يكن الإعياء بسبب الحركة، وهو الذي لا يعرف له سبب، فهو * لفضول (18) تثقل القوة حتى ينالها منها ما ينالها في وقت الحركة من الكلال. * وينقسم (19) إلى ثلاثة ضروب. أحدها القروحي، وسببه خلط رديء لذاع. والأخر التمددي، وسببه خلط أو ريح أو تمدد. والثالث الورمي، وسببه امتلاء في البدن. وكل واحد من هذه الثلاثة ينذر بمرض سيحدث، إن لم يتلاحق بما ينبغي.
6
[aphorism]
قال أبقراط: من يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته، فعقله مختلط.
[commentary]
التفسير: * من وجد في بدنه (20) حالة توجب أن يكون معها ألم مثل الورم والجرح والرض والشدخ وغيرها ثم * لم (21) يحس صاحبها بالألم، فعقله مختلط لأن الحس، وإن لم يكن بالعقل، فإن المحل الذي منه تبتدئ تصرفات الحس * هو (22) بعينه محل التصرفات العقلية. فلذلك أمكن PageVW0P026B إذا كان المحل مؤوفا أن يكون كل واحد من القوتين، أعني الحاسة والعقلية، مختلة التصرف. وهذا لا ينعكس حتى أن العقل * متى (23) وجد مختلطا، كان الحس مضرورا. * وقد (24) يكون ذلك بسبب أن القوة الحساسة تقبل قبل الآفة العظمى كما ستفهمه فيما بعد في الفصل الذي أوله "إذا كان وجعان معا". وذلك أن الآفة الموجبة للاختلاط إذا * كانت (25) أعظم من السبب الموجب للوجع، فإن القوة الحساسة تقبل نحوها * وتنصرف (26) إليها لأنها أهم * إذ (27) كانت أعظم. ولذلك فإن المتأله قد يسهو في أوقات تعبده عن وجع فلا يحسه مع وفور عقله. وكذلك حال الذين يرد عليهم * مهم (28) . فإن هؤلاء قد يلهون عن * الأوجاع به (29) وهم * وافرو (30) العقل. * ذكر كاتب الأصل أنه وجد في نسخة غير الأصل وقت المقابلة شرحا آخر لهذا الفصل وهو من يوجعه شيء من بدنه ولا يحس به، فعقله مختلط. التفسير PageVW0P027A هذا لا يصح في كل اختلاط فإن المجانين مختلطو العقل ويحسوا الأوجاع في أبدانهم. لكن هذا يعتبر في الاختلاط الذي يعرض معه للقوى النفسانية أن يشتغل بما هو أهم من الإحساس كالحال في ورم الدماغ والحجاب. فإن الحس، وإن لم يكن بالعقل، كان المحل الذي يبتدئان منه بتصرف واحد. فمتى عرض للقوة ٠النفسانية أن يستعمل بما هو أهم من الحس في اختلاط العقل ثم وجد للبدن حالة توجب الألم كالورم والجرح والرض والشدخ، بقي الإنسان عادما للحس به. وإن كانت الآفة أعظم كما ذكر أبقراط في قوله "من تزعزع دماغه، أصابه على المكان سكتة"، بقي عادما للحس والحركة معا لأن القوى النفسانية تسكن كلها عن التصرف. ويتمكن في مثل ذلك الوقت وقد يعرض للإنسان وهو أعقل ما يكون حاله شبيه بما ذكر أبقراط فإن المتأله يغفل عن وجعه في أوقات بعيدة، فلا يحسه مع وفور عقله. ويرد على الإنسان من PageVW0P027B المهم ما يلهيه عن وجع شديد كان به لأن القوى الحساسة تتصرف في ذلك الوقت عن الإحساس وتشتفل بما هو أهم منه. وقد يعرض للمجانين حالة أخرى شبيهة بما نحن فيه. وذلك أن الأرواح النفسانية إذا غلظت وتكدرت فيهم بالأبخرة الغليظة السوداوية، امتنعت من النفوذ إلى الأعضاء على ما ينبغي. فلا يحسون بأوجاع كثيرة تعرض لهم. فقد ذكر روفس الكبير أن واحدا من أصحاب المالنخوليا لم يكن يحس بما ينخس من بدنه أو يرض وأنه كوي في ساعده، فلم يصدق بالكي إلى أن احترق منه شيء صالح (31) .
7
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي * تهزل (32) في زمان طويل، فينبغي أن يكون إعادتها إلى الخصب بتمهل. والأبدان التي ضمرت في زمان * يسير (33) ، ففي زمان يسير تخصب.
[commentary]
التفسير PageVW5P015A : الأبدان التي تهزل في زمان طويل، فإن الأعضاء الأصلية منهم * تكون قد (34) ذابت وتحتاج في أن يعود بدلها إلى زمان طويل. والآلات التي بها يتم الهضم وتولد الدم وتوزعه على الأعضاء تكون قد ضعفت، فلا يتهيأ لها أن تفعل أفعالها على ما ينبغي PageVW0P028A . وأما الأبدان التي هزلت في زمان يسير، فإن الرطوبات والاخلاط منهم قد استفرغت، فيتأتى أن يرد بدلها بالتوسع في الأغذية سريعا، كالحال في من * أصابته (35) هيضة أو تناول مسهلا وقواهم أيضا تكون بحالها أو لم تضعف كثيرا.
8
[aphorism]
قال أبقراط: الناقه من المرض إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى * به (36) ، فذلك يدل على أنه يحمل على بدنه منه أكثر مما يحتمل. وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
[commentary]
التفسير: معنى "ينال" يشتهي، وقوله "وإذا كان ذلك" أي وإذا كان ناقها. * والناقه (37) متى لم يشته، دل على أن في بدنه فضلة لا يحتاج بسببها إلى الغذاء. بل يحتاج إلى الاستفراغ. PageVW0P028B ومتى اشتهى وتناول ولم يقو، دل على أن بدنه ليس يغتذي بما * يناوله (38) لأنه يتناول أكثر مما تحتمله قوته. فلذلك يؤمر بالتقليل وتلطيف التدبير. وربما * يتفق (39) في معدة الناقه خلط رديء حريف غير كثير، فيكون سببا لسقوط الشهوة. ويعتدل بالغذاء الجيد إذا ورد عليه إلا أن هذا خارج عما عناه أبقراط.
9
[aphorism]
قال أبقراط: كل بدن تريد تنقيته، فينبغي أن تجعل ما تريد إخراجه منه يجري فيه بسهولة.
[commentary]
التفسير: من الأطباء من ذهب في هذا إلى استعمال القيء اليسير إذا أريد * تنقية (40) البدن * بالمقيئ (41) القوي، وإسهال البطن بالأغذية إذا أريد سقي المسهل. وهذا قليل * الغناء (42) في هذا الباب، لكنه عنى به ترقيق الأخلاط الغليظة وتقطيع اللزجة وتفتيح السدد وتوسيع * المسام والمجاري (43) التي تنجذب فيها الأخلاط. ولهذا قيل في ابيديميا "من كان لا يوأتي * المسهل (44) بسهولة، فإنه يحتاج أن يرطب بالغداء والراحة والمرح PageVW0P029A واستعمال الحمام بالماء العذب مرارا كثيرة. فإن ذلك يرطب البدن ويجعل الأخلاط مستعدة * لأن تجري فيه بسهولة يطعم الأغذية الملطفة والمفتحة للسدد (45) لتكون المجاري التي * تريد (46) أن تجري فيها * الأخلاط (47) مفتوحة. وإذا استعمل بعد هذا التدبير * المقيئ أو المسهل (48) ، كان الاستفراغ بلا مشقة وفي أسرع ما يكون وأحسنه، ولا يعرض شيء من الأعراض الرديئة كالمغص والكرب وسوء النبض وغيره.
10
[aphorism]
قال أبقراط: البدن الذي ليس بالنقي، كلما غذوته، زدته شرا.
[commentary]
التفسير: البدن الذي ليس بالنقي هو الذي فيه أو في المعدة منه * أخلاط (49) رديئة كثيرة والغذاء يفسد فيمن * هذه (50) حاله PageVW5P015B . وإن كان محمودا لفساد الكيموس الرديء فيه، فيزداد البدن بذلك شرا. والرازي ناقض * في (51) هذا الفصل قائلا بأن هذا الحكم لا يصح * أن يكون (52) كليا لأن من في معدته خلط رديء * قليل (53) المقدار يمكن أن يصلح بالغذاء الجيد الذي يرد عليه. * وهذا (54) لا يقدح في * قول (55) أبقراط لأن من * هذه (56) حاله لا يطلق عليه أن بدنه ليس ينقي. وإلا، كان أكثر الأصحاء PageVW0P029B ليسوا بنقي الأبدان.
11
[aphorism]
قال أبقراط: لأن يملأ البدن من الشراب أسهل من أن * يملأ (57) من الطعام.
[commentary]
التفسير: وهذا لما في الشراب من لطافة الجوهر وحرارة المزاج ورطوبة القوام. وهذه أشياء تعين على سرعة الهضم وجودة النفوذ. ولهذا قال في كتابه في الأغذية من احتاج بدنه إلى زيادة * بما يسرعه (58) ، فأبلغ الأشياء في رد قوته الشيء الرطب. ومن احتاج من ذلك إلى ما هو أسرع فتقويته تكون بالشم. وعنى بالرطب الشراب الذي له مع رطوبته غلظ، لأن الشراب المائي يدر ولا يغذو. * وأم (59) ا الأحمر الغليظ، * فإنه يدر (60) بسرعة ويقوي البدن. ولهذا صار الأوفق لمن يريد أن يرجع بدنه من الهزال إلى الحصب سريعا أن ينقص غذائه ويزيد في مقدار الشراب. فإن هذا تدبير يعين على تجويد الهضم وتكثير الدم وسرعة النفوذ والتوزع على الأعضاء.
12
[aphorism]
قال أبقراط: البقايا التي تبقى من الأمراض بعد البحران من عادتها أن PageVW0P030A تجلب عودة من المرض.
[commentary]
التفسير: السبب في ذلك أن الخلط الذي يبقى في أبدان الناقهين لا يغذوهم لرداءته لكنه * يتعفن (61) ويولد الحمى. ولهذا يجب إن لم يستفرغ أن يؤخذ صاحبه التحرز في تدبيره. فإنه * إذا (62) فعل ذلك * والفضل (63) غير كثير، فخليق أن يبرأ منه برؤا تاما حتى لا يعاوده. وإن كان الفضل كثيرا، فسيعاوده، وإن أخذ بالتحرز في تدبير لكنه لا يعاوده بصعوبة وخطر. وإن أغفل أمره وكان قد برؤ، فسيعاوده بأصعب مما كان في الإبتداء.
13
[aphorism]
قال أبقراط: * إن (64) من يأتيه البحران قد يصعب مرضه في الليلة التي قبل نوبة الحمى التي يأتي فيها البحران، ثم في الليلة التي بعدها * يكون (65) أخف على الأمر الأكثر.
[commentary]
التفسير: الطبيعة تحتاج في وقت البحران إلى تمييز * الجيد من الرديء (66) وتهيئته للاندفاع. فواجب عند ذلك أن يكون بين القوة والعلة مجاهدة، وإن تقلق المريض لتلك PageVW0P030B المنازعة ويضطرب. وهذا هو * الذي (67) عناه بصعوبة المرض. وخصصها بالليل وإن كانت قد تكون بالنهار لأن شأن الليل أن يكون فيه النوم. فإذا اضطرب المريض فيه ولم ينم، * تبين (68) ذلك أكثر. ولأنه يخلو بالليل وحده، فتنفرغ لمقاساة مرضه أكثر. ولأن المواد أقل تحللا منها بالنهار، فتكون أكثر تأذية للقوة. * ولأن (69) الطابيعة تجاهد المرض بالليل أكثر لورود الحار الغزيري على عمق البدن. وإنما يخف المريض في الليلة التي بعد البحران لأن * البحارين في الأكثر (70) تؤول إلى السلامة إلا في حال الوباء.
14
[aphorism]
قال أبقراط: عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز إذا ما لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة.
[commentary]
التفسير: عند استطلاق البطن، سواء كان ذلك عن هيضة أو شرب دواء، فإن اختلاف ألوان البراز بعد أن يكون كلها من جواهر الاخلاط محمود لأنه يدل على نقاء البدن من كيموسات كثيرة. فأما إذا كان PageVW0P031A خراطة * أو دما (71) أو أغشية أو شحما أو * أشياء (72) من جنس الذوبان أو من جنس العفونات الاحتراقية كالمرة السوداء الخالصة، فإن هذه كلها مذمومة. وكلما كان مثل هذه الألوان أكثر، كان أدل على الشر لأنه يدل على أن الشيء المهيج للأسهال * قد أنكى مواضع من البدن (73) .
15
[aphorism]
قال أبقراط: متى اشتكى الحلق أو خرجت في البدن بثور أو خراجات، فينبغي أن تنظر وتتفقد ما يبرز من البدن. فإنه إن كان الغالب عليه المرار، * كان (74) البدن مع ذلك * عليلا (75) . وإن كان ما * يبرز (76) مثل ما يبرز من البدن الصحيح، فكن على ثقة من التقدم على أن * تغذو (77) البدن.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يرشدنا إلى أن لا نستفرغ البدن عند الأعراض اليسيرة. وذلك أن الاستفراغ في مثل هذه الحال منكي للبدن. فمتى ما ظهر ورم أو خراج أو ثبور * لم (78) يكن كثيرا، فينبغي أن يتفقد حال البول والبراز وغيرهما. فإن لم يدل على خلط، فإن ذلك لأن الطبيعة قد نهضت لدفع فضلة يسيرة PageVW0P031B كانت في الدبن إلى خارج. وأن الفضل لما وصل إلى الجلد، لم ينفذ فيه لغلظه والتام من ذلك الثبور والأورام. فإن كانت الفضلة في الرأس، فخليق أن يقبلها الحلق. فمتى لم يدل شيء من الدلائل على أن في البدن * مرارا (79) ، فيجب أن يغذى العليل بما * يضاد (80) الخلط ويكسر عاديته فقط. وإن كانت علامات المرار ظاهرة، دل على أن البدن ليس بنقي. فليستفرغ أولا ثم يغذى. وربما وجد في البدن حكة شديدة هذه حالها، أعني أنها تدل تارة على اندفاع فضلة يسيرة حريقة * في البدن (81) إلى سطح * البدن، (82) وتارة على أن البدن * غير نقي لكنه (83) يحتاج إلى الاستفراغ .
16
[aphorism]
قال أبقراط PageVW5P016B : متى كان بانسان جوع، فلا ينبغي أن يتعب.
[commentary]
التفسير: عنى بالجوع ما يحدث عن عدم الغذاء، وبالتعب الحركة التي تتجاوز حد الرياضة وتحلل * من البدن (84) كثيرا. فإذا لم يجد عوضا مما نقص منه، قل البخار الرطب الذي هو الروح ويقل بقلته الحار الغزيري وتضعف القوى. * ولذلك (85) يمنع PageVW0P032A من التعب وليس يمنع من به جوع لعدم الغذاء عن الحركة فقط، بل ومن كل ما يستفرغ عن البدن لئلا تخوز القوى.
17
[aphorism]
قال أبقراط: متى ورد على البدن غذاء خارج من الطبيعة كثير، فإن ذلك يحدث مرضا ويدل على ذلك برؤه.
[commentary]
التفسير: قوله "كثير" يمكن أن يقرأ بالرفع، فيكون صفة للغذاء تتناول المقدار، وتقديره: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة في الكثرة. والكثرة لأنها تقال في الاضافة صارت إضافتها إما إلى الأوعية وإما إلى القوة. ويسمى أحدهما الامتلاء بحسب الأوعية، والآخر الامتلاء بحسب القوة. وقول أبقراط يحتمل المعنيين جميعا إلا أنه بالمعنى * الثاني (86) أولى. وذلك أنه قد يعرض للمعدة أن تمتلئ من الطعام الكثير حتى تتمدد والقوة تستمر به بأحسن الوجوه لتوفرها. وقد لا يملأ تجويفها والقوة تعجز عن هضمه لضعفها، سيما إذا كان في الأول طعام خفيف سهل الانهضام، وفي الثاني طعام عسر الانهضام. وعلى هذا القياس حال الكبد في توليد الدم PageVW0P032B وحال الأعضاء في قبول الغذاء. وظاهر أن الغذاء إذا كان أكثر مما تحتمله القوة، فإنه * قد (87) يحدث في البدن زيادة لا يحتاج إليها، ويجوز أن لا تكون تلك الزيادة فاسدة. لكنها يمكن أن تبقى على جودتها لقصور القوة عن القيام عليها إلا أن هذه الحال لا تسمى حال فساد ما دام الأخلاط بحيث إذا نقص الفاضل منها، صار الباقي إلى حال جودة. وإنما تسمى حال فساد إذا كان فساد الأخلاط لا سبيل إلى عودها إلى الحال * الطبيعية (88) كالخمر إذا صارت خلا. والأول كالخمر إذا حمضت يسيرا، فإنها قد تعود إلى الخمرية * الصرفة (89) بأن تزاد عليها أمثالها. ولهذا أجمع الأطباء في الامتلاء بحسب القوة أن الأولى أن يستعمل الاستفراغ دون التنقية * ودون الفصد (90) إما * بالفصد أو (91) بالشرط أو بالرياضة أو بالحمام أو بالدلك أو بالتجويع، وهذا استفراغ بطريق العرض * إلا أنه إن استعمل الفصد، أخرج من الدم شيء قليل في مرات كثيرة (92) . ويمكن أن * يقرأ (93) "كثيرا" بالنصب * يتناول (94) الكيفية، وتقديره: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة خروجا كثيرا. وذلك أن الأعضاء PageVW0P033A إنما تغتذى بالغذاء الملائم لها. فمتى لم يكن PageVW5P017A الغذاء ملائما، فظاهر أنه يحدث مرضا إلا أنه قد لا يفعل ذلك متى كان يسيرا. فإن بعض الأدوية التي تفسد البدن كاليبروج والشوكران قد لا يحدث مضرة إلا إذا كان له مقدار من الكمية فضلا عن أن يحدث فسادا. فما ظنك بالطاعم الذي هو، وإن كان رديئا لبعض الأعضاء، فقد يمكن أن يغذو بعضها. ولولا ذلك وإلا، لم يسم غذاء. وهذه حالة توجب التنقية * بالدواء (95) دون الاستفراغ الكلي. وفهم بعض المفسرين من "الكثرة" المرار الكثيرة. ويكون تقدير قوله: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة في الكمية أو الكيفية مرارا كثيرة. وقوله "يدل على ذلك برؤه" أي ويدل على أن المرض إنما كان من الغذاء الذي ورد على البدن * خارج (96) عن الطبيعة في الكثرة أو الرداة أن برأه يكون باستفراغ الكثرة * والخلط (97) الرديء. ويمكن أن يكون عنى بأن من تأذى بطعام ثم انتفع بالبرودة، دل على أن تأذيته كان من الحرارة. * وإن (98) انتفع بالحرارة، دل على أن تأذيته PageVW0P033B كان من البرودة. فلذلك قال والبرؤ يدل عليه * ولم يقل وخروجه يدل عليه (99) .
18
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأشياء يغذو يغذو كثيرا دفعة، فخروجه أيضا يكون * سريعا (100) .
[commentary]
التفسير: الشيء * الذي (101) يغذو سريعا دفعة * هو الذي (102) اتصل بالبدن منه شيء كثير بعد تناوله بزمان يسير. وتوقف على ذلك من الزيادة في القوة وعظم النبض. ويتبين ذلك بيانا أكثر فيمن * كان (103) قد استفرغ بدنه وضعفت قوته إما باستفراغ محسوس أو بتعب أو بإمساك عن الطعام والغذاء إنما يتصل به شيء كثير بالبدن بهذه السرعة إذا كان لطيف الجوهر وإلى الحرارة ما هو لأنه إذا كان بهذه الصفة، فهو يستحيل سريعا. ومن البين أنه إذا استحال في الهضم سريعا، فإنه ينفد و يتميز أثفاله منه ويخرج سريعا. ويكون تقدير قول أبقراط بحسب هذا التفسير * هو (104) : ما كان من الأشياء يغذو سريعا، فخروج أثفاله يكون سريعا. وقول المعترض أن الثفل قد يخرج PageVW0P034A سريعا من غير أن يغذو (وذلك إذا كانت القوة الماسكة ضعيفة والطعام أكثر مما تحتمله القوة أو يكون مزلقا أو ملينا، وقد لا يبرز سريعا مع تغذيته سريعا، إما لقلة الطعام، أو لقلة الطعام أو لقلة ما يفضل عن البدن) ليس يوجد قادحا في أن ما يغذو سريعا. فمن شأنه أن تخرج أثفاله سريعا. ومن المعلوم أيضا أن الغذاء إذا كان من اللطافة بحيث يستحيل إلى جوهر البدن سريعا، فإنه لا يلبث كثيرا حتى يتحلل. ولهذا صار من يريد أن يخضب بدنه، فإنه يختار من الأطعمة أغلظها وأقواها PageVW5P017B . ويعني بتجويد هضمها. ويكون تقدير قول أبقراط بحسب هذا التفسير * هو (105) : ما كان من الأشياء يغذو سريعا دفعة، فإن خروجه بالتحلل الخفي يكون سريعا. وهذا التفسير أحب إلي، وإن كان جالينوس يزعم أن لفظة "الخروج" قلما تطلق على التحلل في اللغة اليونانية. وفي إثناء كلام جالنيوس في هذا الموضع أن المعدة تخطئ من الطعام أولا فتجذب منه أوفقه وتوزعه PageVW0P034B بين طبقاتها ثم تدفع الباقي إلى الأمعاء. والرازي * يناقضه (106) في ذلك قائلا بأن المعدة لو كانت تغتدي بالكيلوس قبل مصيره دما، لكان مجيء العروق إليها باطلا. وبكلام آخر، لو خضنا في شرحه ونقده، خرج ذلك الكلام عما نحن بصدده إلى باب آخر. وقد فعلناه في نقضنا شكوكه على جالينوس.
19
[aphorism]
قال أبقراط: إن التقدم بالقضية فى الأمراض الحادة بالموت كانت أو بالبرء وليست تكون على غاية الثقة.
[commentary]
التفسير: المرض الحاد هو الذي له مع سرعة انقضائه عظم. * ولذلك فليست (107) حمى يوم مع سرعة انقضائها بمرض حاد. وأكثر هذه الأمراض يكون من أخلاط حارة ومع حمى وعلى الأقل يكون من خلط بارد ومن غير حمى كالتمدد والسكتة. وصار الحكم بما تؤؤل إليه الأمراض الحادة * من (108) السلامة والتلف لا يكون موثوقا به. أما جالينوس فيقول إن ذلك لسرعة تغير المرض من حال إلى أخرى، وسرعة انصباب * مواده (109) من موضع إلى موضع PageVW0P035A . والرازي يقول لسرعة الاستحالة وثقل المادة علامات فيبغي أن تكون مضبوطة، وإن السبب في ذلك خفاء العلامات * وكثرة (110) الشبه كما يقع في جميع المطالب الغامضة. وهذا، وإن كان حقا، فإن ضيق الوقت يوجد مانعا من إدراك العلامات على حقائقها * والتميز (111) بينها. فإن أبقراط عنى بما قاله ألامراض الحادة جدا وهي التي حدتها متصلة أو هي في الغاية القصوى من * الحدة (112) . ويشبه أن تكون العلة في ذلك أن الذي يبلغه علمنا بالعلامات ويظهر لنا ليس هو المقدار الذي لا يخطيء فيه لأنه ليس ضروريا لازما لحال واحدة كالحال في الكسوفين، بل هو حدس وتقريب علمي. ولذلك فهو داخل في الممكن الأكثري. والممكن الكثري ينقلب على البدن في الأقل وفي الندرة. فإن أمكان الإنسان أن يكون ذا خمسة أصابع في الأكثر ينقلب على إمكانه في الندرة * أن يكون (113) ذا ستة أصأبع أو أربعة. وإلى هذا المعنى PageVW0P035B بعينه أشار جالينوس في البحران قائلا بأن العلامات الدلة على السلامة والتلف ليس تدل دائما * دلالة واحدة (114) . فبالجري أن الحكم منها بالبرؤ أو بالموت لا يكون على غاية الثقة.
20
[aphorism]
PageVW5P018A قال أبقراط: من كان بطنه في شبابه لينا، فإنه إذا شاخ، يبس بطنه. ومن كان * في شبابه يابس البطن (115) ، فإنه إذا شاخ، لان بطنه.
[commentary]
التفسير: * عنى (116) أبقراط في هذا الموضع لين ويبس البطن من قبل السن، لا من قبل التدبير. فإنه ليس يبعد من قبل التدبير أن من يكون بطنه في شبابه لينا ثم يستعمل إذا طعن في السن التدبير الملين، فيدوم لين بطنه في الشيخوخة. وكذلك الحال فيمن هو في شبابه يابس البطن. فإنه إذا استعمل التدبير المجفف، بقي * على (117) جفاف بطنه في الشيوخة. فأما من استعمل التدبير الواحد، فليس بلازم ضرورة إذا كان في شبابه يابس البطن أن يلين بطنه في الشيخوخة أو على البدل. بل إنما يلزم ذلك على الأكثر. ولذلك PageVW0P036A قال في الفصل الآخر "من كان بطنه في شبابه لينا، فإنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر". وأسباب لين البطن و جفافه كثيرة. والمعنى بها في هذا الموضع ما ينقلب على الضد بالانقلاب في السن. ولين * البطن (118) في * سن الشباب (119) إنما هو لقلة ما ينفذ إلى الكبد من الغذاء * بالنسبة إلى (120) الذي تخطيء به المعدة. * وسببه إما كثرة (121) ما يرد على المعدة لفرط شهوة صاحبه بسبب برد * فم (122) معدته فيبقى * فم (123) هذا البرد في الشيخوخة، * فيؤدي (124) إلى ذهاب الشهوة. فيقل ما يتناول بقياس ما ينفذ إلى الكبد، فيجف البطن. وإما لأن الغذاء ينحدر عن المعدة سريعا، فلا يلحقه الكبد أن تجتذب منه المقدار الذي تحتاج إليه. وسبب ذلك إما كثرة المرار الذي ينصب إلى الأمعاء فيهيجها لدفعه فيقل تولده في الشيخوخة لبرد المزاج فيجف البطن. وإما لضعف القوة الماسكة التي في المعدة والأمعاء من قبل رطوبة مزاجها. وهذا إن كان مزاج المعدة * في (125) الأصل حارا PageVW0P036B . * فإن القوة الماسكة تقوى في الشيخوخة لأن المزاج يعتدل في الرطوبة والحرارة. وذلك أنه يصير يابسا وقد كان من قبل رطبا وباردا لأنه كان في الأصل حارا (126) . فأما إن كان مزاج المعدة في الأصل باردا، فبالحري أن يصير إلى الإفراط من البرد وتبقى القوة الماسكة على ضعفها ويدوم لين البطن. وأما يبس بطن الشباب، فلأن ما يتناوله من الغذاء أقل بالقياس إلى ما ينفذ إلى الكبد إما لأن صاحبه يتناول من الغذاء أقل من * احتمال (127) القوة التي في الكبد لميل مزاج المعدة إلى الحرارة. فإذا طعن في السن بردت المعدة بعض البرد، فازدادت الشهوة، فيتناول صاحبه من الطعام أكثر مما تجتذبه الكبد. وأما من قبل أن ما ينصب من المرار إلى الأمعاء يسيرا لقلة ما يتولد منه في الكبد لبرد مزاجها، وهذا قد يبقى في وقت الشيخوخة. وقد * يفرط (128) البرد فيضعف * نفوذه (129) إلى الكبد، فيلين البطن. وأما من قبل شدة القوة الماسكة التي في المعدة ليبس مزاجها PageVW5P018B ، فإذا ضعفت القوة بإفراط، غلبه اليبس عليها لأن البطن لأن يزول الطبعام عنها يكون أسرع. وإما لأن الكبد تنشف رطوبته الغذاء عن آخره لميل * مزاجها (130) إلى الحرارة قليلا. فإذا PageVW0P037A شاخ وبردت الكبد، لم تنشف رطوبته الغذاء، فيلين البطن. وللرازي في هذا الفصل اعتراض ذكرناه في حلنا شكوكه.
21
[aphorism]
قال أبقراط: شرب الشراب يشفي * الجوع (131) .
[commentary]
التفسير: عنى بالشراب النبيذ ومن الأنبذة ما يكون قويا أحمر لا قبض فيه ولا عفوصة. وعنى بالجوع الشهوة الكلبية * اليسيرة (132) ، لا عدم الغذاء. فإن عادم الغذاء معما لا يشفيه شرب الشراب قد يضره مضرة بينة لأنه يسخنه. وأما الجوع الكبي * فهو (133) * للكلب (134) على شهوة الطعام. فقد يكون من برد فم المعدة ويبسه، وقد يكون من كيموس حامض قد * يشوبه (135) إما بلغم أو سوداء. والشراب الذي وصفناه يشفي الأمرين جميعا لأنه يسخن المزاج البارد ويسلك * بما يخالط (136) الحامض طريق النضج. ويجب أن يضاف إلى الشراب الأشياء الدسمة الدهنة لأن الدسم يعدل حموضة الكيموس ويزيل ما بهم من اليبس لأن * الماء (137) لا يفي بترطيب معد هؤلاء لأنه ينحدر عنها قبل غوصه فيها. والدسم PageVW0P037B * يبله (138) ويرخيه ويلينه كما تراه يفعل من خارج بالخشكريشات والجلود المدبوغة. فإذا اتيع بالشراب، أزال ذلك الجوع. * وإذا (139) ألح عليه زمانا، قلع المرض. وقد كان أناس من القدماء زعموا أن أبقراط عنى * هاهنا (140) * بالجوع (141) المرض المسمى * بوليموس (142) . وجالينوس يخطئهم قائلا بأن هذا المرض ليس هو * جوعا (143) ، * وإنما (144) غشي يعرض من سقوط القوة بسبب البرد العارض من خارج وفي أوائله يحدث الجوع. فإذا استكمل، زال وهو كما قال. إلا أن المنذر بهذا المرض هو الجوع الذي يحدث في أوائله. ومتى سقى صاحبه شرابا وجبزا مبلولا فيه، دفع العارض. فلا مانع إذا أن يحمل كلام أبقراط * في نفسه (145) على الجوع الذي يتقدم * بوليموس (146) ، وإن لم يكن * بوليموس (147) جوعا في * نفسه (148) .
22
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأمراض يحدث من الامتلاء، فشفاؤه يكون بالاستفراغ. وما كان منها يحدث من الاستفراغ، فشفاؤه ويكون بالامتلاء. وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة PageVW0P038A .
[commentary]
التفسير: جالينوس يرى أن أبقراط عنى بالامتلاء والاستفراغ ما لم يحدثا مرضا. يعني أنه متى وجد في البدن امتلاء أو استفراغ، فإنهما يحدثان مرضا إن لم يقابل بضده. ويكون تقدير قول أبقراط: ما كان من الأمراض التي تريد * أن (149) تحدث عن الامتلاء والاستفراغ، فينبغي ان يستفرغ الامتلاء ويملأ البدن من الاستفراغ. وهذا التدبير يسمى التقدم بالحفظ PageVW5P019A . فإن أخذا يحدثان المرض والتدبير يكون مركبا من التقدم بالحفظ ومن الشفاء * البحت (150) لأنه يمنع ما هو مزمع بالحدوث ويزيل ما حدث. ولعل هذا المعنى حمل جالينوس على أن * يفهم (151) من الامتلاء والاستفراغ ما لم يحدثا مرضا لأنه أمر أن يقابل بمداواة بسيطة. إلا أنه لا مانع أن يحمل كلامه على الأمراض الحادثة من الامتلاء والاستفراغ لأن الأمراض التي حدثت وفرغت تحتاج إلى علاج بسيط وهو الشفاء البحت. * فتكون (152) التدابير الطبية مختصرة في خمسة، وهي: حفظ الصحة PageVW0P038B والتقدم بالحفظ والشفاء البحت والمركب من الشفاء والتقدم بالحفظ والمركب من التقدم بالحفظ ومن حفظ الصحة. وقد يعترض قائلا بأن الامتلاء قد يقابل بالامساك عن الطعام دون الاستفراغ، فليس كل امتلاء يحتاج أن يستفرغ فيه البدن، ولا كل شفاء إنما يكون * بالمضادة (153) . فقد يسقى المحمومين أدوية مسخنة ويسقى صاحب القولنج من البرد أدوية مخدرة. وهذا الاعتراض لا يقدح في كلام أبقراط لأن الإمساك عن الطعام يستفرغ البدن استفراغا خفيا قليلا بعد قليل. والمحموم ليس يشفي * بالأدوية (154) المسخنة لطفية نائرة الحمى بل لتقطيع الأخلاط اللزجة أو لتلطيف الغليظة أو تفتيح السدد. وتسقى الأدوية المخدرة في القولنج الشديد إذا خيف سقوط قوة العليل ليسكن وجعه ريثميا يعالج المرض.
23
[aphorism]
قال أبقراط: إن البحران يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشر يوما.
[commentary]
التفسير: قد يكفي PageVW0P039A في رسم البحران أنه تغير عظم يحدث * للمريض (155) دفعة لأنه إذا * لحق (156) به، * إما (157) إلى السلامة أو إلى حال أجود * يعني أجود (158) من المرض * وأدون (159) من السلامة. وذلك عندما تقهر الطبيعة المرض قهرا لا على التمام. وإما إلى العطب أو إلى حال أردأ * يعني أردأ (160) من * المرض (161) وأهون من العطب. وذلك عندما يقهر المرض الطبيعة قهرا غير تام حسب ما * يفعله (162) بعض خرج الرسم عن أن يتناول واحدا واحدا من مرسوماته. وعنى بالأمراض الحادة التي * حدتها متصلة (163) من أول المرض إلى آخره. وما كان من الأمراض كذلك ، فإن الطبيعة تكون متشمرة لمقاومتها على الاتصال وبحرانها لا يتأخر عن الرابع عشر فما دونه من الحادي عشر والتاسع والسابع والخامس والرابع. وربما يأتي في الأيام الأخر التي فيما بين هذه ولا يكون محمودا. وأبقراط يسمى هذه الأمراض حادة بقول مطلق. فأما الأمراض التي توجد هادئة من أول المرض ثم تحتد وتقوى وتشتد من بعد أو تشتد حينا وتغير حينا فإن بحارينها قد تجاوز الرابع عشر إلى العشرين وما بعد الأربعين. * وإنما لا تتجاوز الأمراض التي هذه حالها مدة (164) الأربعة عشر لأن * مقاومة الطبيعة للمرض إذا كانت متصلة على الدوام في هذه المدة، كان حدة المرض واشتدادها أيضا تكون متصلة. ولا بد من أن يحدث عند هذه النهاية تغير كلي هو البحران إما إلى الخير أو الرداءة لأن (165) واجبا أن تتغير حال المريض عند نهاية هذه المدة. فإن الطبيعة لا تحتمل PageVW0P039B مقاساة صعوبة المرض أكثر من هذه المدة. فإن قويت، قهرت المرض. وإن عجزت، غلبها المرض. أوبقراط يسمي أمثال هذه الأمراض حادة بقول مطلق. فأما الأمراض التي توجد هادئة من أول المرض ثم تحتد ويقوى وتشتد من بعد أو تشتد حينا وتفتر حينا، فإن بحرانها قد يتجاوز الرابع عشر إلى عشرين وما * بعده (166) إلى * أربعين (167) وأبقراط يسمي أمثال هذه الأمراض حادة يأتي بحرانها في يوم كذا، ولا يسميها حادة بقول مطلق.
24
[aphorism]
قال أبقراط: الرابع منذر بالسابع وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن. والمنذر بالرابع * عشر (168) اليوم الحادي عشر، لأنه الرابع من الأسبوع الثاني. واليوم السابع عشر أيضا يوم إنذار لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر واليوم السابع من اليوم الحادي عشر.
[commentary]
التفسير: أيام الأنذار هي الأيام التي تظهر فيها * علائم (169) تدل على بحران يأتي فيما بعد. فالرابع * منذر (170) بالسابع لأنه نصف PageVW0P040A الأسبوع الأول. والبحارين تجري أدوارها على الأسابيع وأنصاف الأسابيع هي الأرابيع، فالأربيع منذرة بالأسابيع. ولذلك فإن اليوم الرابع منذر بالسابع والحادي عشر بالرابع عشر لأنه الرابع من اليوم الثامن الذي هو أول الأسبوع الثاني. واليوم السابع عشر * منذر (171) بالعشرين لأنه الرابع من اليوم الرابع عشر الذي هو أول الأسبوع الثالث. وذلك أن الأسبوع الثالني يوجد منفصلا عن الأسبوع الأول والثالث متصلا بالثاني. ولهذا * فإن (172) أبقراط جعل انقضاء الأسبوع الأول اليوم السابع وابتداء الأسبوع الثاني في اليوم الثامن. وجعل انقضاء الأسبوع الثاني وابتداء الثالث اليوم الرابع عشر. والبيان على ذلك إما الاستقراء * أو (173) التجارب حسب ما * اعتمده (174) في هذا الموضع. وذلك أن المرضى * الذين (175) جرت * أدوار (176) بحارينهم على المجرى الطبيعي * يأتي (177) بحرانهم الثالث في اليوم العشرين والأربعين والستين والثمانين والمائة. وأما العلة الطبيعية PageVW0P040B ، فهي أن البحران لا يكون في أسابيع هي * أيام (178) تامة لا كسر معها، لكن الأسابيع محسوبة في البحارين ستة أيام وثلثا يوم وربع ربع يوم. * ومقدار هذا (179) الربع ربع يوم بالساعات ساعة واحدة ونصف ساعة، وثلثا اليوم هو ستة عشر ساعة. فتكون مدة الأسبوع الواحد ستة أيام وسبعة عشر ساعة ونصف. * فالكسر (180) الذي يبقي للأسبوع الثاني في اليوم السابع هو كسر أقل من نصف يوم. فلايستحق لذلك أن يجعل هذا اليوم مشتركا. فأما مدة أسبوعين، * فهي (181) ثلاثة عشر يوما * وإحدى (182) * عشرة (183) * ساعة (184) . فالبحران يكون في اليوم الرابع عشر. ويبقي للأسبوع الثالث * في هذا اليوم ما هو قريب من نصف يوم، وهو إحدى (185) عشرة ساعة، فلا يجوز أن يطرح أصلا. فيحسب ابتداء الإسبوع * الثالث (186) من اليوم الرابع عشر ويكون البحران في اليوم العشرين. وأما ثلاثة أسابيع، * فهي (187) عشرون يوما وسدس يوم وكسر، وهو مدة نصف ساعة. وسدس اليوم هو أربع ساعات ، فيكون فضل PageVW5P020A الثلاثة الأسابيع على عشرين يوما أربع ساعات ونصف، وهو كسر قليل. فيكون البحران بيوم العشرين أولى بالواحد وعشرين PageVW0P041A .
25
[aphorism]
قال أبقراط: إن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة، والخريفية تكون طويلة لا سيما متى اتصلت بالشتاء.
[commentary]
التفسير: هذا قانون عام في جميع الأمراض إلا أن أبقراط جعل أطول الأمراض مثالا في سرعة الانقضاء ليكون أكثر في الدلالة على غيرها. والصيف بحرارته يذيب الأخلاط ويرققها ويلطفها وينشرها في جميع البدن وتخلخل المسام. فإن كانت القوة معها قوية، عمل معها بحرانا محمودا * ويسكن المرض (188) ، وإلا * فيتحلل بتحللها لضعفها (189) . والشتاء تجمد فيه الأخلاط والكيموسات ولا تنطاع للذوبان، فعسر نضجها وتحللها لصفاقة البدن وتلززه * فيتطاول (190) المرض.
26
[aphorism]
قال أبقراط: لأن تكون الحمى بعد التشنج خير من أن يكون التشنج بعد الحمى.
[commentary]
التفسير: التشنج يكون من الامتلاء ومن الاستفراغ إلا أن الذي يعرض للصحيح بغتة يكون من امتلاء العصب من جهة الكيموسات اللزجة التي يغتذي به. وإذا PageVW0P041B عرضت الحمى بعده، أذابته ولطفته وحللته. فأما التشنج الذي يعرض بعد الحمى، فسببه جفاف الاعضاء بحرارة الحمى ويحتاج في أن يتندى ويغتذى إلى زمان طويل. وشدة المرض لا تمهل، * فلذلك (191) تنحل القوة.
27
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به حمى ليست بالضعيفة جدا، فأن يبقى بدنه على حاله لا ينقص شيئا أو يذوب بأكثر مما ينبغي رديء لأن الأول ينذر بطول من المرض والثاني يدل على ضعف القوة.
[commentary]
التفسير: عنى بقوله "ليست بالضعيفة" * تجوزا (192) عمن مرضه من الامتلاء إلا أن حماه ضعيفة ومزاج الهواء بارد، فهؤلاء لا يهزلون سريعا، ولا يدل ذلك على الرداءة. فأما من كانت حماه قوية وليس ينقص بدنه شيئا، فإنه ينذر بطول المرض لأنه يدل إما على كثافة الجلد وإما على غلظ الكيموسات وإما على امتلاء البدن. * فهذه (193) أشياء منذرة بالطول. ولم يعن بالذوبان المرض الذي يذوب معه البدن، بل * الهزال (194) والضمور. فمن كان بدنه يذوب في الحمى بأكثر مما تقتضيه قوة حماه من غير طول في المرض ولا PageVW0P042B استفراغ محسوس ولا من هم أو سهر أو إمساك عن الطعام أو حركة كثيرة أو فرط في حر الهواء ولا العليل ممن يتحلل بدنه سريعا لفرط رطوبته وحرارته كالصبي الصغير أو تتحلل قوته سريعا كالشيخ الفاني، فإن ذلك يدل إما على * رقة (195) الكيموسات وتخلخل البدن، فإن هذين مهما اجتمعا، أوجبا الاستفراغ الكثير من PageVW5P020B البدن والنقصان من القوة، وإما على ضعف من القوة نفسها.
28
[aphorism]
قال أبقراط: لا ينبغي أن تغتر * بخف (196) * يجده (197) المريض بخلاف القياس ولا أن تهولك أمور صعبة * تجري (198) على مجرى القياس فإن أكثر ما يعرض من ذلك ليس بثابت * ولا يكاد يلبث (199) ولا تطول مدته.
[commentary]
التفسير: خفة المرض بخلاف القياس هي أن تهدأ سورته من غير استفراغ ولا ظهور علامات النضج. وبالحاري أن يجلب ذلك عودة من المرض على ما قاله قبل. ولذلك ليس ينبغي أن يغتر الإنسان بها، بل يأخذ نفسه بالتحرز في التدبير. فأما الأمراض الهائلة التي تحدث على مجرى القياس، فهي الاضطراب والصعوبة التي تحدث عند البحران بعد علامات النضج. وهذه، وإن كانت هائلة في الظاهر، فإنها لا تثبت طويلا ويتبعها بحران محمود ينقضي به المرض سريعا.
29
[aphorism]
قال أبقراط: ما دام المرض في ابتدائه، فإن رأيت أن تحرك شيئا، فحرك. * فإذا (200) صار المرض إلى منتهاه، فينبغي أن يستقر المريض ويسكن.
[commentary]
التفسير: هذا أقوى دليل على أن أبقراط يرى الاستفراغ قبل النضج لتنكسر سورة المرض وتقل المادة * فيسهل (201) على الطبيعة نضجها والاستيلاء عليها. ومنزلة الطبيعة في ذلك الوقت منزلة إنسان قد صرع، فإنه في ذلك الوقت أحوج ما يكون إلى آخر يقيمه ويعينه على النهوض. وقوله * وفي (202) المنتهى يجب أن يستقر المريض PageVW0P043A ولا يستفرغ أفهم إذا كنت قد تقدمت فاستفرغت في بدء المرض. فأما من لم يستفرغ بدنه بدئا وهو محتاج إلى الاستفراغ والقوة تفي به، فالأولى أن لا يتوقف عنه، وإن كان الوقت وقت المنتهى. وإلا فان ذلك إسلام * للعليل (203) إلى الخطر. وهذا كله إذا كان المرض مما يسلم منه المريض. فإن الأمراض القتالة ليس ينبغي أن تحرك، لا في أولها ولا في منتهاها، بل يتقدم فيخير بما ستؤول إليه عاقبتها لئلا يحمل المكروه الذي يقع على تدبير الطبيب.
30
[aphorism]
قال أبقراط: إن جميع الأشياء في أول المرض وآخره أضعف وفي منتهاه أقوى.
[commentary]
التفسير:إن جميع ما يعرض في * المرض (204) من الأعلام يتفنن إلى أربعة، هي أعلام النضج وأعلام البحران وأعلام الدلالة على السلامة والتلف والأعلام المقومة لنوع المرض. وهذه هي التي عناها أبقراط لا غير لأن ما عداها قد لا يوجد في أول المرض ولا بآخره. * وأما (205) الأعلام المقومة للمرض، فإنها تكون في الابتداء أضعف لأن صورتها بعد لم تكمل وفي الانخطاط PageVW0P043B تكون قد ضعفت لأنها قد أخذت في الاضمحلال PageVW5P021A . وأما في المنتهى وبالقرب منها، فتكون قد كملت فهي أقوى ما يكون إنما يكون في ذلك الوقت.
31
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الناقه يخطئ من الطعام ولا يزيد بدنه شيئا، فذلك رديء.
[commentary]
التفسير: قوله يخطئ أي يشتهي ويتناول وقد فهمت المعنى فيه.
32
[aphorism]
قال أبقراط: إن في أكثر الحالات جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر ولا يزيد بدنه * شيئا (206) ، فإنه يؤول أمره إلى أن لا يحظى من الطعام. فأما من يمتنع عليه في أول أمره النيل من الطعام امتناعا شديدا ثم يحظى منه بآخره، فحاله تكون أجود.
[commentary]
التفسير: عنى بمن حاله رديئة الناقه وهو إذا اشتهى وتناول ولم * يتزيد (207) بدنه، دل على أن شهوته أقوى من هضمه وتؤؤل حاله إلى أن يشتهي لما يتولد في بدنه من الفضل * الذي (208) * فيصير (209) كلا على قوته وسببا لسقوط شهوته. * فأما (210) من امتنع أولا من الطعام لعدم شهوته، فإن الطبيعة تنضج ما في بدنه من الفضل PageVW0P044A وتدفعه إلى خارج أو تصرفه إلى غذاء الاعضاء إن أمكنها ذلك وتؤول حاله بآخره إلى أن يخطى من الطعام. * ولذلك (211) حاله أجود.
33
[aphorism]
قال أبقراط: صحة البدن في كل مرض علامة جيدة وكذلك الهشاشة للطعام وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
التفسير:إنما صار كذلك لأن أحدهما يدل على صحة * القوة (212) النفاسية * والآخر (213) على صحة * القوة (214) الطبيعية الغاذية. وكما يدل هذان على صحة هاتين القوتين، فجودة النبض في الاستواء والقوة تدل على جودة القوة الحيوانية. ولذلك متى اجتمعت ثلاثها مع استقلال المريض بمرضه، فليقو الرجاء بالسلامة. وإن كان معهما علامات أخر رديئة لسلامة الأعضاء الرئسية التي هي محل لهذه القوى، والواحدة من هذه العلامات قد تتفاضل حالها في الجودة بحسب اختلاف الأعضاء العليلة. فإن صحة الذهن في أمراض الدماغ أفضل منه في أمراض الكبد. والهشاشة للطعام في أمراض الكبد والمعدة أفضل منه في أمراض الدماغ. وأيضا فقد تعرض أعراض PageVW0P044B تزيد في قوة العلامات و تنقض منها. ولذلك أن المبطون صحيح الذهن وربما يبقى كذلك إلى أن يموت. فهذه الحالة زائدة في صحة ذهنه إلا أنها ليست بذلك * الوثيق (215) . ولذلك قد يموت المبطون وهو أعقل ما يكون. وافهم أن الدلائل المأخوذة من الأعضاء الرئيسية أو من الأعضاء الشريفة من أعظم الدلائل قوة، ولذلك خصص أبقراط كلامه بها. مثال ذلك أن الوجه الشبيه بوجه الميت والعينين * غائرين (216) والصدغين * لاطئين (217) ، والبصر * يكيع (218) ويظهر بياض العين PageVW5P021B في النوم أو يتقيح الفم أو تلتوي العين أو ينحدر البدن إلى أسفل دلائل مأخودة من الدماغ. وأما ضروب النبض، فتدل على أحوال القلب. والتنفس البارد دليل الهلاك مأخوذة من حال القلب. والدلائل الأخوذة من البراز تدل على حال المعدة كما المأخوذة من البول تدل على حال الكبد والدلائل المأخوذة من التنفس والنفث تدل على أحوال الصدر. ولذلك قد تعدم دلائل النضج في PageVW0P045A البصاق في علل الصدر ودلائل البول والبراز سليمة، فيحدث الموت. وأعظم الدلائل قوة على الحميات والأمراض التي من جنسها الدلائل المأخوذة من أفعال القوة الطبيعية. وليس ينبغي أن يفهم قول أبقراط "علامة جيدة" * أنها (219) تدل على السلامة لا محالة، ولا من قوله "علامة رديئة" أنها تدل على العطب لأن العلامة الواحدة قد تقابلها علامات أخر ضدها. بل ينبغي أن يفهم من كل واحدة منها أنها علامة تدل إما على الجودة أو الرداءة في نفسها فقط، إلا أن هذه العلامات المذكورة على الخصوص أدل على السلامة لدلالتها على قوة الأعضاء الرئيسية كما قلنا.
34
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان المرض ملائما لطبيعة المريض وسنه وسخنته والوقت الحاضر من أوقات السنة، فخطره أقل * من خطر المرض إذا كان ليس بملائم (220) لواحدة من هذه الخصال.
[commentary]
التفسير: عنى بالطبيعة المزاج الأصلي. وتقدير كلامه إذا كان المرض ملائما للمزاج الأصلي وللمزاج الحادث بسبب السن والسخنة * والوقت (221) الحاضر PageVW0P045B من أوقات السنة، فخطره أقل منه إذا كان مضادا * لها. وذلك أن المرض إذا كان مضادا لهذه الأمزجة، دل على قوة السبب الفاعل للمرض حتى قهر هذه الأشياء التي كانت أضداده ووجدت مقاومة له. وبالحري إذا استفحل سبب المرض أن يكون قاتلا. ولذلك فإن الفالج لا يعرض في صميم الحر للشباب المعروق (222) الحار المزاج إلا لقوة من السبب قوية تغلب المزاج الأصلي والحادث. ولهذا قالوا إن المشايخ لا يفلتون من المرض الحاد لأن طبائعهم لا تقاومه، وعدم المقاومة يدل على عظم السبب الفاعل. والنساء يفلتن من المرض الحاد أقل من الرجال للعلة بعينها. وتوجد الأمراض الصفراوية تقتل في الشتاء وهو ضد طبيعتها، ولا تفعل مثل هذا في الصيف وهو مشابه لطبيعتها. وهذا الفصل لا يناقض ما يقوله من بعد البحوحة والنزلة للشيخ الفاني لا ينضج فإن ليس معنى أن * لا (223) ينضج هو * أن يكون (224) ذا خطر على أن ما يعرض للشيخ الفني فهو ذو خطر لانحزال قوته ولا يناقض PageVW0P046A * أيضا (225) ما قاله في إبيديميا أن أكثر من كان يموت * من (226) كانت طبيعته مائلة إلى السل * لأنه (227) عنى هناك بالطبيعة الخلقة دون المزاج. وقد ظن * أناس (228) من قدماء الأطباء أن المرض المضاد لمزاج الهواء أقل خطرا PageVW5P022A لأن الأشياء المشابهة للأمراض تهيجها والمضادة تبطلها إذ الشفاء بالضد. * فأما (229) المشابهة، فأكثر تهييجا كما قالوا إلا أنها أقل خطرا لأن القليل منها يقوى على إيجاب المرض. فإذا أعينت الطبيعة بالتدبير، تعاونا على قهر السبب. وأما المضادة، * فإنها (230) تبطلها إذا انتقل السن والهواء إلى ضد مزاج المرض، لا إذا كانت مضادة للمرض * في وقت الحدوث.
35
[aphorism]
قال أبقراط: إن الأجود في كل * مرض (231) أن يكون ما يلي السرة والثنة له ثخن. ومتى كان رقيقا جدا منهوكا، فذلك رديء. وإذا كان أيضا كذلك، فالإسهال معه خطر.
[commentary]
التفسير: موضع الثنة هو ما يلي السرة إلى الفرج، وما يلي السرة * هو (232) ما يليها من فوق. وكأنه أشار بهذا القول إلى الأقسام الثلاثة * للبطن (233) وهو ما دون الشراسيف، وما يلي السرة من فوق، وما يليها من أسفل، وهي الثنة. وعنى بما يلي السرة PageVW0P046B والثنة * ما بينهما (234) في العمق لا المراق وحده. وهذه هي الآت الجوف، ويجب أن تكون هذه الآلات على طبيعة السمن، وهي التي * عنى بها (235) بالثخن * دلالة على الخير وسبب كمال القوة الطبيعية، وخصوصا على القوة الهاضمة الكبدية (236) * كما (237) أن رقة ونهوكة هذه الآلات علامة ردئية * دلالة (238) على ضعفها لهزالها، * ولسبب (239) أيضا رديء لأنه يضر بالاستمراء وتولد الدم إذ المعدة والكبد ينتفعان بثخن هذه المواضع في * أفعالهما (240) . وصار الإسهال مع هذه الحال خطرا لأن * الثرب (241) قد نهك والأمعاء قد رقت وذهب شحمها، فلا يحسن دفعها لما يحتاج إلى دفعه. ثم إذا * لقيتها (242) الدواء، لم يؤمن أن تقرحها أو تفسخها والقيء مع هذه الحال أكثر خطرا لأن هذه الآلات تتمدد في حال القيء، فلا يؤمن من هتك شيء منها إذا كانت رقيقة جافة.
36
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه صحيحا، فأسهل أو قيء بدواء أسرع إليه الغشي. وكذلك من كان يغتذي بغذاء أردأ.
[commentary]
* التفسير: عنى بالصحيح النقي البدن من الفضول ولم يعن بقوله PageVW0P047A "أسرع إليه الغشى" أن من شرب من الأصحاء دواء الاستفراغ، يغشي عليه. فإن كثيرا من هؤلاء يتفق له ذلك، فلا يغشي عليه، بل أن يضره المضرة التي تثمر (243) الغشي وذلك أن دواء الاستفراغ إذا لم تجد في الصحيح فضلة يجتذبها جذب ما يحتاج إليه البدن من الأخلاط بعسر ومشقة وأذى وكرب شديد. وربما أحدث أمراضا رديئة كالمغص والدوار. وربما إذا أفرط، أحدث الغشي. وذلك إذا كان الاستكراه في الاجتذاب عنها أكثر، فيكون الأذى والكرب أقوى وأشد * لأن (244) أعضاءهم تنهك وتضعف قواهم. وهكذا حال من كان يغتذي بغذاء رديء. فإن الحار الغزيري فيه يضعف لأن الدم والروح فيه يقلان وتنهك أعضاءه جدا لأنها لا تغتذي الاغتذاء التام. والكيموس الرديء أيضا يثقل القوة بكميته ويؤذيها بكيفيته. فلهذه المعاني أجمع تضعف قواهم وقصاري هؤلاء أن يصيروا بآخره إلى انخلال القوة، وهو الغشي، كالحال فيمن رأيناهم نحن في * سني (245) المجاعة PageVW0P047B ممن كان يغتدي بصنوف الاعشاب وغيرها من الأشياء التي ليس شأن الناس أن يعتذوا بها، ولذلك كانوا يموتون موتا جازفا. وتقدير هذا الفصل بحسب هذا التفسير هو أن من كان بدنه صحيحا، فأسهل أو قيء بدواء أسرع إليه الغشي، * ولذلك (246) يسرع الغشي إلى من كان يعتذي بغداء رديء. وأما جالينوس، ففسر قوله "وكذلك من كان يعتدي بغذاء رديء" على هذا الوجه وهو أن من في معدته خلط رديء إلا أنه قليل أو جامد، فإنه قد لا يؤذى حتى إذا ورد عليه الدواء المسهل أو المقيئ، ثار في معدته ودار فيها وولد الغشي والخفقان. والغشي لمشاركة فم المعدة أو القلب، وإن كان الخلط الرديء في العروق. فإنه إذا أثار بالدواء وصار إلى المعدة، فعل هذا بعينه. وإن كان من هذه حاله قليل الأخلاط في البدن، فهو ضعف القوة، وبالحري أن يكون الغشي إليه أسرع منه إلى غيره. ويكون تقدير هذا الفصل بحسب هذا التفسير هو أن من كان بدنه صحيحا، فأسهل أو قيئ بدواء PageVW0P048A أسرع إليه الغشي. وكذلك حال من كان يغتدي بغذاء رديء، فإنه إذا شرب دواء الاستفراغ، أسرع إليه الغشي أيضا، فيكون البدن النقي. والذي ليس * بالنقي (247) ، تسارع الغشي إليهما إذا استعمل فيهما دواء الاستفراغ * على مثابة (248) واحدة، إلا أن كل واحد منهما على وجه ما * آخر (249) .
37
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه صحيحا، فاستعمال الدواء فيه يعسر.
[commentary]
التفسير: إنما يعسر استعمال الدواء في هؤلاء لأن الدواء إذا لم تجد فضلة يستفرغها جاذب الأعضاء واستكرهها على انتزاع ما فيها مما يلائمها. وذلك مما يعسر ويكون معه كرب وأذى شديد، وربما تحدث * أعراض (250) رديئة كما علمت.
38
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا إلا أنه ألذ، فينبغي أن * يختار (251) على ما هو منهما أفضل * إلا أنه (252) أكره.
[commentary]
التفسير: الطعام الألذ أوفق لمن هو عنده الذ، وإن كان لناس آخرين دون ذلك. ولذلك فإن طبيعته تقبله قبولا أحسن، فتجيد هضمه وتصلح أكثر رداءته فتمتاز الطبيعة PageVW0P048B منه امتيازا أكثر فتقوى به وتميز فضلاته وتدفعها.
39
[aphorism]
قال أبقراط: الكهول في أكثر الأمر يمرضون أقل مما يمرض الشباب إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة على الأكثر الأمر يموتون وهي بهم.
[commentary]
التفسير: عنى بالكهول الضابطين لتدبيرهم. فإن من لم يضبط بتدبيره من الكهول، فهو أكثر أمراضا من الشبان لأنهم أضعف قوة وأقل حارا غريزيا منهم. وأما الشبان، فأكثر نهما وشرها. فهم لذلك أكثر أخلاطا وحركاتهم في غير وقتها أكثر. فهم لذلك أكثر أمراضا. والعلة في أن من ضبط تدبيره من الكهول يمرض أقل هو أن حدة * المواد (253) قد سكنت فيهم وذهب كثرة تولد الدم وصار ما فيهم من الأخلاط ساكنة هادئة قليلة الاضطراب والانصباب والتعفن. * فإذا ضبطوا تدبيرهم، كانوا أقل أمراضا (254) ، إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة قل ما يفارقهم، كالصرع والارتعاش وغيرهما. وذلك لنقصان الحار فيهم. وأمثال هذه الأمراض تحتاج PageVW0P549A إلى توفر الحار لتنضج.
40
[aphorism]
قال أبقراط: إن ما يعرض من البحوحة والنزلة للشيخ الفاني * ليس يكاد (255) ينضج.
[commentary]
التفسير:عنى بالبحوحة ما يعرض للمشايخ من التشاعل والتخنج بسبب رطوبة رئاتهم. ولأنهم يزدادون في ذلك كل يوم لإمعان الحار الغزيري فيهم في النقصان، فبالحري أن لا يبرؤا منه. وعنى بالنزلة ما ينحدر من رؤوسهم إلى رئاتهم على الدوام من الرطوبة التي هي فضلة الدماغ. وذلك أن الدماغ في الجملة عضو كبير الفضول والرطوبة بسبب برد ورطوبة مزاجه في الأصل، وبسبب أن العروق التي تجيئه وتتمسك بالدم لغذائه وتدحو بالفضول الرطبة إلى بطونه وتتضاعف هذه الفضول في سن الشيخوخة لما يعرض للدماغ من زيادة البرد. ولذلك يستحيل جزء من الغذاء الذي يصير إليه PageVW5P023A إلى رطوبة فضلية غير نضجة. وهذه الرطوبة لا ينقطع تولدها لقلة الحار الغزيري فيهم. فكيف يتم لها إن تنضج وليس هذا حال البحوحة والنزلة PageVW0P049B بل و جميع الأمراض التي يحتاج فيها إلى النضج، فإنها في المشايخ، وإن لم يكونوا يصفه الفاني، قل ما يبرؤن إلا أن يكونوا حاري المزاج. ولذلك فإن علل الكلى فيهم لا يبرؤ والعلل التي يعسر نضجها في الشبان لا ينضج البتة في المشايخ.
41
[aphorism]
قال أبقراط: من يصيبه مرارا كثيرة غشي شديد من غير سبب ظاهر، فهو يموت فجأة.
[commentary]
التفسير : قوله أن هذا الغشي لا يعرف له بسبب ظاهر يدل على أنه * يظهر (256) بالأصحاء دون المرضى والصحيح إذا انتهى به ضعف القوة إلى حد يغشي عليه غشيا شديدا كما قاله لم يكن ذلك بلا سبب ظاهر وبالحري أن لا يفيق منه صاحبه. فليس السبب * فيه إذن (257) ضعف القوة الحيوانية، بل انسداد مسلك الشريان الوريدي، وهو الذي يسلك فيه الهواء من الرئة إلى القلب والابخرة الدخانية من القلب إلى الرئة * أو انسداد (258) مسلك لأبهر، وهو الذي يسلك فيه الروح من القلب إلى جميع البدن على سبيل ما ينسد أوائل النخاع في * علة (259) الصرع، والطبيعة تجاهد ذلك لتنحيه. وإنما يفيق المصروع PageVW0P050A على الأكثر ولا يفيق المغشي عليه لا لأن الانسداد في الصرع إنما هو في العضو الذي هو مبدأ الحركات فتجتمع حركات كثيرة قوية على حله، فإن القلب بالتحقيق هو مبدأ الحركات فتجتمع حركات كثيرة قوية على حله وإن كان القلب بالتحقيق هو مبدأ الحركات أجمع. بل لأن القلب أشرف من الدماغ، فلا يحتمل ما يحتمله الدماغ من الأذى. ولأنه أصل الحار الغزيري فيتسارع إليه الانطفاء مع عدم الترويح. ورأيت من كان يعرض له هذا العارض أشهرا كثيرة وكان ينوب عليه في الشهر مرة وأكثر إلى أن مات. ورأيت من مات بأول غشية * ركبته (260) وبالثاني. فخمنت أن السدة في الأول كانت في * الشريان (261) الأبهر وأن القلب لم يكن يعدم الترويح رأسا. ولذلك * كان (262) يعاوده مرارا كثيرة. وإن في * الثاني (263) كانت السدة في الشريان الوريدي، فلما عدم القلب الترويح أصلا، مات ميتة المختنقين. وكل من أزيد ممن غشي عليه هذا الغشى، لم يفق أصلا. فعلمت أن السدة كانت في الشريان الوريدي. والغشي الذي يعرف له سبب كالذي يغشي عليه إذا أفرط المقام في الحمام الحار سيما وقد أوقد بالأشياء PageVW0P050B الرديئة الرائحة والبخار وكصاحب المعدة الضعيفة إذا استحم ولم يطعم شيئا حتى ينصب إلى معدته مرار تؤذيها. ولذلك متى كان قد تناول شيئا لم * يغش (264) عليه، وكالغشي في اختناق الرحم. ويعم ما قال غشيا شديدا لأن الغشي الضعيف لا يؤدي PageVW5P023B بصاحبه إلى الموت. فمتى غشي على إنسان غشيا شديدا للسبب الذي * قلناه (265) وليس هو بظاهر السبب، ثم عاود مرارا تنخزك فيها قوة القلب مرة بعد مرة ويتمكن المرض، فبالحري أن لا يفيق صاحبه من غشية تعتريه، وهي الموت فجأة.
42
[aphorism]
قال أبقراط: السكتة إن كانت قوية، لم يمكن أن يبرأ * صاحبها (266) . وإن كانت ضعيفة، لم يسهل أن يبرأ.
[commentary]
التفسير: السكتة يعدم معها البدن كله الحس والحركة بغتة. وسببها إما ورم في الدماغ أو انسداد بطونه برطوبات بلغمية تمتنع بسببها الروح * النفسانية (267) إلى ما دون الرأس فيعدم الحس والحركة ما خلا حركة الحجاب للتنفس. وأبقراط عنى * بهذا (268) النوع PageVW0P051A من السكتة لأن الدموية قد تبرأ كثيرا بالفصد من غير أن تطول أو يؤول * أمره (269) إلى الاسترخاء. وإنما صار القوي منها لا يبرأ * للآفة (270) الداخلة على التنفس من بطلانه أو نقصانه أو كونه مستكرها، ولشرف الدماغ وقلة احتماله * الآفة (271) * العظيمة (272) ، ولأن شدة المرض لا تمهل كثيرا. وأما الضعيفة منها، فلا يسهل أن تبرأ لأن الدماغ يغتذي * بكيموس (273) بارد رطب والمرض حادث من خلط هذه حاله، فهو يحيل ما يرد عليه من الغذاء إلى مادة المرض. وتعتبر قوة هذه العلة بالتنفس فأقواها ما كان معها معدوما، ثم ما كان التنفس معها باستكراه. * وهذا لا يسهل أن يبرأ باستركاه (274) ودونهما الذي لا استكراه معه في التنفس، إلا أنه مختلف غير لازم لنظام. وأخفها ما كان التنفس لازما لنظامه. وإنما صار الحجاب يتحرك من بين سائر الآلات الأخر لمساس الحاجة إلى * حركته (275) في بقاء الحياة على الدوام. * وهو (276) بسط الصدر للتنفس * وتيقظ (277) النفس لذلك. ولهذا صار جميع عضل الصدر قد يتحرك حركة ما، ولم يكن قبل ذلك يتحرك لأن القوة لضعفها تستعين PageVW0P051B بجميع العضلات التي في الصدر ليجتمع من حركة جميعها جملة لها * قدرة (278) .
43
[aphorism]
قال أبقراط: الذين ينخنقون ويصيرون إلى حد الغشي ولم يبلغوا إلى حد الموت، فليس يفيق منهم من ظهر في فيه زبد.
[commentary]
التفسير: معنى هذا الفصل أن الخنوق إذا حل خناقه بعد أن يكون قد غشي عليه، فإنه * إن (279) أزبد، لم يفق. وإن لم يزبد، * رجيت (280) أفاقته. والزبد هو اشتباك ريح ورطوبة ينقسمان إلى أجزاء كثيرة صغار وتحيط * الأجزاء الرطبة بالأجزاء الريحية (281) فتصير عببا. وسبب الاشتباك حركة مستكرهة إما من الجسمين * كليهما (282) أو من أحدهما، * وإما (283) من الهواء، فكان * التموج (284) الحادث * من الرياح الهابة، وإما من التموج الحادث (285) عن شيء يخضخضه، وإما منهما، فكان * لحال (286) لقدور التي * تغلى (287) ، فإن الحرارة تحرك الجسمين معا وتحللهما على PageVW5P024A الاشتباك. والزبد الذي * يظهر (288) في فم المصروع سببه حركة من الهواء مستكرهة حسب، والذي يظهر في فم من يغضب سببه الحرارة وحدها، والذي يظهر في فم المخنوق فسببه الأمران معا. وذلك أن الأبخرة الدخانية التي تلطفها الحرارة ويذفها القلب إلى الرئة إذا لم تلتحق PageVW0P052A بالهواء الخارج بسبب الخناق، ترددت مقبلة تارة ومدبرة أخرى. فيفسخ * ما كان (289) أقرب ما كان أقرب عهدا * من جوهر الرئة بالانعقاد (290) بكثرة الاضطراب وتذيبه بحرارتها والرئة مجيبة بجميع ذلك للينها وتخلخلها ولطافتها. * وإذا (291) حل الخناق، اندفعت تلك الأبخرة مع الرطوبة إلى خارج اندفاعا مستكرها وقد صارتا عببا. وبالحري أن لا يعيش من يظهر في * فيه (292) هذه الرغوة على الأعم الأغلب لاختناق الحار الغريزي وغليان الحار الناري ولفساد جوهر الرئة. وإن من ينجو منهم إنما ينجو لأن هذه الآفات بعدما عظمت فيه. وقد قيل إن الزبد إذا كان في هؤلاء قليلا، أمكن أن يعيش صاحبه في الأكثر. وإذا كان كثيرا، فقد يعيش في الندرة. وهكذا من أسكت فأزبد، لم تخلص منه للسبب * بعينه (293) .
44
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه غليظا بالطبع * جدا (294) ، فالموت إليه أسرع منه إلى القضيف.
[commentary]
التفسير: عنى بالغليظ السمين المفرط لأنه أطلق بما يقابل ذلك وهو القضيف. وعنى بقوله "بالطبع" أي PageVW0P052B السمين يكون طبيعا من أول الأمر وعنى بما يعرض من الموت ما يكون من نفس الهيئة لا ما يعرض بسبب من خارج. فإن الآفات العارضة من خارج أسبق إلى القضيف منها إلى السمين. وصار الموت إلى الغليظ بالطبع من نفس هبئيته أسرع منه إلى القصيف لأن هؤلاء يكونون ضيقي العروق بسبب برد المزاج وكثرة الشحم، والدم والروح فيهم قليلان، والحار الغزيري فيهم قليل. وإذا طعنوا في السن، فإن حرارتهم تنقص كثيرا وتنطفئ لذلك من أدني فضلة تثقلها وتخنقها. فأما من كان غليظا لا بالطبع بل مكتسبا، فلا تعتوره هذه االآفات لأن عروقه تكون وأسعة والروح PageVW5P024B والأخلاط كثيرة والحرارة قوية. ولهذا صار الأجود أن يكون البدن معتدلا ئلا تتسارع إليه الآفات من داخل وخارج. فإن مال إلى أحد الطرفين، فلأن يميل إلى الهزال اليسير خير من أن يميل إلى السمن. فأما الميل إله الهزال الكثير، فليس بمحمود لأن صاحبه معرض له آفات أخر كالدق والسل والذبول وغيرها.
45
[aphorism]
* قال أبقراط PageVW0P053A : صاحب الصرع إذا كان حدثا، فبرؤه يكون منه خاصا بانتقاله في السن والعادة والبلد والتدبير.
[commentary]
التفسير: افهم عنه الصرع البلغمي لا ما قد يحدث من الدم ومن بخار رديء يصعد إلى الدماغ من بعض الأعضاء. فأما البلغم، فيحتاج إلى التدبير إلى ما يميل بالمزاج إلى الحر واليبس والمزاج بالطبع يميل إليهما بالانتقال من سن الحداثة إلى سن الشباب. وكذلك الانتقال من البلد البارد الرطب إلى الحار اليابس والانتقال في جل التدبير مما يبرد ويرطب إلى ما يسخن * ويجفف. (295)
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان * بإنسان (296) وجعان معا وليسا هما في موضع واحد، فإن أقواهما يخفي الآخر.
[commentary]
التفسير: الوجع أثر من المحسوس في الحاس. فالأضعف منهما لا * يتبين (297) في جنب الأقوى لأن القوة الحساسة تقبل قبل الأشد وتشتغل به. وهكذا الحال في أوجاع النفس التي هي الغموم. فإن الأقوى يخفي الأضعف PageVW0P053B ، إلا أن يكونا جميعا بسبب شيء واحد، فيزيد أحدهما في الآخر. كالأوجاع إذا كانت في عضو واحد وقد تبين هذا في سائر الحواس الأخر، فإنه مهما وضع شيئان بالبعد من * العين (298) أحدهما أضوأ وأكبر من الآخر، * رأت (299) العين ما هو أضوأ وأكبر ولا ترى الآخر. وكذلك متى كان صوتان أحدهما أقوى من الآخر، فإنه يسمع الأقوى ولا يسمع إلا ضعف. * والعلة في ذلك أن المحسوس هو الفاعل في الحاسة والحاسة منفعلة. فالمحسوس الذي هو أقوى تأثيرا تشتغل الحاسة بقبوله فيخفي أثر الآخر الذي هو أضعف تأثيرا (300) .
47
[aphorism]
قال أبقراط: في وقت تولد * المدة (301) يعرض الوجع والحمى أكثر مما يعرضان بعد تولدها.
[commentary]
التفسير: الدم وجوهر العضو يعرض لهما في وقت * استحالتهما (302) إلى المدة حالة شبيهة بالغليان * كما (303) يعرض للحطب * في (304) الاحتراق. ويصيران بعد الاستحالة بمنزلة الرماد من الخشب المحترق. ولذلك PageVW0P054A فإن الحمى تلتهب في ذلك الوقت التهابا أشد. * وأما (305) الوجع، فيشتد * في (306) ذلك الوقت بسبب التمدد والاستحالة التي تنال العضو بسبب المنازعة والجهاد الذي يجري بين طبيعة العضو وبين المرض.
48
[aphorism]
قال أبقراط: كل حركة يتحركها البدن، * فإن إراحته (307) حين يبتدئ به الإعياء تمنع من أن * يحدث به (308) الإعياء.
[commentary]
التفسير:أراد * أبقراط (309) بهذا أن يحد * للرياضة (310) حدا لا يتجاوز. وذلك أن عندما يبتديء * يحدث (311) الأعياء، يجب أن تقطع الرياضة. وإلا، دخلت في حد التعب. والفرق بينهما أن الرياضة تنهض الحار الغزيري، فتجود أفعال القوى، والتعب يحله ويضعفه. وقد فهمت أن التعب إنما يحدث للكلال العارض للقوة النفسانية ولسوء المزاج الحار الحادث للمفاصل ولتجلب الفضول إليها.
49
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتاد تعبا ما فهو وإن كان ضعيف البدن أو شيخا، فهو أحمل لذلك التعب الذي اعتاده ممن لم يعتده، وإن كان شابا قويا.
[commentary]
التفسير PageVW0P054B : هذا لأن العضو الذي يرتاض يصير أقوى منه إذا لم يرتض. فيكون للتعب الذي اعتاده أحمل PageVW5P025A .
50
[aphorism]
قال أبقراط: ما قد اعتاده الإنسان منذ زمان طويل وإن كان أخس مما لم يعتده، فأذاه له أقل. * فقد (312) ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل أعم مما قبله لأنه يتناول أية عادة اعتادها الإنسان. فإن كانت رياضية، فإن الأعضاء التي تتحرك * فتفيدها (313) قوة، وإن كان طعاما ما أو شرابا. فإن الأعضاء تستفيد طبيعة مناسبة لها. وذلك أن البدن وإن كان هو المشبه للغذاء بنفسه، فإن الغذاء قد يفعل فيه أثرا أخفيا يتبين ذلك على طول الزمان فيصير بين الغاذي والمغتذي مناسبة ومشاكلة. فأما الهواء * فإنه وإن (314) كان قد تعود الحار منه، فإنه يسخف البدن. فإذا ورد عليه البارد، غاص فيه فأضر به. * فإن (315) كان قد تعود البارد، فإنه يكثفه. فإذا ورد عليه الحار ، غيره إلى ضد ما هو له طبيعي. وعلى هذا القياس سائر الأشياء. وقوله "ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده" PageVW0P055A معناه أنه ليس ينبغي أن * يمرن (316) الإنسان نفسه على عادة واحدة حتى إذا * دفع (317) بالضرورة إلى غيرها، أضرت به، لكن يحمل نفسه في بعض الأوقات على العادات المختلفة. ويمكن أن يكون عنى به الانتقال من العادة الرديئة إلى ما لم يعتده من الأصلح. ولا ينبغي أن يكون ذلك في الأبدان المريضة، بل في وقت الصحة إذا كان فارغا عنيا بذلك، وهكذا فافهم في تبديل المزاج. ولا ينبغي أن يكون الانتقال * عنه (318) دفعة، بل قليلا قليلا وفي مدة. ولهذا قال في الأمراض الحادة إن الدوام على حال متوسطة الرداءة خير من الانتقال * عنه (319) دفعة إلى ما هو أصلح لأن ذلك عظيم الضرر.
51
[aphorism]
قال أبقراط: استعمال الكثير بغتة مما يملأ البدن أو يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر * من (320) الحركة أي نوع كان، * فهو (321) خطر. وكلما كان كثيرا، فهو مقاوم للطبيعة. فأما ما يكون * (322) قليلا قليلا، فمأمون متى أردت * انتقالا (323) من شيء إلى غيره ومتى أردت غير ذلك.
[commentary]
التفسير: * إنما (324) صار الاستعمال الكثير مما ذكر خطرا لأن PageVW0P055B قوام الطبيعة بالاعتدال. وكلما جاوزه، فهو مغير له. والمغير للاعتدال مقاوم للطبيعة مفسد لجوهر البدن. فأما استعمال الأشياء التي ذكرها قليلا قليلا فيدخل في باب العادات التي يتعودها الإنسان فيكون أقل تأذية بها وكأنه لما قال ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده بين أن هذا الانتقال ينبغي أن يكون قليلا قليلا.
52
[aphorism]
قال أبقراط: إن أنت فعلت جميع ما ينبغي أن يفعل على ما ينبغي ولم يكن ما ينبغي أن يكون، فلا تنتقل PageVW5P025B إلى غير ما أنت عليه ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا.
[commentary]
التفسير: إن من طباع بعض الأمراض أن يعسر نضجها إما لغلظ مادتها أو للزوجتها أو لبرد مزاجها. فلا تجوز مفارقة طريق الصواب، وإن لم يظهر له * بدءا (325) منفعة بينة. وإنما عنى بأن لا ينتقل إلى الغير يعني في النوع، وإلا فللطبيب أن ينتقل من دواء إلى * آخر (326) من نوعه، وإن لم يحتج أن يزيد في قوته أو ينقص منها، لأن الدواء * الواحد (327) إذا أديم استعماله، فربما ألفته معدته PageVW0P056A ، فصارت تهضمه. وعند ذلك واجب أن يستعمل دواء أخر * من نوعه (328) .
53
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بطنه لينا، فإنه ما دام شابا فهو أحسن حالا ممن بطنه * يابسا (329) * ثم تؤول حاله عند الشيخوخة إلى أن تصير أردأ (330) . وذلك أن بطنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يتضمن * الترجيح بين (331) لين البطن ويبسه * في (332) سن الشباب والشيخوخة. فالشاب إذا كان لين البطن، فهو أحسن منه * حالا (333) إذا أسن وكبر في الشيخوخة لأن فضلات بدنه تستفرغ بلين البطن فيكون * أصلح وأحسن (334) حالا لأن في الشيخوخة إذا يبس بطنه، فإن فضلات بدنه تحتبس فيه فيكون أردأ حالا. * وأما (335) من كان لين ويبس بطنه في الشباب والشيخوخة على البدل من هذا، فحاله في الجودة والرداءة بالعكس من هذا.
54
[aphorism]
قال أبقراط: عظم البدن في الشبيبة * ليس (336) يكره بل يستحب إلا أنه عند الشيخوخة يثقل ويعسر احتماله ويكون أردأ من البدن الذي هو أنقص * منه (337) .
[commentary]
التفسير: عظم البدن في التحقيق PageVW0P056B هو الزائد في الأقطار الثلاثة. ويقال باشتراك الاسم على البدن الغليظ الزائد في العرض والعمق وهو * السمن (338) . ويقال على الزائد في الطول وحده، وهو الذي عناه أبقراط * لأن (339) العظيم بالوجهين الآخرين ليس أردأ * في (340) الشيخوخة منه في الشبيبة. وأما الطويل، فإنه مما يستحب في الشبيبة وينحني في الشيخوخة، ولا يمكن صاحبه أن يحمله إلا بكد. وزعم الرازي في الجامع الكبير أن أبقراط عنى بالعظيم * السمين (341) . فإن جالينوس قد قال "إن البدن الغليظ ليس هو في الشيخوخة أحسن حالا من الذي هو ألطف منه" إلا أن قوله "ليس هو أحسن حالا" يفيد أن يكون أردأ، سيما وقد قال من بعد إنه ليس أردأ في الشيخوخة منه في الشبيبة.
[commentary]
تمت المقالة * الثانية (342) PageVW0P00 0
المقالة الثالثة * من شرح الفصول (1)
1
[aphorism]
قال أبقراط: إن انقلاب أوقات السنة مما يعمل في توليد الأمراض خاصة وفي الوقت الواحد منها التغير الشديد في البرد أو الحر PageVW3P031A . وكذلك * في (2) سائر الحالات على هذا القياس.
[commentary]
PageVW5P026A التفسير: فهم قوم من * انقلاب (3) تعاقب أوقات السنة. وجالينوس يناقضهم قائلا بأنه كما تحدث عند انتقال الشتاء إلى الربيع أمراض ربيعية كالوسواس السوداوي والجنون والصرع، * كذلك (4) تنقضي فيه أمراض شتوية. فلا يكون انقلاب الأوقات على هذا * المعنى (5) بتوليد الأمراض أخص منه بإبرائها. وذكر أن أبقراط عنى بانقلاب أوقات السنة تغيرها * عن (6) طبائعها. وعارضه الرازي في هذا بما ناقص هو به أولئك، قائلا بأنه كما يولد الربيع * إذا (7) كان صيفيا أمراضا صيفية، كذلك يشفى * من به (8) أمراض شتوية. وهذا PageVW0P057B ، وإن * قال حقا (9) ، فإنه إذا صار الربيع صيفيا أو الصيف خريفيا، كان في السنة الواحدة صيفان أو خريفان، * فكانت (10) خارجة عن اعتدالها لا محالة. فهذا الانقلاب بتوليد الأمراض أولى. وإذا كان الأمر على هذا، فمتى تغيرت أوقات السنة أكثر من واحد كما * قاله (11) أبقراط، فمن البين أنها تعمل في توليد الأمراض خاصة، سيما إذا كان التغيير في الحر أو البرد شيديدا. وتغير الفصل قد يكون إلى إفراط طبيعته. وقد يكون إلى خلاف طبيعته. * والتغير (12) الأول، وإن كان ممرضا، فإن الثاني أبلغ في توليد * المرض (13) .
2
[aphorism]
قال أبقراط: إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ. ومنها ما يكون حاله في الشتاء أجود وفي الصيف أردأ.
[commentary]
التفسير: عنى بالطبيعة المزاج. وافهم أن فصول السنة وسائر تغايير الهواء، سواء كانت طبيعية أو خارجة عن الطبيعة، تلائم بعض الأبدان وتنفعها ولا تلائم بعضها وتضرها، لأن الأبدان الصحيحة المعتدلة يوافقها الهواء الشبيه بها * ويضرها (14) المخالف. والخارجة PageVW0P058A يوافقها المضاد * لها (15) ، ويضرها المناسب. فالمناسب يزيدها خروجا عن الاعتدال والمضاد * لها (16) يعدلها. ولذلك فإن صاحب المزاج البارد الرطب في الصيف على أفضل حالاته لأنه يعدل هذا المزاج. وفي الشتاء بالضد لأنه يغير مزاجه إلى إفراط البرد والرطوبة. وصاحب المزاج الحار اليابس على البدل من هذا. وأما صاحب المزاج الحار الرطب، فلحرارته ينتفع بالشتاء، ولرطوبته ينتفع بالصيف. * ومثله (17) صاحب مزاج البارد اليابس، فإنه ينتفع PageVW3P031B في الصيف لبرودته وبالشتاء ليبسه. * وأما (18) صاحب المزاج المعتدل، فليس ينتفع من الفصول إلا بالمعتدل، لأنه يحفظ عليه اعتداله. وقد * شكك الرازي (19) قائلا بأن الصحة إذا كانت تحفظ بالمثل، * فهلا (20) كان الموافق لصاحب المزاج الحار اليابس الصيف * وللبارد (21) الرطب الشتاء؟ * وهذا (22) الشك يزول بأن يعلم أن الهواء ليس شأنه أن يستحيل إلى جوهر PageVW5P026B البدن فيحتاج أن يكون مشاكلا * له (23) . بل شأنه أن يعدل مزاجه بمنزلة الحال في الدواء. ولذلك يحتاج أن * يعتدل (24) مضادا PageVW0P058B . فأما المعتدل المزاج، فليس يحتاج أن * يعتدل (25) (وكيف يحتاج إليه وهو معتدل في نفسه؟) * بل إلى ما يحفظ عليه اعتداله (26) . * فلذلك (27) يحتاج من الهواء إلى المعتدل فقط. وأما الأغذية فشأنها أن تتشبه بالبدن، فإن الحار اليابس في المزاج يحتاج إلى البارد الرطب منها لأنه، إذا صار غذاء بالفعل، انخلع عماله من البرد والرطوبة، وصار حارا يابسا مشاكلا * لجوهر البدن (28) . فيكون حفظ الصحة بالمثل في التحقيق. وإن كان يوهم أنه بالضد ولو كان حارا يابسا، لزاد في المزاج الحار اليابس حرا أو يبسا، فكان إذا صار بالفعل مغيرا له إلى فرط الحرارة * واليبوسة (29) . والشيء إنما يعتبر حاله وإنه شبيه بالبدن أو غير شبيه به إذا كان بالفعل دون القوة.
3
[aphorism]
قال أبقراط: كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ وأسنان ما عند أوقات من السنة * وبلدان (30) وأصناف من التدبير.
[commentary]
التفسير PageVW0P059A : تقدير هذا الفصل هو أن كل واحد من الأمراض والأسنان فحاله عند شيء دون شيء من أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير أمثل * وأردأ.وأما (31) الأمراض فحالها أمثل بسبب الهواء، إما في وقت الحدوث، فعند الأوقات المشابهة لها، وإما في حال الزوال، فعند الأوقات المضادة * لها (32) . والتي حالها أردأ هو إذا كان على * البدل (33) من هذا. وأما أمر الأسنان، فعلى ما فهمتها في الفصل المتقدم. وافهم أن حال البلدان هي بعينها حال الأوقات. فإن البلد يفعل ما يفعله بسبب مزاج هوائه. وكذلك في سائر التدبير.
4
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان في وقت واحد من أوقات السنة * في يوم واحد (34) مرة حر ومرة برد، فتوقع حدوث أمراض خريفية.
[commentary]
التفسير: هذا لأنه * يشاكل (35) مزاج هواء الخريف PageVW3P032A فيولد الأمراض التي يولدها الخريف.
5
[aphorism]
قال أبقراط: الجنوب يحدث ثقلا في السمع وغشاوة في البصر وثقلا في الرأس وكسلا واسترخاء. فعند قوة هذه الريح PageVW0P059B وغلبتها تعرض للمرضى هذه الأعراض. وأما الشمال، فيحدث سعالا و * أوجاع الحلوق (36) والبطون اليابسة وعسر البول والأقشعرار ووجعا في الأضلاع والصدر. * فعند غلبة هذه الريح وقوتها (37) ، ينبغي أن يتوقع في الأمراض حدوث هذه الأعراض.
[commentary]
التفسير: الجنوب ريح حارة رطبة كثيرة الكدر. والبخارات الرطبة لما يستصحب معها من أبخرة البخار التي يمر بها، فهي لذلك تملأ البدن رطوبات وكدرا من عندها وبما تحل من فضول البدن بحرارتها سيما التي في الرأس. فإنها ترد عليه بالنسيم دائما، فتحدث * ذلك (38) في السمع ثقلا وفي البصر غشاوة وفي الرأس PageVW5P027A كلة وفي جملة البدن ثقلا . ولأن أصل العصب يبتل فإنه يعرض الكسل والاسترخاء ويحدث الضعف في القوى بسبب سوء مزاج موضوعاتها ولكثرة تحليلها * للأرواح (39) النفسانية التي هي مركب القوى. والشمال يولد في آلات * التنفس (40) سوء مزاج PageVW0P060A * مختلف بارد (41) , * فلهذا (42) * وشدها (43) وتصليبها هذه الآلات يولد السعال. ولأنها ليبسها تنشف * رطوبات (44) آلات التنفس صار يحدث السعال اليابس. ولعل هذا عناه بقوله * الحلوق (45) . * فيكون قوله اليابسة (46) صفة للحلوق والبطون معا. ويمكن أن يكون عنى بالحلوق * النزلة (47) * فإنها (48) مما يكثر في الشمال * لتغليظه (49) المواد التي كانت تتحلل من منافس الرأس وتكثيفه وشدة تلك المنافس. وإنما تيبس البطون لأن الشمال تنشف الرطوبات من الأبدان، فيكون ما يجتذب إليها من رطوبة الغذاء أكثر فتيبس البطون. ولأن فضول الغذاء تلبث في الجوف أكثر لأن هذه الرياح من شأنها أن تجففها لورودها الأجواف فيبطؤ نزولها فينشف البدن رطوتها ، فيتضاعف الجفاف على البطون. ولأنها تعين على النضج وجودة الهضم فيتوفر الغذاء ويقل البراز. وأما عسر البول، فلأن المثانة باردة عديمة الدم فينالها PageVW3P032B من برد الشمال * وشدها (50) وتصليبها أكثر مما ينال غيرها. والأقشعرار يحدث بسبب بردها PageVW0P060B * إذ (51) البرد * يهيج (52) الأقشعرار وبسبب تكثيفها الأبدان فتحتقن فيها الفضول. ولأنها بيبسها تجعل الفضول لذاعة مرية فتلذع الأعضاء الحساسة. وكما يختص ضرر الجنوب بالدماغ لأجل الاستنشاق، فتحل فيه الفضول. فإن ضرر الشمال يخص الصدر والأضلاع بسبب دوام التنفس لكونها عظامية غشائية عصبية. ولذلك يحدث فيها الوجع. ولهذا قال في الخامسة الأشياء الباردة ضارة للصدر. وهذه الأعراض ليست تختص بالمرضى دون الأصحاء. وكذلك فإن قوله فعند غلبة هذه الرياح ينبغي أن تعرض للمرضى هذه الأعراض ينبغي أن يفهم منه المستعدين لقبولها من الأصحاء والمرضى.
6
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الصيف شبيها بالربيع، فتوقع في الحميات عرقا كثيرا.
[commentary]
التفسير: الصيف، إذا كان شبيها بالربيع، اجتمع في الأبدان رطوبات أكثر مما يجتمع في الربيع لتوفر الرطوبة من جهة الهواء ومن جهة الفواكه PageVW0P061A الرطبة التي يتناولها الناس. وتجتذب * تلك (53) الرطوبات بحرارة الصيف إلى سطوح الأبدان ولا تتحلل لرطوبة * للهواء (54) . فيستفرغ في الحميات على الجملة عرق كثير، وإن كان أحرى أن يكثر في ذلك إلى أوقات البحارين.
7
[aphorism]
PageVW5P027B قال أبقراط: إذا احتبس المطر حدثت حميات حادة. * وإن (55) أكثر ذلك الاحتباس في السنة ثم حدثت في الهواء حال يبس، فينبغي أن يتوقع في أكثر الحالات هذه الأمراض وأشباهها.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل لا يناقض ما يقوله من بعد. قلة المطر أصح من كثرته لأن قلة المطر ليس هو احتباسه دفعة. ولأنه لم يقل إذا احتبس المطر، حدثت حميات كثيرة، بل حادة. ولذلك فإن الحميات تقل مع قلة المطر لأن العفونات أقل إلا أن ما يحدث منها يكون أحد وأكثر لذعا لأن يبس الهواء يجعل الكيموسات أقرب إلى طبيعة المرار. ولذلك تجعل الحميات أسرع انقضاء لتوفر التحلل وقلة * العفونات (56) PageVW0P061B . فأما مع كثرة المطر، فإن الحميات تكون أكثر لكثرة العفونات سيما PageVW3P033A البلغمية منها * وتكون (57) أطول مدة.
8
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه، كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام حسن البحران. وإذا كانت * أوقات السنة (58) غير لازمة * لنظامها (59) ، كان يحدث فيها من الأمراض غير منتظم سمج البحران .
[commentary]
التفسير: لزوم أوقات السنة * للنظام (60) هو كون كل وقت منها على طبيعته. وقوله وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون، أي أن الفصل لا يكون مفرطا في طبيعته. وإذا كانت الأوقات كذلك، كان ما يحدث فيها من الأمراض غير طويلة، وهي التي عناها بقوله حسن الثباب ولا مختلطة، وهي التي PageVW0P062A عناها بقوله حسن النظام، ولا أعراض رديئة معها وهي التي عناها بقوله حسن البحران. وإذا كانت الأوقات غير حافظة * لطبائعها (61) ، كانت الأمراض مختلطة، ويكون معها أعراض دريئة, وهي التي عناها بسماجة البحران.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إن في الخريف تكون الأمراض أحد ما يكون وأقتل في أكثر الأمر. فأما الربيع، فأصح الأوقات وأقلها موتا.
[commentary]
التفسير: الأولى أن يفهم من قوله أحد أي أردأ. وصارت الأمراض في الخريف أردأ وأقتل وفي الربيع بالضد منه لأن الربيع على غاية الاعتدال، وكون الخريف * مختلفا (62) يتعاقب على الهواء في اليوم الواحد مرة حر ومرة برد. ولأنه يتلوا الصيف وقد احترقت فيه الأخلاط * وضعفت (63) القوى. ولأن الأخلاط كانت تتحلل من قبل ميلها إلى ناحية الجلد، فيصدمها * برد الخريف (64) ويدفعها إلى قعور الأبدان فيحتقن فيها ولا تتحلل. وإن كان البدن قد امتلأ PageVW0P062B كيموسات رديئة من أكل الفواكه الرطبة * ويزيده (65) ذلك رداءة حال، * فالربيع (66) إذا معتدل والخريف مضطرب، ومواد الخريف * محترقة (67) رمادية PageVW5P028A ومواد الربيع طيبة هادئة. والقوة في الربيع ناهضة وفي الخريف خائرة. والربيع بالأمعان في الحر يعين على التحليل والخريف بالأمعان * البرد (68) يكثف الجسم ويحصر المواد. والخريف أخص بالبرد والربيع بالحر، * والبرد (69) خاص بالموت وبالأمراض بخلاف الحر. وأما إن فهم PageVW3P033B من قوله أحد حدة المرض المقابلة لزمانت، فالأولى أن نظن أن السبب في كون الأمراض في الخريف أحد قلة المواد لتوفر التحلل في الصيف وسخونتها وسخونة المادة تتبعها سرعة التحلل. ولأن القوة أضعف، فإن قويت على دفع المرض بسرعة، وإلا خارت بسرعة. ولا يناقض هذا قوله الربع الصيفية أقصر والخريفية أطول لأن الاعتبار ههنا بحسب النسبة إلى الربيع دون * الصيف (70) .
10
[aphorism]
قال أبقراط: الخريف لأصحاب السل رديء.
[commentary]
التفسير: إن فهم منه أصحاب قرحة الرئة، فضرر الخريف * لهم بين (71) لأنه يخشن حلوقهم ويصلب آلات التنفس منهم فيزيد في سعالهم. وربما يكثر نزلاتهم لأن الناس يستلذون التكثيف لنقلتهم * من (72) حر الصيف ولم يدخلوا الأكنان بعد. وكل هذا مما يزيد القرحة انفتاقا. وأيضا فإن اختلاف الهواء * في الحر تارة و البرد أخرى (73) مما يضر * برئات (74) الأصحاء، فكيف * برئات (75) المسلولين وهي في غاية * الضعف (76) ؟ فالبارد يلذع قرحتها ويشدها، والحار * يعفنها (77) ويرخيها. فلا يزال يحدث لها أحوالا مختلفة مؤدية إلى فسادها. وإن فهم من كلام أبقراط أصحاب الدق * ومن (78) أفرط هزاله بأي سبب كان، فضرر الخريف * لهم بين (79) لأنه مما يزيدهم جفافا وهم محتاجون إلى الترطيب ومنع التحلل دون التجفيف.
11
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في أوقات السنة فأقول إنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا وكان الربيع مطيرا جنوبيا فيجب ضرورة أن يحدث في الصيف حميات حادة ورمد واختلاف دم وأكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة.
[commentary]
التفسير: الأمراض التي تحدث في الشتاء الشمالي هي التي ذكرها من قبل كالسعال والحلوق والبطون اليابسة، ولذلك لم * يذكرها (80) هاهنا ولا * مع (81) ذكر الأمراض التي تحدث في الربيع المطير الجنوبي إذا كان بعقب الشتاء الشمالي * لأن (82) الأبدان يتعدل جفافها فيه فينتفعون برطوبة الربيع ولا يستضرون به. وإذا دام الربيع على الرطوبة فإن الأبدان تلقاها حر الصيف وهي ممتلئة فضولا ورطوبات وتكون مستعدة للعفن إذا العنصر للعفن هو الرطوبة والفاعل له الحرارة. ولذلك يعرض للناس PageVW3P034A حميات حادة سيما للمستعدين لها وهم أصحاب الطبائع الرطبة والنساء، لأنهن PageVW5P028B أكثر استعدادا * للعفونة بسبب الرطوبة (83) ، فإن مالت الرطوبة العفنة إلى أسفل نحو الأمعاء حدث اختلاف الدم، وإن مالت إلى أعالي البدن لتهيأ الدماغ لذلك حدث الرمد، وإنما قال «فيجب ضرورة» لأنه PageVW0P064A اعتمد فيها القياس دون الرصد فإن التجربة قد * تختلف (84) كثيرا.
12
[aphorism]
قال * أبقراط (85) : ومتى كان الشتاء مطيرا جنوبيا * دفيئا (86) وكان الربيع قليل المطر شماليا فإن النساء * اللواتي (87) يتفق ولادهن نحو الربيع يسقطن من أدنى * سبب (88) * واللاتي (89) يلدن منهن يلدن أطفالا * ضعاف (90) الحركات مستقامة أبدانهم حتى أنهم إما أن يموتوا على المكان وإما أن يبقوا منهوكين مسقومين طول حياتهم. وأما سائر الناس فيعرض * لهم (91) اختلاف الدم والرمد اليابس. وأما الكهول فيعرض لهم من * النزلات (92) * ما (93) يفنى سريعا.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل هو عكس الفصل المتقدم. ومتى كان الشتاء حارا رطبا فإن الأبدان سيما أبدان النساء تميل إلى اللين والتخلخل * فيستقطن (94) في الربيع البارد لأن البرد يصل إلى * أعماق (95) أبدانهن وينال الأجنة منه ما يؤدي إلى إسقاط * من (96) هو أضعف منهم قوة وإلى سقم من هو أقوى حتى * يبقوا (97) مدة أعمارهم مستقامين. PageVW0P064B وأما اختلاف الدم فيعرض بسبب انحدار البلغم المالح من الرأس إلى الأمعاء، لأن الدماغ يمتلئ في مثل هذا الهواء بلغما إما مالحا أو حلوا أو حامضا بحسب الحرارة الفاعلة، فإذا صفقه برد الربيع عصره عصرا شديدا ويصير في وقت دون وقت إلى موضع دون موضع، فإن اندفع إلى الأمعاء فإنه بلزوجته يبقى فيها زمانا أكثر وبملوحته يجلوها ويجردها فيحدث لذلك السحج * واختلاف الدم (98) . وإن كانت العينان أضعف اندفع إليهما * فيكون (99) من ذلك الرمد وإنما يكون يابسا لأن برد الهواء يكثف السطح الخارج من العين فيمنع السيلان. والنزلات عنى بها كل ما ينحدر من الرأس في العروق إلى ما دونه من الأعضاء، وبحران هذه النزلات يكون أسرع، وإن كان سائر النزلات من شأنه أن يطول. * وفهم (100) قوم من النزل ما ينحدر إلى الرئة وقصبتها فقط، وزادوا في قوله كلهم «لا» لأن النزلة من شأنها أن لا تنضج سريعا في الكهول على ما قاله من قبل وفي مسائل الفصول، وتعتري الشيوخ نزلات مهلكة PageVW0P065A لأن الحرارة في الشيوخ لضعفها لا تقوى على النضج فتهلكهم. وهذا موافق لما قاله في الأهوية والبلدان من أنهم يهلكون بغتة.
13
[aphorism]
قال أبقراط: * فإذا (101) كان الصيف قليل المطر شماليا وكان الخريف مطيرا جنوبيا عرض في الشتاء صداع شديد وسعال وبحوحة PageVW5P029A وزكام وعرض لبعض الناس السل.
[commentary]
التفسير: هذه الأمراض التي * عدها (102) ليس يحدث منها شيء في الخريف لأن الناس ينتفعون برطوبته لما قد نالهم من يبس الصيف، إلا أنه يملأ الرأس فضولا فإذا هجم برد الشتاء فإن الفضول تحتقن في * الرأس (103) ، فإن بقيت * فيه (104) * كان (105) سببا للصداع، وإن ضعفت قوة الدماغ عن ضبطها * أو إمساكها (106) حتى سالت إلى ما دونه * كانت (107) سببا لما ذكر. ومن كان ضعيف الصدر ضيقه عرض له السل.
14
[aphorism]
قال أبقراط: فإن كان الخريف شماليا كان موافقا لمن كانت طبيعته رطبة وللنساء، * وأما سائر الناس فيعرض لهم رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن، ومنهم PageVW0P065B من يعرض له الوسواس من المرة السوداء (108) .
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يتضمن * تتمة (109) الكلام في الفصل المتقدم وتقديره متى كان الصيف قليل المطر شماليا وكان الخريف أيضا شماليا يابسا. وإذا كان هذان الفصلان بهذه الصفة فإن أصحاب الطبائع الرطبة ينتفعون به لأن رطوبة أبدانهم تعتدل ويجيء الشتاء وليس فيها بلة غالبة. وأما غيرهم فتعرض لهم الأمراض المهلكة لأن أرق ما فيهم من المرار وأقربه من المائية يجف وينفذ ويبقى أغلظ وأحد ما فيهم فيمرضهم ويحدث ما * ذكر (110) . * وذكر جالينوس إن أبقراط إنما (111) اعتبر هذه الأشياء في المواضع المعتدلة الهواء وهي المواضع التي تكون طلوع الثريا فيها في أول الصيف وطلوع الشعرى العبور في الجزء الثاني من الصيف وطلوع السماك الرامح في * أول (112) الخريف وغروب الثريا في أول الشتاء واستواء الليل والنهار في أول الربيع. ومن أراد الارتياض فيما توجبه فصول السنة وتغايير أمزجتها فليعتبر ذلك في فصل * فصل (113) وهواء هواء PageVW3P036A ثم تركب بين فصلين فصلين ثم بين ثلاثة ثلاثة * منها (114) ثم تركب أربعتها.
15
[aphorism]
قال * أبقراط (115) : إن من حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر أصح من * كثرة المطر (116) وأقل موتا.
[commentary]
التفسير: إنما صار قلة المطر * أصح (117) وأقل موتا من كثرته لأن اليبس بالاعتدال * يشد (118) الأعضاء ويقويها ويبعثها على الحركة ويقلل العفونة ويعين على النضج سريعا. وأما الهواء الرطب فإنه يرخي الأبدان ويبلد النضج ويكثر الفضول في الأبدان ويعفنها. وذلك أنه يتحلل في أوقات عدم المطر الفضول وفي أوقات كثرته يحتقن ويعفن إلا أن ينقي الإنسان بدنه منها بالرياضة، فإن الحمام ليس يغنى في ذلك لأنه لا يحلل من عمق اللحم والأعضاء الأصلية * الواغلة (119) لكنه يحلل مما يلى الجلد، ولا الاستفراغ في هذه * الحالة (120) بالأدوية المسهلة بموافق لأنه إنما يحتاج إلى المسهل من حاجته إلى الاستفراغ شديدة جدا، وينبغي أن يكون في أوقات فيما بين مدد * طويلة (121) . وأما * استفراغ (122) الفضول التي * تتولد (123) في كل يوم في PageVW5P029B البدن * فهو (124) أقل من مقدار عمل الدواء المسهل. فإن استعمل المسهل في الشهر مرة أو مرتين فقد عود البدن عادة رديئة وأضر به، وللغذاء فضلان في الهضم الثالث يحتاجان إلى أن يتحللا أحدهما مائي والآخر دخاني، وهما جميعا يتحللان في أوقات يبس الهواء أكثر منه في وقت رطوبته، ولذلك يكون الهواء اليابس أصح.
16
[aphorism]
قال * أبقراط (125) : فأما الأمراض التي تحدث عند كثرة المطر في أكثر الحالات فهي حميات طويلة واستطلاق البطن وعفن وصرع وسكات وذبحة. * وأما (126) الأمراض التي تحدث عند قلة المطر فهي سل ورمد ووجع المفاصل وتقطير البول واختلاف الدم.
[commentary]
التفسير: * وأما (127) كون الحميات عند كثرة المطر فلكثرة العفونة وطولها * لكونها (128) بلغمية * ولأنها (129) تحتاج في البرء إلى النضج والنضج يطول زمانه مع كثرة الرطوبة. والاستطلاق من توفر الفضول والكيموسات في البدن لأنها لا تتحلل في الهواء الرطب PageVW0P067A * فتستفرغ من البطن ولأن الهضم يسوء (130) * في الأوقات الرطبة (131) * فيلين (132) البطن. وأما العفن فلتوفر الرطوبة إذ الشيء اليابس لا يعفن. وافهم عن الصرع والسكات البلغميين، والبلغم يكثر في الدماغ في الهواء الرطب والذبحة لكثرة ما ينحدر PageVW3P035B من الرأس إلى الحلق من الفضل. * وأمثل (133) ما يفعله الهواء الرطب تليينه الطييعة لأنه يرطب الثفل ولأنه يبلد النضج فلا تنفذ الرطوبات إلى البدن كثيرا. فأما عند قلة المطر فإن الفضول التي تتولد تكون يابسة مرية لذاعة. فإذا جرت إلى المثانة لذعتها فيحدث التقطير. وإن سالت إلى الرئة أقرحتها فيحدث السل. وإن أصابت الرباطات تمددت بها ويحدث وجع في المفاصل. وإن ارتفعت إلى العينين كان الرمد اليابس. فان انصبت إلى الأمعاء أقرحتها وأحدثت السحج واختلاف الدم. وكما أن رطوبة * الهواء (134) تولد استطلاق البطن، كذلك يبسه يولد الإمساك لما * فهمت. (135) وأما جالينوس فيستبعد حدوث السل * عند قلة المطر (136) لأن ذلك * قال (137) يعرض إما لبرد يصدع بعض عروق الرئة أو لسخونة ورطوبة تمتلئان الرأس وتنحدر منه نزلة إليها. وفهم قوم من السل المرض الذي يعرض معه للعين أن تؤول * حاله (138) إلى التنقص والهزال إذا * جفت (139) بسبب نقصان الغذاء، ويمكن أن يكون عنى بالسل الهزال المفرط كما يعرض لأصحاب الدق وغيرهم. وجالينوس نفسه يزعم أن السل قد يطلق على هؤلاء كثيرا، وهذا شيء يعرض عند قلة المطر دائما * وعلى (140) أن الهواء المفرط اليبس يجفف ويصلب آلات التنفس فيعرض بسبب PageVW5P030A ذلك الانهتاك. وأما وجع المفاصل فاستبعد أيضا أن يحدث * في (141) يبس الهواء لأن تجلب * الفضل (142) إلى المفاصل يقل. وما يكون من ذلك مع حدة فإنما يكون إذا كان مع اليبس حرارة إلا أن يفهم من وجع المفاصل عسر حركتها. وذلك أن يبس الهواء PageVW0P068A إذا أفنى الرطوبات من المفاصل عسرت بذلك حركتها غير أن هذا لا يسمى وجع المفاصل بقول مطلق. وكذلك استبعد أن يحدث من يبس الهواء وحده من غير حرارة تقطير البول ومن دون أن يكون اليبس * مفرطا (143) . وذلك أن التقطير يحدث من حدة البول أو من ضعف القوة الماسكة بسبب سوء مزاج من الأمزجة الثمانية. * وبمثل (144) ذلك استبعد أن * يحدث (145) من يبس الهواء اختلاف الدم. وقد عرفت علل هذه أجمع مما * ذكرنا (146) .
17
[aphorism]
قال * أبقراط (147) : فأما حالات الهواء في يوم يوم فما كان منها شماليا فإنه يجمع الأبدان ويشدها ويقويها ويجود حركتها ويحسن ألوانها ويصفي السمع منها ويجفف البطن ويحدث في الأعين لذعا، وإن كان في نواحي الصدر وجع متقدم PageVW0P068B هيجه وزاد فيه . وما كان منها جنوبيا فإنه * يحل (148) الأبدان ويرخيها ويرطبها ويحدث ثقلا في الرأس وثقلا في السمع * وسدرا في العينين (149) وفي البدن * كله (150) عسر الحركة ويلين البطن.
[commentary]
التفسير: الشمال * بيبسها (151) ينشف فضول البدن فتصفي السمع وسائر الحواس الأخر وتزيل الكسل والاسترخاء، ولبردها تجمع جواهر الأعضاء وتشدها فتقوي البدن، ولأنها تحصر الحار الغريزي وتجمعه * صار (152) تجود أفعال القوى أجمع. وقد دل على النفسانية منها بقوله «وتجود حركتها» وعلى الطبيعية بقوله «ويحسن ألوانها». وذلك أنه إذا جاد الهضم ونقي البدن من الفضول حسن اللون، ولأن البرد يجمع الحار الغريزي فيشرق له اللون. وأما يبس البطن فقد عرفت سببه من قبل ولذع العين لأنها عضو شديد التخلخل واللطافة فيعرض فيه برد الشمال وينكئ فيه، ولأنه يبرده يحقن ما فيه من الفضول فيصير سببا للذعة، ولأنه ضروري الورود على آلات التنفس فيهيج فيه PageVW0P069A وجعا * متقدما (153) إن كان، وهذه المضار يسيرة في جنب منافعها وعلى البدل * حال (154) الجنوب فإن المنفعة التي لها * وهي (155) * تليين (156) البطن يسيرة بالقياس إلى مضارها التي عدها من قبل.
18
[aphorism]
قال أبقراط: * وأما (157) في أوقات السنة ففي الربيع وأوائل الصيف يكون الصبيان والذين * يتلونهم (158) في السن على أفضل حالاتهم وأكمل الصحة، وفي باقي الصيف وطرف من الخريف تكون المشايخ أحسن حالا، وفي باقي الخريف وفي الشتاء يكون المتوسطون بينهما في السن أحسن حالا.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل ينتظم الكلام PageVW5P030B في أن الأوقات المعتدلة من فصول السنة كالربيع وأوائل الصيف توافق الأبدان المعتدلة كالصبيان المراهقين والفتيان لأنهم أعدل الناس مزاجا، والاعتدال إنما يحفظ بالاعتدال فقط. ومع ذلك فإن أوائل الصيف مع قربها من الاعتدال تحلل فضلات أبدانهم فينتفعون به على وجهين. فأما من كان أسخن وأيبس مزاجا كالشبان فالشتاء أوفق لهم لأنه يعدل حرارة PageVW0P069B * أبدانهم (159) ويبس أمزجتهم والمشايخ في * أواخل (160) الصيف والخريف أحسن حالا، والربيع وإن قيل إنه أفضل الأوقات فلا على الإطلاق لكل أحد بل للفتيان خاصة. وأما لغيرهم فهو متوسط الحال إلا أنه على حال * يصلح (161) * لكل (162) الأسنان على تفاوت ما. وأما الخريف فرديء بجميع الأسنان. وأما حال البلدان فإن أفضل الأوقات * المعتدلة (163) منها الربيع كما أن أفضل أوقات البلد الحار الشتاء وأفضل أوقات البلد البارد الصيف.
19
[aphorism]
قال أبقراط: الأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث يهيج.
[commentary]
التفسير: * وإنما (164) صارت الأمراض كلها تحدث في جميع أوقات السنة لأن الفاعل للمرض * ليس (165) هو الهواء فقط بل سائر التدبير وأحوال الأبدان في الاستعداد لقبول الأمراض إلا أن * المرض (166) الموافق لطبيعة * الوقت (167) أن يهيج أسرع.
20
[aphorism]
قال أبقراط قد يحدث في الربيع الوسواس السوداوي والجنون * والسكتة (168) والصرع PageVW0P070A وانبعاث الدم والذبحة والزكام والبحوحة والسعال والعلة التي * يتقشر فيها (169) الجلد والقوابي والبهق والبثور الكثيرة التي تتقرح والخراجات وأوجاع المفاصل.
[commentary]
التفسير: الربيع ليس يحدث هذه الأمراض على الوجه الذي * يحدث (170) * سائر (171) الأمراض لأن الفصول الأخر تولد مواد الأمراض فتحدثها. فأما الربيع فليس يولد مواد هذه الأمراض لكنه إن صادف البدن نقيا حفظه على صحته ولم يحدث فيه من قبل طبيعة الوقت حدثا، وإن وجد فيه فضولا أذابها وأنهض القوة على دفعها من عمق البدن إلى سطحه ومن الأعضاء الشريفة إلى الخسيسة على مثال ما تفعله الرياضة فإنها تحفظ الأبدان النقية على صحتها وتجلب على من * به (172) امتلاء هذه الأمراض. ولهذا فإن هذا الفصل لا يناقض قوله «الربيع أصح الأوقات وأقلها * موتا (173) (iii.9)». وليس ببعيد أن لا تقوى القوة في بعض الأوقات على أن * تدحو (174) بالمادة الذائبة * بحر (175) الربيع * إلى (176) الجلد أو إلى عضو أخس إما لكثرة المادة أو لأن القوة ليست بذلك التوفر أو لأن * ببعض الأعضاء (177) التي هي أشرف ضعفا فتحصل المادة في بعض الأعضاء * الشريفة (178) وتولد مرضا مشاكلا لطبيعة الخلط الذائب. وبالحري أن يكون الوسواس PageVW5P031A والجنون والصرع وانبعاث الدم والذبحة والنزلة من هذا القبيل وأن * يكون (179) تقشر الجلد والقوابي والبهق والبثور والخراجات وأوجاع المفاصل والزكام من القبيل الأول.
21
[aphorism]
قال أبقراط: فأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض وحميات دائمة * ومحرقة (180) وغب * كثيرة (181) وقيء وذرب ورمد ووجع الأذن وقروح في الفم وعفن في القروح وحصف.
[commentary]
التفسير: إنما صار في الصيف يعرض بعض هذه الأمراض لأن أوائله مقاربة لطبيعة أو آخر الربيع والحميات PageVW0P071A التي تحدث فيه هي * الصفراوية (182) والغب والمحرقة. وأما القيء والذرب فلميل المرة إلى المعدة وطفوها فيها أو انحدارها إلى أسفل. * فإن كانت الصفراء مائلة إلى فم المعدة حدث القيء، وإن مالت إلى أسفل حدث الذرب، (183) * وإن (184) تصاعدت إلى العين * تجفها (185) أو إلى الأذن أو * إلى (186) الفم أو صارت إلى الرأس وانحدرت إلى أحد هذه المواضع عرض ما ذكر. والعفن في القروح يعرض إذا كان الصيف جنوبيا أو مائلا إلى الرطوبة قليلا والحصف بثور تخرج من العرق المراري اللذاع.
22
[aphorism]
قال أبقراط: فأما الخريف فيعرض * فيه (187) أكثر أمراض الصيف وحميات ربع ومختلطة وأطحلة واستسقاء وسل وتقطير البول واختلاف الدم وزلق الأمعاء ووجع الورك * والذبحة (188) والربو والقولنج الشديد الذي * يسمونه (189) اليونانيون ايلاوس والصرع الجنون والوسواس السوداوي.
[commentary]
التفسير: إنما صار يعرض في الصيف بعض أمراض الربيع وفي الخريف أكثر أمراض الصيف لأن الكيموسات التي تكون غالبة في الربيع * تستفرغ (190) في الصيف والتي تكون غالبة في الصيف PageVCb1P071B تحتقن في الخريف في الأبدان. وإنما تكثر في الخريف * حميات (191) الربع لميل الأخلاط إلى السوداوية في هذا الفصل * والحميات (192) المختلطة لاختلاف الهواء فيه. فبينما هو شديد الحرارة إذ أشتد برده فيكون سببا * للحميات (193) المختلطة وعظم الطحال لكثرة الفضول السوداوي فيه، * والاستسقاء (194) لغلظ الطحال * وإفساد (195) مزاج الكبد ببرد المرة السوداء، والسل ليبس الهواء وبرده واختلاف مزاجه وردائة الأخلاط فيه، وتقطير البول لبرد المثانة وضعفها بسبب البرد الحادث ولكثرة الأخلاط الرديئة اللذاعة التي تحتقن بالبرد، فإنها تزعج البول للخروج منقطعا، والزلق لتقرح يحدث في سطح المعدة والأمعاء لاحتقان الفضول المرية في البدن وانصبابها PageVW3P037 إليها، وقد كانت قبل تتحلل أو لضعف القوة الماسكة لتغير مزاج المعدة بسبب تغير الهواء واختلافه، والذبحة والربو ووجع الورك وهو الذي يسمى عرق النسا * والعلة المسماة أيلاوس PageVW0P072A تحدث من ورم الأمعاء الحادث لردائة (196) الأخلاط واحتقانها في أعماق * البدن، (197) PageVW5P031B والصرع لتغير الهواء في الحر والبرد في اليوم الواحد، * وذلك من أعون الأشياء على تهتيج بنوائبه، وذلك أن هذا المرض قد يحدث منها والجنون (198) فلخبث الأخلاط المحترقة والوسواس لغلبة المرة السوداء.
23
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في الشتاء فيعرض ذات الجنب وذات الرئة والزكام والبحوحة * والسعال (199) وأوجاع الجنبين والقطن والصداع والسدر والسكات.
[commentary]
التفسير: أوائل الشتاء * أطيب من أواخره لأنه (200) يشاكل أوائل الخريف قد يعرض فيه بعض ما يعرض في ذلك، وأما ذات الجنب وذات الرئة، فلما ينال آلات * التنفس (201) من الضرر والضعف بسبب البرد * وليس (202) يمكن حياطة هذه الأعضاء من الهواء، ولذلك يحتقن فيها المواد التي تكون سببا للأورام * وتقبلها (203) . وأما الزكام والبحوحة والسعال فلما يدخل من االآفة على الرأس وانحدار فضلاته إلى أسفل، وأما أوجاع الجنبين والقطن فلما ينال الأعضاء PageVW0P072B العصبية من البرد، وأما الصداع والسدر والسكات فلامتلاء الدماغ من البلغم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: * فأما (204) في الأسنان فتعرض هذه الأمراض. أما الأطفال الصغار حين يولدون فيعرض لهم القلاع والقيء والسعال * والسهر (205) والتفزع وورم السرة ورطوبة الأذنين.
[commentary]
التفسير: إنما يعرض القلاع لأن الطفل كان يغتذي وهو جنين من سرته. فإذا أخذ يغتذي بالفم، أورثه ذلك القلاع للين سطح فمه، فلا يحتمل ملاقاة جلاء اللبن. والقيء * لكثرة (206) ما يردون من اللبن إذ المرضعات يرغبن في كثرة الإرضاع. والسهر، وعني به كثرة الانتباه، للطافة أبدانهم وقلة احتمالها الشد بالقماط ولتأذيهم بقطع السرة. * ولما كان خاصيتهم (207) أن يناموا أكثر عد الانتباه فيهم سهرا. والتفزع يعرض لمن كان * أذكى (208) * حس (209) * معدتة (210) ويرزأ من الطعام أكثر * فيفسده (211) ويلذع فم معدته. وورم السرة يعرض لقرب العهد بالقطع. ورطوبة الأذنين لفرط رطوبة أدمغتهم. وإنما خصها بالأذنين لأن العادة جارية بسيلانها من المنخرين واللهوات. والسعال لأن النزل * يتسارع (212) إليهم لقبر عهدهم بالدفاء في بطون أمهاتهم وخروجهم إلى برد الهواء فتنجلب الفضول من أدمغتهم إلى قصب رئاتهم لأنهم * مستلقون (213) على أقفيتهم في الأكثر.
25
[aphorism]
قال أبقراط: فإذا * قارب (214) الصبى من أن ينبت له الأسنان عرض له مضض في اللثة وحميات وتشنج واختلاف ولا سيما إذا نبت له الأنياب وللعبل من الصبيان ولمن كان منهم بطنه * معتقلا. (215)
[commentary]
التفسير: أما مضض اللثة وهو وجع مع حكة تعرض فيها فهو لأن الأسنان تشق * اللثة عند ظهورها (216) فيعرض ذلك، والحمى تحدث بسبب الوجع والسهر والورم، وأحسب أنه عنى بالتشنج إلتواء العصب العارض من كثرة اضطرابهم، فإن PageVW5P032A هذا العارض قد يعتري سائر الناس عند التقلب والاضطراب، وأما الاختلاف فيعرض لسيلان الفضول المرية إلى بطونهم، فإن الحرارة الهائجة PageVW0P073B من الوجع تذيب فضول أبدانهم سيما في السمان منهم لأنهم أكثر امتلاء وأنعم أبدانا، ولمن كان منهم من قبل معتقل الطبيعة وأيضا فلأنهم يكثرون بلع اللعاب المري الذي يتجلب إلى أفوائهم. وأما جالينوس فيرى أن التشنج يعتريهم لضعف أعصابهم، وإن ذلك يعتري العبول، والمعتقلي الطبيعة منهم أكثر لكثرة امتلائهم، والأولى عندي أن يضاف العبولة والاعتقال إلى الاختلاف.
26
[aphorism]
قال أبقراط: فإذا * جاوز (217) الصبى هذا السن عرض له ورم الحلق ودخول خرزة القفا والربو الحصى والحيات والدود والثاليل المتعلقة والخنازير وسائر الخراجات.
[commentary]
التفسير: أشار إلى المدة التي بعد نبات الأسنان وإلى قبيل * مشارفة الانياب (218) ، وليس يختص * بهؤلاء ورم (219) الحلق الذي ينجذب معه * خرز (220) القفا إلى داخل بل هو إلى الصبيان المولودين أسبق لامتلاء أدمغتهم فضولا * وأبلغ إلى (221) ما دونها من الرأس * غير أن المواد يهلك قبل أن يستحكم PageVW0P074A فيه العارض (222) ولأن أعضائهم * للينها (223) أسهل امتدادا، فربما لا يستحكم هذا فيهم. وأما المتزعزعون، فما أكثر ما يعرض لهم هذا المرض وهو الذبحة وشرها * الذي PageVW3P038 لا يظهر (224) في الحلق إذا فتح الفم وغمز اللسان إلى أسفل ورم، ويرى خارج الرقبة بحاله من اللون ويوجد في القفا * غور، (225) وإذا غمر عليه اشتد الوجع، وسببها ورم إما في العضل الداخل من الحنجرة * أو فيما يلي ذلك الموضع من المري (226) وإما في الغشاء المشترك المستبطن * للحلق (227) والحنجرة والمري، وهذه المواضع يتصل بها رباطات تنبت من فقار الرقبة وأعصاب تنبت من النخاع، وهذه تمدد الفقار النخاع إلى داخل عند الورم في المواضع التي قلنا، ولذلك يتقصع موضع من خارج عند الفقار وشرها أن يكون الانجذاب في الفقرة الفوقانية * في الداخل (228) لأنها أشرف لقبرها * من (229) الدماغ. وأحسب أن السبب في اختصاص هذا المرض بهذا السن هو كثرة كلام الصبيان في هذا الوقت ودوام قراتهم ما يتعلمونه فتسخن الحنجرة PageVW0P074B وما يليها من الآلات لذلك فيتورم. والربو يعرض لهؤلاء لضيق أوعية رباتهم عند ما تمتلئ من الفضول التي تنحدر من أدمغتهم. والصبى المولود يعرض * له (230) هذا أكثر إلا أنه يقتله قبل أن يستحكم فيه. فأما تولد الحصاة في المثانة فمرض خاص بهم لأنهم يتجاوزون القصد في المطعم فينحدر شيء من الفضول النية إلى المثانة ويتحجر فيها بالحرارة التي تحل * لطيفة (231) تلك * الأخلاط (232) وتصلب غليظها. والمشايخ وإن * كان (233) يغلظ بولهم بسبب ما ينحدر من الفضول * النية (234) فليست يتحجر لضعف الحار فيهم. وعنى بالحيات الديدان PageVW5P032B المستدبرة * المتولدة (235) في الأمعاء العليا وبالدود الحيوان الصغير الذي يتولد في أسافل المعاء الغليظ، وإنما يتولد فيهم لوجود المادة التي هي فضلة الغذاء غير المنهضم ووجود الفاعل وهو الحرارة فيهم، ولا يقوي الحرارة في الصبيان الصغار على توليدهما. وإن كانت المادة متوفرة والثاليل المتعلقة تتولد من فضل في غليظ يندفع من عمق PageVW0P075A البدن إلى ناحية الجلد فيصير جسما زائدا، والخنازير تحدث من مادة إلى * البرد وإلى (236) الطبيعة البلغم أميل ويكثر تولد هذه المادة فيمن يكون منهم أكثر بهما وشرها في المطعم * والمشرب. (237) وعنى بالخراجات ما يخرج عن البدن على العموم لاما يعينه الأطباء من الورم الحادث من مادة حارة تجمع المدة على الأكثر يتولد في اللحم الرخو.
27
[aphorism]
قال أبقراط: وأما PageVW3P039 من جاوز هذا السن وقرب من أن ينبت له الشعر في العانة فيعرض له كثير من هذه الأمراض وحميات أزيد طولا ورعاف.
[commentary]
التفسير: أشار إلى سن المراهقين والإنبات يختلف فيهم بحسب اختلاف أمزجتهم في الحرارة، فمن كان منهم أسخن مزاجا فهو أسبق إلى الإنبات، وصار يعرض لهؤلاء كثير مما يعرض لأولائك المشابهة في المزاج، وتعرض * لهؤلاء (238) على الخصوص حميات أزيد طولا لتوفر حرارة ورطوبة أبدانهم، فيتوفر العفونات * وسرعة (239) تغييرها. فإن لسرعة تغيير البدن PageVW0P075B تأثير في اختلاف طبيعة * الحميات، (240) والحميات المختلفة الطبائع من شأنها أن تطول. وأما الرعاف * فلأن (241) الدم مع كثرة تولده ينصرف إلى النشؤ أقل مما كان ينصرف إليه قبله. فإذا مال بحرارته * ولطافته (242) إلى أعالي البدن استفرغته الطبيعة بفتح عرق في الدماغ.
28
[aphorism]
قال أبقراط: وأكثر ما يعرض للصبيان من * هذه (243) الأمراض يأتي في بعضه البحران في أربعين يوما في * بعضها (244) في سبعة أشهر وفي * بعضها (245) في سبع سنين وفي * بعضها (246) إذ * أشارفوا (247) نبات الشعر في العانة. فأما ما يبقي من الأمراض فلا ينحل في وقت الإنبات او في الأناث في وقت ما يجري منهن الطمث من شأنها أن يطول * أو يبقي الأنسان ما بقي. (248)
[commentary]
التفسير: لما كان بعض الأمراض التي تعتري الصبيان يتجاوز بحارينها الأسابيع اليومية أحمل أبقراط كلاما في جميع الأمراض المزمنة التي تعرض لهم، فقال إن بحران بعضها يأتي في الأربعين لأنه آخر يوم من أيام الأمراض PageVW0P074A الحادة، وأول يوم من الأمراض المزمنة. وأما من جاوز هذه المدة فإن بحارينها يأتي في الأسابيع الشهورية فإن تجاوزها، ففي الأسابيع السنوية، ولهذا فإن من جاوز مرضه سبع سنين فبحرانه يكون في أربع عشر سنة لأنه استتمام الأسبوع الثاني من * سني (249) عمره ويحدث للبدن عند انتقال عظيم إلى الصلاح PageVW5P033A والكمال فتنهض الطبيعة لدفع الأمراض المزمنة. فمتى لم يقو عليها فمن شأنها أن تطول، وأيضا فليس ببعيد أن يستفرغ مواد الأمراض المزمنة عند البلوغ، أما في الذكور فبالمني وأما في الأناث فبدم الطمث. فمتى لم يستفرغ بهما فمن شأنها لا محالة أن تطول .
29
[aphorism]
قال أبقراط: وأما الشبان فيعرض لهم نفث الدم والسل والحميات الحادة * والصرع (250) وسائر الأمراض إلا أن أكثر ما يعرض PageVW3P039 لهم ما ذكرنا.
[commentary]
التفسير: أما * الفتيان (251) فيعرض لهم من الأمراض ما يكون دمويا كالرعاف وغيره، وأبقراط لم يذكره تعويلا على الإفهام. وأما الشبان فيعرض لهم ما ذكر. أما الحميات PageVW0P076B الحادة كالغب والمحرقة فلغلبة المرة في هؤلاء، والسل ونفث الدم سببهما كثرة الدم المراري الحاد. وذلك أن امتلاء يتسارع إلى عروق هؤلاء لكثرة تولد الدم بعد فيهم وقلة انصرافهم إلى النشؤ. فلا يؤمن أن يحدث بكثرته انصداعا في بعض عروق الرئة والصدر لكثرة حركات هذه الآلات * في النفس (252) والصوت والكلام ولأن * المرة (253) الحادة يوجد * مختلطة (254) بدمائهم إذ المرار يكثر تولده في هذا السن فيمكن أن يحدث بحدته وحرافته ولذعه فيها تأكلا. وأما جالينوس فزعم أن هذين المرضين ليسا يحدثان لهم لأجل * اليبس بل (255) لسوء التدبير نحو كثرة الحركات القوية كالوثبة والصيحة والضربة وترك التوقي في النوم على الأرض بغير وطاء ومن كثرة الأكل. قال وكما أن الكهول أقل أمراضا لحسن تدبيرهم وضبطهم لأنفسهم والشبان وإن كانوا أوفر قوة منهم يمرضون أكثر لردائة تدبيرهم. فأما الصرع فيمكن أن يحدث للشبان إذا احترق فيهم الدم PageVW0P077A ويصير سوداويا. وأما جالينوس فأنكر حدوث هذا المرض للشبان فزعم لأن أبقراط قال في * كتاب (256) غير هذا الكتاب إن الصرع يحدث للصبيان كثيرا ثم يسكن عنهم عند انتقالهم في السن.
30
[aphorism]
قال أبقراط: فأما من جاوز هذا السن فيعرض لهم الربو وذات الجنب * وذات الرئة (257) والحمى التي يكون معها السهر والحمى التي يكون معها اختلاط العقل والحمى المحرقة والهيضة والاختلاف الطويل وسحج الأمعاء وزلق الأمعاء وانفتاح أفواه العروق من أسفل.
[commentary]
التفسير: عنى بهؤلاء الكهول ويبتدئ سنهم من نهاية الأسبوع الخامس ويمتد أسبوعين آخرين وتميل أمزجة هؤلاء إلى السوداوية إذا كانت نسبة الكهول إلى الشبان هي بعينها نسبة الخريف إلى الصيف ولذلك يعرض لهم الوسواس السوداوي كثيرا وانفتاح * أفواه (258) العروق * في (259) أسفل، وذلك إذا انحدر الدم السوداوي PageVW5P033B إليها. وأما الربو والنفث وذات الجنب PageVW0P077B والرئة فيعرض لهؤلاء بسبب الأمتلاء الذي يعرض لهم كثيرا إذا كانوا يستعملون من PageVW3P040 التدبير في المطعم والمشرب ما يستعمله أولئك ولا ينفض تولد الدم فيهم إلا القليل بحسب ما نقص الحار الغريزي فيهم قليلا غير أنهم لا يحتملون من الامتلاء ما يحتمله أولئك لاضمحلال النماء بالكلية ولأن أبدانهم لا تغتذي * اغتذاء أبدان (260) اؤلئك لأنها بسبب اليبس العارض لها * لا (261) يتشرب بالدم * تشربها (262) ولأن التحلل يقل منها * النقصان (263) الحار الغريزي ولم تضعف القوة الماسكة ضعفها في المشايخ حتى ينحل بسببه أبدانهم كثيرا فيحتاجون إلى غذاء متدارك * لعدم (264) النماء ونقصان * الغذاء وكثرة (265) التحلل * يكثر (266) امتلاء العروق فيهم * فيحدث (267) ما ذكر. وأما الحمى التي يكون معها سهر واختلاط والحمى المحرقة فتحدث لهم في ابتداء هذا السن لأن المرار بعد يوجد غالبا على * أبدانهم (268) وربما كانت الحمى السهرية من كيموس بلغمي يعفن في الدماغ * ومغص (269) ويلهب الحمى ولوجد أن المرار PageVW0P078A * بعد (270) فيهم قد يحدث لهم الهيضة وهي حركة المرة بالقيء * والإسهال (271) وبالسحج، وهو حركة المرة إلى الأمعاء. وأما دوام الاختلاف فإما لنقصان ذهاب الغذاء في أبدانهم لما قد عرفت * والنقصان (272) في الهضم أو لحدة المرار المسحج للأمعاء، وهذه كلها موجودة فيهم. وأما زلق * فهذا (273) يعرض لضعف القوة الماسكة في المعدة والأمعاء لتغير مزاجهما وقد يعرض * لتقرح يعرض (274) في سطح الأمعاء أو لبلغم يلتبس على ظاهرها. * وثلاثتها (275) قد يتفق في الكهول. وقد قيل إن * الربو (276) يعرض للكهول من البلغم الذي ابتداء يكثر تولده في أدمغتهم، وإن ذات الرئة يعرض لهم من الدم البلغمي. فإن الرئة لتخلخلها لا تتشرب إلا بدم هذه حاله. وإن أبقراط عنى باختلاط العقل السبات وتوجد معه حمى فاترة. وإن هذا العارض يحدث من البلغم الذي يكون في أدمغتهم. وإن هذه الأمراض إنما لا يعرض للمشايخ لتوفر البلاغم فيهم لعدم الحرارة التي ترققها وتهيجها للحصول PageVW0P078B في الأعضاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الرابعة من فصول أبقراط شرح بن أبي صادق
المقالة الرابعة من الشرح
1
[aphorism]
قال * أبقراط (1) : ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ يأتي على الجنين أربعة أشهر وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر ويكون التقدم على * ذلك (2) أقل، * فأما (3) ما كان أصغر من ذلك * أو أكبر (4) منه فينبغي أن * يتوقى (5) عليه.
[commentary]
التفسير :الجنين في الثلاثة الأشهر الأول * يكون ضعيفا (6) لأنه لم يكمل بعد وفي الثلاثة الأشهر * الأخيرة (7) يكون قد * كمل (8) فيسهل انفصاله من الرحم في كلي الوقتين كالحال في الثمار عند الانعقاد * والكون (9) وعند الإدراك، ولهذا حذر * أبقراط (10) من استعمال الدواء المسهل والمقيء في كلي الوقتين شفقة على الجنين أن يسقط. * فأما (11) في الثلاثة PageVW5P034B الأشهر المتوسطة فهو أقوى اتصالا به وأصبر على الحركات التي تناله، فلذلك متى كانت الأخلاط PageVW0P080B سائحة في * تجويف (12) العروق متحركة من عضو إلى عضو محتاجة إلى معين يميل بها إلى البطن استعمل الدواء على أن التقدم على هذا أيضا ينبغي أن يكون أقل مهما أمكن. * وذلك لأنه (13) كما تنهض القوة الدافعة في الأمعاء على دفع ما فيها كذلك قد يعرض * للقوة (14) الدافعة الرحمية أن تنهض لدفع ما فيها. وأما * متى كانت الحامل على شفا حطر من التلف (15) إن لم يستعمل الدواء في كلي الوقتين فليستعمل في أي وقت كان * فإن (16) في تلفها تلف الجنين لا محالة وليس في تلف الجنين تلفها * ضرورة (17) ، * وأبقراط (18) إنما قال ما قاله شفقة على الجنين والشفقة عل الحامل أولى. وأما في غير الحامل فمتى كانت الأخلاط هائجة فليس ينبغي أن يؤخر الاستفراغ أصلا، ومتى كانت متمكنة من العضو الوارم كالحال في النقرس ووجع * المفاصل (19) فليستعمل بعد النضج لأن الحاصل في العضو الوارم لا يؤاتى الدواء قبل النضج والدواء ينهك الأعضاء الصحيحة إلا أن يكون في البدن امتلاء غالب.
2
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P081A إنما ينبغي لك * أن (20) تسقى من الدواء ما يستفرغ من البدن النوع الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه نفع استفراغه، فأما * ما (21) كان استفراغه على خلاف ذلك فينبغي أن تقطعه.
[commentary]
التفسير: الاستفراغ من تلقاء النفس إذا كان * تتولاه (22) الطبيعة من الفضل المؤذي للبدن فالطبيب ينبغي أن يقتدي بها فيجعله من الخلط الذي * إذا (23) استفرغته الطبيعة انتفع به صاحبه، ويستدل على نوع الخلط الذي يجب استفراغه بلون البدن وسن المريض ومزاجه وسخنته و مهنته وتدبيره المتقدم وبنوع المرض وباستقلال المريض * به (24) ووجدان الخفة بعده. فإن الاستفراغ إذا لم يكن من الخلط الذي يجب لم يحتمله المريض بل استرخى بدنه وضعفت قوته وأحس معه بكرب وقلق.
3
[aphorism]
قال * أبقراط (25) : ينبغي أن يكون ما يستعمل من الاستفراغ بالدواء في الصيف من فوق أكثر وفي الشتاء من أسفل.
[commentary]
التفسير: الاستفراغ في الصيف من فوق أسهل وأوفق وأقل خطرا كما أنه في الشتاء من أسفل موصوف بالخصال الثلاثة PageVW0P081B بأعيانها: أما «أسهل» * فلأن (26) الأخلاط تميل بالمرار * الرقة (27) في الصيف وتتحرك إلى أعالي المعدة بطبعها وبحر الهواء الجاذب لها وتميل إلى البرد والغلظ في الشتاء وتغوص في قعر المعدة فيكون الاستفراغ من الناحية التي هي إليها أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها أسهل * إلا (28) أن يمنع مانع. وأما «أوفق» فلأن المعدة تضعف في الصيف وتسخن سخونة غريبة والمسهل مما يزيدها ضعفا وسخونة وتكون في الشتاء قوية غير حارة فيؤمن * عليها (29) حرارة الأدوية المسهلة وأضعافها لها. PageVW5P035A وأما «أقل خطرا» فلأن آلات الصدر والأحشاء من العضل والعروق والرباطات تكون في الصيف مسترخية محتملة للتمدد العارض في وقت القيء، والبرد في الشتاء يصلبها ويجعلها غير * مؤاتية (30) للتمدد سيما في القضاف فإن نكاية البرد إليهم أسرع فتكون عروقهم * أعسر (31) تمددا والانصداع إليها أسرع. ولهذا حذر أبقراط * من (32) استعمال القيء في النحفاء وفيمن كان ضيق الصدر ضعيف النفس PageVW0P082B خامل الصوت ناتي الحنجرة طويل الرقبة شائل الكتفين وفيمن يتأذى * بالسعال (33) وخشونة الصدر كثيرا. وهذه علاماته توجد على الأعم * الأغلب (34) في النحفاء. فإن اضطروا * إليه (35) فليتدرجوا * إليه (36) بالقيء المسهل غير العنيف واستعماله في الحمام وبعد تمريخ الصدر بالأدهان الرطبة كثيرا. وإنما ألحق * أبقراط (37) * بقوله (38) «من فوق» قوله «أكثر» لأن ليس كل * واحد (39) تغلب عليه المرة في الصيف إلا * واستعمال (40) القيء فيه أوفق وأقل خطرا.
4
[aphorism]
قال أبقراط: بعد طلوع الشعرى العبور وفي وقت طلوعها وقبله يعسر الاستفراغ بالأدوية.
[commentary]
التفسير: الشعرى العبور هي اليمانية * وهذه (41) تطلع * لعشر (42) * بمضين (43) من آب والحر يشتد قبل طلوعها بعشرين يوما أولها أوائل البواحير فإن أيام البواحير سبعة أولها * اليوم (44) الثامن عشر من تموز ويشتد أيضا بعد طلوعها بعشرين يوما آخرها لعشرين يوما بقيت إلى * الاستواء (45) الخريفي هذا. هكذا كان في زمن أبقراط. وقد وجد له تفاوت PageVW0P082B مدة خمسة * أيام (46) في وقتنا هذا وليس * حر (47) الهواء في هذه المدة * منسوبا (48) إلى هذا الكوكب بالذات كما ظنه بعض. أعني أن هذا * الكوكب (49) لعظم جرمه يسخن الهواء فإنه دائر * طول (50) السنة في مدار واحد مواز لمعدل النهار، ولكن أبقراط عنى بذلك صميم الحر واشتداده لقرب الشمس من سمت الرؤوس مع ابتدائها في الانحدار في الفلك الخارج المركز عن الأوج. وكان ذلك في زمن * أبقراط (51) موافقا لطلوع هذا الكوكب فأطلق القول به ثقة منه بأن حقيقة الحال لا تخفى * على (52) المتدرب بالعلوم الفلسفية. فلو أن هذا الكوكب تحرك حتى بلغ رأس الجدي أو الحمل لما انتقل معه الزمان المنهي عن تناول الأدوية فيه. * ومن (53) قبل أنه يتحرك صار بعض المتأخرين من أرباب الفلسفة الرياضية * جعل (54) * أول (55) أيام البواحير * اليوم (56) الثاني والعشرين من تموز وهو سهو منه قبيح. وإنما نهى * أبقراط (57) عن سقي المسهل في صميم الحر لثلاث * خلال (58) أحدها أن الأبدان * تكون (59) قد حميت في ذلك الوقت والدواء المسهل يزيدها حمى فلذلك PageVW0P083A يحم الكثير ممن يسقى المسهل في ذلك الوقت. ولهذا نهى القدماء عن إعطاء الأدوية المسهلة للمحمومين خوفا من أن يهيج من الحرارة ما هو أكثر مما PageVW5P035B ينكسر بالاستفراغ إذ لم يكونوا * يجدون (60) أدوية تسهل ولا تسخن. والثاني أن القوة تصير * لحر (61) الصيف ضعيفة والمسهل مما يزيدها ضعفا. والثالث أن حر الهواء ينازع فعل الدواء المسهل لأنه يجذب الأخلاط إلى سطوح الأبدان والمسهل يجذبها إلى داخل فيعسر لذلك استفراغها.
5
[aphorism]
قال أبقراط: من كان قضيف البدن وكان القيء * يسهل (62) عليه فاجعل استفراغك إياه بالدواء من فوق وتوق * أن (63) تفعل ذلك في الشتاء.
[commentary]
التفسير: القضيف إذا كان يسهل عليه القيء فليغتنم استعماله فيه، فإن الذي يتولد في النحفاء من الأخلاط هو المرة الصفراء في الغالب، ويحذر استعماله في الشتاء للعلة التي فهمتها. وزعم جالينوس أنه ينبغي أن يلحق بقوله «من فوق» لفظة «أكثر» لا من قبل الشتاء ومنعه * من (64) القيء بل * من (65) قبل أن في النحفاء يوجد الضيقي الصدور الطويلي PageVW0P083B الرقاب وأعضاؤهم ليبسها تكون أقل احتمالا للتمدد.
6
[aphorism]
قال أبقراط: فأما من كان يعسر عليه القيء وكان من حسن اللحم على حال متوسطة فاجعل استفراغك إياه بالدواء من أسفل وتوق أن تفعل ذلك في الصيف.
[commentary]
التفسير: * أبقراط (66) يعلمنا في هذا الفصل والذي قبله أن القوانين الكلية إذا تقابلت * فقد (67) * يترك (68) بعضها لبعض ويختار بعضها على بعض. وذلك أن أحد القوانين في الاستفراغ أن القيء أسهل على من هو معتدل اللحم وعلى القضفاء أعسر لما قد علمت، والقانون الآخر هو أن يختار لكل واحد من الاستفراغ النوع الذي يسهل عليه. * فالقضفاء (69) وإن كان القيء في الجملة غير موافق لهم فإن أحدهم على الخصوص إذا كان أسهل عليه فإنه يختار له ذلك لسهولة احتماله إياه، والمعتدلو اللحم وإن كان القيء أسهل عليهم من غيرهم إذا اتفق أن يكون منهم * من (70) يعسر عليه القيء فإنه يستفرغ بالإسهال PageVW0P083B PageVW0P115A إلا أن القيء لما كان مذموما على الجملة في الشتاء كان أذم في النحفاء. ولذلك أتبع * أبقراط (71) قوله «من كان قضيفا وسهل عليه القيء فإنه يستفرغ من * فوق (72) » بقوله «وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء». * وكذلك (73) أيضا لما قال إن المسهل يستعمل فيمن يعسر عليه * القيء (74) ، قال «وتوق أن تفعل ذلك في الصيف» لئلا يؤدي إلى الضرر.
7
[aphorism]
قال أبقراط: * فأما (75) أصحاب السل فإذا استفرغتهم بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق.
[commentary]
التفسير: إن فهم من أصحاب السل الواقعون فيه فضرر القيء ظاهر لهم لأن آلات الصدر منهم تتمدد في وقت القيء فتزيد القرحة التي في الرئة انفتاقا. وإن فهم * منه (76) المتهيئين للوقوع وهذا هو الأولى لأن الواقعين فيه PageVW5P036A قل ما يحتاجون إلى الاستفراغ بل يحتاجون إلى الزيادة في أبدانهم بالترطيب ومنع التحلل * فهؤلاء (77) * يكونون (78) ضيقي الصدور والرئات * ولا (79) يؤمن عند تمددها بالقيء وانجذاب المواد إليها أن ينهتك شيء منها.
8
[aphorism]
PageVW0P115B قال أبقراط: فأما من كان الغالب عليه المرة السوداء فينبغي أن تستفرغه من * أسفل (80) بدواء أغلظ إذ تضيف الضدين إلى قياس * واحد (81) .
[commentary]
التفسير: عني بالدواء الأغلظ الأقوى، وإنما يستفرغ هذا الخلط بدواء أقوى لأنه لغلظه لا يؤاتي الاستفراغ بدواء ضعيف، ويستفرغ أيضا في دفعات لأن هذا الخلط لقلة مقداره ولغلظه وعسر * جريته (82) لا يؤاتي * للخروج (83) في مرة واحدة، ثم لو قوي الدواء * ليستفرغه (84) في دفعة كان خطرا عظيما. ولذلك * ليس (85) ينبغي أن تقتصر بأصحاب الأمراض السوداوية على الاستفراغ في دفعة أو دفعتين لكن يواظب على الاستفراغ إلى أن يبلغ الحاجة. وهذه * نكتة (86) نافعة عند المعالجين في استفراغ المواد السوداوية. وإنما يستفرغ هذا الخلط من أسفل لأنه لغلظه وأرضيته لا يؤاتي للانجذاب إلى فوق. وذلك كما أن * المرة (87) الصفراء لخفتها ولطافتها تطفؤ في أعالي المعدة فالمرة السوداء لغلظها ترسب في قعرها فيجب أن يستفرغ كل واحدة * منها (88) * في (89) الجهة PageVW0P116A التي هي إليها أميل.
9
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أن يستعمل دواء الاستفراغ في الأمراض الحادة جدا إذا كانت الأخلاط هائجة منذ أول يوم فإن تأخيره في مثل هذه الأمراض رديء.
[commentary]
التفسير: عني بدواء الاستفراغ المسهل والمقيء وبالأمراض الحادة جدا التي يأتي بحرانها في الأسبوع الأول والثاني * وبهيجان (90) الأخلاط أن * تكون (91) سائحة في تجاويف العروق الكبار ومن لدن الوداجين من فوق وإلى الأربيتين من أسفل فيهيج للبدن كله أو * للأعضاء (92) الشريفة منه شهوة طبيعة لقذفها حسب الحال في الحيوان عند ما يهيج منه شهوة * طبيعة (93) لاستفراغ * البدن (94) . وإنما أمر بالمبادرة إلى الاستفراغ شفقة على القوة أن تضعف فلا تثبت للاستفراغ أو * تزيد (95) حرارة الحمى فلا يمكن استعمال الأدوية المسهلة لأن هذه الأدوية تزيد الأعضاء سخونة وحرارة نارية أو ينتقل شيء * منها (96) إلى الأعضاء الرئيسية أو الشريفة فيحدث لذلك حدثا عظيما أو يرتبك * في (97) عضو فيصير بعد أن كان مؤاتيا * للخروج (98) من تحويف العروق غير مؤات للاستفراغ بسبب الارتباك. PageVW0P116B وبالجملة فإن الاستفراغ ليس ينبغي أن يؤخر في جميع الأمراض الحادة أصلا فإن القدماء إنما لم يقدموا على الاستفراغ في جميعها شفقة على المحموم أن تتضاعف حماه حسب ما بيناه في المقالة الأولى. وذلك بسبب أنهم لم يكونوا واجدين الأدوية التي PageVW5P036B نجدها نحن مما يستفرغ ولا يسخن أو يبرد مع ذلك.
10
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به * مغص (99) وأوجاع حول السرة ووجع في القطن دائم لا * ينحل (100) بدواء مسهل ولا بغيره فإن أمره يؤول إلى الاستسقاء اليابس.
[commentary]
التفسير: * المغص (101) يحدث إما من مرة حادة تلذع الأمعاء وينفع منها الأشياء القامعة وإما من ريح غليظة ترتبك في لفائف الأمعاء وينفع منها الكماد لأنه يحللها وإما من خام يجتمع في تلك المواضع وينفع من الحقن. * فإن (102) كان المغص حول السرة وفي القطن ولم يزل بالأودية المسهلة ولا بغيرها من الكماد فالأولى أن يظن أن في لفائف الأمعاء وفي الغشاء المسمى * فاراطين (103) * رطوبة (104) تتبخر بحرارة فاترة إذ المادة للبخار هو الرطب والفاعل له الحرارة * الفاترة (105) . فإذا لم يزل PageVW0P117A هذا * العارض (106) بالدواء ولا غيره فإن هذا المزاج الرديء الذي هو الحرارة الفاترة يكون مستوليا على هذه المواضع حتى أنها * تحيل (107) كلما يرد عليها من الغذاء الذي تغتذي به إلى جوهر الريح، ويؤول الأمر من بعد إلى الاستسقاء الطبلي وهو اليابس الذي لا ماء معه. ومما يدل على أن هذا المزاج الرديء إنما هو في هذه المواضع التي ذكرت الإحساس بالوجع في القطن وحول السرة فلكونه في لفائف الأمعاء القولون يحس بالوجع في * القطن (108) * ولكونه (109) خارجا من * فاراطين (110) وهو الصفاق إلى جانب المراق يحس بالوجع حول السرة. وللرازي كلام في هذا الفصل قد ذكرناه في حلنا شكوكه على جالينوس. وزعم حنين أن المغص الذي * يؤول (111) إلى هذا الاستسقاء يكون من خام يجتمع في طبقات الأمعاء، وهذا البلغم الني لأنه يسد مجاري الكبد ويضعفها ويبردها ويسيء مزاجها يحدث الاستسقاء. وكان من سبيله أن يبين كيف يحدث الطبلي دون الزقي فإن العلة التي قالها بإحداث الزقي أولى. ومع ذلك فإن البلغم في طبقات الأمعاء PageVW0P117B إذا استحال بخارا كان بأحداث القولنج الريحي أولى منه بأحداث الاستسقاء الطبلي.
11
[aphorism]
قال * أبقراط (112) : من كان به زلق الأمعاء فاستفراغه بالدواء في الشتاء من فوق رديء.
[commentary]
التفسير: زلق الأمعاء هو أن يخرج الطعام بهيئته سريعا كما أكل من غير أن يكون قد انقلب في جوهره شيئا يعتد به. وسببه إما تقرح يعرض في سطح المعدة والأمعاء شبيه بما يعرض في سطح الفم من التقرح القلاعي بسبب أخلاط حادة لذاعة مرية وإما * ضعف (113) يعرض للقوة الماسكة في المعدة والأمعاء * إما (114) لمزاج رديء يغلب عليهما فيرخيهما أو * بلغم (115) يلتبس على سطحهما. والاستفراغ PageVW5P037A بالقيء في هذه الأصناف ثلاثها رديء وغير ممكن. أما رديء فلأن الدواء المقيء يزيد المعدة لذعا وسوء مزاج فيجعل الخلط في النوع * القلاعي (116) أردأ مما كان ويجعل المعدة أسرع تأذيا بما يماسها من الطعام فتسرع إلى دفعه أكثر مما كانت من قبل * وتزداد (117) العلة إذا رداءة. وأما الدواء PageVW0P118A الجاذب للبلغم * بالقيء (118) فإنه يجذب * منه (119) إلى المعدة والأمعاء أكثر مما يستفرغه فهو يضر * أذى (120) أكثر مما * ينفع (121) . وأما القوة الماسكة فتحتاج في التقوية إلى ما يبرد وييبس. وهذا الصنف من الأدوية قباضة والمقيئة لذاعة مرخية فهي أذى * ضار (122) بهذا المرض. وأما أن شفاء هذا المرض بالأدوية المقيئة * غير (123) متأت * فلأن (124) ما * يتحلب (125) من التقرح القلاعي لا يقف أصلا بل يسيل أولا فأولا على المبادرة إلى أسفل كما تراه يكون في الفم من إحواجه إلى التبزق كل ساعة وهو مع ذلك في غاية الرقة واللطافة والقلة فلا يخرج بالقيء لأن ما يخرج * بالقيء (126) يحتاج أن يكون بالضد من هذه الأحوال أعني أن يكون كثيرا مجتمعا طافيا له * متانة (127) وقوام. وأما البلغم في الأمعاء فإن الدواء المقيء لا يقوى على جذبه من هناك فإن الجذب بالقيء يعسر من المعدة إذا لم يكن الشيء طافيا في فمها، فكيف إذا كان في الأمعاء؟ وسوء المزاج المؤدي إلى ضعف القوة الماسكة ليس يحتاج إلى الاستفراغ من فوق PageVW0P118B * وأسفل (128) أصلا بل إلى ما يقبض كما علمت. فقد تبين أن استعمال الدواء المقيء يوجد * ضارا (129) في هذه العلة وغير ممكن أن * يشفى (130) به أصلا.
12
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج إلى أن يسقى الخربق وكان استفراغه من فوق لا يؤاتيه بسهولة فينبغي أن يرطب بدنه من قبل * إسقائه (131) إياه بغذاء أكثر * وبراحة (132) .
[commentary]
التفسير: من لا يؤاتيه القيء بسهولة وهو محتاج إليه فينبغي أن يتعود القيء بالأشياء السهلة ويرطب بدنه قبل سقي الدواء بكل وجه * لتسفيد (133) أعضاؤه تأتيا للامتداد العارض في وقت القيء سيما إذا أراد أن يشرب الخربق الأبيض فإنه يجفف البدن بقوته * وبما (134) يستفرغ من الرطوبات بقوة وعنف شديد. وإذا لم يتقدم في ترطيب البدن لم يؤمن إذا * سرت (135) قوة الخربق في البدن أن يجفف جوهر العصب تجفيفا يؤدي إلى التشنج المهلك. والترطيب إنما يتم بالغذاء * وبالراحة (136) * وبالاستحمام (137) بالماء العذب. * وأما (138) الغذاء فيحتاج أن يكون عاريا من كل طعم قوي من عفوصة أو حرافة PageVW0P119A أو * ملوحة (139) أو * مرارة (140) فإن ما يغلب عليه * إحدى (141) هذه الطعوم لم يكن صادق الغذائية بل يشوبه دوائية إلا أن يراد أن يكون في الغذاء PageVinP039A تفتيح * السدد (142) لتكون المجاري تجري فيها الأخلاط مفتوحة. ولهذا أمر * أبقراط (143) أن يسقى شارب الدواء * الخربق (144) ماء الشعير أو * ماء (145) العسل وقد طبخ فيه الزوفاء. والراحة هي ترك الحركة والفكر أصلا ويفعل الترطيب بطريق العرض. وذلك أنها تحفظ على البدن رطوباته لأنها لا * تحلل (146) * منها (147) شيئا ومواظبة الاستحمام بالماء العذب والتمريخ بالدهن يرطب البدن ويرقق الأخلاط ويجعلها مستعدة لأن يجري بسهولة. وإن كان في البدن موضع * متمدد (148) أرخاه ولينه بالاستحمام * الآخر (149) قبل أخذ الدواء * بحيث (150) يكون * تهيئة (151) لأنه إذا وقع بينهما مدة أطول لم تلبث الأخلاط على رقتها بل ترجع إلى البرد والغلظ. ولهذا كان * أبقراط (152) يحم من دمه غليظ قبل فصده بالماء الحار. ولا ينبغي أن يستحم شارب الدواء وقد أخذ الدواء في العمل لأنه يمنعه من فعله PageVW0P119B * ولهذا (153) التدبير يمكن أن يقلع الأخلاط * الغليظة (154) من الظهر والورك والركبة وسائر * المفاصل (155) .
13
[aphorism]
قال * أبقراط (156) : إذا سقيت إنسانا خربقا فليكن قصدك لتحريك بدنه أكثر * ولتنويمه (157) وتسكينه أقل، وقد يدل ركوب السفن على أن الحركة تثور الأبدان.
[commentary]
التفسير: الأولى أن يهدأ الإنسان أو ينام نومة خفيفة عقيب شرب الأدوية التي تستفرغ ليتوفر PageVW3P045A الحار في باطن البدن فتخرج قوة الدواء إلى الفعل أسرع. فإذا أخذ الدواء يعمل عمله فالأولى أن يتحرك حركة معتدلة لأن مثل هذه الحركة تعين على * تثور (158) الأخلاط وتكثير * ثوارها (159) ولا تبلغ أن تنازع الدواء على * جذبه (160) الأخلاط إلى خارج، ويحذر حينئذ النوم أصلا فإن الحار الغريزي يقاوم عند ذلك الدواء فيبطل فعله. وقد استشهد * أبقراط (161) بركوب السفينة والجمال على أن * الحرارة (162) تثور الأخلاط فإن * من (163) لم يعتد ركوبهما إذا ركب أحدهما يدور رأسه وتثور فيه الأخلاط PageVW0P120A * فينصب (164) المرار إلى معدته كثيرا ولا يزال يعرض له التهوع والقيء.
[commentary]
CB1 وإذا كان راكب السفينة يعرض لدفع سكونه في نفسه ثوران الأخلاط لأنه يتحرك بحركة غيره فكم بالحرى أن لشارب الخربق إذا كان يتحرك بنفسه على أن الحركة تثور الأخلاط. أما ركاب الزواريق فإنها تحركهم التمخيض فلا يبعد أن ينجلب إلى معدتهم المرار، ولذلك يعرض هذا بعينه لراكب الحمل إذا لم يكن ممعتادا لركوبها. وأما ركاب السفن في البحر فيتراء لهم الدنيا قد انتقلت عليهم لأن ما يقع عليه أبصارهم يتخيل إليهم أنه يدورهم في أنفسهم ساككنون. وذلك المخيلات التيتلحق الأبصار وتعرض للإنسان عند ذلك أن يدور رأسه لأنه يلحق روح العين ما يلحق الناظر إلى الدواليب فإن الروح الباصر من هؤلاء تتحرك حركة مشوشة غير منتظمة، وينال المعدة عند ذلك بسبب الاشتراك أن يقبل مرارا فيعرض التهوع والقيء. وربما يعرض لهم ذلك لاستشعارهم الخطر حسب ما يعرض لمن صعد PageVW0P120B موضعا عاليا جدا ثم نظر إلى أسفل فإنه يعرض له أن يدور رأسه. ويرى هذا الكلام راكب السفينة مع سكونه في نفسه إذ كان يعرض لهم ثوران الأخلاط لأنه يتحرك حركة العين فكم بالحرى أن يعرض ذلك لشارب الخربق إذا كان يتحرك بنفسه. H أما ركاب الزواريق فإنها تحركهم حركة التمخض فلا يبعد أن يتجلب إلى معدتهم المرار. وكذلك يعرض هذا بعينه لراكب الجمال إذا لم يكن معتادا لركوبها. وأما ركاب السفن في البحر فيتراءى لهم أن الدنيا قد انقلبت عليهم لأن ما يقع عليه أبصارهم يتخيل عليهم أنه يدور وهم في أنفسهم ساكنون. وذلك للتخيلات التي تلحق الأبصار ويعرض للإنسان عند ذلك أن يدور رأسه لأنه يلحق روح العين ما يلحق الناظر إلى الدواليب فإن الروح الباصر من هؤلاء يتحرك حركة مشوشة غير منتظمة، وينال المعدة عند ذلك بسبب الاشتراك أن يقبل مرارا فيعرض التهوع والقيء. وربما يعرض لهم ذلك لاستشعارهم الخطر حسب ما يعرض لمن صعد موضعا عاليا جدا ثم نظر إلى أسفل فإنه يعرض له أن يدور رأسه ويثور فيه الأخلاط فينصب المرار إلى معدته كثيرا ولا يزال يعرض له التهوع القيء. وإذا كان راكب السفينة مع سكونه في نفسه يعرض له ثوران الأخلاط لأنه يتحرك بحركة الغير فكم بالحرى أن يعرض ذلك لشارب الخربق إذا كان يتحرك بنفسه.
14
[aphorism]
قال * أبقراط (165) : إذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر فحرك البدن، * وإذا (166) أردت أن تسكنه فنوم الشارب له ولا تحركه.
[commentary]
التفسير: الحركة إذا كانت بمقدار فإنها تسخن الأخلاط وترققها وتهيجها للانبعاث والنوازل. وإذا كانت مفرطة فبالحرى أن * تجذب (167) الأخلاط إلى ظاهر البدن فتقلل الاستفراغ. PageVW3P045B وأما السكون فإنه يسكن الأخلاط ويغلظها ويمنعها من الجريان. وأبلغ من السكون فعلا النوم لأن الكثير من الحركات النفسية تسكن معه، وتختلف كيفية ما يحتاج إليه من * الحركات (168) بحسب أختلاف الأبدان. فقد قال جالينوس في طبيعة الإنسان * إن (169) الحركة السريعة تسخن البدن عند استعمال القيء فيمن كان عبل البدن. ومما يختار لشارب الخربق PageVW0P092A أن * يشربه (170) في الصيف * كما (171) علمت. * وأما (172) شارب الدواء والمسهل فيختار له من الهواء ما لا يكون من الحر بحيث يعرق فيه ولا من البرد بحيث يقشعر منه. فإن الأول يجري مجرى الحمام في جذب الأخلاط إلى سطح البدن، والثاني يقوي الحار الغريزي ويعسر معه عمل الدواء. ولذلك وجب أن يكون معتدلا وأن يميل إلى الحر قليلا لأن ذلك المقدار لا يبلغ أن * يجذب (173) الأخلاط نحو الظاهر ويعين في إمساكها على الرقة وسهولة الانصباب.
15
[aphorism]
قال * أبقراط (174) : شرب الخربق خطر لمن كان لحمه صحيحا، وذلك أنه يحدث تشنجا.
[commentary]
التفسير: البدن الصحيح هو الذي ليس فيه فضلة تحتاج إلى * نفضها (175) عن البدن. والخربق يستفرغ من أمثال هذه الأبدان ما تحتاج الأعضاء إليه، * فيجب (176) لذلك سريعا أن * يعرض (177) التشنج. وهذا وإن كان عاما لكل استفراغ من غير حاجة إلىه فإنه إذا كان بالإدوية * القوية (178) كان أبلغ لمنافاتها المعدة والكبد سيما الخربق منها * لاستفراغه (179) رطوبات البدن.
16
[aphorism]
قال * أبقراط (180) : PageVW0P092B من لم يكن به حمى وكان به امتناع من الطعام * ونخس (181) الفؤاد وسدر ومرارة في الفم فذلك يدل * على (182) استفراغه بالدواء من فوق.
[commentary]
التفسير: عني بالامتناع من الطعام ذهاب الشهوة وبنخس الفؤاد اللزع العارض في فم المعدة، والسدر هو أن يغشي * البصر (183) ظلمة. وهذه الأعراض إذا لم تكن معها حمى * دلت (184) على أن * الأخلاط (185) شأنها التلذيع. فإذا انضاف إليها مرارة الفم دل على أن الخلط في فم المعدة هو المرة الصفراء. * والاشتراك (186) بينه وبين الدماغ بروح العصب صار إذا نالته آفة دخل بسببها الضرر على أفعال النفس فيحدث السدر. وتدل هذه الحالة * على (187) الحاجة * إلى (188) الاستفراغ بالقيء وإنما استثنى بالحمى لأن الحمى قد PageVW3P046A * يعرض (189) معها بعض هذه الأعراض من غير حاجة إلى الاستفراغ من فوق. فمتى لم يكن حدوثها مع حمى دل على ذلك لا محالة.
17
[aphorism]
قال * أبقراط (190) : الأوجاع * التي (191) فوق الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق، والأوجاع التي من PageVW0P093A أسفل الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
التفسير: عني بالأوجاع العلل التي يحتاج فيها إلى الاستفراغ، وعني بالتي فوق الحجاب فم المعدة فإن المريء مع * مفارقته (192) الحجاب يأخذ في الاتساع * واجتذاب (193) فم المعدة. والفضل إذا كان فيه وجب استفراغه بالقيء من فوق * لقربه (194) من الحجاب ومجاورته له وهو من المعدة * وفوق (195) أطلق عليه فوق الحجاب وكأنه * يقول (196) الأوجاع التي من فوق عند الحجاب. وأما إذا كان الفضل في أسافل المعدة وجب استفراغه بالدواء من أسفل. * وأبقراط (197) لم يعن بالفوق والأسفل جهتي البدن على الإطلاق, حتى يكون لشك الرازي مساغ وهو قوله إن القيء أنفع * لوجع (198) الركبة وعرق النسا من الإسهال كما أن الإسهال في الصداع والخوانيق أنفع من القيء بل عني به فوق وأسفل المعدة لا غير.
18
[aphorism]
قال * أبقراط (199) : من شرب دواء الاستفراغ * فاستفرغ (200) ولم يعطش فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.
[commentary]
* التفسير (201) : PageVW0P093B شارب الدواء قد يعطش بحرارة الدواء وقد يعطش من قبل المرة التي تنصب إلى المعدة، وقد يعطش لأن المعدة في نفسها حارة أو يابسة. وهذا * كله (202) لا يدل على أن الاستفراغ قد انتهى منتهاه. وقد يعطش بسبب أن الرطوبات الفضلية قد استفرغت على التمام، وأخذ الدواء يعمل في الرطوبات التي يحتاج إلىها البدن لأن الطبيعة تقتضي البدل. وهذا هو الذي عناه * أبقراط (203) . وإذا كان الأمر على هذا فليس ينقطع * الإسهال (204) ما لم يعطش وليس متى عطش كان الاستفراغ قد انقطع. ولهذا متى وجد العطش مع قلة الإسهال فلا ينبغي أن يلتفت إليه. ومتى كثر * به (205) الإسهال ولم يكن العطش فليس ينبغي أن يخاف منه بل إذا انتهت قوة الدواء منتهاها ولم يحدث العطش دل على أن صاحبه يحتاج إلى معاودة شرب الدواء ثانيا. وأما متى اشتد PageVW3P046B العطش مع كثرته فلا ينبغي أن يتهاون به بل يبادر إلى قطعه. وقوله * ليس (206) ينقطع الاستفراغ أي لا يمنع * من (207) الاستفراغ PageVW0P094A حتى يعطش.
19
[aphorism]
قال * أبقراط (208) : من لم تكن به حمى وأصابه مغص وثقل في الركبتين ووجع في القطن فذلك يدل على أنه يحتاج إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
التفسير: وجع الظهر والمفاصل إذا لم يكن مع حمى دل على أن الفاعل له خلط كثير ليس بحار ولا مائل إلى العفن بل هو إلى النهوة أميل. وكذلك المغص إذا دام من غير حمى دل على أن الفاعل * له (209) ليس بمرار بل خلط ني كثير. واستفراغ أمثال هذه الأخلاط بالدواء المسهل أوجب لميلها إلى أسفل.
20
[aphorism]
قال * أبقراط (210) : البراز الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان مع حمى أو من غير حمى من أردأ العلامات، وكلما كانت تلك الألوان في البراز * أردأ (211) كانت تلك العلامات أردأ، فإذا كان ذلك مع شرب دواء كانت تلك * علامة (212) أحمد، وكلما كانت تلك الألوان أكثر كان ذلك * أبعد (213) من الرداءة.
[commentary]
التفسير: عني بالبراز الأسود عكر الدم وإنما شبهه بالدم مع حمرة لونه PageVW0P094B لأن الدم يسود في انحداره إلى الأمعاء، وإنما يخرج من تلقاء نفسه متى لم يجتذبه الطحال إما لكثرته أو * لفساده (214) ولضعف الطحال عن الجذب. وهذه حالات تؤدي إلى رداءة حال الكبد. وربما كان خروجه من انخزال القوة الماسكة الكبدية ويكون من أردأ العلامات إذا خرج في أول المرض أو تزيده لأن المريض لا يسلم مع ذلك من قبل أن هذا الخلط لقلة مقداره وعسر جريته لا يطاوع المسهل إلا عند إفراط عمله فكيف يخرج من تلقائه. وما ذلك * إلا (215) لأن الكبد مملوءة منه أو لأن به من الرداءة والعفونة ما قد اضطرت التجاويف التي هو فيها إلى قذفه حسب الحال في الطعام إذا فسد في المعدة أو لأنه ليس في القوة فضل ولا * تماسك (216) * يضبطه (217) . فأما إذا خرج في منتهى المرض فربما دل على الخير. وذلك إذا كان خروجه على وجه دفع الطبيعة * الفضول (218) الرديئة لأن يتم * به (219) البحران. وهكذا حال الأخلاط الرديئة المختلفة الألوان في البراز الآتي PageVW0P095A من تلقاء نفسه فإنها PageVW3P047A تدل على حال رديئة للبدن إلا إذا كانت عند استيلاء الطبيعة على المرض ووجد أن الخفة عقيبة، وذلك بعد النضج وفي منتهى المرض. * وأما (220) متى خرجت أمثال هذه الأخلاط بالدواء المسهل دل على أن البدن قد نقي منها، ولذلك صار محمودا. وإنما لم يفرق * أبقراط (221) في هذا الفصل بين * مبتدأ (222) المرض ومنتهاه إما تعويلا على الإفهام أو على ما قاله في * مواضع (223) أخر وهو أن الأشياء التي بها يكون * البحران (224) لا ينبغي أن تظهر بدءا.
21
[aphorism]
قال * أبقراط (225) : أي مرض * خرجت (226) في ابتدائه المرة السوداء من أسفل أو من فوق * فذلك (227) علامة دالة * على (228) الموت.
[commentary]
التفسير: ما دام المرض في ابتدائه فليس شيء من الخلاط يخرج على PageVW5P039B وجه دفع الطبيعة وكيف يخرج بدفعها، ولم ينهض بعد * للمقاومة (229) * لكنها (230) مثقلة بمواد المرض، ولم يوجد بعد نهض ولا تمييز. لكن خروج ما يخرج في المبدأ إنما يكون لأعراض لازمة لحالات في البدن خارجة عن الطبيعة. PageVW0P094B ولذلك يدل على التلف في * الأكثر (231) وفي الأقل على طول المرض. * فأما (232) إذا كان استفراغ الأخلاط الرديئة بعد وجود علامات النضج فالأولى أن تكون الطبيعة تروم أن تنقي البدن وتخرج ما فيه من الفضل الرديء على سبيل البحران * فيكون (233) محمودا. وإنما خصص أبقراط كلامه بالمرة السوداء للعلة التي قلناها من قبل وهي أن هذا الخلط لا يخرج بالدواء إلا بآخرة من الأخلاط الأخر وبعد أن يكون * الدواء (234) قويا فليس إذا يخرج من الأبدان من تلقائه إلا لرداءته العفونية أو الاحتراقية أو لكثرتها أو لانخزال من القوة الماسكة الكبدية. وثلاثتها * دالة (235) على التلف.
22
[aphorism]
قال أبقراط: من أنهكه مرض حاد أو مزمن أو إسقاط أو غير ذلك ثم خرجت منه مرة سوداء أو بمنزلة الدم الأسود فإنه يموت من غد ذلك اليوم.
[commentary]
التفسير: خروج المرة السوداء أو البراز الأسود ممن ضعفت قوته ونهك بدنه يدل على سقوط القوة. وبالحرى أن لا يتأخر الموت عن غد لمن هو منحل القوة حسب ما تشهد التجربة والرصد بذلك. والفصل PageVW0P095A بين البراز الأسود وبين الدم الذي اسود في انحداره أن الدم يجمد و البراز يبقى ذائبا، والفصل بينه و بين المرة السوداء بالبريق والتلذيع وغليان الأرض * في (236) المرة وعدمها في البراز الأسود.
23
[aphorism]
قال * أبقراط (237) : اختلاف الدم إذا كان ابتداؤه من المرة السوداء * فذلك (238) من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: عني به اختلاف الدم الحادث عن سحج الأمعاء. * فإذا (239) كانت المرة السوداء هي التي تسحج الأمعاء فإن القرحة تزيد * وتكون (240) سرطانية، * ولذلك (241) * عسر (242) ما يبرأ. فإن بدأ القيح مع الاختلاف دل على التقرح السرطاني لا محالة. * ويدل (243) على هذا الاختلاف بسواد لون البراز واشتمام رايحة الحموضة منه. وربما كان معه جوع مفرط من غير * عطش (244) . وربما كان معه حموضة في الفم. فأما السحج الصفراوي فمعه عطش وسقوط شهوة ومرارة في الفم والبراز أصفر أو أخضر أو * أحمر (245) . فمتى كان السحج عقيب البراز الأسود فينبغي أن يبادر بإعطاء العليل الأشياء PageVW0P096B الحلوة * الدسمة (246) ويواظب على غسل أمعائه كل يوم مرات كثيرة بالماء الحار ثم إعطائه الأشياء الحلوة الدسمة اللزجة * لتعدل (247) كيفية الخلط فلا تقرح الأمعاء فإنها إن تقرحت لم يسلم PageVW5P040A العليل وإن كان الوجع في المعاء السفلى استعمل الحقن * المسكنة (248) * للذع (249) مرارا.
24
[aphorism]
قال * أبقراط (250) : خروج الدم من فوق كيف * كان (251) علامة رديئة، وخروجه من أسفل علامة جيدة إذا خرج منه شيء أسود.
[commentary]
التفسير: عني بخروجه من فوق ما يخرج بالقيء دون الرعاف. ومتى خرج بالقيء فذلك إما لقرحة أو لانفجار عرق وكلاهما رديئان. ومن البين أن خروجه من فوق إذا كان بالنفث من الصدر أو الرئة فإن ذلك أردأ فخروجه إذا من فوق كيف كان رديء. * فأما (252) خروجه من أسفل إذا كان كثيرا أو على طريق الانفجار فليس بمحمود أصلا من أي موضع كان خروجه إلا أنه خير من الانفجار * الذي (253) من فوق. وإذا كان يخرج قليلا قليلا وعلى وجه التحلب ثم كان خروجه على طريق الانصباب إلى الأمعاء فهو رديء إلا PageVW0P097A أنه خير منه إذا كان خروجه كثيرا، * وإن (254) كان خروجه من أفواه * عروق (255) تنفتح في المعدة فإنه محمود لإنه يؤمن * من (256) الوقوع في الوسواس السوداوي إن كان صاحبه على شرف الوقوع فيه ويبرئ منه إن كان قد حدث به ذلك. فالقول الجزم إذا في هذا الباب هو أن خروج الدم من فوق كيف كان علامة رديئة وخروجه من أسفل علامة * أجود (257) .
25
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف الدم فخرج منه شيء شبيه بقطع اللحم * فذلك (258) من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: إن أول ما يخرج من الأمعاء السفلى في السحج أجسام شحمية ثم قشور غشائية تنجرد من * السطح (259) الداخل من الأمعاء ويسمى الخراطة، ثم تنجرد جوهر الأمعاء, وعند ذلك يتم حدوث القرحة. فأما ما دام ينجرد بعد من سطح الأمعاء فالقرحة بعد في الحدوث. فمتى * انجردت (260) منها أجزاء يمكن لغلظها أن تسمى قطع لحم كان قتالا لأنه يدل على أن القرحة من العظم بحيث يعسر اندمالها * وإنبات (261) اللحم فيها.
26
[aphorism]
قال * أبقراط (262) : PageVW0P097B من كانت به * حمى (263) فانفجر منه دم كثير من أي موضع كان انفجاره فإنه عند ما ينقه * يغذي (264) يلين بطنه بأكثر من المقدار.
[commentary]
التفسير: وهذا لأن الحار الغريزي * يضعف (265) بانفجار الدم فيعجز عن الهضم وإحالة الغذاء إلى دم. ومن البين عند ذلك أن الغذاء لا * يفشو (266) في البدن فيلين البطن لا محالة بأكثر من المقدار. وهذا عارض لا يزال يعرض دايما للأصحاء متى أخرجوا من الدم أكثر مما تحتمله قوتهم. وإذا تمادى بالإنسان هذا الاختلاف * هلك (267) . * ولذلك (268) ينبغي أن * يقدم (269) الغذاء في مثل هذه * الحالة (270) ويجعل من النوع الذي يقوي الكبد.
27
[aphorism]
قال * أبقراط (271) : PageVW5P040B من كان به اختلاف مرار فأصابه صمم انقطع عنه ذلك الاختلاف، ومن كان به صمم فحدث له اختلاف مرار ذهب عنه الصمم.
[commentary]
التفسير: عني بالصمم ما يحدث في * الحميات (272) عند تصاعد المرار إلى الرأس ولاستيلائه على مجاري السمع لا الصمم الثابت. ولذلك إذا كان المرار مستوليا على هذه المجاري PageVW0P098A في * الحميات (273) ثم تدفعه الطبيعة * بالاختلاف (274) زال الصمم. وافهم على هذا القياس سائر العلل التي تعرض في الرأس * والحواس (275) .
28
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في الحمى في اليوم السادس من عرضه نافض فإن * بحرانه (276) يكون * نكدا (277) .
[commentary]
التفسير: النافض يعرض على وجوه. منها برد ينال البدن إما من الهواء من خارج أو * من (278) خلط يبرد من داخل فيعشر له البدن ولا تعقبه حمى. ومنها النافض الذي يوجد بآخرة من الحمى الدائمة فتنحل به الحمى. ومنها النافض * الذي (279) يكون على سبيل الأعراض التي تتقدم البحران، وهذا هو الذي عناه * أبقراط (280) . ومثل هذا النافض ينذر في الحمى المحرقة ببحران يعقبه إلا أن البحران ليس يكون في جميع أيام المرض ولا * في (281) الأيام التي توجد يكون محمودا فيها كلها. واليوم السادس من الأيام التي لا يكون فيها بحران محمود، وإن كان فيها بحران محمود * مؤدى (282) إلى البرء كان معه أعراض هائلة. ولذلك وصفه أبقراط بأنه يكون نكدا فإنه عنى بالنكد إما الرديء الذي PageVW0P098B يؤول إلى الشر وإما الذي لا يوثق به * فلا (283) يؤمن معه أن يعاود المرض بغتة سريعا. وأما الذي لا يكون تماما فلا يؤمن أن يطول معه المرض. وأما الذي تكون معه أعراض صعبة مهولة * فالرصد (284) والتجربة تشهد بجميع هذا كله. وقد وصف جالينوس عللها الطبيعية في كتابه في أيام البحران.
29
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له * من (285) غد في تلك الساعة بعينها فإن بحرانه * يكون (286) عسرا.
[commentary]
التفسير: هذه * هي (287) الحمى ذات النوائب * التي (288) تبتدئ نوئبها في وقت واحد بعينه وتترك في أي وقت اتفق. وتقدير قول أبقراط هو «من كانت لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له» في كل يوم في ساعة واحدة بعينها فبحرانه يكون عسرا. وعني بعسر البحران عسر انقضاء * المرض (289) . وإنما يعسر انقضاء الحمى إذا كان نوائبها * تبتدئ (290) في وقت واحد من جميع الأيام لأنه يدل على أن السبب الحافظ للدور شديد التمكن PageVW0P099A والثبات، والسبب الفاعل إذا كان متمكنا فهو أعسر زوالا منه إذا لم يكن ثابتا ولا متمكنا. وبالحرى أن يكون ذلك من جهة * أن (291) الخلط الفاعل للحمى غليظ كالجامد وأن الطبيعة PageVW5P041A عاجزة عن التأثير فيه. ولذلك يزمن المرض ويطول وبالضد إذا كان الكيموس مستعدا للتثور والطبيعة قوية على التأثير * فيه (292) . وأما من ظن أن أبقراط عنى بما قاله إن الحمى تبتدئ في النوبة الثانية في الوقت الذي انقضت فيه النوبة الأولى وعلى هذا * القياس (293) النوبة الثالثة تبتدئ في الوقت الذي انفضت فيه * النوبة (294) الثانية وكذلك ما بعدها فلم يقدروا أن يأتوا * فيه (295) بعلة ولا التجربة شهدت لهم بصحة ذلك حسب ما شهدت بصدق الأول.
30
[aphorism]
قال أبقراط: صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به * الخراج (296) في مفاصله وإلى جانب اللحيين.
[commentary]
التفسير: البحران إنما * يكون (297) * بالخراج (298) إذا لم تكن مادة الحمى لطيفة رقيقة * منبثة (299) في اللحم * فيتحلل (300) * بالعروق (301) ولا أيضا تكون محصورة في العروق فتسخن البول ولا لذاعة كثيرة التأذية فتنهض PageVW0P099B الطبيعة لدفعها باستفراغ محسوس بل تدفعها دفعا * متراخيا (302) وعلى سبيل الثقل من الأعضاء التي هي أشرف وأقوى إلى الموضع الذي هو أضعف ولذلك * يكون (303) منها خراج. فمتى كان المحموم يحس بالإعياء في بدنه دل على أن المادة مائلة إلى ناحية المفاصل والمفاصل مستعدة لقبولها لسعتها وتسخينها بالحركات، ثم إن كانت المادة في أعالي البدن فبالحرى أن تصير إلى المواضع * الغددية (304) من اللحيين كما تصير إذا لم تكن في الأعالي إلى موضع الإبطين والحالبين.
31
[aphorism]
قال * أبقراط (305) : من انتشل من مرض فكل منه * موضع (306) * من (307) بدنه حدث به في ذلك الموضع خراج.
[commentary]
التفسير: من قام من مرض ولم يكن قد نقي بدنه حسنا فوجد في بعض أعضائه كلالا وإعياء فإن بقية المادة غليظة ليست تتحلل بالتحلل الخفي بل مائلة إلى الموضع الكال ويحدث فيه خراجا. وكذلك الحال لو لم يجد الكلال في بعض أعضائه لكنه يتعب * موضعا (308) من بدنه فإن بقية PageVW0P100A المادة تصير إلى ذلك الموضع وتحدث فيه خراجا.
32
[aphorism]
قال أبقراط: وإن كان قد تقدم فتعب * عضو (309) من الأعضاء من قبل أن يمرض صاحبه ففي ذلك العضو يتمكن المرض.
[commentary]
التفسير: من تقدم له قبل حدوث المرض أن تعب عضو من * أعضائه (310) ثم كان البحران في مرضه يكون بخراج حدث الخراج في العضو الذي أتعبه قبل العلة لأن التعب يكون قد أسخنه ووسعه * وسخفه (311) فيسهل دفع الطبيعة المادة إليه والعضو يقبلها لسخافته المكتسبة من التعب * ويجذبها (312) بحرارته. وهكذا الحال لو لم يكن قد أتعب عضوا من بدنه قبل حدوث المرض لكنه كان يجد في موضع * ما (313) من بدنه كلالا * وإعياء (314) فإن المادة في مرضه تصير إلى ذلك الموضع لأن وجود الإعياء فيه يدل على ميل المادة إليه وأنها تحدث فيه خراجا. وهذه الثلاثة الفصول PageVW5P041B * تنتظم (315) معنى * واحدا (316) إلا * أن (317) الإحساس بالإعياء في الفصل الأول يكون في وقت المرض وفي الثاني بعده وفي الثالث قبله، * ولذلك (318) أمكن أن تكون ثلاثتها فصلا واحدا. وتقديره من أحس في مرضه بإعياء فتوقع أن يخرج * له (319) خراج في مفاصله. وكذلك من انتشل من مرضه فوجد في بعض أعضائه PageVW0P100B كلالا أو * كان (320) ذلك قبل أن يمرض فتوقع ذلك بعينه. ويشبه أن يكون * أبقراط (321) إنما ذكر هذا ليحذر المريض أن يتعب شيئا من بدنه في مرضه أو بعده حين يتقيه ولا مفاصل لحييه بكثرة الكلام والقراءة فإنه يحدث فيها من التعب ما يحدث في سائر المفاصل الأخر.
33
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى وليس في حلقه انتفاخ فعرض له اختناق * بغتة (322) فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: هذا الذي حكاه * أبقراط (323) هو ضرب من الخوانيق تسمى الذبحة فإن ضروب الخوانيق كثيرة، أحدها أن يتورم الحلق وهو الموضع الداخل من الفم حيث ينتهي عنده طرف الحنجرة، والورم يكون إما في النغانغ وهي عضل الحلق وإما في اللوزتين وهما لحمتان * رخوتان (324) في طرف الحلق عند أصل اللسان. والثاني أن يكون الورم خارجا من موضع الحلق لا في الحلق نفسه وهي المواضع التي تتصل بموضع الحلق من الفم. والثالث أن يكون الورم في الحلق وخارجا منه. وهذه الثلاثة الأصناف PageVW0P101A تسمى * خوانيق (325) بقول مرسل. والرابع أن يكون الورم في المواضع * الذي (326) لا تتبين في شيء من آخر الفم أصلا ولا من * خارج (327) ، وهذا هو الذبحة. والخامس هو الذي يزول معه الفقار إلى داخل، وذلك إذا كان الورم يمدد فقار العنق ويجذبه إلى داخل كالحال في الحدبة، وهذا هو ضرب آخر من الذبحة يسمى * خانوق (328) الكلب وهو شر ضروب الخوانيق وليس يبرأ إلا برد الفقار إلى موضعه. ولذلك ينبغي أن * يبادر (329) بإدخال الآلة الشبيهة بلسان اللجام ودفع الشيء الضاغط للحنجرة إلى ناحية خارج العنق، ويوضع المحجمة أيضا من خارج مع شدة المص، وإن كانت الآلة مجوفة وفيها مبضع يخرج من فمها * فمتى (330) أريد * أمكن (331) أن يبط به الورم. وأما * أبقراط (332) فإنه عنى بما قاله الضرب الرابع. وذلك أن الورم إذا لم يتبين في الحلق ولا يرى في ظاهر الرقبة انتفاخ ولا في * القفاء (333) تقصع فالورم هو في داخل الحنجرة إما في العضل الذي فيها وإما في الغشاء المستبطن لها. وإذا لم ينهض ولم يتحلل PageVW0P101B فليس يتأخر الموت لشدة الحاجة إلى عظم التنفس * فيتواتر (334) النفس لذلك ويشتد * اليبس (335) في هذا * الموضع (336) ، ولا يؤمن عند ذلك أن يتعاون الورم واليبس على جذب الفقار إلى داخل، PageVW5P042A ولا يقدر العليل في كلى الضربين على تحريك لسانه لأن أصل اللسان لاصق بالحنجرة، والورم فيها والفقار * الزائل (337) الضاغط * للحنجرة (338) يضغطان اللسان فيمتنع لذلك أن يتحرك حركته الطبيعة. * وإذ (339) صح هذا فأقول إن الاحتناق الذي لا يرى في الحلق معه انتفاخ قد يعرض أيضا * من (340) ورم الرئة إلا أنه لا يعرض بغتة * ولكن (341) يتزيد شيئا فشيئا إلى أن يبلغ منتهاه. وقد يعرض من المدة التي في فضاء الصدر ولكن في مدة من الزمان طويلة وورم قصبة الرئة لا يبلغ أن يحنق لسعتها ودقة جرمها. وقد يعرض بطلان النفس من غير ضيق في بعض * هذه (342) الآلات إما بسبب ضعف القوة المحركة أو لبرد يغلب على مبدأ الحياة إلا أنه لا يكون مع هذا حمى. وقد يعرض مثل * هذا (343) الاحتناق لرطوبة تبل الغشاء PageVW0P102A المستبطن للحنجرة فيحدث ورم من غير وجع. وقد تبطل حركة العضل الفائج للجنجرة أو يبس العضل * القابض (344) فيضيق المجرى إلا أنه لا يكون مع هذه الضروب أجمع حمى. فإذن ليس يعرض الاحتناق بغتة مع الحمى من غير انتفاخ في الحلق ولا يقصع في * القفاء (345) إلا لورم حار في داخل الحنجرة يحوج إلى تنسيم الهواء من غير إمكان لذلك فيعرض الهلاك إذ الاحتناق ليس هو * سبب (346) غير الهلاك بسبب نقصان استنشاق الهواء من قبل * الضيق (347) * الحادث (348) في الحنجرة.
34
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى فأعوجت معها رقبته وعسر عليه الازدراد حتى لا يقدر * أن (349) يزدرد إلا بكد من غير أن يظهر * به (350) انتفاخ فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: قد فهمت الضرب الثاني من الذبحة في الفصل المتقدم وهو الخامس من ضروب الخوانيق * وأبقراط (351) عناه في هذا الفصل. وذلك أن اعوجاج الرقبة يدل على * ميل (352) الفقار إما إلى داخل * وإما (353) إلى PageVW0P102B * جانب (354) بحسب * الميل (355) من الجانبين أو من جانب، وذلك إما لورم في المرء أو في العضل المستبطن له أو الغشاء * المستبطن (356) للحنجرة أو * في (357) العضل الذي في * داخلها (358) أو العضل المشترك بينهما. فإن بين هذه الآلات وبين الفقار والنخاع * مشاركة (359) برباطات وأعصاب، فمتى جذبته إلى داخل أو إلى جانب عسر على صاحبه الازدراد، ولم يتبين الورم لا في الحلق من داخل ولا في الرقبة من خارج كما قاله * أبقراط (360) ، إلا أنه ربما يوجد في * القفاء (361) يقصع مؤلم عند اللمس إذا كان سببه ورم وغير مؤلم إذا كان * سببه (362) تمدد من يبس. وهذا هو الأولى أن يحمل عليه قول * أبقراط (363) PageVW5P041B لأن الخطر في أن لا يزدرد الإنسان الازدراد إلا بكد ليس يساوي الخطر في أن يحتنق إلا إذا كان بسبب فرط اليبس، فإن فرط اليبس قتال سيما إذا كانت الحمى شديدة اللهيب فإنها تدل حينئذ على أن الاعوجاج إنما هو بسبب اليبس وتكون بنفسها جالبة * للموت (364) أيضا حسب الأسباب الأخر الجالبه له.
35
[aphorism]
قال * أبقراط (365) : العرق يحمد PageVW0P103A في المحموم إن ابتدأ في اليوم الثالث أو * في (366) الخامس أو * في (367) السابع أو في التاسع أو في الحادي عشر أو في الرابع عشر أو في السابع عشر أو في * العشرين (368) أو في الرابع والعشرين أو في السابع والعشرين أو في الثلاثين أو الرابع والثلاثين أو السابع * والثلاثين (369) فإن العرق الذي يكون في هذه الأيام يكون به بحران الأمراض، فأما العرق الذي لا يكون في هذه الأيام * فهو (370) يدل على آفة أو * (371) على طول من المرض.
[commentary]
التفسير: العرق وسائر الاستفراغات البحرانية إنما تحمد إذا كانت في هذه الأيام لأنها أيام البحارين غير أن * أبقراط (372) قصر كلامه على العرق واستفراغه في الأيام التي دون الأربعين لأن بعد الأربعين لا يكاد * يكون (373) بحران بعرق ولا باستفراغ آخر محسوس * لكن (374) * انقضاء (375) الأمراض بعده إما أن يكون بالنضج أو بحدوث خراج. وإنما ابتداؤنا بالثالث دون الرابع لأنه قد ينذر به في الأمراض التي هي أقل مدة، وذكر الخامس لأن البحران قد يتأخر عن الرابع إليه. واليوم الرابع إن PageVW0P103B لم يكن * سقط (376) عن النسخة فإن * أبقراط (377) ألغاه لأن التجربة تشهد بأن الأمراض الحادة جدا * التي (378) يكون بحرانها بعرق فبحرانها يكون في الثالث والخامس أكثر مما يكون في الرابع، ولا يكاد يكون في الرابع إلا في الندرة. ويشبه أن يكون السبب في ذلك أن الثالث والخامس أفراد والبحران يكون في النوائيب التي هي أشد وأصعب أسرع ويأتي في الأفراد. فأما الأمراض التي * تنوب (379) في الأزواج فمن عادتها أن تكون أطول، والأولى أن تكون بدل الثلاثين الواحد والثلاثين لأنه قائم مقام الحادي عشر. فإن لم يكن وقع من الناسخ الأول سهو فإن * أبقراط (380) ذكره ليبين لنا أنه معدود في أيام البحارين أيضا. وإنما لم يذكر الأربعين لأنه أول بحران الأمراض المزمنة التي لا عرق فيها من طريق البحران بل الأيام التي تقرب منها كالرابع * والثلاثين (381) والسابع والثلاثين * قبل (382) ما يوجد فيها بحران بعرق.
36
[aphorism]
قال أبقراط: العرق البارد إذا كان مع PageVW0P104A حمى حادة دل على المو،. وإذا كان مع حمى هادئة دل على طول المرض.
[commentary]
التفسير: * إنما (383) يدل العرق البارد مع الحمى * الحادة (384) على الموت لأنه يدل على رطوبات كثيرة باردة غلبت PageVW5P043A على البدن بحيث لا يقوى الحار الغريزي على تسخينها لانطفائه * ولقربه (385) من الانطفاء بسبب غلبة الحرارة النارية ولا الحرارة النارية تقوي على ذلك لشدة برد الرطوبات ولاختلاف المحل أيضا. وذلك أن الرطوبات إنما تكون في نفس الأعضاء وتستفرغ من الجلد. والحرارة النارية تكون في العروق لأن الأخلاط * التي (386) في العروق تكون قد عفنت. ولو كان العرق يجيء من المواضع التي فيها الحرارة الشديدة لعلها كانت * تسخنها (387) لا محالة. وإنما تدل هذه الحال على الموت لأن الحمى الحادة تحل القوة قبل أن تنضج الرطوبات إذ الرطوبات من البرد بحال لم تقو الحرارة الشديدة على تسخينها. وأما إذا كانت الحمى هادئة فقد تمهل القوة مدة ما تنضج فيها تلك الرطوبات PageVW0P104B * لأنها (388) لا تحل القوة ولا الرطوبات تكون بذلك البرد وإلا لم ينحل بالعرق بل البرد اليسير في الرطوبة يكفي مع الحمى الفاترة في أن يجعل العرق باردا.
37
[aphorism]
قال أبقراط: وحيث كان العرق من البدن فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع .
[commentary]
* التفسير (389) : * أي (390) موضع من البدن يجتمع فيه فضل خلط فإنه يتولد فيه * بخار (391) * أكثر (392) من أن يتحلل بالتحلل الخفى بل يتكاثف لكثرته فيخرج خروجا محسوسا وهو العرق. * ولذلك (393) * فكل (394) عضو يعرق ففيه فضل وليس هو طبيعي الحال. ولهذا صار العرق الكثير في * الحميات (395) يدل على فضل من الأخلاط ويحتاج إلى الاستفراغ والمنع من الغذاء. وإذا كان الأمر على هذا فحيث كان العرق ففيه الفضل. ولو كان الفضل مشتملا على البدن كله لكان العرق في جميع البدن * كله (396) سواء كان استفراغه بالطبيعة في وقت البحران أو * لأن (397) القوة لا تمسكه بسبب المرض. PageVW0P105A وافهم أن العرق يحمد في الأمراض إذا استكمل خمس خصال * وهو (398) أن يكون في يوم باحوري كما بينه في الفصل الأول وأن يكون حارا كما يبينه في الفصل الآخر وأن يكون في جميع البدن لئلا يجحف * الفضل (399) بموضع واحد من البدن كما بينه في هذا الفصل وأن لا يكون مختلف الحال فيكون حارا مرة وباردا أخرى كما سبينه في الفصل الآخر وأن يعقبه راحة * وخفة (400) ، ومتى نقص إحدى هذه * الخصال (401) تبعه من الرداءة ما قد علمته في كل * فصل (402) .
38
[aphorism]
قال * أبقراط (403) : أي موضع من البدن كان حارا أو باردا ففيه المرض.
[commentary]
التفسير: افهم ذلك بخروجه عن الاعتدال الذي هو الصحة.
39
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان يحدث في البدن كله تغايير وكان البدن يبرد مرة ثم يسخن أخرى * أو (404) يتلون بلون ثم * بغيره (405) دل على طول المرض.
[commentary]
التفسير: تقدير هذا الكلام * إذا (406) كان يحدث PageVW5P043B في * البدن (407) تغايير مختلفة مثل أنه يبرد مرة ويسخن أخرى PageVW0P105B أو يتلون بلون ما ثم بغيره دل على طول المرض لأن مثل هذه * الحال (408) يدل على أن المرض ليس هو نوعا واحدا بل أنواعا مختلفة فلا تقدر الطبيعة لذلك على إنضاجها إلا في المدة التي هي أطول.
40
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يكون * بعد (409) * النوم (410) من غير سبب بين يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل، * فإن (411) كان * ذلك (412) وهو لا ينال من * الطعام (413) * فاعلم (414) أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
[commentary]
التفسير: العرق إذا كان من فضل في البدن فذلك الفضل في الأصحاء يكون متولدا إما من الأطعمة التي استكثر منها صاحبها عن قريب أو من الأطعمة التي قد تناولها قبل ذلك بمدة أكثر، ويحتاج في الأول إلى تقليل الطعام وفي الثاني إلى الاتستفراغ، * وإنما (415) شرط الكثير لأن القليل من العرق * قد (416) يكون من قبل ضعف القوة وقد يكون من قبل سخافة البدن. وقوله «من غير سبب بين» هو مثل أن يكون من * حر (417) الهواء PageVW0P106A أو من تعب أو من فضل دثار. * وافهم (418) أن حال المرضى في هذا النوع من * العرق (419) حال الأصحاء بعينها.
41
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يجري دائما حارا كان أو باردا فالبارد منه يدل على المرض أعظم والحار منه يدل على أن المرض * أخف (420) .
[commentary]
التفسير: عني بالعرق الذي يوجد في مدة المرض دون وقت البحران فإن العرق الباحوري قد قدم الكلام فيه من قبل. وهذا العرق سواء كان حارا أو باردا فإنه يدل على كثرة الفضل في البدن إلا أن البارد يدل على أن المرض أطول لأن الفضل أميل إلى البرد والغلظ، والحار يدل على أن المرض أقصر. ومن البين أن المرض الأطول أردأ والأقصر أقل رداءة، ودلالة على الهلاك هذا إذا اعتبر الطول والقصر بانفرادهما دون سائر ما يقترن بالمرض من الأحوال الأخر.
42
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت الحمى غير مفارقة ثم * كانت (421) تشتد غبا فهي أعظم خطرا، * وإذا (422) كانت * الحمى (423) تفارق PageVW0P106B على أي وجه * كانت (424) فهي تدل على أنه لا خطر فيها.
[commentary]
التفسير: الحمى الدائمة لا تزال تكد القوة وتتبعها وتضعفها. فلذلك تكون أكثر خطرا سيما إذا كانت عن ورم أو عفونة خبيثة في الأخلاط. فأما المفارقة وهي التي ينقى منها البدن فإنها تدع القوة تستريح في زمان الفترة. ولذلك ما كان من * الحميات (425) المفارقة أطول فترة فهي أقل خطرا. ومن قبل هذا صار الربع * أقلها (426) خطرا، وبعدها الغب وصارت النائبة أكثرها خطرا. فإذن اللازمة * أخطرها (427) ثم النائبة ثم الغب PageVW5P044A ثم الربع.
43
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى طويلة فإنه يعرض له إما خراجات وإما * كلال (428) في مفاصله.
[commentary]
التفسير: * الحميات (429) وسائر العلل إنما تطول * لبرد (430) المادة وغلظها ويسمى ما هذه حاله من المواد بليدة. ولذلك فلا * تزعج (431) الطبيعة منها ولا تشتمر لدفعها باستفراغ محسوس حسب ما تفعله إذا كانت المادة لطيفة رقيقة كثيرة الأذى، وذلك في * الحميات (432) القصيرة بل تدفعها PageVW0P107A كما قلنا * دفع (433) متراخ، ثم من أجل غلظ المادة وقلة التأذية بها لا يبلغ دفع الطبيعة أن يخرجها باستفراغ محسوس بل تنقلها إلى المواضع التي هي أضعف وأوسع على ما عليه المفاصل ولعل * المفاصل (434) يحتد بها * أيضا (435) لتسخنها بالحركات.
44
[aphorism]
قال * أبقراط (436) : من أصابه خراج أو كلال في المفاصل بعد الحمى فإنه يتناول من * الطعام (437) أكثر مما يحتمل.
[commentary]
التفسير: هذا من العلل التي تعرض من الامتلاء ويعرض للناقه إذا أكثر من الطعام وقوته بعد ضعيفة لا يقوى على الهضم كما ينبغ, فتندفع المواد إلى مفاصله لنقرها وسعة مجاريها وتسخنها بالحركات.
45
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت تعرض * نافض (438) في حمى غير مفارقة لمن قد ضعفت قوته فتلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: عني بقوله «تعرض» أي يحدث مرارا كثيرة لأن النافض إذا عرض مرة واحدة لم يتبين هل يتبعه بحران أو انخزال من القوة. * فأما (439) PageVW0P107B إذا عرض مرارا كثيرة والقوة ضعيفة تبعه سقوطها لأن القوة الضعيفة لا تحتمل رعدة النافض وزعزعتها البدن. ثم إن * تبعه (440) استفراغ زادها ضعفا واسترخاء، وإن لم يتبعه دل على ضعف من القوة في الغاية وعجزها عن أن تعمل الاستفراغ. وبالحرى أن يتبع ذلك الهلاك. وافهم أن الطبيعة تنهض للدفع في هذا النافض ولا تقوى * على (441) أن تصير إلى ظاهر البدن فتتراجع حائرة كالمتحرل. وقد اعترض الرازي على جالينوس قائلا بأنه ليس يحتاج أن * يشترط (442) حدوث النافض مرارا كثيرة لأن البحران لا يكون بعد سقوط القوة. وهذا الاعتراض كان يصح لو أن أبقراط قال إذا كان يعرض في حمى لازمة نافض لمن * قد (443) سقطت قوته. فأما ضعف القوة فليس هو سقوطها لكن القوة * الضعيفة (444) تصير إلى السقوط بكد النافض المعاود مرارا كثيرة. وأيضا فإنه لا موضع لحمل المعنى على ما قاله الرازي لأن الحكم بالموت في الحمى الغير مفارقة مع سقوط PageVW0P108A القوة لا يشترط بحدوث النافض فإنه سواء حدث النافض أو لا يحدث فالموت واقع لا * محالة (445) .
46
[aphorism]
قال أبقراط: في الحمى لا تفارق النخاعة الكمدة والشبيهة بالدم والمنتنة والتي هي من جنس المرار كلها رديئة، فإن انتفضت انتفاضا جيدا فهي محمودة، وكذلك الحال في البراز والبول، فإن خرج ما لا ينتفع * به (446) من أحد هذه المواضع فذلك رديء.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل ينتظم PageVW5P044B أصلا كليا قد خصصه أبقراط ببعض جزئياته وهو أن كل شيء رديء يستفرغ كالنخاعة الكمدة والدموية والمرارية والعفنة * المنتنة (447) والبراز والبول * الرديئين (448) * فهو (449) رديء لأنه يدل على حالات رديئة في البدن. وعلى هذا الفياس سائر ما يخرج * عن (450) البدن من الفضول سواء كان خروجه في كل يوم كالرمص والبصاق والمخاط والعرق ودم الطمث من النساء وكاللبن والمني، فإن هذه أجمع إذا لم تكن نضيجة * دلت (451) على رداءة حال في البدن. وإن كان خروجها في وقت * المرض (452) PageVW0P108B * كالنفث (453) والمرة فإنها قد تدل * مع (454) دلالتها على الرداءة إذا لم تخرج خروجا طبيعيا على الهلاك لأن حدة المرض ربما لا تمهل * للنضج (455) . وأما إذا كان استفراغ ما يخرج عن البدن محمودا وهو أن يكون نضيجا كالمدة الخارجة من الخراج المنفجر ويحتمله البدن بسهولة وخفة فهو محمود لأن به ينقى البدن. وإن لم يكن استفراغه جيدا كالصديد الخارج من القروح المتعفنة لم ينتفع بخروجه في ذلك المرض. ويضاف إلى الدلالة على أن خروجه * جيدا (456) وغير جيد طبيعة المرض والوقت الحاضر والبلد والسن وطبيعة المريض.
47
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في حمى لا تفارق ظاهر البدن باردا وباطنه يحترق وبصاحب ذلك عطش فذلك من علامات الموت.
[commentary]
* (457) CB1 التفسير: ذكر جالينوس في تفسير هذا الفصل أن السبب في ذلك هو ورم حار في الأحشاء أو في الدماغ فينجذب الدم إلى العضو العليل وصار الباطن لذلك يحترق مع البرد في الظاهر. V1 التفسير: افهم أن أبقراط خصص الحمى التي لا تفارق لأن * ذوات (458) الفترات PageVW0P109B يعرض فيها أن تبرد الأطراف وتسخن * الظاهر (459) إلا أن برد الظاهر لا يدوم ولا حار الباطن يكون محرقا. ولذلك متى وجد في الحمى التي لا تفارق ظاهر البدن باردا وباطنه يحترق ويدوم العطش بصاحبه فإن به * ورما (460) في الأحشاء أو في الدماغ على ما يراه جالينوس. فينجذب الدم إلى * العضو (461) العليل * فيحترق (462) الباطن والظاهر باردا. وافهم أن هذا المرض صار قتالا * لأن (463) كل واحد من توفر الحار الناري ومن الورم * يحل (464) القوة وشدة * الحمى (465) لا تمهل إلى أن ينضج المرض.
[commentary]
وزعم PageVW0P109A بلاذيوس أن هذا العارض يحدث عن كيموس غليظ يغمر الحار * ويحصره (466) في عمق الجسد ويمنعه من الانبساط. فإذا عدم * التروح (467) صار ناريا محرقا والبرد يغلب على الظاهر ولا يرجى البرء * لصاحبه (468) مع كثرة الكيموس * وغلظه (469) وكأنه أشار بهذا إلى * الحمى (470) المسماة فيليفوريا وإن وجد معها في عمق البدن حر شديد، فلا يجب أن يوصف ذلك بالاحتراق ولا الحمى تكون دائمة ولا معها عطش * شديد (471) . * وزعم (472) الرازي أن هذا العارض يحدث * لتراجع (473) * الحار (474) إلى عمق البدن لضعفه عن الانتشار إلى الأطراف، وهذا لا محالة مهلك. وهذا ليس بشيء لأن الحار إذا صار من الضعف بحيث لا ينتشر إلى الأطراف لم يكن توفره في العمق بحيث يحترق معه الباطن بل يكون قد شارف الانطفاء. فلذلك صار مهلكا. فإذن الأولى أن يحمل سبب هذا العارض على ما قاله * جالينوس (475) .
48
[aphorism]
PageVW0P110A قال أبقراط: متى التوت في حمى غير مفارقة الشفة أو العين أو الأنف أو * الحاجب (476) أو لم ير المريض أو لم يسمع أي هذه كان وقد ضعف البدن فالموت منه قريب.
[commentary]
التفسير: الالتواء يعرض في هذه PageVW5P045A الآلات بسبب تمدد الأعصاب المتصلة بها وتشنجها إلى أصولها. أما ليبس قوي نال الدماغ أو مخارج الأعصاب الآتية إلى هذه الأعضاء بسبب قوة الحمى وشدة حرارتها فلقرب هذه الآلات من الدماغ الذي هو أصل العضب صار يعرض لها الالتواء والتشنج سريعا فإن انضاف إليها فقدان السمع والبصر دل على أن الروح النفساني الذي هو مركب القوى الحسية قد فني * وتلاشى (477) وبالحرى أن لا يتأخر الموت عمن هذه حاله. وأما * لورم (478) يحدث في * مقدم (479) الدماغ فإن الأعصاب الآتية إلى * الأعضاء (480) التي ذكرها لا يتجاوز الزوج الثالث والرابع إلى ما ورائهما. فإذا بلغ به الأمر إلى حد تمدد العصب حدث الالتواء في هذه الآلات PageVW0P110B وبالحرى أن يتبعه الموت. ولا يفهم من التواء العين تشنج الأجفان بل نفس الحدقة وموضع السواد منها. وقد يوهم كلام جالينوس أن هذا العارض قد يحدث من البرد واليبس، وهذا لا يكون في الحمى المحرقة * فلا (481) يطابق إذا كلام * أبقراط (482) .
49
[aphorism]
قال أبقراط: الخراج الذي يحدث في الحمى فلا ينحل في أوقات البحرانات الأول ينذر من المرض * بطول (483) .
[commentary]
التفسير: قوله «لا ينحل» يرجع إلى الحمى وتقديره الخراج الذي * يحدث (484) في الحمى ولا تنحل به الحمى ولا البحران الذي يلي ظهور الخراج ينذر بأن الحمى تطول لأن ذلك دال على أن المادة في البدن من الكثرة ما هو فضل على ما دفعته الطبيعة بالخراج. ولو لا ذلك وإلا انحلت * الحمى (485) وبالحرى إذا كان * الأمر (486) كذلك أن تطول الحمى.
50
[aphorism]
قال * أبقراط (487) : إذا * حدثت (488) في حمى غير مفارقة رداءة في التنفس واختلاط في العقل فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: رداءة التنفس توجد * لعدة (489) أسباب إلا أنه إذا اقترن PageVW0P111A بها اختلاط العقل فهي إما لورم في الدماغ أو الحجاب. أما مع ورم الدماغ فيكون عظيما متفاوتا وهذان متباينان. وأما مع ورم الحجاب فيكون صغيرا سريعا متواترا والحمى لا تفارق كلتي الحالتين ولا محالة أن العليل معهما على خطر. وزعم الرازي أن هذا يوجد لفرط حر ويبس نال الدماغ حتى أفسد مزاجه وأخرجه عن أن يفعل فعله * الأخص (490) به وما أقل بقاء الروح النفساني مع هذه الحال لأن القلب لا يتروح تروحه الطبيعي لترك الدماغ بسط الصدر بسطا طبيعيا فيكون ما يصعد إلى الدماغ في الشرايين بخارا دخانيا غير موافق للروح بل * زائدا (491) في حر ويبس الدماغ فيصير البلاء دائرا، أعنى أن حر * البخار (492) ويبسه * يزيد (493) في حر الدماغ و يبسه وهذه الحالة رديئة مهلكة.
51
[aphorism]
قال * أبقراط (494) : الدموع التي تجري في الحمى أو في PageVW5P045B غيرها من الأمراض إن كان ذلك عن إرادة من المريض فليس ذلك بمنكر، وإن PageVW0P111B كان عن غير إرادة فهو رديء.
[commentary]
التفسير: ذكر جالينوس أن هذا العارض إذا لم يكن من علة في العين دل على ضعف القوة الماسكة. وزعم الرازي مناقضا له أن ذلك لو كان لضعف القوة لكان بسيل العروق البارد والبول والبراز والفضول كلها سيما فضول الدماغ كالمخاط من الحنك والأذن بل السبب فيه أن العين متى بقيت مفتوحة زمانا طويلا لا تطرف تقلصت اللحمة التي في المأقين * ونزحت الدموع (495) ، وذلك لآفة قوية حدثت بالدماغ. وإنما وقع الرازي في هذا النقض ظنا منه بأن جالينوس عنى بضعف القوة الماسكة سقوطها وأن أبقراط عنى بأنه رديء أي أنه من علامات الموت. وليس الأمر كذلك بل العين * مهما (496) ضعفت بمشاركة الدماغ عرض لها بأن لا يغتذي حسنا لأنها لا تقوى على أن تنضج غذاءها فيصير ما يأتيها من الغذاء فضلة لا تمسكها القوة لضعفها فتسيل. وإنما يخص هذا العجز العين للطافة جوهرها ولأن فضولها PageVW0P112A * أرق (497) وألطف وأقبل للسيلان. وعلى أنه * ليس (498) متى ضعفت القوة في العين بمشاركة الدماغ يلزم أن تضعف سائر القوى في البدن. وذلك أن العين ألطف جوهرا وأقرب وضعا من الدماغ فلا غرو أن ينالها من الضعف ما لا ينال غيرها من سائر الآلات الأخر. وقد استوفينا شرح هذا المعنى في حلنا شكوك الرازي على جالينوس.
52
[aphorism]
قال * أبقراط (499) : من غشيت أسنانه في الحمى لزوجات فحماه تكون قوية.
[commentary]
التفسير: الزوجة إنما تغشي الأسنان واللسان من حرارة قوية تفني ما في الرطوبات * من اللطيفة (500) وتعقد الغلظة. وإذا فنيت اللطيفة ازدادت الغليظة لزوجة كالحال في الماء والعسل إذا طبخا معا تتلون الزوجة بلون نوع الخلط فتكون بيضاء إن كانت بلغمية وصفراء إن كانت صفراوية وسوداء إن مالت إلى الاحتراق.
53
[aphorism]
قال * أبقراط (501) : من عرض له في حمى محرقة سعال كثير يابس ثم كان تهيجة له يسيرا فإنه PageVW0P112B لا يكاد يعطش.
[commentary]
التفسير: السعال اليابس المتواتر من أي سبب كان من سوء مزاج آلات * التنفس (502) ومن خشونة الحلق ومن رطوبة يسيرة تجري فيه إذا كان يسير التهييج، فإن تلك الحركات تحدر الرطوبات إلى المواضع القريبة من قصبة الرئة فتمنع العطش. ولهذا قد يعرض في المحرقة عدم العطش إذا كان سعال يسير التهييج من غير نفث.
54
[aphorism]
قال أبقراط: كل حمى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالين وغيره مما أشبهه فهي رديئة إلا أن تكون حمى يوم.
[commentary]
PageVW5P046A التفسير: الحمى الحادثة بسبب ورم هذا اللحم الرخو إذا لم تكن من جنس حمى يوم فالورم رديء لأن المواد الخبيثة في البدن إذا دفعتها الطبيعة من الآلات الشريفة دفعتها إلى الأعضاء التي هي وأخس وأضعف كالحال في اللحوم الرخوة الغددية. ولذلك فإن أكثر أورام هذه اللحوم هي من جنس الطواعين وحمياتها رديئة جدا إلا أن أسلمها ما يكون في * اللحيين (503) لأنها من فضول الدماغ وأكثرها خطرا ما يكون في الإبطين PageVW0P113A لأنها من فضلات القلب والحادث في الحاليين متوسط بينهما لأنها من فضول الكبد.
55
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان حمى فأصابه عرق فلم تقلع عنه الحمى فذلك علامة رديئة، لأنها تنذر بطول من المرض وتدل على رطوبة * كثيرة (504) .
[commentary]
التفسير: الحمى إذا لم تقلع مع العرق دل على أن المواد الرطبة في البدن أكثر مما دفعته الطبيعة، وينذر ذلك بطول المرض لأن الطبيعة تحتاج في نضج الرطوبة الكثيرة إلى زمان أطول.
56
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه تشنج أو تمدد ثم أصابته حمى انحل بما مرضه.
[commentary]
التفسير: التمدد هو تشنج العصب من الجانبين. والتشنج هو من جانب واحد إما من قدام أو من خلف. فمتى حدث التمدد عقيب الحمى المحرقة فهو من اليبس، ولذلك هو رديء مهلك. ومتى حدث ابتداء فواجب أن يعرض من الامتلاء. وإذا * حدثت (505) بعده حمى أنضجت بعض الرطوبة وحللت بعضها فينفع * إذ (506) كان هذا هو غرض الأطباء فيما يعالجون به هذا العارض.
57
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P113B إذا كان بإنسان حمى محرقة فعرضت له نافض انحلت * بها (507) حماه.
[commentary]
التفسير: النافض تعرض في الحمى المحرقة إذا تحرك المرار من تجويف العروق ومرت بالأعضاء الحساسة. فربما استفرغ بالعرق وحده وتنقضي به الحمى، وربما يصير بعضه إلى البطن ويستطلق البطن أو يخرج بالقيء، وذلك أوكد في * انقضاء (508) الحمى.
58
[aphorism]
قال أبقراط: الغب الخالصة أطول ما تكون تنقضي في سبعة أدوار.
[commentary]
التفسير: الغب الخالصة من الأمراض الحادة جدا. فإن كانت دائمة انقضت في سبعة أيام لأن الأمراض الحادة جدا لا يتجاوز بحارينها السابع. وإن كانت دائرة انقضت في سبعة أدوار لأن ما يقوى عليه اليوم الواحد من * الحميات (509) الدائمة تقوى عليه النوبة الواحدة من الدائرة. * ولذلك (510) فكما يمكن أن تنقضي الغب الدائمة في الثالث أو الرابع * أو (511) الخامس ولا يتجاوز السابع كذلك الغب الدائرة قد تنقضي في النوبة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ولا تمتد إلى أكثر من سبعة أدوار PageVW0P114A * وهي (512) PageVW5P046B ثلاثة عشر يوما بالعدد إلا أن الانقضاء يكون في الرابع * عشر (513) لأن كل دورة من الغب هو يومان بالعدد غير أنه ليس كل يوم من الأيام التي تحسب فيها للبحارين * أربعا (514) وعشرين ساعة مستوية لا كسر معه ولا كل أسبوع سبعة أيام. لذلك صار اليوم الرابع عشر مشتركا بين الأسبوع الثاني والثالث، وصار مدة ثلاثة أسابيع عشرين يوما. وإذا كان الأمر على هذا فإن النوبة السابعة من الغب الدائرة تنقضي في الرابع عشر وهو يوم البحران على ما فهمته من قبل في المقالة الثانية. والفرق بين المحرقة والغب الخالصة أن المحرقة تغلب المرة فيها مع الدم في العروق والغب تحدث من المرة وحدها صرفة. ولذلك خصص * أبقراط (515) كلامه بالغب الخالصة وحدها.
59
[aphorism]
قال * أبقراط (516) : من أصابه في الحمى في أذنيه صمم فجرى من منخريه دم أو استطلق بطنه انحل بذلك مرضه.
[commentary]
التفسير: هذا الصمم ربما يكون من تصاعد الدم المراري إلى الرأس واستكنانه في عصب السمع، وربما يكون لكثرة PageVW0P114B البخارات الحارة في الدماغ. فمتى حدث رعاف أو انطلاق البطن انقطع البخار والدم المراري بانقطاع مادتها. ومع ذلك فإن الدماغ يبرد ويعتدل مزاجه بخروج الدم * فلا (517) * يقبل (518) البخار والمرار بعده ويدفع ما بقي فيه إما بالعرق أو بغيره.
60
[aphorism]
قال أبقراط: إذا لم يكن إقلاع الحمى في يوم من * أيام (519) الأفراد فمن عادتها أن تعود.
[commentary]
التفسير: قال جالينوس هذا الفصل من الفصول التي * دلست (520) في هذا الكتاب لأن أبقراط هو الذي وصف أيام البحران في الأزواج كالرابع والرابع عشر والعشرين والأربعين وما بعده، ولذلك فإن الأولى أن يكتب مكان أيام الأفراد أيام البحران إلا أن كلام أبقراط بحسب ما * أرى (521) يمكن أن يخصص من عمومه ببعض الأزواج. فإنا نجد الغب تعاود على الأكثر إذا انقضت في النوبة السادسة والمحرقة إذا انقضت في اليوم * السادس (522) وحال اليوم الثامن قربية من السادس في هذا الباب. وكأن أبقراط يقول إذا كان إقلاع الحمى PageVW0P084A في بعض الأزواج فمن عادتها أن تعود على الأكثر.
61
[aphorism]
قال * أبقراط (523) : إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع فهو علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: الطبيعة إذا قويت قدرت على أن تدفع المرة في الحميات الصفراوية بالعرق والقيء والإسهال قبل السابع. فأما إذا عجزت عن نفضها وإخراجها عن البدن ثم بقيت المرة إلى السابع دفعتها على طريق البحران إلى البدن كله حسب ما تدفع بعض المواد إلى المفاصل في * الحميات (524) الأعيانية وإلى مواضع الخراج في حميات أخر. PageVW5P047A ولو كانت قوية دفعتها غير هذا الدفع. فأما إذا دفعتها قبل السابع دل على كثرة المادة أو رداءتها أو لسدة في الكبد. وأن دفعها * إليها (525) ليس هو على سبيل البحران بعد استيلاء الطبيعة على المادة وتمييز الجيد من الرديء بل للضرورة * فلذلك (526) صار رديئا. وجالينوس رأى أن حدوث اليرقان قبل السابع ليس هو على سبيل البحران الرديء بل هو لورم أو سدة وفي السابع على طريق البحران.
62
[aphorism]
PageVW0P084B قال * أبقراط (527) : متى عرض اليرقان في الحمى في اليوم السابع أو في التاسع أو في الرابع عشر فذلك * محمود (528) إلا أن يكون الجانب الأيمن مما دون الشراسيف صلبا، فإن كان ذلك فليس بمحمود.
[commentary]
التفسير:حدوث اليرقان في هذه الأيام هو على سبيل البحران وهو محمود إلا أن يكون في الكبد ورم أو سدة، فإن كان ذلك فليس بمحمود * لأن (529) انبثاثه إنما هو على سبيل الضرورة لا على سبيل البحران لأن المرار إذا لم تجد * منفذا (530) إلى وعائه نفذ مع الدم بالضرورة إلى جميع * البدن (531) .
63
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم فحماه تنقضي في كل يوم.
[commentary]
التفسير: النافض * الذي (532) تنقضي به الحمى يكون في الحمى الدائمة. والحمى التي * تنقضي (533) في كل يوم لا تكون دائمة. وكلام * أبقراط (534) يقتضي ذلك وعنى بها الحمى التي توهم أنها دائمة وهي مفارقة. وذلك أن النوبة الثانية من الحمى إذا كانت تبتدئ قبل أن تستكمل النوبة الأولى PageVW0P085A مدتها، وذلك في * الحميات (535) المركبة من حماتين فإن الحمى تبقى دائمة. ويدل على فترتها أنها تبتدئ كل يوم بنافض. وإن فهم على غير هذا الوجه لم يكن لكلام أبقراط * معنى (536) . ومتى حمل على أن من كان تأخذه الحمى كل يوم بنافض فحماه تنقضي في كل يوم لم يكن مطابقا لقول * أبقراط (537) إذا كان النافض قبل الحمى لا في * الحمى (538) .
64
[aphorism]
قال * أبقراط (539) : متى كان في الحمى التهاب شديد في المعدة * وخفقان (540) في الفؤاد فتلك علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: الالتهاب الشديد في المعدة يحدث من قبل المرة الصفراء إذا زادت * وغلبت (541) في طبقاتها وخفقان الفؤاد يمكن أن يفهم منه الاختلاج واللذع العارض في فم المعدة بسبب غليان المرة، إذ قد يسمى باليونانية فم المعدة فؤادا. وليس يسهل إخراجها لا بالقيء ولا بالإسهال حسب ما ظنه الرازي لأن ما يسهل إخراجه بأحدهما هو ما يكون مصبوبا في تجويف المعدة دون أن يكون غائصا في جرمها، ولهذا وصفه أبقراط بالرداءة. ويمكن أن يفهم منه القلب إذا حمي وسخن سخونة نارية فتحدث له حركة سريعة متواترة PageVW0P085B شبيهة * بالاختلاج (542) . وهذا هو الأولى أن يفهم بحسب ما قاله الرازي لأن ذكره * الفؤاد (543) بعد ذكره * المعدة (544) دليل PageVW5P047B على أنه لم يرد المعدة، ولأن المضار القلبي أعظم خطرا في الحمى من اللذع الكائن في فم المعدة من الصفراء.
65
[aphorism]
قال ابقراط: التشنج والأوجاع العارضة في * الأحشاء (545) في الحميات الحادة علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: الحمى الحادة * تلهب (546) الأحشاء وتجففها وتمددها فيعرض منه وجع شديد وحال شبيهة بالتشنج من اليبس وهي رديئة. فأما الأوجاع العارضة في الأحشاء بسبب الورم الحار أو السدة أو الخراج فإنها وإن كانت ذات خطر فإن أمرها ظاهر وليس يتصل بالتشنج. فأما الحالة الأولى فإنها خفية. فلذلك نبه عليها * أبقراط (547) ويلزمها أن يكون مراق البطن يابسا قحلا والطبيعة محتسبة والعطش * شديدا (548) والفم جافا والبول يسيرا كثيرا لصبغ.
66
[aphorism]
قال أبقراط: التفزع والتشنج العارضان في الحمى في النوم من العلامات الرديئة.
[commentary]
التفسير: PageVW0P086A هذا بعض ما شمله الفصل العام الذي قاله «إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا فذلك من علامات الموت». وذلك أن الخلط الرديء المولد * للمرض (549) إذا مال إلى الدماغ في وقت النوم لأن حركة الطبيعة في ذلك الوقت تكون إلى داخل البدن أكثر منها إلى خارجه. ثم * إن (550) قويت الطبيعة على نضجه * فزال (551) ، وإن لم تقو عليه بل ينتبه العليل * فزعا (552) أو به وجع أو تشنج فهو رديء لأن الطبيعة إذا لم تقو على النضج في وقت النوم وهو الوقت الذي تكون الطبيعة أقوى ما تكون على النضج فيه * ولا (553) أيضا تقوى عليه في وقت غيره. وإنما يعرض التفزع إذا كان الخلط الرديء سوداويا. فإن لم يكن كذلك عرض منه إما الوجع وإما التشنج فإن جالينوس حكى أنه رأى في الأمراض المهلكة وجعا أو تشنجا أو تفزعا يتقدمها في وقت النوم. وقد تعرض هذه الأعراض بأعيانها عند ما يصير الخلط الرديء إلى فم المعدة فيتصاعد بخاره إلى الرأس PageVW0P086B فإن الأبخرة تتصاعد إليه في وقت النوم أكثر.
67
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الهواء يتغير في مجاريه من البدن فذلك رديء لأنه يدل على تشنج.
[commentary]
التفسير: عني به * انقطاع (554) النفس في دخوله وخروجه حتى كأنه في دخوله يستنشق استنشاقين وكذلك في خروجه، ويدل على أن العضل والعصب المحرك للصدر قد ناله بعض التشنج من اليبس بسبب حرارة الحمى، ولذلك يدل على الرداءة. فإن دام على ذلك فبالحرى أن ينذر بالهلاك وأن يعم التشنج جميع البدن. وقد يوجد هذا العارض في الأمراض الحادة لأسباب أخر، ويستعان في الوقوف عليها بأواخر المقالة السادسة في الفصل * الذي (555) أوله نفس البكاء.
68
[aphorism]
PageVW5P048A قال أبقراط: من كان بوله غليظا شبيها بالعبيط يسيرا وليس بدنه ينقى من الحمى فإنه إذا بال بولا * كثيرا (556) رقيقا انتفع به، وأكثر من يبول هذا البول من كان يرسب في بوله منذ أول مرضه أو * بعده (557) بقليل ثفل.
[commentary]
التفسير: PageVW0P087A العبيط هو الدم * الجامد (558) ويحتمل أن يكون شبه به البول الغبيظ. ولذلك أطلق فيما يقابله قوله * «وإذا (559) بال بوا كثيرا رقيقا». ويحتمل أن يكون عني به * تشتت (560) أجزاء البول التي * ترسب (561) في،. وذلك قوله «وأكثر من يبول هذا البول من يرسب في بوله منذ * الأول (562) ثفل». أما الوجه الأول فإن البول في أوائل الحمى إذا كان غليظا فإنه يكون يسيرا لأنه لغلظه لا ينفذ إلى الكلى إلا بكد وما يرسب فيه من الثفل لا يكون محمودا كما يحمد في البول الثخين الذي كان في مبدأ أمره رقيقا لدلالته على النضج. وذلك أن البول الموصوف إنما يرسب فيه ما يرسب لثقله لا للنضج، ولذلك فلا يدل على الخير إلا أنه إذا استفرغ أكثر هذا الخلط صار البول إلى الاعتدال القوام وهو الذي عناه بالرقيق لأنه رقيق بالقياس إلى ما قبله. وذلك كما أن الرقيق من المواد يأخذ في الثخن بالنضج كذلك الغليظ يأخذ في الرقة إلى أن يصير كل واحد منهما إلى الاعتدال. وإنما يكثر هذا PageVW0P087B البول إذا أخذ يرق لأن ما كان يحتبس في الأول ويعسر نفوذه نفوذه لغلظه * قد (563) انتفض أكثره وما بقي منه يكون قد رق وسهل خروجه. وهذه * حالة (564) تدل على الخير لأنه يدل على نضج المادة ومطاوعتها للخروج. وأما الوجه الآخر فإن البول في مبادئ * الحميات (565) يجب أن يكون أرق سيما وحرارة الحمى تعين على الرقة. فإذا وجد في هذا الوقت ثفل متشتت راسب أنذر بأن البول يتبعه غليظ يسير ويدل على أن في البدن أخلاطا غليظة كما أنه متى وجد الثفل في مبادئ الأمراض طافيا أو متعلقا أنذر بأن المواد في البدن رقيقة. وهذا المعنى داخل في باب تقدمة المعرفة. وأما في * غير (566) الأمراض فمتى وجد بول غليظ دل على أن الطبيعة تدفع فضول البدن إلى الكلى سيما إذا كان كثيرا سهل الخروج.
69
[aphorism]
قال * أبقراط (567) : من بال بولا متثورا شبيها بالبول الدواب فيه صداع حاضر أو سيحدث به.
[commentary]
التفسير: الحرارة النارية إذا عملت في مادة PageVW0P088A غليظة أكثرت فيها الرياح وولدت في البول تثورا شبيها بأبوال الدواب كما تفعله النار من خارج في المواد الغليظة كالقير * والزفت (568) . وبالواجب أن يكون مع هذا التثور صداع * حاضرا (569) أو سيحدث أو قد كان لأن الرياح الغليظة مع الحرارة النارية PageVW5P048B يسرع صعودها إلى الرأس. فإن بقي التثور زمانا طويلا والقوة قوية دل على تطاول المرض. وإن كانت ضعيفة أنذر بالسقوط. وإن رسب فيه ثفل غليظ بسرعة دل على * وشك (570) انقضاء المرض. وليس يلزم عكس هذا الأصل، أعني وجدان البول المتثور مع الصداع متى كان فقد يكون الصداع لسوء مزاج في الرأس أو المادة مستكنة فيه, إما مرار أو رياح أو رطوبات كثيرة. وربما كان لشدة فيه وربما كان لمشاركة المعدة.
70
[aphorism]
قال * أبقراط (571) : * من (572) يأتيه البحران في اليوم السابع فإنه * قد (573) يظهر في بوله في الرابع غمامة حمراء وسائر العلامات تكون على هذا القياس.
[commentary]
التفسير: PageVW0P088B اليوم الرابع يوم * إنذار (574) فمتى ظهرت فيه * علامة (575) ذات * قدر (576) من علامات النضج لم يكن قبله فهو يدل على أن البحران كائن في السابع. وإنما خصص كلامه مع بالغمامة الحمراء وإن * كانت (577) البيضاء أولى بذلك لأن البيضاء أكثر ظهورا وأبين دلالة على البحران الكائن من بعد والحمراء نادرة في الدلالة. ولو لم يرشد إليها لكان عسى لا يظن أن لها هذه القوة. ومثل هذه الغمامة إذا ظهرت بعد الرابع في يوم آخر من أيام الإنذار لا يتبعها البحران بثلاثة أيام إلا أن يكون المرض سريع * الحركة (578) إلى المنتهى في الغاية جدا. ولذلك متى ظهرت في السابع كان البحران في الرابع عشر. ومتى ظهرت في الحادي عشر كان البحران في السابع * عشر (579) . ومتى ظهرت في الرابع عشر كان البحران في العشرين. وقوله «وسائر العلامات على هذا القياس» عني به سائر علامات النضج كالبول الرقيق إذا غلظ في الرابع غلظا معتدلا والأبيض إذا أصفر حتى يصير * أترجيا (580) . وكذلك حال البراز والبصاق وسائر ما يستدل به على النضج.
71
[aphorism]
PageVW0P089A قال * أبقراط (581) : إذا كان البول ذا مستشف أبيض فهو رديء وخاصة في أصحاب الحمى التي مع ورم الدماغ.
[commentary]
التفسير: هذا هو البول المائي وهو الأبيض الرقيق المشف. وهذا في غاية البعد عن النضج، ولذلك فهو رديء، ويدل في أصحاب ورم الدماغ على الهلاك لأن هذا المرض إذا كان من المرار * فبالواجب (582) أن يكون الغالب على البول هو المرار. * وإذا (583) كان مائبا أبيض رقيقا دل على أن حركة المرة بأسرها إلى فوق، وبالحرى أن لا * ينجو (584) من هذه الحالة.
72
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت المواضع * منه (585) التي فيما دون * الشراسيف (586) PageVW5P049A عالية * معها (587) قرقرة ثم حدث له وجع في أسفل ظهره فإن بطنه يلين إلا أن تنبعث منه رياح كثيرة أو يبول بولا كثيرا وذلك في * الحميات (588) .
[commentary]
التفسير: علو ما دون الشراسيف إذا لم يكون لورم فهو إما لريح نافخة أو لرطوبة مخالطة للثفل. فإذا كان معه قرقرة دلت على كليهما. وإنما تحدث القرقرة عند انحدارهما إلى الأسفل ويحدث PageVW0P089B بسبب التمديد وجع في أسفل البطن مما يلي الظهر فربما * تتأدي (589) الرطوبة إلى العروق وتدر * بالبول (590) وتخرج الرياح وحدها من أسفل، وربما خرجتا من * أسفل (591) معا وربما صارتا إلى العروق معا ونفذتا سريعا إلى المثانة. وعنى بقوله * «وذلك (592) في * الحميات (593) » أي أن هذه الحال توجد في * الحميات (594) المطلقة العارية عن الأورام على طريق دفع الطبيعة لها في * أوقات (595) البحارين. فأما في * الحميات (596) الورمية * فعلو (597) البطن يوجد على سبيل اللوازم والأعراض التي تعرض في الأمراض.
73
[aphorism]
قال أبقراط: من يتوقع * له (598) أن يخرج * به (599) خراج في شيء من مفاصله فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول * كثير (600) غليظ أبيض يبوله كما قد * يبتدئ (601) في اليوم الرابع في بعض من به حمى معها إعياء، فإن رعف كان انقضاء مرضه مع ذلك سريعا * جدا (602) .
[commentary]
التفسير: إنما يتوقع أن يخرج الخراج في المفاصل في * الحميات (603) التي معها إعياء لأن الإعياء يدل على أن * المواد (604) مائلة نحو المفاصل. فإن قويت الطبيعة على أن تستفرغها ببول كثير غليظ أبيض يبتدئ من اليوم الرابع من أول PageVW0P090A المرض سلم المريض من الخراج لا محالة. ويدل على قوة الطبيعة أنها تبتدئ بدفع المادة في أول يوم من أيام الإنذار. وبالحرى أن يكون ذلك في * الحميات (605) القوية الحرارة فإن قوة الحرارة فيها تذيب الفضول وتحلها والطبيعة تدفها بالبول. وإلا فمن شأن الخراج الذي يحدث في * الحميات (606) أن يخرج بعد تطاول المدة لغلظ المادة وفتور الحرارة. ويمكن أن يكون * أبقراط (607) خصص كلامه باليوم الرابع ليكون دستورا في معرفة ما عداه من سائر أيام * الإنذار (608) فيما بعد على ما فهمه جالينوس. ثم إن كان دفع الطبيعة المادة إلى أعالي البدن فإنه يحدث إما خراج في أصل الأذن وإما رعاف. وبين أن انقضاء الحمى يكون أسرع إذا كان دفعها المادة بالرعاف لأنها تدفعها به في يوم واحد وتدفعها بالبول في أيام كثيرة إلا أنها تدفعها بالبول وحدها وتدفعها بالرعاف مع الدم.
74
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW5P049B من كان يبول دما وقيحا فإن ذلك يدل على أن به قرحة في كلاه أو في مثانته.
[commentary]
PageVW0P090B التفسير: بول الدم يتبع قرحة الكلى والمثانة إذا كانت في موضع عرق ذي قدر ومع تأكل. فإن كانت في غير مثل هذا الموضع ولا مع تأكل تبعها بول قيح. وافهم أن حال ترتخي البول في هذا الباب حال الكلى فإنهما * قد (609) تتقرحان بحصاة خشنة أو حادة تمر بهما فتسحجهما. وكذلك حال القرحة في القضيب حالها في المثانة أيضا. فأما خروج القيح وحده بالبول فقد يكون من * انفجار (610) خراج في المواضع التي هي أعلى من الكلى. ولذلك فإن أكثر المفسرين اختاروا النسخة التي تنتظم «من كان يبول دما وقيحا» على النسخة التي تتضمن «أو قيحا» لأن الدم والقيح كلاهما لا يجتمعان إلا في الكلى والمثانة على أن القيح الذي * يبال (611) من انفجار خراج في مواضع أخر لا * يبال (612) في أكثر من يومين أو ثلاثة. فيكون تقدير قوله «من بال دما أو قيحا» أي * أياما (613) كثيرة فالقرحة إما في الكلى * أو (614) المثانة. ولك أن تفرق بينهما بموضع الوجع وباختلاط الدم والقيح بالبول إذا كان من الكلى وعدم اختلاطهما به إذا كان من المثانة. PageVW0P091A ويتبين البول مع هذه وعدمه في الكلى * بالأشياء (615) الأخر التي تخرج على ما ستفهمه فيما بعد.
75
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار أو * بمنزلة (616) الشعر فذلك يخرج من كلاه.
[commentary]
التفسير: قطع اللحم الصغار قد يكون لقرحة في الكلى وقد يكون لذوبان بعض الأعضاء اللحمية. وذلك أن الحرارة النارية إذا عملت في عضو لحمى جعلت ما كان منه قريب العهد * بالانعقاد (617) جوهرا صديديا وتجفف وتصلب ما كان منها مستحكم الانعقاد حتى تجعله كالشيء الذي يقلى على المقلى ويعرض لها حينئذ أن تتقتت. ويفرق بين أن تكون هذه الأجزاء من لحم الكليتين ولحم غيره من سائر الأعضاء بأن البول مع الأول يكون نضجا ولا تكون معه حمى ومع الثاني حمى والبول غير نضيج. وجالينوس يذكر أنه لم ير * قطاع (618) لحم صحيحة خرجت بالبول. فأما أجزاء شبيهة باللحم فقد يخرج مع الأبوال التي ثفلها كرسني، وذلك لدم غليظ تحرقه حرارة الحمى في الكلى أو في الكبد. فإن كان معه سواد اللسان فبالحرى PageVW0P091B أن يدل على الهلاك. والأولى أن يكون الأجزاء الدموية أشد حمرة وأسرع إجابة إلى التفتت. * فأما (619) الأجزاء الشعرية فليس يمكن أن تكون من جوهر الكلى أو المثانة لأن جوهر الكلى لا يتحلل إلى أجزاء * شعرية (620) بل إلى أجزاء كرسنية. وجوهر المثانة يjحلل أجزاء صفائحية أو نخالية. PageVW5P050A ولا أيضا يمكن أن ينعقد في تجويفهما من خلط ما لأن ما ينعقد في تجويف الكلى يوجد في شكله شبيها بنوى الغبير أو الزيتون أو التمر والمنعقد في تجويف المثانة حصاة كبار. بل الأجزاء الشعرية تنعقد في تجويف البربخين الجائين من الكلى إلى المثانة لرطوبة فيها غليظة تعمل فيها حرارة فتجففهما، فإن لهما من الطول المقدار الذي يمكن أن ينعقد فيه أمثال هذه الأجزاء. * وأبقراط (621) عبر عن البربخين بلفظة الكلى تجوزا في البعارة، والدليل * على (622) أن هذا الجوهر ينعقد من البلغم الغليظ أن البول يكون مع الأثفال الشعرية غليظا لأن الخلط البلغمي الذي هو مادتها ينتقض من الكلى، ولذلك ينفع هؤلاء التدبير الملطف والأغذية المرطبة. * وأما (623) مع قطع اللحم, فلا يكون PageVW0P121B * البول (624) غليظا. ولعل * أبقراط (625) عنى بالغليظ هاهنا الاعتدال في القوام حتى يكون قوله «وهو غليظ» معناه أنه ليس بالرقيق.
76
[aphorism]
قال أبقراط: من خرج في بوله وهو غليظ بمنزلة النخالة فمثانته جربة.
[commentary]
التفسير: الثفل النخالي دال إما * على (626) جرب المثانة وإما على تفتت الأعضاء الأصلية. ويفرق بينهما بنضج البول وعدمه وبوجود الحمى وعدمها. فمتى كان البول نضيجا وهو المعتدل القوام * وأبقراط (627) عبر عنه بالغليظ فحال العروق * حال (628) صالحة. والثفل النخالي إنما هو لجرب في المثانة ولا يكون معه حمى ومع تفتت الأعضاء لا محالة حمى دق.
77
[aphorism]
قال بقراط: من بال دما من غير سبب متقدم دل على أن عرقا في كلاه قد انصدع.
[commentary]
التفسير: قوله «من غير سبب متقدم» يوهم أنه عنى به من غير سبب ظاهر يتقدمه كالوثبة والسقطة والضربة، وليس كذلك. وإنما عنى به ما يفهم من * قولنا (629) بغتة مثل أنه لم يكن قد تقدته PageVW0P121B قرحة. فمتى عرض بول الدم بغتة سواء كان بسبب من داخل كامتلاء عروق الكلى من الدم أو * لسبب (630) * من (631) خارج نحو * ما (632) ذكرنا عرض صدع في عروق الكلى وتبعه بول دم كثير. وليس يمكن أن يكون هذا من * انفتاح (633) عرق الكلى لأن الانفتاح يترشح منه دم رقيق قليلا قليلا ويخرج وهو مخالط للبول. ولا أيضا يمكن أن * يبال (634) دم كثير بغتة من العروق التي في المثانة لأن عروق المثانة ليست بذات سعة فتحتوي دما كثيرا أو لا يتصفى * فيها (635) الدم حسب ما يتصفى في عروق الكلى. ومع ذلك فإنها مندسة في جرم المثانة غير متعلقة فلا يعرض لها الانتهاك بل لا يخرج منها دم إلا لتأكل بسبب قرحة تتقدمه. ويسبق ذلك PageVW5P050B الدم حينئذ وجع وخروج * مدة (636) وأجزاء نخالية، * وهذا (637) لا يكون بغتة.
78
[aphorism]
قال * أبقراط (638) : من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل فالحصاة تتولد في مثانته.
[commentary]
التفسير: الحصاة إذا أخذت تتولد في المثانة أو الكلى فإن الثفل * الرملي (639) يتقدمها لا محالة. وكذلك إذا أخذت تتفتت، إلا أن الرمل في وقت التولد يسير صغار وفي حين التفتت كثير كبار. PageVW0P122A ويفرق بين * الجايئ (640) من * إحداهما (641) ومن الأخرى بأن الرمل متى كان * أحمر (642) فهو من الكلى. ومتى كان رماديا فهو من المثانة. وذلك أن عروق الكلى يتصفى فيها الدم فمتى كان الدم أو الرطوبة المائية أغلظ لم يتصف الدم عن البول فينعقد بالحرارة النارية رملا شبيها بالشهلاة أحمر. وأما المثانة فإنها تجيئها رطوبة محضة فمتى كانت أغلظ أو المنفذة إلى القضيب أضيق أو أشد انعراجا فإنه لا يزال يرسب * منها (643) شيء فشيء. فإن ساعدها وجود حرارة نارية عقدتها رملا ترابي اللون أو رمادية * حسب (644) ما ينعقد في * حياض (645) * الحمامات (646) . وقد أغفل * أبقراط (647) أو الناسخ الأول ذكر الكلى.
79
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول وأصابه وجع في أسفل بطنه وعانته فإن ما يلي مثانته وجع.
[commentary]
التفسير: الدم العبيط والقيح المنعقد بسدان فم المثانة فيتبعه تقطير البول والوجع في المواضع التي ذكر، وهذه الأعراض التي وصفها توجد عامة * للمثانة (648) والكلى ترتخي البول. PageVW0P122B فلذلك ينبغي أن يفهم من قوله «ما يلي المثانة» سائر آلات البول مع المثانة.
80
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يبول دما وقيحا وقشورا وكان لبوله رائحة منكرة فذلك يدل على قرحة في مثانته.
[commentary]
التفسير: خروج الدم والقيح بالبول كما كانا يعمان قرحة سائر آلات البول كما قد فهمت من قبل فإن أبقراط أعطانا العلامة التي * بها (649) يتميز الدم والقيح الخاصان بقرحة المثانة وهي نتن الرائحة. وذلك أن الدم والمدة يطول بقاؤهما فيها فتكتسب * المدة (650) فضل عفونة تصير بها شديدة النتن. وأما الكلى والبربخان, فإنهما * مجاز (651) البول لا وعاء له. فلذلك لا تكتسب المدة فيها كثير عفونة. وأيضا فإن المثانة عصبى الجوهر، وليس يكون القيح فيها إلا لسبب بالغ الرداءة يوجب شدة العفن، وشدة العفن توجب شدة النتن.
81
[aphorism]
قال أبقراط: من خرحت به بثرة في إحليله فإنها إذا انفتحت وانفجرت انقضت علته.
[commentary]
التفسير: ليس معنى هذا الفصل هو أن البثرة في PageVW5P051A الإحليل إذا قاحت وانفجرت فقد برأت كما يسبق إلى الأوهام لكن معناه PageVW0P123A أن أسر البول إذا كان بسبب هذه البثرة فإنه لا يتحلل ما لم تنفجر البثرة * إذ (652) قد * نبهنا (653) بهذا القول على أن هذه البثرة ليست لا تزول بالتفتح فقط بل قد * تنحل (654) بالتحلل إلا أنه جعل الانفجار مثالا لانقضاء العلة.
82
[aphorism]
قال أبقراط: من بال * من (655) اليل بولا كثيرا دل على أن برازه يقل.
[commentary]
التفسير: الرطوبة المشروبة إذا سرت إلى العروق فإن البراز * يجف (656) ويقل لا محالة. وإذا لم تسر إليها كثر البراز. ولأن * في (657) هذا تنبيه على أن من لان بطنه فينبغي أن يقلل من الشرب ويستعمل ما * يدر (658) بوله واليابس البطن يجب أن يزيد في الشرب ويمتنع مما يدر البول.
المقالة الخامسة
1
[aphorism]
قال * أبقراط (1) : التشنج الذي يكون من الخربق من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: إن أول ما يعرض من الأعراض الهائلة لشارب الخربق الأبيض في أوائل الاستفراغ الخنق، وذلك لكثرة ما يجذب * حتى (2) تعجز القوة عن دفعه. * ويحترز (3) من ذلك بأن يتعود الشارب القيء حتى يسهل ذلك عليه جدا ويتقيأ أولا فأولا ولا ينتظر به حتى يجتمع. ثم التشنج العارض بسبب مشاركة العصب في الألم لفم المعدة، * وذلك (4) إذا ناله لذع إما من الدواء نفسه أو من خلط لذاع يصير إليه. ويحترس من هذا بأن لا ينعم * سحق الخربق (5) ويجعل في أطعمة لئلا يلقى بنفسه جرم المعدة. ثم التشنج العارض بسبب شدة الاستفراغ. وذلك بسبب جذب الرطوبات التي في العصب قسرا وتجفيفه PageVW0P124A جوهر العصب تجفيفا شديدا. ويحترس منه بقطع الاستفراغ إذا أفرط والترطيب ما يزن الماء والدهن والمروخ بالأشياء الرطبة اللينة والحقن بالماء والدهن ولعاب بزر قطونا ونحوه إذا كان قد حدث. وهذا هو الذي عناه * أبقراط (6) فإن التشنج الكائن بخروج الرطوبات التي تخص العصب هو المهلك، وفي الأكثر لا يبرأ. فأما التشنج الأول فلا ينبغي أن * يستهال (7) أصلا لأنه يسكن بسكون اللذع * الذي (8) في فم المعدة * وخروج (9) الخلط الفاعل له. وربما يعرض عن الخربق الأبيض تشنج بسبب شدة حركة القيء كما يعرض لمن تصيبه الهيضة. وفي المرار أن تتشنج مواضع من بدنه سيما العضل الذي في لحم الساق، ويحترس من ذلك بالمروخات * والدلك (10) * اللين (11) .
2
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW5P051B التشنج الذي يكون من جراحة من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: قوله «من علامات الموت» أي يدل على خطر، في الأكثر يموت، وربما يرجى. والتشنج من الجراحة PageVW0P124B يحدث على وجهين: أحدهما بسبب تورم الأعضاء العصبية، وأول ما يتورم من هذه الأعضاء ما كان بحذاء العضو الوارم، ثم ربما * تتراقى (12) العلة حتى تصير إلى الدماغ فتعم البدن كله؛ والآخر يحدث عقيب سيلان دم كثي.، وكما يحتاج في الأول أن يعرف ما حول الجراحة بالدهن والأشياء * المرخية (13) ويقلل الغذاء ويفصد من جانب المخالف وربما يحتاج أن يوسع الجرح ولا يلحم ليسيل الصديد منه، كذلك يحتاج في الآخر أن يبرد ويجفف ما حول الجراحة ويلحم أسرع ما يقدر عليه ويسقي * مرق (14) اللحم والشراب.
3
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى من البدن دم كثير وحدث فواق * أو تشنج (15) فتلك علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: الفواق والتشنج العارضان من فرط خروج الدم يدل على جفاف العصب والأعضاء العصبين فلذلك يدل على الهلاك.
4
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث التشنج أو الفواق بعد استفراغ مفرط فهو علامة رديئة.
[commentary]
التفسير: بين في هذا الفصل PageVW0P125A أن الفواق والتشنج يعرضان من أي استفراغ كان إذا أفرط حسب ما يعرضان من خروج الدم الكثير.
5
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض لسكران سكات بغتة فإنه يتشنج ويموت إلا أن يحدث به حمى أو يتكلم إذا حضرت الساعة التي ينحل فيها خماره.
[commentary]
التفسير: الشراب سريع الصعود إلى الرأس * كثير الميل إلى (16) الدماغ برطوبته وأبخرته شديد الغوص في الأعصاب بلطافته وحرارتته غير أنه بحرارته يجفف الرطوبات ويحلل الأبخرة فيصلح بكيفيته ما يفسده بكميته. فمتى لم تقو حرارته على التحليل والتجفيف ثم بلغ امتلاء الدماغ أن يخنق الحار الغريزي الذي فيه عرض للأبخرة المائية له أن تستحيل إلى الرطوبة فتمتلئ تجاويفه رطوبة ويحدث السكات وهو فقدان الحس والحركة بغتة. ويعرض لامتلاء الدماغ والرطوبات الغائصة في الأعصاب أن تولد التشنج الامتلائي * لامتلاء الدماغ (17) فيكون سببا للتلف وحيا إلا * أن (18) يعرض حمى، * وإن (19) عروض الحمى في مثل هذه الحالة * يدل (20) PageVW0P125B * على (21) شدة مجاهدة * الطبيعة (22) . فمتى لم تقو حرارة الحمى على دفع هذا * العارض (23) ولم يفق المسكوت إلى الوقت الذي ينحل فيه الخمار على حسب اختلاف الأشربة وأمزجة الشاربين لها وهو ثلاثة أيام فبالحرى أن يموت.
6
[aphorism]
قال * أبقراط (24) : من اعتراه التمدد فإنه يهلك في أربعة أيام، فإن جاوز PageVW5P052A الأربعة فإنه يبرأ.
[commentary]
التفسير: أراد به التشنج الذي * يعرض (25) في أصل العنق وعصبه إما إلى قدام أو إلى خلف، وتفسد لذلك مجاري النفس * ولا (26) يدخل الهواء دخولا عفوا ولا تخرج الأبخرة الدخانية، فيعرض الاختناق. ولأن هذا من الأمراض الحادة فإن بحرانه بظهر في الرابع وبالحرى أن لا يمتد، أكثر من ذلك إن لم يبرأ العليل لرداءة التنفس. ولأن الطبيعة لا تحتمل تعب التمديد، أكثر من هذا.
7
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة فإنه يحدث له انتقال، * فأما (27) من عرض له وقد أتى عليه من السنين خمس * وعشرون (28) سنة فإنه يموت PageVW0P126A وهو به.
[commentary]
التفسير: عنى به * الصرع (29) * الذي لا يعالج (30) . وذلك أن الانتقال من سن الصبى إلى سن الشباب أبلغ علاجا في إبراء الصرع لأن المزاج ينتقل إلى حرارة نارية والصرع على الأكثر * يعرض (31) لرطوبته الدماغ * ولذلك (32) يعرض لمن كان من غير المراهقين أرطب مزاجا. فإذا انتقلوا في السن انتقلت أمزجتهم إلى الحرارة واليبوسة وتصير الأرواح الصاعدة من قلوبهم إلى أدمغتهم أسخن وأجف فتسخن جرم الدماغ وتجففه وتمنع * من (33) أن * يتكون (34) فيه خلط غليظ أو يرتبك في * تجويفه ومجاريه (35) فضلة لزجة، فيبرأون على الأكثر سيما من مال منهم في انتقال السن إلى * الذيب (36) * والذفر (37) وصلابة اللحم. فأما غير الصبيان فإذا عرض هذا العرض ثم لم يعالجوه وماتوا وهو * بهم (38) .
8
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته ذات الجنب فلم ينق في أربعة عشر يوما فإن حاله تؤول إلى التقيح.
[commentary]
التفسير: ذات الجنب الصحيح هو ورم يعرض في الغشاء الستبطن للأضلاع PageVW0P126B وقل ما يكون هذا الورم إلا من دم يغلب عليه المرار لأن هذا الغشاء لاندماجه وتلززه لا يتشرب إلا بالدم اللطيف المراري، ولذلك ينقى بالنفث في أربعة عشر يوما لأن الأمراض الحادة * جدا (39) لا يتجاوز بحارينها الرابع عشر. فإن لم ينق بالنفث في هذه المدة آل إلى الانفجار وانصباب القيح إلى فضاء الصدر وهو الذي عناه بالقيح. فأما إذا لم يكن الدم مراريا وذلك على الأكثر إذا كان حدوثه في العضل الذي فيما بين الأضلاع * وهو غير صحيح (40) فربما يتجاوز الرابع وعشر والثلاثين والعليل بعد ينفث بزاقا * صديديا (41) ويبرأ من غير نفث * مدة (42) ، وربما كان ينفث المدة * في (43) اليوم الخامس والسابع، وذلك بحسب طبيعة البدن حسب * الحال في (44) الأورام الحادثة من خارج فإن منها ما * يتقيح (45) سريعا ومنها ما يبطئ ومنها ما يبرأ من غير * أن ينضج (46) .
9
[aphorism]
قال * أبقراط (47) : أكثر ما يكون السل في السنين * اللاتي (48) بين * ثماني (49) عشرة سنه وخمس وثلاثين سنة.
[commentary]
التفسير: PageVW5P052B إنما يعتري السل PageVW0P127A * للفتيان (50) ونهاية سنهم خمس * وعشرون (51) سنة والشبان ونهاية سنهم خمس * وثلاثون (52) سنة لأن الدم يكثر تولده في هذا * الوقت (53) ولا ينصرف إلى التغذية انصرافه فيما قبل ذلك لوقوف الماء أو نقصانه فلا يبعد عند الامتلاء المفرط أن يعرض هتك في بعض أوعية الرئة * عند وثبة قوية (54) أو صياح شديد أو سقطة أو ضربة. * ومع هذا (55) فإن الدم يحتد في هذا السن لأن المرار يكثر تولده فيه فلا يبعد أيضا أن * ييولد (56) تأكلا في بعض هذه الأوعية. وهذا الفصل يدل من الكلام * أبقراط (57) على أن أقصى سن الصبيان هو سبع عشرة سنة.
10
[aphorism]
قال * أبقراط (58) : من أصابته ذبحة فتخلص منها فمال الفضل إلى رئته فإنه يموت في سبعة أيام، فإن جاوزها صار إلى التقيح.
[commentary]
التفسير: إذا كان الورم في عضل الحلق أو في اللوزتين فهو خناق، وإذا كان PageVW0P127B في عضل الحنجرة سيما في الداخل منها سمي ذبحة. فمتى انفجر الورم الذي في الفضل الداخل مال القيح إلى قصبة الرئة وملائتها حتى يمنع من التنفس على ما ينبغي * ويعرض (59) الاختناق، وذلك غلى الأورام العظيم جدا. فإن لم يختنق في سبعة أيام من يوم الانفجار فإن * القيح (60) يميل إلى أحد قسمي الرئية وينقى بالنفث، والطبيعة تفعل ذلك حاجة منها إلى توسع النفس.
11
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان سل * فكان (61) ما يقذفه بالسعال من البزاق منكر الرائحة إذا ألقي على الجمر وكان شعر رأسه ينتثر فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: * نتن (62) رائحة * البزاق (63) الخارج بالنفث يدل على فساد القرحة لشدة العفونة وتناثر الشعر يتبع عدم الغذاء أو كلاهما يدلان على قرب الهلاك.
12
[aphorism]
قال * أبقراط (64) : من تساقط شعر رأسه من أصحاب السل ثم حدث به اختلاف فإنه يموت.
[commentary]
التفسير: تساقط شعر الرأس يدل PageVW0P128B على عدم الغذاء والاختلاف يدل على سقوط القوة.
13
[aphorism]
قال أبقراط: من قذف دما زبديا فقذفه إياه إنما هو من رئته.
[commentary]
التفيسر: الدم إنما يصير زبديا إذا خالطه الهواء مخالطة شديدة ينقسم بها كل واحد منهما إلى أجزاء * صغار (65) كثيرة ويشتبك أحدهما بالآخر اشتباكا يصير به نفاخات. وهذه حالة تعرض للدم في عروق الرئة وقصبتها كثيرا سيما والدم الذي * يغذو (66) الرئة سريع الاستعداد لأن يصير زبديا لكثرة * تمخضه (67) في القلب والشرائين الآتية منه إلى الرئة. ولذلك متى وجد الدم * الذي (68) يخرج بالنفث زبديا دل على قرحة في الرئة PageVW5P053A إلا أنه ليس واجبا ضرورة متى كان نفث الدم من الرئة أن يكون زبديا، وذلك إذا لم يكن خروجه بسبب قرحة بل بسبب انصداع عرق فإن الدم لا يسرع خروجه بالنفث من موضع القرحة خروجه بسبب الانصداع، فلذلك * يشابك (69) الهوء ويصير زبديا في القرحة. وقد قال جالينوس في بعض المواضع الأخر: يشبه أن يكون الدم PageVW0P128B المنفوث من الرئة زبديا إذا كان يرتفع شيء من جوهر الرئة خاصة. ولعل السبب في ذلك أن جوهر الرئة * مملوء (70) هواء * وحيا (71) فيعرض له عند نفثها أن يشابك الدم إذا لم يمكنه أن يفارقها ويخرج وحده. وقد يقذف الدم الزبدي في بعض * حالات (72) أصحاب ذات الجنب وأقل منهم أصحاب ذات الرئة، وإنما يكون ذلك فيما أحسب إذا كانت في مواضع العلة حرارة مفرطة تولد في الدم غليانا.
14
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بمن به السل اختلاف دل على الموت.
[commentary]
التفسير: الاختلاف في السل إذا كان بسبب هذا المرض لا * لعارض (73) * يقع (74) في الوسط دل على ضعف القوة إلا أنه متى كان مع تناثر الشعر كان أدل على السقوط * وقرب الهلاك (75) . وغرض * أبقراط (76) بهذا الفصل ليس هو إعادة كلام قد مضى له بل بيان أن الاختلاف وحده من دون الانتثار في مرض السل كان في الدلالة له على الهلاك.
15
[aphorism]
قال * أبقراط (77) : من آلت به الحال * من (78) ذات الجنب إلى التقيح فإنه إن استنقى في أربعين يوما من اليوم الذي PageVW0P129A انفجرت فيه فإن علته تنقضي، وإن لم * يستنق (79) في هذه المدة فإنه يقع في السل.
[commentary]
التفسير * : (80) متى صار الورم في ذات الجنب إلى * التقيح (81) ثم لم ينق * بالنفث (82) في أربعين يوما لأن الأربعين أقصى حدود الأمراض الحادة فإن المدة تعفن وتعفن الرئة وتأكلها فيكون منها السل. * وأبقراط (83) كما جعل حد النقاء من دون الانفجار الرابع عشر، جعل حده في أصحاب الانفجار والنقاء من المدة الأربعين، وهذا في أكثر الأمر.
16
[aphorism]
قال أبقراط: الحار يضر * من (84) أكثر من استعماله هذه المضار * تؤنث (85) اللحم ويفتح العصب وتخدر الذهن وتجلب سيلان الدم والغشي ويلحق أصحاب ذلك الموت.
[commentary]
التفسير: عنى بالحار الهواء الحار والماء الحار. ومتى أفرط في استعمالهما فإنهما * يحللان (86) الرطوبة التي في الأعضاء كما تفعل النار بالفضة والرصاص. ولذلك * يؤنثان (87) اللحم ويرخيان العصب وإنما يحدثان ضعف الذهن لأنهما يرخيان محله وهو الدماغ * لأنهما (88) يحللان PageVW0P129B الأرواح التي هي مركب القوى كثيرا فتضعف القوى لا محالة ولأنهما يولدان PageVW5P053B في الأرواح بخارات يتكدر بها الذهن. وأما سيلان الدم فلأنهما يحلان الدم وسائر الأخلاط * ويسخفان (89) الأجسام فيولدان لذلك في المستعدين لانبعاث الدم النزف، ويلحق النزف إذا أفرط الغشي ثم الموت.
17
[aphorism]
قال أبقراط: وأما البارد فيحدث التشنج والتمدد والاسوداد والنافض التي تكون معها حمى.
[commentary]
التفسير: البرد بجمع جواهر الأجسام ويمنع من التحلل فتغلظ الأعصاب لذلك. وإذا غلظت زاد في عرضها فيحدث التشنج والتمدد. وأما الاسوداد فإن البرد الشديد إذا سد منافس العضو عرض الحار الغريزي أن يعدم * التروح (90) * وللموضع (91) أن ينضغط انضغاطا شديدا * يعرض (92) فيه لذلك فسوخ كثيرة، والطبيعة * تميل (93) إليه دما كثيرا طلبا لإصلاح فساد البرد والعضو يقبل منه أكثر مما يحتمله خلقته للفسوخ العارضة له. PageVW0P130A ولأن الحار الغريزي لا يتنفس لانسداد المنافذ، صار يعرض للدم الكثير أن يعفن ويعود * على (94) العضو فيعفنه ثم يعرض الحار بأخرة أن ينطفئ، ولذلك يستحيل اللون إلى الكمودة والاسوداد. ولهذا إن أمكن أن يتلاحق ذلك بإخراج الدم * وبالفصد (95) * والشرط (96) ولا يعول على المحللة كما يفعل بالمضروب، لم يعفن. والدليل على أن العضو يفسد في البرد الشديد بالتعفن دون * الاحتراق (97) أنه * يرطب (98) ويترهل. ولو كان فساده على وجه الاحتراق لكان يجف ويتناثر حسب الحال في الأزهار والأنوار في أيام الربيع والأعناب في أيام الخريف. وإنما يعرض الألم الشديد أولا بسبب سوء المزاج المختلف وبسبب تفرق الاتصال الحادث لكثرة الفسوخ ثانيا ثم تمديد الدم إياها من بعد. فإذا * ابتدأت (99) نضارة اللون تذهب ويقل الوجع فقد أخذ الحس يخدر، * وذلك هو عايعرايا. فاذا ذهب الحس اصلا فقد انطفاء الحار ومات العضو (100) ، وذلك هو سقافلوس. وإنما يعرض من PageVW0P130B البرد النافض الذي تعقبه الحمى لأن الاختلاط إذا تتروح عرض لها أن تعفن وتولد ضروب * الحميات (101) .
18
[aphorism]
قال أبقراط : البارد ضار للعظام والأسنان والعصب والدماغ والنخاع، وأما الحار * فموافق نافع (102) لها.
[commentary]
التفسير: عنى بالأشياء الباردة جميع ما يبرد، وإنما صارت الأشياء الباردة ضارة لهذه الأعضاء لأن طبيعتها باردة لعدمها الدم فتزداد بها بردا وانحرافا عن الاعتدال. فأما الأشياء الحارة فإنها تعدل أمزجتها وتنفعها على الوجه الذي قلناه في المقالة * الثالثة (103) .
19
[aphorism]
قال أبقراط: كل موضع قد برد فينبغي أن يسخن إلا أن يخاف عليه انفجار الدم منه.
[commentary]
التفسير: إذا كان سوء المزاج يداوي بالضد فمن البين أن الموضع الذي PageVW5P054A قد برد ينبغي أن يسخن إلا إذا * خيف (104) منه ما هو أكثر خطرا فيتحرى جانبه. ولذلك استثنى انفجار الدم في * المواضع (105) الذي يراد تسخينه.
20
[aphorism]
قال أبقراط: البارد لذاع للقروح ويصلب الجلد PageVW0P131A ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح ويسود ويحدث النافض الذي يكون معه حمى والتشنج والتمدد.
[commentary]
التفسير: البارد ليس بلذاع على الإطلاق لأنه غير غائص في الجلد إلى عمق الأعضاء حسب ما يغوص الحار لأن مقدار لطافة الماء يتخلف عن مقدار كثافة الجلد، والشيء اللذاع يحتاج أن ينفذ في جوهر ما يلذعه. ولذلك خصص * أبقراط (106) تلذيعه بالقروح لأن البرد يتمكن من الغوص في الموضع المقرح والوصول إلى عمقه لأجل تخلخله، ولهذا صار * اللذع (107) بالتحقيق إنما هو * للحار (108) . وأما الهواء فلأنه * ألطف (109) من الماء كثيرا صار متى * برد (110) لم * يستنكر أن (111) * يلذع نوع البارد (112) . وكما أن الحار كلما كان أغلظ كان أبلغ في التلذيع لأنه لغلظه يتحير في الجزء الذي يلقى من البدن ولا يتجاوزه سريعا ولا يزال يزيده لذعا، كذلك البارد كلما كان ألطف كان أبلغ في تلذيع القروح لتمكنه من الغوص فيها أكثر. * وإذا (113) كان PageVW0P131B البارد لا يلذع سطح البدن فإنه يصلبه لأنه يجمع أجزاءه ويشدها، ولهذا ربما يحدث فيه فسوخا فيكون سببا للوجع بسبب تفرق الاتصال وبسبب سوء المزاج وبسبب منعه من * التحلل (114) الأشياء المحدثة للوجع وهو * تبليد (115) الحار الغريزي الذي يتم به النضج. ولذلك قال * «ويحدث (116) من الوجع ما لا يكون معه تقيح». وأما الاسوداد والتشنج والنافض الذي معه حمى فقد عرفته من قبل.
21
[aphorism]
قال أبقراط: وربما صب على من به تمدد من غير قرحة وهو شاب حسن اللحم في وسط الصيف ماء بارد كثير فأحدث * فيه (117) * انعطافا من (118) حرارة كثيرة فكان تخلصه بتلك الحرارة.
[commentary]
التفسير: لما وصف مضار الحار والبارد، أخذ يصف منافعهما. والبارد إنما يشفي أمثال هذه العلل فيمن كان قوي الحرارة. وهذا هو الشاب الخصب اللحم فإنه إذا صب على من هذه حاله ماء بارد كثير ضربة، رد الحار الغريزي * منه (119) إلى * باطنه (120) * وجمعه (121) من الانتشار فيقوى على حل المرض. فقد رأينا مفلوجا من أصحاب السلطان عوقب في مطالبة المال * فدفن (122) في الثلج. PageVW0P132A فلما أخرج منه، كان قد برأ من استرخائه وعاد إلى تمام صحته بعد معالجة يسيرة. وإنما أمر أن * يستعمله (123) هذا التدبير في * صميم (124) الصيف ليؤمن أن يتعاون الهواء والماء على قهر الحار الغريزي أحدها من داخل والآخر من خارج. ونهي * من (125) استعماله إذا كان مع التشنج قرحة PageVW5P054B لأنه يهيج القرحة باللذع، * فإن (126) كانت القرحة بسبب ورم في بعض الأعضاء العصبية فإنه لا يحل الورم بل يزيد فيه لمنعه من النضج. وهذا النوع من الشفاء إنما هو بطريق العرض لأن البارد لا يشفي البارد بالذات لكنه يحصر الحار ويجمعه حتى يكون سببا لدفع المرض. فأما * من (127) كان ضعيف الحار الغريزي كالمشايخ أو كان معروقا يصل البرد إلى عمق بدنه سريعا فيقهر الحار ضربة فإنه إذا استعمل فيه هذا التدبير لم يؤمن أن تنهزم حرارته فيكون سببا لتلفه.
22
[aphorism]
قال أبقراط: الحار مقيح لكن ليس في كل قرحة وذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن، ويلين الجلد ويرققه PageVW0P132B ويسكن الوجع ويكسر * عادية (128) النافض والتشنج والتمدد * ويحل (129) الثقل العارض في الرأس، وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام وخاصة للمعرى منها * من اللحم ومن العظام خاصة (130) * لعظام (131) الرأس ولكل ما أماته البرد أو أقرحه وللقروح التي تسعي وتتأكل وللمقعدة والرحم والمثانة فالحار لأصحاب هذه العلل نافع شاف والبارد لهمم ضار قاتل.
[commentary]
التفسير: عنى بالحار الحار المعتدل من كل شيء. وذلك أن الحار الذي يقيح هو الذي لا يتجاوز حرارة البدن لأن التقيح نضج ما والنضج يتم بالحار الغريزي. ولهذا لو أمكن أن يلزم الموضع الذي يراد تقييحه عضو حار من بدن صاحبه، كان ذلك من * أبلغ (132) الأشياء في تقييحه. ولذلك احتيج أن يكون المقيح مغريا * لتحقن (133) الحار في الموضع الذي يرام تقييحه، إلا أن ليس كل قرحة أو ورم فإن شأنه أن يتقيح أو يتأتى أن يستعمل فيه المقيح * فإن (134) الأورام السرطانية لا تتقيح أصلا، ولذلك ينبغي أن لا * تداوي (135) به لئلا تتقرح. * وكذلك (136) القروح المتعفنة فإنها PageVW0P133A تزداد بالضماد المقيح والماء الحار عفونة لكن يستعمل فيها القوية القبض كأقراص اندرت بالخل * الثقيف (137) وسائر ما يمنع العفن من الأدوية المحرقة والكي إن اضطر إليه. وكذلك الأورام التي تتجلب إليها * فضول حارة (138) فإن المفتح يرخيها ويكثر التجلب إليها وهي تحتاج إلى الفصد وإخراج الصفراء وتبريد المزاج. وهذه الأشياء تضر بالمزمعة بالتقيح لأنها تبلد النضج وتؤخره، وبمثله الحال في القروح الخبيثة التي لا تقبل الاندمال فإن في الكثير منها يحتاج أن يشرط ما حواليها من اللحم ويحجم. وكذلك الأورام الخبيثة التي لا تميل إلى النضج، وهذه تكون قليلة الثقل شديدة الحرارة والوخز دون الضربان. وربما ظهر على البعض منها نفاخات وبثور واخضرار PageVW5P055A واسوداد، وربما سكن الوجع من غير لين الورم، فجميع هذا ينذر بأن الورم لا يجمع. * ولذلك (139) لا ينبغي أن يقرب منها الحار المقيح بل يحتاج في كل ضرب منها إلى استعمال ضرب من * التدابير PageVW0P133B التي (140) ذكرناها. وهكذا الحال في القروح التي يحدث بسببها التشنج فإنها مما لا يتقيح. فإن استعمال الحار المنضج فيها، أداها إلى التعفن والفساد. فأما التي شأنها أن تتقيح فإن تقيحها من أعظم العلامات دالة على الأمن لأن * ما (141) شأنه أن يجمع فإن برأه يتم بالنضج. وأما تسكين الوجع فلأن الحار المعتدل الحرارة * يزيل (142) ما في العضو من الحال الخارجة عن * الطبيعة (143) ويرده إلى الحال الطبيعية. وذلك أنه يلين ما قد صلب منه ويلطف ما غلظ وينضج ما يحتاج فيه إلى النضج يحلل ما هو محتقن فيه ويزيل * أدنى (144) جمود إن وجد له ويعدل ما فيه من المزاج المختلف. وأما تسكينه النافض فلأنه يبسط الحار في البدن. وأما تليين ما صلب من الجلد وترقيق ما غلظ فلأنه يحل ويذيب ويلطف من غير عنف وأذى. ولذلك يكسر من عادته التشنج والتمدد * إذا (145) كان يفعل ضد ما يفعله البرد من توليدها. وإنما يحل الثقل العارض في الرأس بتحليله ما يؤذيه مما هو محتقن PageVW0P134A فيه. وإنما صار ينفع العظام لبردها وعدمها الدم سيما ما كان منها معري من اللحم فإنها تكون أزيد بردا مثل عظام الرأس فإن الحار مع ما ينفعها للسببين ينفع الدماغ كما عرفت. ولهذا صار ينفع الأعضاء العصبية الباردة كالمقعدة والرحم والمثانة فإن البرد يضر هذه الآلات لبرد أمزجتها ثم البرودة ربما تتعدى من هذه الآلات إلى غيرها فإنها ربما تصير من المقعدة إلى * الأمعاء (146) فتهيج فيها القولنج ومن الإحليل إلى الكلى * فتضرهما (147) وتصير إلى الرحم فتجعلها عاقرا. فالحار ينفع هذه كلها وينفع كل ما أضر به البرد بالمضاد.ة وعنى بما أقرحه البرد الفسوخ * والمشققات (148) العارضة في الأطراف في * إبان (149) الشتاء. وعنى بالقروح التي تسعى وتذب النملة وما شاكلها. ولم يعن بنفعه لها أنه يشفيها بل أن لا * يهيجها (150) عند غسلها وتنظيفها كما يهيجها البرد لأنه يلذعها.
23
[aphorism]
قال أبقراط: فأما البارد فإنما ينبغي أن يستعمله في هذه المواضع أعني في المواضع PageVW0P134B التي يجري منها الدم أو هو مزمع بأن يجري منها، وليس ينبغي أن يستعمل في نفس الموضع الذي يجري * منه (151) لكن حوله من حيث يجيء، وفيما كان من الأورام الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري لأنه إن استعمل فيما قد عتق فيه الدم سوده وفي الورم الذي يسمى الحمرة إذا لم يكن معه قرحة لأن ما كانت منه معه قرحة فهو يضره.
[commentary]
PageVW5P055B التفسير: المواضع التي يجري منها الدم إذا برد ما حولها أو المواضع التي تجيء منها فإنه يغلظ الدم ويكثف المجاري فتتبلد جريته إليها. * فأما (152) نفس الموضع فتضره الأشياء الباردة بسبب القرحة كما فهمت. وبمثله المواضع التي قد احمرت بلون الدم الطري المشرق فإن هذه المواضع إنما تصير بهذا اللون بسبب كيفية الدم لا بسبب كميته. وإذا بردت، انتفعت به على سبيل المداواة وتبديل المزاج وفي أن لا يقبل بعده ما يجيء إليها. وعني بالتكلع * أثر (153) المواضع التي * كانت (154) النار قد كوتها أو * الأخلاط (155) المحترقة أحرقها. PageVW0P135A * فأما إذا (156) عتق فيها الدم وزال إشراقه فإن تبريده يغلظ * ما (157) صار * إليها (158) من الدم ويكثفه ويجعله إلى * الكمودة (159) والسواد. وفي هذا تنبيه على أن الأورام بأخرة تحتاج إلى ما يحلل لا إلى ما يحقن. وأما الورم المسمى حمرة فإن تبريده ينفع على سبيل المداواة بالضد إلا أن يكون معه قرحة، فإن تبريده حينئذ يكون مستثنى لئلا يجلب الوجع إليه مادة.
24
[aphorism]
قال أبقراط: إن الأشياء الباردة مثل الثلج والجمد ضارة للصدر مهيجة للسعال جالبة لانفجار الدم والنزل.
[commentary]
التفسير: قد فهمت من قبل أن الشمال يضر الصدر لكونه عظاما غشائيا عصبيا ويهيج السعال لأنه يسد آلات التنفس ويجمعها ويخشنها ولأنه يحدث * فيها (160) سوء مزاج مختلف، وبحسب فضل قوة البرد في الثلج والجمد فضل * إضرارهما (161) بالصدر * وتهييجهما للسعال. وإنما صار يجلب النزل والزكام لأنه يبرد (162) الدماغ. وذلك أن البخارات * الصاعدة (163) من المعدة إلى الدماغ إذا كانت أبرد كانت أغلظ وتعود على الدماغ بالتبريد وتكثيف المسام فلا تتحلل حسب ما كانت تتحلل من قبل فتجتمع تتكاثف وتنزل PageVW0P135B ماء ولأن جوهر الدماغ يبرد بمشاركة المعدة في البرد استعمال البارد من خارج يولد النزل والزكام كما فهمته في المقالة الثالثة عند الكلام في الرياح الشمالية. وأما الصدع * فيتسارع (164) إلى عروق الدماغ والصدر والرئة متى بردت ببرد هذه الآلات لأنه تصلب فلا تحتمل من * الامتداد (165) ما كانت * تحتمله (166) قبل ذلك.
25
[aphorism]
قال * أبقراط (167) : الأورام التي تكون في المفاصل * والأوجاع التي تكون من غير قرحة وأوجاع أصحاب النقرس (168) وأصحاب * الفسخ (169) في المواضع العصبية وأكثر ما أشبه هذه فإنه إذا صب عليها ماء بارد كثير سكنها وأضمرها وسكن الوجع بإحداثه الخدر والخدر اليسير مسكن للوجع.
[commentary]
التفسير: هذه الأورام والأوجاع إذا كانت PageVW5P056A من البلغم أو من المرة السوداء * أو من (170) كثرة الدم فإن البارد لا ينفعها بل قد يريد فيها. فأما إذا كان لسوء مزاج حار وحده أو من دم يسير المقدار شديد الحرارة أو من مرة صفراء هذه حالها ولم يكن معها قرحة ثم صب عليها ماء بارد فإنه * يسوي (171) المزاج ويعرق PageVW0P136A المادة ويضمر الورم ولأنه يخدر يسيرا فإنه يذهب بالأوجاع. وأما الخدر الكثير فإنه يميت العضو. وأما الفسوخ * الحادثة (172) في المواضع العصبية إذا لم يكن معها تقرح في اللحم والجلد فإنما تفعلها مرة حادة يسيرة لطيفة جدا والبارد يعدل كيفيتها ويعرق كميتها ويغلظ قوامها.
26
[aphorism]
قال أبقراط: الماء الذي يسخن * سريعا (173) ويبرد سريعا فهو أخفذ المياه.
[commentary]
التفسير: * أبقراط (174) * وإن (175) لم يعن بأخف المياه أخفها في الوزن بل الذي هو أخف في المعدة * فإن الذي هو أخفها في المعدة (176) لأن الأخف وزنا ألطف جوهرا، والذي يخف في المعدة ولا يثقل عليها إنما يخف ولا يثقل للطافته، والذي يدل على لطافته * قبول السخونة (177) والبرودة سريعا لأن الألطف أسرع إجابة إلى الانفعال. ولذلك لما كان الهوء ألطف من الماء، كان أسرع قبولا للسخونة والبرودة فالماء إذا كان صافيا من كل شوب عاريا من كل كيفية لطيفا يقبل السخونة والبرودة سريعا * وهو (178) أسرع استحالة في المعدة وانحدارا عنها وتنفيذا * للطعام (179) إلى الأعضاء PageVW0P136B فهو لذلك أفضلها وأخفها في المعدة.
27
[aphorism]
قال أبقراط: من دعته شهوته إلى * الشرب (180) بالليل وكان عطشه شديدا فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود.
[commentary]
التفسير: العطش قد يكون صادقا وهو الحادث * من عوز (181) الرطوبة. فمتى لم يستوف الإنسان ريه من الماء وقد شرب شرابا غير ممزوج وكان عادته أن يشرب ممزوجا فليطلق له أن يشرب إذا * انتبه (182) عطشانا. ومتى كان كاذبا كالحال فيمن في معدته بلغم مالح أو قد استكثر من شرب الشراب فالأولى أن ينام، فإنه إذا نام انهضم ما في معدته مما هو سبب للعطش وانحدر عنها. وهذا هو عناه * أبقراط (183) لا غير. ولذلك قال «من دعته شهوته» فإن الذي يشرب للشهوة لا يكون شربه للعطش الصادق. ولذلك قال أيضا «فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود». والعطش الصادق لا * يحمد (184) التهاون به ولا أن ينام عليه، فكأنه قال ليس ينبغي أن يشرب الإنسان * بالشهوة (185) بل بالعطش الحقيقي وخصص كلامه بالانتباه PageVW0P137A من النوم لأن الشرب بالشهوة في ذلك الوقت أضر PageVW5P056B ويمكن أن يفرق بين * العطشين (186) بأن يحمل الإنسان نفسه على النوم. فإن أخذه فهو كاذب والشرب عند ذلك يضعف الحار الغريزي ويسيء الهضم. * وإن (187) لم يأخذه النوم وإن أكثره على ذلك فهو صادق. والأولى عند ذلك أن يقوم ويمشيمشيا رقيقا * لتنتشر (188) حرارته من الاجتماع بعض الانتشار ثم يشرب سيما إذا كان الماء صادق البرد لئلا يطفئ حرارته الغريزية المجتمعة في باطنه ضربة.
28
[aphorism]
قال أبقراط: التكميد بالأفاويه يجلب الدم الذي * يجيء (189) من النساء، وقد كان * ينتفع (190) به في مواضع أخر كثيرة لو لا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
[commentary]
التفسير: التكميد بالأفاويه هو أن يبخر الرحم بأدوية لطيفة حارة طيبة الروائح كالسنبل والميعة والسليخة والدارصيني. وذلك * بأن (191) يكب قمع على * المجمر (192) ويوضع أنبوبة في فم الرحم * فيتراقى (193) دخانها إليه. وهذه الأفاويه تدر دم الطمث والنفاس إذا كان احتباسه لغلظ الدم أو سده PageVW0P137B في عروق الرحم أو لانضمام أفواهها أو لتكاثف في جرم الرحم أو لبرد في مزاجه. وذلك * لأن (194) هذه الأفاويه تسخن وتقطع وتلطف وتفتح. وقد يمكن أن يسخن البدن كله في العلل الباردة الرطبة بتكميد الرحم بالأفاويه لو لا أنها تولد الصداع. وذلك لأنها حارة * لطيفة (195) سريعة الصعود إلى فوق. * وأما (196) إذا كان سبب احتباس دم الطمث والنفاس ورم في الرحم أو التواء فالتكميد لا ينفع فيه.
29
[aphorism]
قال * أبقراط (197) : ينبغي أن تسقى الحامل الدواء.
[commentary]
التفسير: * هذا (198) فصل قد مضى شرحه.
30
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة الحامل إن فصدت أسقطت وخاصة إن كان طفلها قد عظم.
[commentary]
التفسير: الجنين إذا كان يغتذي بدم الحامل فمن البين أنه متى أخرج دمها أسقطت لعدم الجنين غذاءه سيما إذا كان قد عظم * لأن (199) حاجته إلى الغذاء عند ذلك امس إلا أن تكون الحامل كثيرة الدم جدا حتى لا ينتقص * بإخراج (200) دمها غذاءه نقصانا * يؤدي (201) إلى إسقاطه. ومعنى الإسقاط هو أن يضعف الجنين ضعفا لا PageVW0P138A ترجى له الحياة أو يموت أصلا، فيدفعه الرحم دفع المعدة الغذاء * إذا (202) فسد فيها. وأما الولاد فهو خروج الجنين بعد كماله طلبا للغذاء الذي يكفيه ويصلح له، فيدفعه الرحم دفع المعدة الغذاء إذا كمل هضمه. وليست المرأة تسقط من إخراج دمها فقط بل ومتى عرض لها أمر يقطعها عن الغذاء مدة أطول حتى يموت الجنين أو يضعف جدا أسقطت.
31
[aphorism]
قال * أبقراط (203) : إذا كانت المرأة حاملا فاعتراها بعض الأمراض الحادة فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: PageVW5P057A هذا لأن الحامل لا تقوى باحتمال المرض الحاد وحمل الولد سيما إذا كان قد عظم، وأهون ما يتبع ذلك أن تسقط، وإلا فتهلك ويهلك معها ولدها. * ونقول إيضاحا لأقاويل السلف مع فضل شرح وهو أن (204) المرض الحاد إن كان مع حمى فهي لا محالة دائمة. والخطر فيها على الحامل والجنين من وجهين: أحدهما من نفس الحمى إذ كان لا يؤمن معها أن تقتلها * أو تتضاعف (205) PageVW0P138B الثلاثة إن كان قد عظم لأن الحامل * إذا (206) عظم جنينها عسر نفسها. وذلك من أعون شيء على * سرعة (207) الهلاك في الأمراض الحادة. فإذا * هلكت (208) الحامل هلك الجنين لا محالة. والوجه الآخر أنا إن باعدنا بين أوقات الغذاء لئلا تزداد سورة الحمى قتلنا الجنين. وإن قربنا ما بينها شفقة على الجنين زدنا في الحمى والزيادة فيها إخطار بهما. وإن لم يكن المرض الحاد مع الحمى كالصرع والتمدد والتشنج لم تقو الحامل على احتمال شدة المرض. فأما أن تسقط أو تهلك * فيهلك (209) معها الجنين.
32
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة إذا كانت تتقيأ دما فانبعث طمثها انقطع ذلك الدم.
[commentary]
التفسير: هذا لأن الدم الذي كان ينجذب إلى فوق ينحدر إلى أسفل. وغرض * أبقراط (210) بهذا أن ينبهنا على الاقتداء بالطبيعة. فمتى رأينا المرأة تتقيأ الدم فيجب علينا أن نفصد لها بعض العروق.
33
[aphorism]
قال * أبقراط (211) : إذا انقطع الطمث فالرعاف محمود.
[commentary]
التفسير: إذا كان استفراغ الطمث في أوقاته سببا لصحة أبدان النساء فمن البين PageVW0P139A أن انقطاعه سبب * للأضرار (212) بهن. ولذلك متى انقطع فأصلح المواضع لنقائه الأنف أو المقعدة.
34
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة الحامل إن ألح عليها استطلاق البطن لم يؤمن عليها أن تسقط.
[commentary]
التفسير: إنما تسقط لضعف رحمها عن إمساك الجنين بسبب كثرة الاختلاف أو بسبب ما يناله من التزحر بمجاورة المعاء المستقيم * أو لأن (213) الجنين يعدم غذاءه فيهلك فيخرجه الرحم على النحو الذي قلناه.
35
[aphorism]
قال * أبقراط (214) : إذا كان بالمرأة علة الأرحام أو عسر ولادها فأصابها عطاس فذلك محمود.
[commentary]
التفسير: إنما عنى بعلة الرحم خنق الرحم فقط. وذلك أنه ليس من علله شيء ينتفع بالعطاس إلا هذه الواحدة. وإنما سموه خنق الرحم لأن النفس يبطل معه بطلانه في المختنقين. ومتى حدث العطاس في هذه العلة من تلقاء النفس دل على انتعاش الطبيعة بعد خمودها وأنها راجعت حركاتها PageVW0P139B في مجاهدة العلة ودفع المؤذي. ومن وجه آخر فإن العطاس سبب لهز أعضاء البدن ونعض ما هو لاصق بها عنها. ولذلك فإنه يحرك الولد الذي PageVW5P057B عسر ولاده ويبعثه على الخروج ويدفع الرحم في مرض الاختناق إلى أسفل لأنها تكون * متشمرة (215) إلى فوق.
36
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان طمث المرأة متغير اللون ولم يكن مجيئه في وقته دائما دل ذلك على أن بدنها يحتاج إلى * التنقية. (216)
[commentary]
التفسير: الطمث قد يتغير لونه بسبب غلبة كل واحد من الخلط البلغمي * والسوداوي والمراري (217) على الدم، وتحتاج المرأة عند ذلك أن تنقي بدنها بالأدوية المسهلة. وتعتبر حال الخلط الغالب على الدم بأن يسخن على النار خرقة كتان * نظيفة (218) وتحتملها المرأة الطامث ليلة ثم * تغتسل (219) بعد ذلك وتجفف في الظل فيظهر عليها لون ذلك الخلط. وذلك أنها تصير صفراء إن كان الغالب هو المرار الأصفر، وسوداء أو خضراء إن كان الغالب هو المرار الأسود، وبيضاء إن كان الخلط الخام هو الغالب، فيستفرغ البدن حينئذ من الخلط الغالب. وقد يصير الدم أغلظ PageVW0P140A مما ينبغي فيتأخر * دروره (220) أو أرق مما ينبغي فيتقدم مجيئه. أما تأخره للغلظ فقد يكون من جهة البلغم الحام الغليظ فإنه متى غلب عسرت جرية الدم، فيحتبس لذلك ويتأخر دروره غير أنه ليس يحتاج في هذه الحالة إلى التنقية أبدا لأن إدرار الطمث بهذا الوجه يقع على الأقل بل الأولى أن يستعمل التدبير الملطف ليرق الدم ويلطف، ويستعمل مع ذلك التكميد بالأفاوية والفرزجات التي قوتها قوة التكميد. فإن الدم يرق بذلك ويلطف * وتنفتح (221) السدد التي في عروق الرحم وتزاد في الرياضة وتنصب المحجمة على موضع الرحم وعلى الصافن، ويجتهد في جذب الدم إلى ناحية الرحم بكل وجه يقدر عليه. فإن كان غلظ الدم بسبب الخلط السوداوي فإن ترطيب البدن أبلغ في الإدرار من إسهال المرة السوداء لأن الإسهال يزيد الدم من بعد * غلظا (222) وعسر جريه. وأما تقدم درور الطمث لرقة الدم * فإنما (223) يكون من قبل المرة الصفراء فيستعمل PageVW0P140B التنقية والتدبير المبرد والذي يغلظ الدم.
37
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فضمر ثدياها بغتة أسقطت.
[commentary]
التفسير: الثديان إنما يضمران لقلة الدم في عروقهما. وذلك مما يدل على قلة الدم في عروق الرحم لأن كل صنفي العروق يتصل أحدهما بالآخر في موضع المراق، والطبيعة تعدل شيئا من الدم في وقت الحبل بعد مضي الشهر الثالث منه في عروق الثديين مادة اللبن * ليكون (224) للجنين غذاء معدا لوقت الخروج. ولذلك متى ضمر الثديان دل على قلة الدم في عروق الرحم. والدم إذا نقص في عروق الرحم، عدم الجنين * ما (225) يكفيه من الغذاء. فإن كان قد كبر وقوي PageVW5P058A خرج لطلب الغذاء، وإلا فيعرض الإسقاط.
38
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فضمر أحد ثدييها وكان حملها * تؤما (226) فإنها تسقط أحد طفليها، * وإن (227) كان الضامر هو الثدي الأيمن أسقطت الذكر، وإن كان الضامر * هو (228) الأيسر أسقطت الأنثى.
[commentary]
التفسير: تولد * الذكور (229) على الأكثر إنما هو في الجانب الأيمن من الرحم PageVW0P141A لان هذا الجانب أسخن. وتولد الأناث في الجانب الأيسر لأنه أبرد . وإذا كان الأمر كذلك ثم كان الحمل تؤاما بذكر وأنثى * فضمور (230) * أحد (231) الثديين يوجب إسقاط واحد منهما، وواجب أن يسقط الذي بازاء الضامر. فإن كان الضامر هو الثدي * الأيمن (232) أسقطت الذكر، وإلا فالأنثى. وبالحرى إذا كان الحبل بواحد ثم * ضمر (233) * أحد (234) الثديين وكان الضامر هو الأيمن أن تسقط بغلام، وإن كان الأيسر أسقطت بجارية.
39
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة ليست بحامل ولم تكن ولدت وكان لها لبن فطمثها قد أرتفع.
[commentary]
التفسير: إذا كان الثديان شأنهما يحيلا ما يجيئهما من الدم إلى جوهر اللبن. وذلك في الحبالي في الشهر الثامن والتاسع إذا امتلأت العروق المشتركة بينهما وبين الرحم دما كما يدلنا على ذلك تشريح الحيوانات الحوامل. فلازم متى امتلأت هذه العروق في الندرة دما من غير حبل أن * يولداه (235) بعينه. وإنما تمتلئ هذه العروق دما من غير حبل إذا انقطع الطمث.
40
[aphorism]
PageVW0P141B قال أبقراط: إذا انعقد للمرأة في ثدييها دم دل ذلك * من حالها (236) على جنون.
[commentary]
التفسير: انعقاد الدم في الثدي إنما هو بسبب حرارة الدم. وذلك أنه إذا صار إلى الثدي دم مفرط الحرارة حتى كأنه يغلى فإنه ينعقد فيها كالحال في الدم الذي يسخن من خارج، ولذلك يجسؤ الثدي ويصير كأن فيه خراجا. والبخار الصاعد منه في الشرائين والعروق قوي الحرارة * فيوجب (237) سهرا وتوثبا، وحاله شبيهة بالجنون. وجالينوس يرى أن من الممكن أن ينبث في * أعالي (238) البدن دم حار يغلى، فما يصير منه إلى الرأس أورث الجنون، وما يصير منه إلى الثدي لم يمكن أن يصير فيها لبنا لشدة حرارته وتلذيعه لكنه ينعقد فيها كما قلنا.
41
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أحببت أن تعلم هل المرأة * حامل (239) أم لا فاسقها إذا * أرادت (240) النوم ماء العسل، فإن أصابها * مغص (241) في بطنها فهي حامل، وإن لم * يصبها (242) فليست بحامل.
[commentary]
التفسير: ماء العسل الذي شأنه أن يولد في PageVW0P142A * الأمعاء رياحا (243) . فمتى كان في الرحم * جنين (244) لم تقدر تلك الرياح أن PageVW5P058B تنفذ نفوذا سهلا لمزاحمة الرحم إياه فتحس * بالمغص (245) . ويشبه أن يكون سبب المزاحمة مع كون الولد صغيرا بعد ومع انضمام الرحم في نفسه * هو (246) أن الرحم إذا انضم مع الولد ضم إلى نفسه ما يجاوره من الأمعاء من قبل * أنه (247) يمتد إليه من العضل الذي في المراق رباطات في قياس العضلات * التي (248) تمتد في الذكور إلى الأنثيين فهذه الرباطات تجذب العضل الذي في المراق والعضل * اللابس (249) على الأمعاء حتى تقرب من الرحم فتزاحم الأمعاء إذا تولدت فيها رياح. وذكر جالينوس أنه أمر أن تسقى ماء العسل وقت النوم لأنه وقت السكون والامتلاء من الطعام. وهذان أمران يعينان على حدوث * المغص (250) ، إلا أنه يوجد في بعض النقول المجهولة فص * أبقراط (251) هكذا «إذا أردت أن تعرف بالمرأة حبل أم لا فاسقها عسلأ ممزوجا عند النوم على غير عشاء». فإن كان هذا للفظ منقولا عن * أبقراط (252) فإنما قاله لأنه لا يبعد أن يوجد في وقت هضم الأغذية PageVW0P142B رياحا في البطن إما بسبب زيادة في الأكل أو في الشرب أو لأن بعض الأطعمة * المتناولة (253) في نفسه مولد * للرياح (254) فلا يتميز الريح * الحادث أنه من ماء العسل أو من قبل الطعام. والأولى أن يظن أن النفخ (255) * الحادثة (256) من ماء العسل * التي لا تزاحم (257) الرحم. وإن كان * فيه (258) جنين إذا كانت المعدة والأمعاء خالية من الطعام أو لعله لا يولد النفخ مع * خلوهما (259) . ولذلك فإن الأولى أن يحمل الأمر على ما قاله جالينوس.
42
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حبلى بذكر كان لونها حسنا، وإذا كانت حبلى بأنثى كان لونها حائلا.
[commentary]
التفسير: الدم الذي * يغتذي (260) به الذكور أسخن من الدم الذي * يغتذي (261) به الأناث من قبل أن الزرع الذي * يتكون (262) منه * الذكور (263) أسخن من الزرع الذي * يتكون (264) منه الأناث. ويغتذي كل واحد منهما * بعد الكون بالدم (265) الذي فضل من الزرع. وإذا كان حيث الحار أقوى فثم النضج أبلغ ودفع الفضلات أكثر فمن البين أن دم الحامل بذكر أصفى وأنقى، * وواجب (266) أن يكون لونها حسنا ولون الحامل بأنثى حائلا على أن نفس PageVW0P143A الحار تكفى بأن يفيد اللون حسنا ونضارة والبرد يفيده كمودة * وحولاء (267) هذا إذا اعتبر بحسب الحبل وبحسب الولد. فأما بحسب التدبير فقد يمكن أن * يحسن (268) الحامل بأنثى تدبيرها فيحسن لونها ويسيء الحامل بذكر تدبيرها فيسوء لونها.
43
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالمرأة * الحبلى (269) الورم الذي يدعى الحمرة في رحمها فذلك من علامات الموت.
[commentary]
التفسير: الحمرة في الرحم من الأمراض الحادة والحمى الحادة وحدها توجد كافية في قتل جنين، فكم بالحرى أن يقتله إذا كان معها * حمرة (270) .
44
[aphorism]
PageVW5P059A قال أبقراط: إذا حملت المرأة وهي من الهزال على حال خارجة عن الطبيعة فإنها تسقط قبل أن تسمن.
[commentary]
التفسير: معنى هذا الفصل هو أن المرأة إذا هزلت هزالا شديدا من مرض قد تقدمه فإنها إذا حبلت قبل أن تعود سخنتها إلى * الحال (271) الطبيعية أسقطت إذا أخذت تعود إليها لأن الطبيعة لا تصرف الغذاء إلى الجنين ما لم تمتلئ بدن الحامل * وإلى (272) أن يكون ذلك PageVW0P143B يهلك الولد * وتسقط (273) . وحكى جالينوس أن مفسري هذا الكتاب فسروا معنى هذا الفصل على ثلاثة أنحاء: أحدها أن المرأة لا بد أن تسقط إذا كانت هذه حالها، والآخر أنها إن لم تسمن أسقطت، والثالث أنها إذا تراجع بدنها وحسن موقعها للغذاء أسقطت لأن ما كان ينبعث إلى غذاء الطفل انصرف إلى غذائها فيعطب الطفل.
45
[aphorism]
قال أبقراط: متى كانت المرأة حاملا وبدنها معتدلا وتسقط في الشهر الثاني والثالث من غير سبب بين * فنقر (274) الرحم منها * مملوء مخاطا (275) ولا تقدر على ضبط الطفل لثقله لكنه ينهتك منها.
[commentary]
التفسير * : (276) المشيمة تتصل بأفواه العروق المفضية إلى الرحم. فمتى كانت هذه الأفواه مملوؤة رطوبة مخاطية فإنها * وإن (277) كانت تقوى على إمساك المني في أوائل الأمر فإنه إذا كمل خلق الجنين في الشهر الثاني * وثقل (278) في الشهر الثالث، لم يقو على ضبطه * فيملص (279) عن الرحم. وقد استشهد على أن سبب * الانملاص (280) إنما هو رطوبة PageVW0P144A أفواه العروق هو أن لا تكون بالحامل آفة ولا أيضا للسقوط سبب ظاهر من الأسباب التي تقدم ذكرها نحو الفزع والسقطة والإقلال من الطعام واستطلاق البطن والحمى الشديدة وانفجار الدم والحمرة في الرحم. وقد بين في الفصل المتقدم أن المهازيل من النساء لأي سبب يسقطن وفي هذا الفصل أن السمان لأي سبب يسقطن.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة على حال خارجة عن الطبيعة * من (281) السمن ولم تحبل فإن * غشاء البطن (282) الذي يسمى الثرب من غشائي البطن يزحم فم الرحم منها وليس تحبل دون أن * تهزل. (283)
[commentary]
التفسير: السمن المفرط يوجد مانعا من الحبل إما لأن الثرب يزحم فم الرحم وهو الموضع الذي عنده ينتهي بطن الرحم وتبتدئ رقبته فالثرب إذا امتلأ شحما ضم هذا الموضع من الرحم وسده بوقوعه عليه لثقله وغلظه فإما إن لا يصل الزرع إلى موضع الكون أو إن وصل PageVW0P144B لم يمكن أن يكون حمل * أو نماء (284) لفساد الموضع بالضيق، ولهذا يجب أن يستعمل التدبير اللطيف في هؤلاء والإمساك عن الغذاء وجعله من * المجففات (285) المسخنات؛ * وإما أن (286) السمن المفرط يمنع أن يبلغ * الذكر (287) PageVW5P059B الموضع الذي * يمكن (288) تزريق المني إلى حيث يتكون فيه الجنين، وذلك لغلظ الأوراك والأفخاذ. ويجب أن يجعل عند ذلك شكل المرأة في حال الجماع شكل الراكع المفرط في الركوع. * والنساء (289) يكن بسبب فرط السمن * قليلة (290) الحمل جدا لأنه لا يفضل من غذائهن ما يكفى * للبزر ولنماء (291) الجنين كالحال في الأشجار العظيمة فإنها تكون قليلة الأثمار جدا.
47
[aphorism]
قال أبقراط: متى تقيح الرحم حيث يستبطن الورك وجب ضرورة أن يحتاج إلى الفتل.
[commentary]
التفسير: * معنى (292) هذا الفصل أن الرحم متى * تقيح (293) من خراج كان به في * الموضع (294) الذي يستبطن فيه الورك، فإن علاجه على الخصوص لن يناله إلا الفتل إما من PageVW0P145A داخل إن كان القيح قد انفجر إلى داخل * أو (295) من خارج إن كان انفجار إلى خارج. وإنما قال هذا ليرينا أن علاجا آخر لا يبلغ في مداواة هذا القيح إلا * الفتائل (296) .
48
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأطفال ذكرا فأحرى أن يكون تولده في الجانب الأيمن، وما كان أنثى ففي الأيسر.
[commentary]
التفسير: الذكور أسخن من الأناث، والجانب الأيمن من الرحم أسخن * من (297) الأيسر. وإذا كان الأمر كذلك فبالحري أن تكون * الذكور (298) في * الأعم (299) الأغلب في الجانب الأيمن ولأناث في الجانب الأيسر. أما أن الجانب الأيمن من الرحم أسخن * فلمجاورته (300) الكبد ولأن العرق الذي يأتيه إنما يأتيه من الأجوف والشريان من الشريان الممتد على الصلب. فيكون الدم والروح الصائران إليه منهما * أنقى (301) وأسخن. والجانب الايسر عادم لهذه المجاورة والعرق والشريان * الذان (302) يأتيانه * ينشعبان من العرق والشريانين الصائرين إلى الكلية اليسرى. فلذلك صار الدم PageVW0P145B والروح اللذان يأتيانه (303) أبرد وأرطب لأجل المائية التي تخالطهما. وأما أن الذكور أسخن من الأناث وما اعترض به الرازي قائلا بأنه لو كان كذلك لما وجد امرأة أحر مزاجا من رجل فقد ذكرنا ذكرا كافيا في حل شكوكه على جالينوس. ثم إنه قال «ويشبه أن يكون سبب الذكورة والأنوثة غلبة أحد المنيين على الآخر حتى يكون أحدهما بمنزلة الفاعل المحبل والآخر بمنزلة المنفعل المستحبل». فقد بينا نحن هناك أن غلبة أحد الزرعين على صاحبه توجد تابعة لغلبة الحار والبارد. قال: «وقد يقع من انصباب الرطوبات بعض فوق بعض اختلاف كثير فإني أعرف دواء يصب على دواء آخر, فيتولد شيء كاللبن في بياضه. فإن صب بالضد كان مثل الحبر. وليس ذلك لشيء أكثر * من (304) جعل السافل عاليا والعالي سافلا.» * فظن (305) هذا الإنسان بسلامة قلبه أن الفلسفة الطبيعية يمكن أن يقام * عليها (306) البيان باعمال النيرنجات. وأقول PageVW0P146A إن المادة الزرعية ليست إلا المني ودم الطمث PageVW5P060A ومهما انحدر * الطمث إلى الرحم، ولم يكن مني ذكوري يعتنقه إلى خارج بل ليس ينحدر إلى (307) * الرحم (308) من غير مجامعة إلا لأنه قد صار فضلا غير * منتفع (309) به. فأما إذا انحدر إليه للزرع فإنما تدفعه الطبيعة * متى (310) كان فيه * مني (311) . فإذا القول بأن الواحد منهما في * وقت (312) وقت يكون عاليا والآخر سافلا كلام لا معنى له. * وإنما وقع إلى هذا الغلط بسبب ظنه أن الكون إنما يكون من المنيين ولم يعلم أن مني المرأة حكمه دم الطمث وأنه إذا لم يكن دم زرعي لم ينتفع بوجود منيها وأنه احتيج إلى وجدان منيها لشوقها إلى المباضعة ولكنه إذا استفرغ تنبهت الطبيعة الرحمية لدفع دم زرعي إلى الرحم ليجتمع مع مني الذكور فيتم منها الكون (313) .
49
[aphorism]
قال أبقراط: أذا أردت أن تسقط المشيمة فادخل في الأنف دواء معطسا وامسك المنخرين والفم.
[commentary]
التفسير: العطاس يتقدمه استنشاق هواء * كثير (314) دفعة فينبسط الصدر غايته، * وفي (315) انبساط الصدر غايته يندفع الحجاب إلى أسفل فيضغط على الأحشاء الذي تحته بمقدار تسفله فيعين على دفع المشيمة عن الرحم. ولذلك ينبغي أن تكون المرأة في تلك PageVW0P146B * الحال (316) منتصبة ليكون ميل الرحم إلى أسفل. ثم إن الصدر * ينقبض انقباضا (317) عنيفا بتوتير العضلات القابضة له، وفي هذه الحال يكاد أن ينقلب الحجاب إلى خارج للضغط الذي يناله لو لا أن عضلات المراق تدعمه وتمسكه. ولذلك فإن الحجاب وهذه العضلات تقبض على الرحم في تلك الحال قبضا شديدا ويزيد في ذلك إمساك النفس لئلا يخرج الهواء بالمنخرين والفم فيزداد الضغط إذ كان يعرض في ذلك الوقت ما يعرض في حال التزخر الشديد فتندفع المشيمة اندفاعا عنيفا إلى خارج. وأيضا فإن امساك النفس في وقت العطاس هو حصر نفس قوي جدا، والهواء إذا امتنع خورجه في حصر النفس عاد في العروق راجعا إلى وراء. فإذا صار إلى الأفواه التي تتعلق بالمشيمة دفعها دفعا قويا يخرجها به إلى خارج.
50
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن تحبس طمث المرأة فالق عند كل واحد من ثدييها محجمة من أعظم ما يكون.
[commentary]
التفسير: PageVW0P137A إذا فهمت أن عروق الرحم والثديين * يشركان (318) في موضع المراق وهو ما دون الثدي. فقد فهمت أنك متى * نصبت (319) محجمة عظيمة عند كل ثدي في المراق فقد قطعت به طمث المرأة لأن المحجمة تجذب الدم إلى * ذلك الموضع (320) جذبا عنيفا. ولذلك أمر أن تكون المحجمة من أعظم ما يكون PageVW5P060B ليكون الجذب أقوى. ويوجد في بعض النسخ «فالق دون كل واحد من ثدييها» تحقيقا لما قلنا.
51
[aphorism]
قال أبقراط: إن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما.
[commentary]
التفسير: الرحم إذا وقع فيه الزرع اشتمل عليه من جميع النواحي اشتمالا لا يدخله طرف ميله، ودخول آلة الرجل في وقت الاشتمال إنما هو في رقبة الرحم. وأما * فم (321) البطن المشتمل على الولد فلو احتيل أن يدخل فيه شيء ولو من أقل ما يكون كان سببا للإسقاط لأنه يفسد عليه الاشتمال. وقد يوجد هذا الانضمام للرحم إذا كان فيه ورم ويفرق بينهما بالصلابة فإنه يوجد مع الورم PageVW0P147B صلبا. وهذا الفصل ينبغي أن يكون مضافا إلى الفصل الذي أوله «إذا أردت أن تعلم هل المرأة * حامل (322) أم لا». وذلك أن القابلة إذا أدخلت أصبعها فلمست فم الرحم فوجدته منضما من غير صلابة، دلها ذلك على حبلها.
52
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى اللبن من ثدي المرأة الحبلى دل ذلك على ضعف من طفلها، ومتى كان الثديان مكتنزين دل على أن الطفل أصح * وأقوى (323) .
[commentary]
التفسير: اللبن إذا جرى في الشهر الثامن أو التاسع لم يسنكر ذلك لما عرفته. * وأما إذا جرى في غير وقته (324) فإنما يجري لأن عروقها تمتلئ دما وإنما تمتلئ لقلة ما يرد على الجنين الغذاء، وذلك دال على * ضعفها (325) اللهم إلا أن تكون الحامل في حبلتها غزيرة الدم * جدا (326) حتى يفضل دمها على ما يغتذي به الجنين. فأما إذا لم يكن كذلك دل على ضعفة. وكما أن ضمور الثديين في الحبل عما كانا عليه قبل الحبل يدل على الإسقاط PageVW0P148A لقلة الدم في عروق الرحم، كذلك جرى اللبن * منهما (327) يدل على * امتلائهما (328) لقلة ما يخطئ الجنين من الغذاء لضعفه. ولهذا صار الأولى أن يكون الثديان مكتنزين من غير صلابة.
53
[aphorism]
قال أبقراط: إذا * كانت (329) حال المرأة تؤول إلى أن تسقط فإن ثدييها يضمران، وإن كان الأمر على خلاف ذلك أعني أن * يكون (330) * ثدياها (331) صلبين فإنه يصيبها وجع في الثديين أو في الوركين أو في العينين أو في الركبتين * ولا (332) تسقط.
[commentary]
التفسير: متى اتفق للمرأة أن تسقط لأي سبب كان فإنه يتقدم إسقاطها ضمور الثديين لا محالة. والفرق بين هذا الفصل وبين ما قاله من قبل متى كانت المرأة حاملا فضمر ثدياها بغتة أسقطت أن قوله من قبل ليس يتضمن أن ضمور الثديين وحده * يدل على الإسقاط، وهذا يتضمن أن هذا وحده (333) إذا وجد * دل (334) على الإسقاط وضمور الثديين الدال على الإسقاط يوجد على الوجهين: أحدهما أن يعطب الجنين لمرض كالحمى PageVW5P061A الحادة والحمرة في الرحم فإن هذين وما شاكلهما PageVW0P148B تفتل الجنين وكالصيحة العظيمة والغم القوي والفزعة الشديدة وشهوة الحامل شيئا ما، فإن الحامل إذا انفعلت بشيء من هذه الأشياء * انفعل (335) الجنين لضعفه * انفعالا (336) مؤديا إلى خموده وسقوطه، * وفي (337) مثل هذه الأحوال فإن الطبيعة تفتح فم الرحم وتهيج الطلق لإخراج الجنين الفاسد، ولأن الدم يميل إلى تلك الناحية طلبا من الطبيعة أن يصلح ما حدث * هناك (338) من الفساد فإن الثديين يضمران. والآخر أن يقل الدم في العروق المشتركة بين الثدي والرحم حتى يعدم الجنين غذاؤه فيعطب، وبالحرى أن يكون انملاس الجنين بسبب امتلاء * نقر (339) فم الرحم رطوبة مخاطية داخلا في الضرب الأول دون الثاني، أعني ميل الدم إلى ناحية الرحم. وأما ضد الضمور في الثديين وهو * صلابتهما (340) صلابة خارجة عن الطبيعة فيدل على كثرة الدم. والطبيعة متى دفعتها إلى المفاصل أو إلى بعض ما ذكر من الأعضاء ويدل على ذلك PageVW0P149A الأوجاع التي تحدث فيها فإن الجنين يسلم لسلامة الرحم. وإن كان دفعها لها إلى الرحم فإنه يتبع ذلك الضمور والإسقاط.
54
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان فم الرحم صلبا فيجب ضرورة أن يكون منضما.
[commentary]
التفسير: فم الرحم إذا انضم مع صلابة فإن ذلك لورم حار فيه أو صلب. وقد ينضم لبرد أو يبس * يصلب (341) لذلك بعض الصلابة إلا أنها دون الأول ولا مدافعة للجنين معها. فأما إذا انضم من غير صلابة أصلا فإنه ووجود الحبل يتلازمان طردا وعكسا.
55
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرضت الحمى لمرأة حامل وسخنت سخونة قوية من غير سبب ظاهر فإن ولادها يكون بعسر وخطر أو تسقط فتكون على خطر.
[commentary]
التفسير: قد يتفق أن يجتمع في بعض النساء قبل وقت الحمل خلط رديء فيهيج عليها حمى في زمان الحمل ثم تبرأ منها برءا غير مستحكم لأن الحوامل لا يمكن أن يستقصى علاجهن على ما ينبغي، ولذلك فقد تعاودهن PageVW0P149B الحمى ويبقين طول مدة * الحمل (342) ملتاثة مثقلة. فإن لم يحتمل الطفل ما يعرض له من ذلك، هلك بسبب الحمى والخلط * المتحير (343) في بدن الحامل. وإن احتمل إلى وقت * الولاد (344) ، بقي سقيما والحامل قد ضعفت فلا يكون الولاد سليما من الخطر لأنه يحتاج في سهولة * الولاد (345) إلى قوة الحامل والمحمول فمتى كانا * ضعيفين (346) فبالحرى أن يكون * الولاد (347) عسرا ذا خطر.
56
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد سيلان الطمث تشنج وغشي فذلك رديء.
[commentary]
التفسير: سيلان * دم (348) الطمث إذا أفرط * أو طال (349) PageVW5P061B سمي نزفا، والعصب لبرده يتسارع إليه البرد الحادث من درور الدم. فإن غلظ برد المزاج، حدث التمدد وهو رديء. * وإن (350) يبس حدث التشنج وهو مهلك. وأما الغشي فهو ضعف القوة الحيوانية إذا لم يكن شديدا وسقوطها إذا قوي ويتبع على العموم كل استفراغ * مفرط (351) .
57
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي عرضت من ذلك أمراض، وإذا لم ينحدر * الطمث (352) PageVW0P150A * حدث (353) من ذلك أمراض من قبل الرحم.
[commentary]
التفسير: كما أن الامتلاء على العموم يحدث أمراضا من كثرة الأخلاط، كذلك الاستفراغ يحدث أمراضا من قلة الأخلاط. وذلك أنه يلزم البدن عند قلة الأخلاط برد أو يبس أو كلاهما. فأما على الخصوص فإن الطمث ينزل أكثر مما ينبغي إما بسبب أن أفواه عروق الرحم تزداد انفتاحا، أو من قبل أن الدم يرق أو يسخن، أو من قبل سوء مزاج البدن كله حتى أن الدم يثقل عليه. وإن لم يكن مجاوز الحد الطبيعي فيدفعه إلى العروق التي في الرحم وارتفاع الطمث أكثر مما ينبغي إما من قبل انضمام أو * سده (354) أو لغلظ الدم أو * لبرده (355) أو لقوة العروق التي في الرحم حتى لا تقبل ما يجري إليها. وأي هذه الأسباب وجد فإنه يحدث على طول الأيام آفة * بالرحم (356) * إما (357) ورما حارا أو * صلبا (358) أو * سرطانيا (359) . ولا بد إذا حدث ذلك أن يشارك البدن كله الرحم * في تلك الآفة (360) . وهذا هو معنى قوله PageVW0P150B * «حدث (361) من ذلك أمراض من قبل الرحم». فأما في الاستفراغ المفرط فليس يحدث في الرحم مرض يشاركه فيه البدن.
58
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض في طرف الدبر أو * في (362) الرحم ورم تبعi تقطير البول، وكذلك إذا * تقيحت (363) الكلى * تبع ذلك (364) تقطير البول، وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق.
[commentary]
التفسير: إنما يعرض تقطير البول لورم الرحم أو طرف الدبر لأن المثانة تعتل بطريق المجاورة. * وذلك (365) أنه * تنالها الآفة (366) من المزاج الرديء الذي للورم وينالها ضغطه ومزاحمته إياها هذا إذا كان الورم غير عظيم. فأما إذا كان عظيما تبع ذلك احتباس البول والمدة المتولدة في الكلى تلذع المثانة بحدتها وتهييجها للدفع فيحدث تقطير، وإنما يتبع ورم الكبد الفواق إذا كان عظيما، وذلك بسبب اشتراكهما في العصب. فإن العصب الذي يأتي الكبد ينشأ من العصب الذي ينشعب في المعدة، ولأن الكبد محتوية على المعدة بزوائدها احتواء اليد على الشيء الممسك بأطراف الأصابع. ولذلك قد ينتهي الورم إلى فم المعدة PageVW0P151A فيضغطها ويضيق بذلك النفس ويهيج الفواق. وربما PageVW5P062A إذا كان الورم في الجانب المقعر من الكبد * أن تتجلب (367) منه إليها فضلة مرية تلذعها فيهيج الفواق.
59
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة لا تحبل فأردت أن تعلم هل تحبل أم لا فغطها بثياب ثم بخر تحتها، فإن رأيت أن رائحة البخور تنفذ في بدنها حتى تصل إلى منخريها * وفمها (368) فاعلم أنه ليس سبب تعذر * الحمل (369) من قبلها.
[commentary]
التفسير: إنما يبخر الرحم في قمع بالأشياء التي هي حارة في مزاجها لطيفة في جوهرها طيبة في رائحتها كالكندر والمر والميعة وما أشبهها. ثم * تحكم (370) تغطية المرأة بالثياب كيما ينحصر دخان البخور * كله داخلا ولا يخرج شيء منها إلى خارج. فإن تراقت كيفية البخور (371) في بدنها كله حتى تصل إلى منخريها وأحست بها إحساسا بينا فليس تعذر الحمل من قبلها لأنه ليس جرم الرحم من المرأة التي هذه حالها مفرط البرد * أو الحر أو الرطوبة أو اليبس (372) . فإن أسباب العقر من جهة الرحم إنما تنحصر في أحد سوء المزاج إذا كان مفرطا لأن الرحم إذا كانت PageVW0P151B باردة كانت متكاثفة فلا تقوى رائحة البخور على النفوذ في البدن إلى المنخرين، وكذلك إن كانت يابسة فإن الاكتناز والتلزز والكثافة يتبع كل واحد من البرد واليبس لأن البرد يجمع أجزاء العضو واليبس يلززها ويصلبها. وربما كان في عروق الرحم المتكاثفة سدد يمنع رائحة البخور * من (373) النفوذ فيها. وإن كانت رطبة فإنها تغمر برطوبتها دخان البخور وتطفئها. وربما كانت الرطوبة رديئة حتى تفسد رائحة البخور. وإن كانت حارة فإنها تغير رائحة البخور وتفسدها فإن الحرارة المفرطة مغيرة لكل شيء فلا ترتفع رائحة البخور إلى المنخرين وهي باقية بحالها لم تتغير أصلا، فنفوذ رائحة البخور إلى الفم والمنخرين يدل على اعتدال مزاج الرحم وأنه ليس هناك * سدد (374) ولا أخلاط رديئة تمنع أو تفسد رائحة البخور.
60
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة الحامل يجري طمثها في أوقاته فليس يمكن أن يكون طفلها صحيحا.
[commentary]
التفسير: قوله «يجري طمثها PageVW0P152A في أوقاته» يدل على أنه لا ينقص عن مقداره في العادة ولا أدواره عن المعهود إلا قليلا. وهذا يعرض إما لأن الطفل غير صحيح فلا يقوى على جذب غذائه وإما لأن بعض عروق الرحم قد انهتك لأن السيلان على المعهود من مقداره وأوقاته ليس يمكن إلا الانهتاك. وهذا هو الأولى، وليس يمكن أن يبقى الطفل صحيحا مع إحدى هاتين الحالتين. وقد يتفق أن تكون الحامل غريزة الدم حتى تفضل عن غذاء الجنين PageVW5P062B ما يستفرغ بالطمث في أوقاته. * وقد (375) يتفق أن يجري الدم من العروق التي في رقبة الرحم لأن المشيمة إنما تتعلق بأفواه العروق التي في الرحم دون رقبتها.
61
[aphorism]
قال أبقراط: إذا لم يجر طمث المرأة في أوقاته ولم تحدث بها قشعريرة ولا حمى لكن عرض لها كرب * وغثي (376) وخبث نفس فاعلم أنها قد علقت.
[commentary]
التفسير: إذا كان طمث المرأة يجري في أوقاته ثم احتقن بغتة وعرض لها الغثيان والكرب وخبث النفس فإن ذلك PageVW0P152B لأحد المرين إما للعلوق إذا لم تتبع الأعراض المذكورة قشعريرة وحمى وإما لخلط رديء في البدن كله إذا وجدت القشعريرة والحمى. وإنما يصيب الحامل في الشهر الثاني والثالث ما ذكر من الأعراض من قبل فضول تجتمع في معدتها بسبب احتباس الطمث ثم يزول بعد ذلك لأن الجنين إذا عظم قوي على جذب ما لم يكن يقوى عليه قبل ذلك * لحاجته (377) إليه.
62
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان رحم المرأة باردا متكاثفا لم تحبل ومتى كان أيضا رطبا جدا لم تحبل، لأن رطوبتها تغمر المني وتخمده وتطفئه. ومتى * كان (378) أيضا أجف مما ينبغي أو * كان حارا محرقا (379) لم تحبل لأن المني يعدم الغذاء فيفسد. ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالين كانت المرأة كثيرة الولد.
[commentary]
التفسير: الرحم وإن لم يكن مولده للجنين لكنها مكان يتولد فيه فإن لها مزاجا خاصا * مهما (380) لم يوجد لم يصلح لأن يتكون الجنين فيها. * ولهذا (381) ليس يمكن أن يتولد الولد PageVW0P153A في عضو ما آخر. وإن كان لكل واحد من الأعضاء موانع أخر غير * المزاج (382) فإن الرحم إذا * كانت فاسدة (383) المزاج فإنها تفسد ما يرد عليها من * البزر (384) على ما وصفه جالينوس. وإذا كان الأمر كذلك لم * يستنكر (385) أن تكون أسباب العقر من جهة الرحم هي سوء أمزجتها، * ولهذا صارت الرحم إذا كانت معتدلة المزاج كانت المرأة كثيرة الولد. ومتى كانت سيئة المزاج ثم كان سوء مزاجها (386) يسيرا فإنها مهما صادفت من زرع الرجل * مضادة بمقدار (387) ذلك المزاج ثم يمتنع الحبل. وأما إذا كان سوء مزاجها مفرطا $فإن المرأة تكون عاقرا. فإن كان ذلم السوء المزاج بردا * مفرطا (388) عرض للرحم أن تكون متكاثفة ويتبع ذلك * أن تكون (389) أفواه العروق التي تتعلق بها المشيمة ضيقة جدا فلا يمكن في المشيمة أن تتعلق بها. ولو تعلقت بها لم يمكن أن يغتذي الجنين على ما ينبغي لأن الطمث إما أن لا يجري بتة من الرحم التي هذه حالها أو يكون ما يجري منها نزرا لا يكفي الجنين ويكون مع نزارته رديئا لأنه لا يمكن أن يجري منها الدم إلا ما كان أرق وأقرب إلى المائية. وإذا كانت PageVW5P063A العروق بهذه الصفة PageVW0P153B فإن السدد تتسارع إليها لضيقها والدم الذي يجتمع في المرأة التي هذه حال عروق رحمها يكون في الأكثر بلغميا لأن حال بدنها في أكثر الأمر * توجد شبيهة (390) بحال رحمها. وبالحرى أن يبرد مني الرجل في الرحم التي هذه حالها فلا ينجب. ومتى * كانت (391) الرحم رطبة مفرطة الرطوبة فإنها تغمر المني وتخمد ما فيه من الحار الغريزي وتبطل القوة البتوليدية فيه كما يعرض للبذور في الأرض النزة فيكون سببا للعقر. ومتى كانت مفرطة اليبس عرض للمني الواقع * فيها (392) ما يعرض للبذور إذا وقعت في الأرض الحزز التي لا * تزكو (393) * فيها (394) لأنه لا يجد * فيها (395) مادة للغذاء. ومتى كانت مفرطة الحرارة عرض للمني أن يحترق فيها احتراق البذور في * الأراضي (396) المفرطة الحرارة. ولهذا صار لا يزرع البذور في وقت طلوع الشعرى العبور. وقوله «ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالين» يعني بين الإفراطين * اللذين (397) هما * التضاد بين (398) الحرارة والبرودة * والتضاد بين (399) الرطوبة واليبوسة. وقد يمكن أن يفهم PageVW0P154A الحال في عقم الرجال متى * وقف (400) على السبب في غقر النساء. وذلك أن المني إذا كان أبرد مزاجا جدا كان عادما للنضج المستتقصي فلا يكون منجبا، وكذلك متى كان مفرط الرطوبة. وإذا كان مفرط الحرارة كان بمنزلة الشيء المحترق. ومتى كان مفرط اليبس لم يمكن فيه أن يتمدد * من (401) أول وقوعه في الرحم. ومتى كان سوء * الأمزجة للمني (402) يسيرا ثم صادف رحما * مضادة (403) له في * رتبته (404) أمكن أن يعتدل. فأما إذا كان مفرطا كان غير منجب لا محالة. وهذا هو سبب الغقم من الرجال. وافهم أن المني إذا كان ذا مزاج * سيئي (405) على الإفراط كانت القوة المولدة * التصويرية (406) مائلة إلى جانب القوة ولا يكون وجودها بالفعل على الكمال فلذلك لا يكون منجبا. وزعم الرازي أنه يجب أن يكون للعقم والعقر أسباب أخر غير هذا فإنا نجد المعتدل المزاج عقيما وعاقرا وغير المعتدل ولودا، وهو إنما اعتبر اعتدال المزاج ولا اعتداله من الأحوال التي تتبين PageVW0P154B في ظاهر البدن وهو كذلك في أكثر الأمر، إلا أنه متى لم يكن جملة الأعضاء متناسبة في أمزجتها لم يستنكر أن يكون ما * يتبين (407) في الظاهر من العلامات دالة على اعتدال المزاج أولا اعتداله، وتكون بعض الأعضاء الباطنة تخالف * ذلك (408) على أن الرحم ليس بذلك العضة الرئيس الذي يتبع مزاجه مزاج جميع الأعضاء الأخر. وبالجملة فإن من علم أن في زرع الذكور قوة توليدية مصورة وفي زرع الأناث قوة متولدة متصورة وأن تلك القوة في كل PageVW5P063B واحد منهما توجد تابعة لمزاج مؤلف من الحار والبارد والراطب واليابس لم يتعذر عليه أن يفهم أن ذلك المزاج * إذا كان (409) منحرفا عن الاعتدال انحرافا كثيرا لم يكن وجود القوة بالفعل على الكمال أو لا تكون متصرفة تصرفاتها الخاصة بها على ما ينبغي. وافهم أن أبلغ أسباب العقم والعقر برد المزاج فإن البرد غير مناسب للأفعال. وذلك أن الحار الغريزي هو الذي يجري من القوة مجرى PageVW0P155A الآلة لها. ولهذا صارت البغلة لا تلد إلا في الندرة. وذلك أنها باردة المزاج بالطبع، * وبما (410) اقتنت ذلك من الحمار. ولهذا صارت لا تعيش في * البلدان (411) الواغلة في الشنال * كثيرا لبرد (412) مزاجها. فأما * الجنوب (413) فقد تعيش فيها لأن أمزجتها أحر. وأيضا فإن البرد يقلل الدم الزرعي فلا يربي الولد ما دام جنينا. وهذا سبب آخر في أن البغلة صارت عاقرا.
63
[aphorism]
قال ابقراط: * اللبن (414) لأصحاب الصداع * رديء (415) وهو ايضا للمحمومين رديء ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة وفيها * قراقر (416) ولمن به عطش ولمن الغالب على برازه المرار ولمن هو في حمى حادة ولمن اختلف دما كثيرا، وينفع أصحاب السل اذا لم تكن بهم حمى شديدة جدا ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة إذا لم يكن معها شيء مما تقدمنا بوصفه وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة.
[commentary]
التفيسر: اللبن سريع الاستحالة في نفسه، ولذلك صار ما يطبخ PageVW0P155B منه بعد حلبه فضل طبخ استحال إلى الدخانية، وما ترك لا يطبخ يستحيل إلى الحموضة إما أسرع أو أبطأ. وهكذا حاله في البدن فإنه إذا صادف فيه فضل حرارة استحال إلى الدخانية * فأضر (417) * بمن (418) به عطش وبمن * غالب (419) على برازه المرار وبمن به حمى حادة لأنه لاستحالته إلى المرار في هذه الأبدان يزيد في هذه أجمع وإنما يضر * بمن (420) اختلف دما كثيرا * إما (421) لأن الجزء المائي * منه (422) يولد الاختلاف فيزيدهم ضعفا لأن من اختلف دما كثيرا فهو ضعيف القوة وإما لأنه * إذا (423) استحال إلى المرار * زاد (424) في اختلاف الدم لأن المرار يسحج الأمعاء. وإذا كان اللبن يستمرئ في الأصحاء الذين لا يذم من صحتهم شيء على ما ينبغي * قل ما (425) يخلو في حال استمرائه من تصديع ومن توليد * نفخ (426) في الجنين فكم بالحرى أن يكون أشد إضرارا بمن به صداع أو * المواضع (427) التي دون الشراسيف منه مشرفه سوى كان الإشراف من نفخة أو ورم حار من حبس الحمرة PageVW0P156A أو من ورم صلب أو رخو أو دبيلة لم تنفجر بعد، فإنه مهما PageVW5P064A وجدت نفخة في * هذا الموضع (428) أضر * بهذه (429) كلها لأنه يزيدها تمددا إلا أن كثرة إضراره بالنفخ أولى، ولذلك خصص كلامه به * بقوله (430) «وفيها قراقر». ويشبه أن يكون تصديعه * الأصحاء (431) وتوليده * النفخ (432) فيهم في الأكثر أنه مختلف الأجزاء وأن الأجزاء الجنبية * لعسر (433) هضمها * تولد (434) النفخ والزبدية لسرعة استحالتها تولد الصداع ولا يبعد فيما يستحيل من الجزء الجبني إلى الرياح في الأصحاء أن يصعد * بعض (435) تلك الرياح إلى الرأس فيكون سببا للصداع فيهم. وأما انتفاع أصحاب قرحة الرئة باللبن إذا لم يكن * شيء (436) مما * ذكر (437) من العلل فلأن الجزء المائي منه منق للقرحة جال لها لما فيه من الحرافة اليسيرة والجزء الجبني منه مغر فهو لذلك يحول بين القرحة وبين الخلط الرديء فلا يلقاها الخلط عاريا ويسكن اللذع فيها * فتكون (438) * تعريته (439) سببا للإدمال بوجه ما. ومع هذا فإن هؤلاء * محتاجون (440) PageVW0P156B إلى ما يغذوهم ويطري أبدانهم واللبن يفعل ذلك لأنه يولد غذاء محمودا كثيرا سريع النفوذ إلا أن تكون حماهم حادة جدا فإنه يستحيل فيمن هذه حاله إلى المرار ويزيد في الحمى واستقرار البدن عند ذلك بالحمى الحادة لإذابتها له أكثر مما ينتفع تغذية اللبن إياه. ويشبه أن تكون زيادته في الحمى قوله جدا أما تأكيدا لما قلنا أو لأن أصحاب قرحة الرئة إذا كانت حماهم * حمى (441) حادة جدا يكونون ضعافا فلا تقوى قواهم على هضم اللبن، ولأجل كثرة تغذية اللبن * وسرعته (442) صار ينفع من يذوب بدنه من أصحاب الحمى الضعيفة أكثر مما توجبه حماه.
64
[aphorism]
قال أبقراط: من حدثت به قرحة * فأصابه (443) بسببها انتفاخ فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون، فإن غاب ذلك الانتفاخ دفعة ثم كانت القرحة من خلف عرض له تشنج أو تمدد، وإن كانت القرحة من قدام عرض له جنون أو وجع حاد في الجنب أو تقيح * أو اختلاف (444) دم إن كان ذلك الانتفاخ أحمر.
[commentary]
PageVW0P157A التفسير: من حدث به بسبب قرحة في الظهر أو فيما هو محاذ * للظهر (445) من مقدم البدن ورم وهو الذي عناه بالانتفاخ فليس يعرض له تشنج ولا جنون * لأن (446) حدوث الورم يدل على اندفاع المادة إلى خارج. ومتى غاب هذا الورم بغتة ثم كانت القرحة من خلف، عرض لصاحبها التشنج والتمدد لأن هذين هما من علل العصب والعصب غالب على الآلات التي في الظهر. * وإذا (447) كانت القرحة من قدام والغالب على هذه الأعضاء العروق فإن المادة تصير PageVW5P064B إلى بعض الأعضاء الشريفة. وإن صارت إلى الدماغ أحدثت الجنون. وإن صارت إلى الصدر أحدثت وجع الجنب. وربما تصير إلى * التقيح (448) إذا لم تتحلل. وإن كانت المادة دموية ويدل عليها حمرة الانتفاخ وصارت إلى الأمعاء، أحدثت اختلاف الدم من غير قرحة فيها. وأما هل * تحدث (449) هذه الآفات إذا كانت القرحة في اليدين PageVW0P157B والرجلين فالأولى أن يتوهم أنه ليس بالمستنكر أن يعرض التشنج والتمدد إذا كان الورم حادثا في موضع وتر عظيم، فإن الأعضاء الآتية إلى اليدين والرجلين يأتيها من النخاع عن قرب وعلى محاذاه منه وأن تنتقل المادة إلى بعض الأعضاء الشريفة إذا صارت إلى العروق، إلا أنه لا يعتبر * فيها (450) الخلاف بين القدام والخلف لأن * اللحم غالب (451) على اليدين والرجلين أجمع. وجالينوس يميل إلى * أن (452) القروح الحادثة في * مقدم (453) الرجلين أشد جلبا للتشنج بسبب الوتر العظيم الذي ينتهي إلى الركبة، فإنه أجلب للتشنج من الأوتار الموضوعة من وراء الفخذ. وذكر جالينوس أن قول أبقراط «فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون» يدل على أنه يمكن أن يعرض للبعض في الندرة مع الورم تشنج أو جنون، وذلك إذا كان الورم عظيما. وأنت فافهم * أن الورم إذا كان (454) مع عظمه حادثا في أحد طرفي PageVW0P158A العضلة فليس ببعيد أن يحدث التشنج. وإذا كانت المادة رديئة ذات * خبث (455) وبالقرب من عرق عظيم حتى يرتقي لها بخار رديء في ذلك العرق إلى الدماغ فليس ببعيد أن يحدث رداءة في الفكر وهو الجنون.
65
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدثت خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم فالبلية عظيمة.
[commentary]
التفسير: الخراجة الخبيثة هي الحادثة في رؤوس العضل وهي الأطراف العصبية منها أو في منتهاها وهو الطرف الوتري منها سيما إذا كان العضل يغلب عليه العصب. * والخراجة (456) العظيمة إذا كانت في هذه المواضع فواجب أن تنصب إليها لأجل الوجع الحادث مادة تصير ورما عظيما. فمتى لم تحدث دل على انتقال المادة * إما (457) إلى عضو آخر ولا يؤمن أن يكون ذلك العضو من الأعضاء الشريفة فيحدث الهلاك، ولذلك ليس يبغي أن ترد المادة عن أمثال هذه المواضع بالتدبير، لكن إذا كان PageVW0P158B العضو عصبيا فينبغي أن يعالج بالمسخنة المجففة كما فهمت في موضعه من غير هذا الكتاب؛ وأما على أنه ليس في البدن فضل دم وروح؛ * وإما (458) لأن * الخراجة (459) نزفت في الوقت أو قد سبقها قبل ذلك بسبب * ما نزف (460) PageVW5P065A دم كثير وتكون الطبيعة في مثل هذا الوقت خائرة عن الدفع ممسكة عن تدبيرها لا محالة.
66
[aphorism]
قال أبقراط: * الرخوة (461) محمودة * والنية (462) مذمومة.
[commentary]
التفسير: عنى بالرخوة الأورام التي نضجت، ولذلك أطلق في مقابلتها * النية (463) ، ونضج الأورام محمود لا محالة. والنية وهي الصلبة المدافعة لليد مذمومة لعدمها النضج.
67
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه وجع في مؤخر رأسه فقطع له العرق المنتصب الذي في الجبهة انتفع بقطعه.
[commentary]
التفسير: المادة التي تنصب إلى مؤخر الرأس تجذب إلى مقدمه بفصد عرق الجبهة كما أنها متى كانت في مقدم الرأس تجذب إلى خلف بالحجامة حيث نقره القفاء، ولذلك صار ما ينصب إلى العينين من المواد PageVW0P159A من زمان طويل يجذب باستفراغ الدم من نقره القفاء وما فوقها باستعمال المحجة على تلك المواضع. والعلة في ذلك أن الجذب يكون إلى الجهة المضادة فالقدام يضاد الخلف في العمق كما يضاد اليمين اليسار في العرض والفوق والأسفل في الطول.
68
[aphorism]
قال أبقراط: إن النافض أكثر ما يبتدئ في النساء من أسفل الصلب ثم يتراقى في الظهر إلى الرأس * وهي (464) أيضا في الرجال تبتدئ من خلف أكثر مما تبتدئ من قدام مثل * ما تبتدئ من (465) الساعدين والفخذين، والجلد أيضا في مقدم البدن متخلخل ويدل على ذلك الشعر.
[commentary]
التفسير: النافض ارتعاد مع برد محسوس، * ولذلك (466) يبتدئ * في الأعضاء (467) التي هي أبرد كالظهر * فالموضع (468) النخاع أبرد من مقدم البدن. وذلك أن النخاع عضو بارد عديم الدم فلذلك يتسارع إليه البرد ثم هو للين جوهره أسرع انفعالا بالبرد. وأيضا فإن الظهر أقل لحما من مقدم البدن PageVW0P159B فلذلك هو أسرع قبولا للبرد. وإنما يبتدئ في النساء من أسفل الظهر لموضع الرحم فإنه عضو عصبي الجوهر مربوط بالصلب * رباطات (469) * تتراقى (470) * بتوسط (471) النخاع إلى مبدأ الأعصاب الذي هو الدماغ. وقد استشهد أبقراط على أن مقدم البدن أسخن بكثرة الشعر فيه لتخلخله. وذلك أن الشعر في الظهر قليل دقيق وفي الصدر والبطن كثير غليظ وحال اليدين والرجلين هذه الحال بعينها، فإن الذي يلي الظهر من الفخذين أقل شعرا من الذي يلي منهما مقدم البدن. وكذلك حال العضدين فإني أحسب أنه عناهما بالذراعين لتكون نسبتهما إلى اليدين * نسبة الفخذين (472) إلى الرجلين وعلى أن اليدين إذا * رخيتا (473) بالطبع إلى أسفل والإنسان قائم ولم * يتكلف (474) أن يكون لهما شكل ما كان * ما (475) يلي الظهر من الذراعين أقل شعرا مما يلي مقدم PageVW5P065B البدن وإذا ألصق كفان بالأرض ليكونا بمنزلة بطن القدمين، كان ما يلي مقدم البدن من الذراعين أكثر شعرا وما يلي منهما الظهر PageVW0P160A أقل. وأيضا فإن أكثر أعمال اليد إنما يتم والزند مكبوبة على وجهها وعند ذلك * ما (476) يلي مقدم * البدن (477) من الذراعين أكثر شعرا وما يلي * الظهر (478) أقل.
69
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته الربع فليس يكاد يعتريه التشنج، وإن * كان (479) اعتراه التشنج قبل الربع ثم * حدثت (480) الربع سكن التشنج.
[commentary]
التفسير: عنى به التشنج الامتلائي، ويحدث من أخلاط لزجة بلغمية * ترسخ (481) في الأعضاء العصبية، وإنما يزول بالنضج والنفض وحرارة * حمى الربع (482) تنصحبه. والنافض الشديد الذي يخص هذه الحمى ينفضه ويعين على الأمرين طول مدة هذه الحمى.
70
[aphorism]
قال أبقراط: من كان جلده متمددا قحلا صلبا فهو يموت من غير عرق، ومن كان جلده رخوا متخلخلا * فإنه (483) يموت مع عرق.
[commentary]
التفسير: العرق * يستفرغ (484) فيمن يموت للتشنج الجفافي العارض للأعضاء في ذلك الوقت مع تعطل القوة الممسكة * دفعة (485) فيخرج ما تحت الجلد من الرطوبة * متى (486) كانت. * فالجلد (487) المتمدد القحل وهو اليابس الصلب PageVW0P160B يدل على أنه ليس في البدن رطوبة أو ليست الرطوبة تحت الجلد، وبالحرى أن يموت من هذه حاله بغير عرق. وأما المتخلخل الرخو ففيه أو تحت الجلد منه رطوبة * تنعصر (488) في وقت التشنج الجفافي فلذلك يموت بعرق. ولهذا بعينه صار يندفق المني فيمن تفارقه الروح.
71
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به يرقان فليس يكاد تتولد فيه الرياح.
[commentary]
التفسير: الرياح تتولد من رطوبة تستحيل بحرارة فاترة إلى جوهر البخار والأحشاء * في (489) صاحب اليرقان بالضد * ممن (490) هذه حاله في الأعم الأغلب، ولذلك قال لا * يكاد (491) .
المقالة السادسة
1
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث الجشاء الحامض في العلة التي يقال لها زلق الأمعاء بعد تطاولها ولم يكن دم كان قبل ذلك فهي علامة محمودة.
[commentary]
التقسير: "زلق الأمعاء هو أن يختلف الطعام والشراب على الهيئة التي عليها ورد المعدة من غير أن يتغير منه لون أو رائحة أو قوام. وسببه ما قد علمت من * تشنج (1) سطح المعدة وأعلى الأمعاء أو من ملاستهمنا أو من ضعف القوة الماسكة. ومن البين أن الطعام إذا لم * يلبث (2) في المعدة ريث أن تغير منه شيء ولا أيضا * تغير (3) إلى الحموضة ولذلك إذا وجد يتغير إليها بعد أن لم يكن دل على أنه يلبث في المعدة المدة التي * تستحيل (4) ويتغير فيها طعمه وذلك مما يحمد لأنه يدل على صلاح حال المعدة. وأفهم أن هذا النوع من الجشاء لا يحدث في الصنف الشنجي لأن المعدة * تكون (5) حارة إذا كان التقرح يعرض لأخلاط حادة لذاعة تجرد سطح المعدة. فإذا مر * بها (6) الطعام * لذعها (7) فدفعته ولم * تمسكه (8) ولذلك لا يمكن أن يكون معه الجشاء الحامض. فأما الحادث من ملاسة المعدة والحادث من ضعف قوتها الماسكة لرطوبة مزاجها فقد يكون معها بلغم حامض ويحدث معهما الجشاء الحامض من أول الأمر وليس ذلك مما يحمد أصلا. فأما إذا لم يكن بلغم حامض ولم يكن الجشاء ثم حدث جشاء حامض بعد تطاول المرض دل على أن القوة قد تراجعت. وإن الطعام * يلبث (9) في المعدة ريث إن يحمض فلذلك صار الجشاء الحامض محمودا في هذا الوقت."
2
[aphorism]
قال بقراط: من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد وكان منيه أرق فإن صحته أقرب إلى السقم. ومن كان الأمر فيه على * خلاف (10) ذلك فإنه أصح بدنا.
[commentary]
التفسير: "رطوبة المنخرين بالطبع تدل على رطوبة مزاج الدماغ من الأصل ورقة المني تدل على مائية الدم الذي يتولد منه. والدم الذي يتولد * منه (11) المني يصير إلى أوعيته في العرقين الناشئين من الوتين الطالع من الكبد والشريانين الناشئين من الأبهر الطالع من القلب. فكونه مائيا * إذن (12) يدل على رطوبة مزاج القلب والكبد وبالحري أن تغلب الرطوبة على مزاج هذه الأعضاء التي هي الأصول منه رطوبة. والأعضاء إذا كانت أرطب كانت أرخى وألين وأسخف وأسهل انفعالا من الأسباب الموثرة التي تنبعث فيه من داخل. والتي ترد عليه من خارج إذا كانت الرطوبة أسهل الكيفيتين المنفعلتين فتكون صحة من هذه حاله صحة ليست بتلك الوثيقة. وأما البدن الذي هو أميل إلى اليبس قليلا فهو أقوى وأصلب وأعسر انفعالا من الأسباب الموثرة فيه، فصحته لذلك أحكم وأوثق. وعلى أن رطوبات البدن وحدها إذا كانت رقيقة من دون أن * يعتبر (13) حال الأعضاء فإنها تكون أقل نضجا وأميل إلى النهوة فهي لذلك أسرع قبولا للتأثيرات. وإذا كانت أغلظ كانت أنضج وأبعد قبولا للآفات. ومواد البدن إذا كانت بالصفة الأولى فإن صحة البدن لا تكون صحة وثيقة وإذا كانت بالصفة الثانية كانت الصحة أحكم وأوثق. ومتى لم يفهم معنى هذا الفصل على الوجه الذي شرحناه بل فهم على أن صاحب المزاج الرطب لا يزال يعرض له النزل فتضر * بحلقه (14) وحنجرته وقصبة الرئة والرئة والمريء والمعدة فيعرض ذرب وسوء هضم وسعال كان للمعترض أن يعارض بما يوجد صاحب المزاج اليابس معترضا للذبول والحمى اليابسة والتشنج اليابس والوسواس * السوداوي (15) والسرطان ونحوها كما فعله الرازي ويشبه أن يكون هذا الفصل مضاهيا للفصل الذي قال فيه قلة المطر أصح من كثرة المطر وأقل موتا."
3
[aphorism]
قال بقراط: "الإمتناع من الطعام في إختلاف الدم المزمن دليل رديء وهو مع الحمى أردى."
[commentary]
التفسير: "الامتناع من الطعام مع إختلاف الدم قد يكون من جهة الأمعاء وقد يكون من جهة الكبد. أما من جهة الأمعاء فإن السحج إذا صار إلى اختلاف الدم قد يكون من جهة الأمعاء لأن القرحة تتعمق في جرم الأمعاء. فإن الافة يتأدي إلى المعدة إذا تطاول الأمر ويعرض للمعدة ان ينالها بالمشاركة سوء * الإستمرار (16) أولا ثم الامتناع من الطعام وهو ذهاب الشهوة ثانيا وذلك إذا * توافت (17) الأفة إلى فم المعدة وربما يعرض ذهاب الشهوة في أوائل السحج وذلك إذا صار جزء من المرار المسحج للأمعاء إلى فم المعدة وليس يدل على كثير ردأة. وأما إذا عرض بعد تطاول إختلاف الدم دل على موت القوة الشهوة التي في المعدة. وإذا انضاف إلى هذا العارض حمى دل على الاشراف على الهلاك لأن الحمى لا تعرض إلا إذا * حدثت (18) مع القرحة عفونة قوية أو ورم * عظيم (19) . وأما من جهة الكبد فإذا كانت بها أفة عظيمة وذلك * لسوء (20) مزاج رديء حار يذيب جوهرها ويجعله صديدا ذايبا ولايزال يصير الدم والصديد إلى المعدة والأمعاء ويعرض بعد ذلك أن تبطل الشهوة لما قد عرفت لأن من شأن البدن ما دام صحيحا أن * ينحد (21) الكيلوس من المعدة والأمعاء إلى الكبد. فإذا انقلب الأمر بطل الأغتذاء وبطلت قوى المعدة. وأحسب أن بقراط عنى بقوله الامتناع من الطعام في اختلاف * الدم (22) المزمن رديء النوع الأول وبقوله وهو مع الحمى أردى هذا النوع الأخير. وإن كان قد يحتملهما معا وقل من يتخلص من هذا النوع من الإسهال."
4
[aphorism]
قال بقراط: "ما كان من القروح ينتثر ويتساقط ما حوله فهو خبيث."
[commentary]
التفسير: القرحة الخبيثة هي التي لا تجيب إلى الإندمال لردأة الدم الذي يأتيها. فإذا كان ينتثر ما حولها من الشعر فبالجري أن يكون الدم الذي يأتيها مريا حادا و يستدل عليه بأن لون تلك المواضع يضرب إلى الصفرة وتكون حاميا وفيها لذع ورشح ماء أصفر. فإن كان يتقشر مع ذلك ما حول القرحة من الجلد واللحم فليس يؤمن أن يصير الأمر إلى الآكلة وذلك إذا كان الخلط مع حدته ولذعه غليظا. وحينئذ تستفرغ المرة أولا ويجعل الغذاء ضدها. ثم تستعمل الأدوية القوية القبض والبرد ليبرد حرارة الموضع وتدفع ما يتخوف * فيه (23) من الآكلة. فأما إذا لم يتقشر الجلد واللحم فيكفي الاستفراغ وتبديل المزاج ثم الأخذ في إدمال القرحة. وإن كان مما حول القرحة مائلا إلى السواد والقحل والصلابة ولم يكن ملمسها شديد الحرارة فالدم سوداوي وربما يضرب إلى البياض إذا كان في الدم بلغم مالح. ويضاف إلى هذا الإستدلال من مزاج البدن وتدبيره المتقدم ثم يستفرغ على حسب ما * يتقرب (24) الأمر ويمال بالغذاء إلى الضد وربما يحتاج أن * يشرط (25) تلك المواضع أو يرسل * عليها (26) العلق. فإذا أفعل ذلك أخذ بعده في إدمال القرحة."
5
[aphorism]
قال أبقراط: "ينبغي أن يتفقد من الأوجاع العارضة في الاضلاع * والصدر (27) وغير ذلك من سائر الأعضاء عظم اختلافها."
[commentary]
التفسير: "فهم قوم من قول أبقراط عظم اختلافها مقدار الوجع كما فهم قوم أخرون المقدار الذي فيه الوجع من العضو. فإنه يمكن أن ينتفع بكل واحد * منهما (28) في * تعرف (29) العضو والألم. وفي تقدمة * المعرفة (30) بما * يؤول (31) إليه حال * العلة (32) وفي استخراج نوع التدبير. أما الوجه الأول فمثل أن الوجع في الإضلاع فالصدر إذا كان عظيما دل على كونه في الغشاء المستبطن للإضلاع. وإن العلة ذات خطر وإنه تحتاج من العلاج إلى ما هو أقوى كالفصد إن كان الوجع يتراقي إلى الترقوة والإسهال إن كان ينحدر إلى ما دون الشراسيف. وإن كان يسيرا دل على كونه في العضل الذي في الاضلاع, وليس تحتاج إلى العلاج القوي ولا كثير خطر فيه. وهكذا الحال في سائر مواضع البدن مثل أن الوجع * إذا (33) كان في الكبد أو في الكلي. ثم كان ثقيلا دل على كونه في الأجزاء اللحمية * منهما, (34) وإن كان حادا دل على كونه في الغشاء المحيط بهما * وفي (35) الأجزاء العروقية منهما وإن كان الوجع أعظم دل على أن الفاعل له المرار وإن كان أيسر على أن الفاعل * البلغم (36) ثم الوجع الحادث من كل واحد منهما مهما كان * له (37) أزيد دل على أن السبب الفاعل له أكثر و متى كان أيسر كان أقل كالحال أيضا في الريح الغليظة التي تمدد. فإنها متى كانت أكثر كان الوجع أقوى. وإذا كانت أقل كان * أيسر (38) وهذا الوجه هو الأول. وأما الوجه الثاني فأظهر من الأول مثل أن الوجع في أي عضو كان إذا كان يأخذ منه مقدارا أكثر فالسبب الفاعل له أكثر ويحتاج * إلى (39) العلاج إلى ما هو أقوى وأبلغ. وإذا كان يأخد منه مقدارا أقل فبالضد. وأما أنا * أحسب (40) أن أبقراط عنى بقوله "ينبغي أن يتفقد من الأوجاع العارضة" في سائر مواضع البدن عظم اختلافها ما يكون من الاوجاع من ضروب الاختلاف. فإن جميع ذلك مما ينتفع به في الوجوه التي * ذكرناها. (41) ولذلك يوجد في بعض النقول المجهولة هذا الفصل هكذا "أصناف الأوجاع إذا كانت في الجنبين أو في الصدر أو في غير ذلك من الجسد". فينبغي أن تعرف إختلافها فليبحث من كم سبب يختلف الوجع, فإنه قد يختلف بإختلاف نوع الخلط الفاعل له، فإن الحادث من المرة لذاع محرق غرزاني والحادث من الدم ضرباني ومن البلغم وجع ثقيل ومن السوداء وجع تكسيري وقد يختلف باختلاف كيفية الخلط الفاعل له فإن الوجع اللذاع يدل على مزاج حار. والذي معه تقرح يدل على خلط حريق * حاد (42) . والذي معه حكاك يدل على خلط مالح بورقي. والذي معه خدر يدل على بارد * مزاج (43) وقد يختلف باختلاف حركة الخلط وسكونه. فإن الوجع المرتكز كالمسلة المركوزة يدل على أن الخلط الفاعل له واقف. والذي يحس كأنه يثقب بالمثقب يدل على أنه متحرك دائر. وقد يختلف نوع الوجع باختلاف الأعضاء. فإن الوجع المخدري خاص * بالعصب (44) والناخس خاص بالاغشية. والذي يمتد كالوتر من الجانبين خاص بالعصب والعروق والشرايين. * والرخو (45) الذي هو أقل تمددا خاص باللحم، والضرباني خاص به إذا كان بالقرب من الشريان، والمنفخ خاص بالعضو العشائي كالمعاء، والتكسري خاص بالأوتار, والثقيل في العضو, الحساس خاص بالورم الصلب، وفي غير الحساس بالورام الاخر. * والضرسين (46) خاص بالأسنان. فجميع هذه الضروب مما يمكن أن يكتسب منها استدلالات على نوع * المرض." (47)
6
[aphorism]
قال أبقراط: "العلل التي تكون في المثانة والكلى تعسر برؤها في المشايخ."
[commentary]
التفسير: "إنما صارت العلل فيهما بكد ما تبرأ PageVW5P068 في مدة طويلة لأمرين: أحدهما أنهما لا تفتران من فعلهما دائما والعضو الآلم يحتاج في أن يبرأ أسرع إلى الهدؤ والسكون، والأخر أنه لا يزال يمر بهما فضل حاد يهيج ما فيهما من ورم أو قرحة أو وجع وبالجري أن يكون القرحة * أبلغ (48) في عسر البرؤ فيهما إذا القروح لا يمكن أن يلتحم مع الحركة ومع ما يمر بها من * الثقل (49) الحاد إذ كان يلذعها ويمنع اتصالها سيما في المثانة. فإن ثبات البول فيها يكون وهو في الكلي يجتاز اجتيازا وهذه في المشايخ أعسر برؤا لقلة الدم والروح فيهم ولضعف الطبيعة إذا صارت مائلة إلى البلى وليس هذه الألات فيهم إذا الأعضاء اليابسة أعسر التحاما كالعظام والشرائين."
7
[aphorism]
قال أبقراط ما كان من الأوجاع التي تعرض في البطن أعلى * موضعا (50) فهو أخف، وما كان منها ليس كذلك فهو أشد.
[commentary]
التفسير: لم يعن بالأعلى ما هو في طول البدن بل ما هو في العمق ولذلك يوجد بدل قوله أعلى في بعض النقول أنتأ وبدل قوله ما ليس كذلك ما كان أخفض والحد بين الأعلى والأسفل في العمق في هذا الموضع هو الصفاق المسمى * فاراطيين (51) ويشبه أن يكون عنى بالأوجاع هاهنا الخراجات. ومن البين أن الخراج إذا كان في الآلات التي في داخل PageVW0P168A الصفاق * وهي أعضاء الجوف (52) فهو أعسر برءا وما كان خارجا منه فهو أسهل وأسرع برءا.
8
[aphorism]
قال أبقراط: "ما يعرض من قروح أبدان أصحاب * الإستسقاء (53) ليس يسهل برؤه."
[commentary]
التفسير: "هذا لأن القرحة لا تندمل إلا وتجف جفوفا مستقصي ولا يتهيا ذلك في أبدان المستسقين لكثرة الرطوبة فيهم. ولهذا صارت القروح في الأبدان الرطبة المزاج أبطآ؟ CB1 173] اندمالا ولذلك يجب أن يطلي حوالي قروح أبدان المستسقين بالطين ونحوه مما يجفف تجفيفا بقوة. وبالجري أن يكون هذا فيمن كبده باردا أكثر لأن الرطوبة في الاستسقاء من حرارة الكبد تكون مالحة وفيها بعض التجفيف."
9
[aphorism]
قال بقراط: "البثور العراض لا يكاد يكون معها * حكة." (54)
[commentary]
التفسير: "هذا لأن الخلط الفاعل لها عار من الحدة والحرافة وذلك أن البثور وسائر ما يخرج من البدن إنما يكون نابتا إذا كان الخلط الفاعل له أحد وأسخن. ويكون لاطيا PageVW0P165 * عريضا (55) إذا كان الخلط الفاعل له أبرد وألين ولأن ذهاب المادة في العرض وتفرقها مما * يفرق (56) الاذي. فكذلك لا يكاد يكون مع البثور العراض حكة."
10
[aphorism]
قال أبقراط: "من كان به صداع ووجع شديد في رأسه وانحدر من منخريه أو من اذنيه قيح أو ما فان مرضه ينحل بذلك."
[commentary]
التفسير: "متى كان سبب الوجع في الرأس ورم دموي فإنه * إذا (57) انفتح فانحدر القيح أو كان رطوبة غير نضيجة مجتمعة في الرأس وانحدرت سكن ذلك الوجع. فأما متى كان الوجع من قبل ريح غليظة نافخة أو من قبل دم كثير أو من مرة لذاعة أو من مزاج رديء فإن برؤه يكون بأشياء أخر."
11
[aphorism]
قال أبقراط: "أصحاب الوسواس السوداوي وأصحاب السرسام إذا حدث فيهم البواسير كان ذلك دليلا محمودا فيهم."
[commentary]
التفسير: "ذكر جالينوس في تفسيره هذا الفصل أن استفراغ دم البواسير ينفع الماليخوليا والسرسام لأن الدم العكر يستفرغ به. وناقضه الرازي قائلا بأن "السرسام لا يكون من الدم الغليظ بل من الدم الرقيق ا لملتهب، وأكثر ذلك يكون من الصفراء، فكيف ينفع منه خروج دم البواسير؟" وقد قلنا في حلنا شكوكه أن الدم الملتهب الذي هو مادة السرسام يحرق سريعا حتى قد * يصير (58) الوجه والرأس من المرسمين * أسود (59) ، فينتفع صاحبه باستفراغ دم البواسير وأيضا فإن الطبيعة إذا فتحت أفواه العروق في البواسير ودفع الدم الفضلي إليها، مالت المواد بأجمعها إلى تلك الناحية فينفع صاحب السرسام بذلك. ووجدت في نقل مجهول بدل أصحاب السرسام وجع الكلية وجملة الفصل هكذا: "من كان به مرض من المرة السوداء ووجع في كلية فتبع انفجار دم البواسير فهو خير." فأن كان الناسخ لأول سهى ينقل السرسام من الدستور بدل وجع الكلية فإن من البين أن اوجاع الكليتين على الأكثر يكون من كيموس غليظ وخروج الدم من البواسير يستفرغ أمثال هذه الكيموسات."
12
[aphorism]
قال أبقراط: "من عولج من به بواسير من منة حتى برأ ثم لم * يترك (60) منها واحدة فلا بد * من (61) أن يحدث به استسقاء أو سل."
[commentary]
التفسير: "الذي يستفرغ بالبواسير هو عكر الدم وغليظه ومن البين أن المعتاد لذلك هو الذي يولد كبده دما أسودا غليظا فحبسه بمرة بعد الاعتياد الطويل يولد في مكان الدم وهو * الكبد (62) ورما جاسيا يمنع المائية من النفود إلى جانب الكلى فيحدث * الإستسقاء (63) استسقاء. وأيضا فإن الورم الجاسي يفسد مزاجها وفساد مزاج الكبد سبب مهئي للاستسقاء. وأيضا فإن احتباس تلك المادة تطفي الحار العزيزي فيها صنع الحطب الكثير باللهب ومع انطفاء الحار الغريزي يبرد الكبد ومع * بردها (64) يبطل تولد الدم الطبيعي فالكلي السببين يحدث الاستسقاء فإن لم يقبل الكبد تلك المادة بل قويت إلى أن يدقعها إلى عروق الرئه إذا كانت الرئه أرخى وأقبل للمواد * (65) انصدع فيها عرق فحدث السل. فلهذا يجب أن يترك من البواسير إذا عولجت واحدة ليستفرغ بها عكر الدم سيما لمن كان معتادا له فيؤمن بذلك أن يعرض الاستسقاء أو السل. وفي هذا الفصل تنبيه على أن البواسير متى تركت يسيل منها كلها الدم قل الدم * فيهزل (66) البدن وضعف الحار الغريزي فيخفف بالقوة بل يودي إلى التلف. ومتى قطع استفراغه عن آخره أدى إلى المرض المتلف. فلذلك يحتاج إلى أن * يترك (67) الواحدة منها ليؤمن كلى الضررين."
13
[aphorism]
قال بقراط: "إذا اعترى انسان فواق فحدث به عطاس سكن فواقه."
[commentary]
التفسير: "العطاس يبرأ الفواق العارضة من الامتلاء دون الاستفراء كما يعرض لصبيان إذا تملؤ من الطعام وكما يعرض عند برودة الهواء. فإن برد الهواء تمنع التحلل من الأجسام الضعيفة فيحدث فيها بسبب ذلك الامتلاء. ويحتاج في هذا النوع من الفواق إلى حركة مزعجة تزعج تلك الرطوبات لينقطع وتحلل أو يستفرغ والعطاس يفعل ذلك سيما إذا كان مع امساك المنخرين كما عرفته قبل."
14
[aphorism]
قال بقراط: "إذا كان بإنسان استسقاء فجرى الماء منه في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه."
[commentary]
التفسير: "الماء يصير إلى بطن المستسقين في مجري لا بالرشح على ما يظن وذلك أنه إذا كان الدم يصل إلى كبد الجنين من سرته في عروق غير ضارب فلا محالة أن بين السرة ومقعر الكبد مجري كما شهد بذلك جالينوس في علاج التشريح وذلك المجري أما أن يجف * وينكمش (68) فيصير كأنه خيط دقيق عندما يستغني عنه حسب ما ذكره في السادسة من منافع الأعضاء أو تتلا PageVW5P069 شيء ويفنى أصلا كما ذكره المشاؤن في كتب الحيوان. والمائية تصير إلى أن جوف المستسقي في الثقب النافذ من مقعر الكبد إلى ذلك المجري وذلك أنه متى أنسد الجانب المحدب من الكبد * لغلظ (69) أو ورم أو صلابة أو خلط لزج صار الدم الذي تولده مائيا إن كانت الكبد باردة أو صديديا إن كانت حارة. فإن الطبيعة تفتح ذلك المنفذ وتدفع المائية في جوف العرق الذي كان يصل الدم فيه من السرة إلى الكبد إلا أن المائية يحتبس عند السرة لانسدادها فيثقب المجري ويجتمع الماء فيما دون الصفاق عند جالينوس. وأن كان المجرى ذاهبا أصلا فإن الطبيعة إذا فتحت المنفذ صارت المائية فيما دون الثرب من البطن حتى أن الامعاء شنج فيما بين الماء على ما أدعاه حنين، ثم أن نهضت الطبيعة في وقت ما لإزالة الغلظ الحادث في تحديب الكبد ثم دفعت المائية من البطن في ذلك المنفد بعينه إلى حدبة الكبد ومنها في عنق الكلى وتربخي المثانة فإن هذه هي التي سماها أبقراط عروقا لأن قناتها كقناة العروق إلى البطن الكلى والمثانة كان بذلك انقضاء المرض ويكون تقدير قول أبقراط هكذا من كان به استسقاء فجري الماء منه في قناتي الكلى فبربخي البول إلى بطن كلاه أو بطن مثانته كان بذلك انقضاء مرضه فيمكن أن يفهم من العروق ههنا العروق التي في حدبة الكلب لأن المائية إذا جرت فيها فهي صائرة لا محالة الى بطن الكلى وفضاء المثانة. ويمكن أن يحمل معنى هذا الفصل على وجه أخر وهو أن المائية متى دفعتها الطبيعة من البطن في المنفذ الذي في مقعر الكبد إلى العروق المعروفة بالماساريقا ومنها إلى جوف الأمعاء كان بذلك انقضاء المرض ويكون تقدير كلامه بحسب هذا التفسير هكذا من كان به استسقاء فجرى الماء منه في عروقه التي هي الماساريقا إلى بطنه وهو الامعاء كان بذلك انقضاء مرضه وهذا كله محتمل فأفهم أن هذا كله يدل على أن بقراط ليس يرى أن حصول الماء في البطن ورجوعه منه على أي الوجهين أخذ من النفسير يكون بالتفشح بل في مجري بربخي البول."
15
[aphorism]
قال بقراط: "إذا كان بإنسان أختلاف قد طال فحدث به قىء من تلقاء نفسه انقطع بذلك مرضه."
[commentary]
التفسير: "هذا إنما يكون بطريق الجذب إلى الجهة المضادة من جهة الطبيعة والذي ينبغي للطبيب أن يتمثله ويقتدي به."
16
[aphorism]
قال بقراط: "من اعترته ذات الجنب أو ذات الرئه فحدث به اختلاف فذلك فيه دليل سوء."
[commentary]
التفسير: "الاختلاف في ذات الجنب وذات الرئه إذا لم يكن بسبب أخر من خطاء في التدبير فهو عارض بسبب مشاركة الكبد الآت النفس في الأفة وذلك إذا كانت العلة شديدة عظيمة. فإن الاشتراك في العلل إنما يوجد للأعضاء إذا كانت العلة عظيمة وكما يحدث السعال وضيق النفس في علل الكبد إذا كانت عظيمة كذلك يعرض للكبد وبسبب مشاركتها الات النفس في الافة إن يضعف عن جذب الغذاء وتوليد الدم فيحدث الاختلاف سيما إذا كانت المعدة قد نالتها أفة بالمشاركة حتى أفسدت الهضم بعض الإفساد. فأما إذا لم يكن العلة عظيمة فقد ينتفع بالاختلاف, وإذا كان بعد ظهور علامات النضج فيوجد هذا الفصل في النقل المجهول "من كان به وجع الجنب أو الرئه ثم أصابه اختلاف من رطوبة المعدة فذلك شر". ومن البين أن كون هذا الاختلاف إنما يكون شرا لأن المرض لا يكون واحدا بل اثنين هما فساد المعدة بالرطوبة وذات الجنب أو ذات الرئه ولا محالة أن المرضين أبلغ في هذه القوة واضعافها من الواحد."
17
[aphorism]
قال بقراط: "إذا كان بإنسان رمد فاعتراه اختلاف فذلك محمود."
[commentary]
التفسير: "اختلاف في الرمد سبب محمود لأنه يجذب الخلط الغالب في البدن إلى أسفل وهذا من الاستفراغات التي توجد طوعا ولذلك ينبغي للطبيب أن تمثيله."
18
[aphorism]
قال بقراط: "إذا حدث في المثانة خرق أو في الدماغ أو في القلب أو في الكلى أو في الأمعاء الدقاق أو في المعدة أو في الكبد فذلك قتال."
[commentary]
التفسير: "إنما لا يلتحم القطع النافذ إلى جوف المثانة لرقتها وعصبيتها وعدمها الدم ولذلك قد برأ رقبتها بعد شق في أصحاب الحصى * اللحمية (70) وأيضا فإن البول الحار الذي يجتمع في المثانة مما يمنع التحامها لأنه أبدا يلذعها ويقطع اتصالها ولعل امتناع شفتي الجرح من الإلتيام عند برازها بالبول مما يعين على ذلك والجراحة الواقعة بالدماغ قد يبرأ صاحبها منها في الندرة. وإن كانت نافذه وذلك إذا كانت صغيرة وفي جانب واحد فقد قال جالينوس في الثانية من منافع الاعضاء أن فتى أصابه ثقب في أحد بطني دماغه المقدمين فسلم ولو أصيب فيهما جميعا كان مهلكا لا محالة في الوقت. فأما الجراحة العظيمة الغائرة التي تمكن لعظمها وغورها أن يسمي خرقا فإنه يجلب الموت سريعا إذا كان يبرد جوهره وينفش الروح النفساني منه ويتعطل النفس.فأما جراحة القلب والحجاب فإنما لا يلتحم لدوام حركتهما ولأن الموت يسبق إلى صاحب جراحة القلب قبل أن يلتحم إذ هو أشرف الأعضاء كلها فلا يحتمل اذى الجراحة والروح الحيواني يتبدد منه وكذلك الدم القلبي فيهلك سريعا والكلى يمتنع من الالتحام إذا كان القطع نافذ إلى بطونها الدوام فعلها كما فهمت لما يجتاز بها من المائية الحادة اللذاعة ومنعها لها من الاتصال وإلامعاء الدقاق عسرة التحام لرقها وقلة لحميتها ودوام ترطبها بالكيلوس ومنع الكيلوس من ضم شفتي القطع والصائم منها لا برؤ له لكثرة ما فيه من العروق وعظمها فرقة جرمه وقربه من طبيعة العصب ولأنه ينصب إليه المرار وهو صرف بعد حاد خالص إذا * هو (71) أقرب الأمعاء كلها إلى الكبد. وأما الأمعاء الغلاظ فلأنها * أقرب (72) من طبيعة اللحم فالطبيب من مداواتها على ثقه والادوية أيضا تقف فيها ومن تلبث لازمة لها مدة أطول. وأما المعدة فإنها أكثر لحما ولذلك يمكن أن يلتحم جراحتها إذا لم تكن غائرة جدا. فأما النافذة إلى فضائها ففي الندرة تبرأ لأن الأدوية لا تلزم الموضع لزومها الأعضاء الأخر ولأن شفتي الجرح ربما يمتنع من الإلتيام وربما يسيل الغذاء من * الخرق (73) فيخفف بالقوة وجراحة الكبد لا تلتحم لأن النزف يسقط القوة قبل الالتحام، وإنما يبرأ إذا لم يقطع * عرقا (74) . وأما عند قطع زوايدها فقد برأ كثيرا حتى أنه قد سقط بعض زوائدها البتة فيبرأ. ولهذا جالينوس يذكر في تفسير هذا الفصل أن الموت نازل بصاحب جراحة القلب لا محالة. فأما غيره من الأعضاء فليس يجب ضرورة متى نالته جراحة أن يتبعها الموت لا محالة، لكن متى كانت غائرة عميقة ولذلك فخليق أن يكون أبقراط عنى بقوله خرق العظيمة الغائرة حتى يكون بدن المثانة كله يخرق حتى يصل القطع إلى الفضاء الذي في جوفتها وكذلك في سائر الاعضاء."
19
[aphorism]
قال بقراط: "متى انقطع عظم أو غضروف أو عصبة أو المواضع الرقيقة من لحم اللحي أو القلفة لم ينبت ولم يلتحم."
[commentary]
التفسير: "انقطاع هذه الأعضاء هو ذهاب جزء منها وقوله لا ينبت أي لا يعود بدل الجزء الذاهب ولا يتولد مثله. وقال لا يلتحم على سبيل الترادف وإن كان بينهما فرق وذلك أن النبات هو تولد جوهر مثل جوهر الذاهب والالتحام هو التزاق طرفي الجسم الذي قد افترق اتصاله. وإنما صار لا يعود بدل الجزء الذاهب من العظم والغضروف والعصب والجلد لأن هذه من الأعضاء الاصلية التي يكون تولدها عند جالينوس من المنى ولأن المنى لا يكون عتيدا في الموضع الذي ذهب جزء * منه (75) . فليس يوجد لاجزاء الذاهبة من هذه الأعضاء مادة تخلف عليها بدلها ولا كذلك اللحم، فإنه يتولد من الدم ولذلك متى ذهب جزء منه وجد له مادة يتولد منها بدله. ولك أن تعلم أن الطبيعة تحتاج في توليد اللحم أن يحيل الدم إحالة قليلة إذ كان قريبا في جوهره وطبيعته من طبيعة جوهر الدم ويحتاج أن يسعي سعيا كثيرا في عمل الأعضاء المذكورة لأنها يضطر أن يحيل الدم إحالات كثيرة حتى تعمل منه تلك الاعضاء إذا كانت جوهرها بعيدة من جوهر الدم وطبيعته جدا. وطبيعة العضو الآلم تضعف وتقصر عن أن تقوي على تلك إحالات فلذلك لا يعود بدل الأعضاء المذكورة إذا ذهبت. وأما ما نظن بأن الجلد يعود بدل الذاهب منه فلا كذلك بل يصلب سطح اللحم حتى يكون خلفا من الجلد الذاهب ولذلك يستعمل في هذا الباب أدوية تفني رطوبة اللحم نفسه إذا كان الجلد يبيس من اللحم. ولذلك صار الدواء المدمل أكثر تجفيفا من اللحم * بكثير (76) إذا كان الملحم يكثر إذا كان يحتاج إلى أن تفني الرطوبة الفضلية فقط. وأما ما زعم الرازي في الجامع الكبير أن الاذن قد يمكن أن تعلو علوا كثيرا إذا أديم * حكها (77) كل يوم وعولج بالمرهم الأسود، فليس هو نبات جوهر صادق الغضروفية وإلا كان يعمل كل جزء يتولد فيما بعده من أنبات غضروف مثله ما عمله فيه ما قبله من طبيعة الغضروف الأصلي في أنباته إذ كان إذا أمكن أن ينبت الجزء الصغير من الغضروف لم يمتنع أن ينبت الكثير منه فيكون كل جزء مما قبله يوجد مولدا لما بعده فيعود الأذن إلى حالها الأول. وقد فهم قوم من قوله "فلم يلتحم" على أنه متى انخرقت هذه الأعضاء المذكورة لم تلتحم وهذا لا يصح كليا فإن العظم لصلابته لا يلتحم ولهذا متى انكسر عظم بنصفين فإنهما يرتبطان بدسل؟؟ CB1 180B ولا يلتحمان ولا إذا أشق عظم نافذ إلى الجانب الأخر. فأما الجلد فلا يزال يلتحم أحد الجزئين المتفرقين بالأخر. فإن كان لا يلتحم في موضع كالجزء الرقيق * كاللحمي (78) وكالقلفة فإنها لا تلتحم بحسب ما يراه جالينوس لأن شفتي الجراحة يتباعد احدهما من الأخر تباعد لا يلتامان التياما يبقي أحدهما ملاقيا لصاحبه مدة يلتحمان فيها. وأنت فأفهم أن جلد الإنسان رقيق جدا أكثر من جلود سائر الحيوان بقدر عظيم جثته وفي جميع الجلود رطوبة لزجة مخاطية وهي في بعضها أقل وفي بعضها أكثر مثل الرطوبة التي في جلود البقر وهي التي يتهيا منه الغراء. وإذا كان الجلد من الانسان أرق ثم * يوجد (79) في موضع من المواضع خاليا عن اللحم البتة. فإنه لا يلتحم أصلا إذا قطع مثل الجزء الرقيق من الوجنتين وطرف القلفة فينضاف هذا إلى العلة التي قالها جالينوس. وأما ما شق الغضروف فإن الرازي حكى أنه * رأى (80) جفنا شق من باطنه لإخراج سلعه فالتحم سريعا أسرع من ظاهره. فلذلك قال لا ينبغي أن يخاف ولو أشق الجفن كله لأنه يلتحم. وإنه رأى طرفي الأنف في موضع الغضروف يلتحمان. وأنا أحسب أن الجلد المطيف بأمثال هذه المواضع يلتحم فيتوهم أن الغضروف قد التحم تحته بل أحسب أن أطراف الاشفار داخلة في عداد الجزء الرقيق من الحمي والقلفة في عدم بقاء الالتقاء وفيما بين الطرفين جوهر غضروفي كما فهمته من التشريح. وإن الرازي عنى بانشقاق الجفن كله صاعدا أنه من * الانسان (81) أطرافه . فأما انشقاق العصب * بالطول (82) فلا يزال يلتحم وبالعرض يتباعد أحد الشقين عن صاحبه ولاغر؟ CB1 181B وأن لا يلتحم."
20
[aphorism]
قال بقراط: "إذا أنصب دم إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي فلا بد من أن يتقيح."
[commentary]
التفسير: "قوله على خلاف الأمر الطبيعي يحتمل أن يكون صفة للفضاء وذلك أن الدم إذا أنصب إلى عضو وكان رديئا فإنه لحدته يفسد ما حوله من الآلات ويحدث لنفسه فضاء وهو بخلاف الأمر الطبيعي ولا بد من أن * يتقيح (83) الدم فيه لأن الحار الغريزي إذا دام انضاجه احاله بمعاونة الحار الغريب الناري إلى التقيح وهذا التفسير أليق بنص أبقراط. ويحتمل أن يكون صفته لانصباب الدم فإنه ليس للدم أن ينصب بالطبع إلى الأعضاء التي لها تجاويف كالمعدة والامعاء والأرحام والمثانة والكلى متى أنصب إليها دم فقد أنصب إلى فضاء بخلاف الأمر الطبيعي. ومتى فهم على هذا الوجه فليفهم من قوله يتقيح أي يفسد لأنه ليس للدم مهما أنصب إلى بعض التجاويف إن يتقيح أبدا لكنه يفسد لا محالة لأنه يعدم الترويح والحار الغريزي معا فيعدم الطبيعة العروقية التي كانت تحفظه على الدموية فيستحيل إلى ضرب من الفساد أما إلى التقيح في الأورام كما فهمت أو إلى الجمود لأنه يبرد ويغلظ ويصير عبيطا وربما يكمد ويسود أو يستحجر. وأفهم أن الدم في الجملة مهما خرج عن وعايه تغير لا محالة ثم قد يكون تغيره من قبل أن الطبيعة تسلك به سبيل الإستحالة إلى جوهر أخر كالحال في احالتها له إلى الرطوبة الردادية في فرج الأعضاء المتشابهة الأجزاء أو إلى الريق أو ألى اللبن أو المنى أو الودي في فرج * اللحوم (84) الغددية التي لهذه الرطوبات وربما كان تغيره إلى الفساد كما علمت."
21
[aphorism]
قال أبقراط: "من أصابه جنون فحدث به إتساع العروق التي تعرف بالدوالي أو البواسير انحل عنه جنونه."
[commentary]
التفسير: "الجنون يعرض من أخلاط سوداوية فإذا قويت الطبيعة على دفعها من العضو الأشرف وهو الدماغ إلى ما هو أخس حدث إما البواسير أو الدوالي."
22
[aphorism]
قال بقراط: "الأوجاع التي ينحدر من الظهر إلى المرفقين يحلها فصد العرق."
[commentary]
التفسير: "الأوجاع إنما يتنقل من موضع إلى موضع إذا كان سببها خلط إما وحده وإما مع ريح غليظة نافخة. فإذا كان الإنتقال من الظهر إلى اليدين فإستفراغه من باطن المرفق أولى لأن استفراغ الأخلاط إنما يجب من * المواضع (85) التي هي إليها أميل بالاعضاء التي تصلح لاستفراغها غير أنه متى كان البدن ممتليا وخيف أن يكون في اليد ورم. فالأولى أن يفتح العرق أولا من اليد الأخرى ليقع الجذب إلى خلاف الجهة. فلا تتحير؟CB1 183A المادة إلى الموضع الآلم. وذكر جالينوس أن هذا الفصل يوجد في بعض النسخ مكان الاوجاع الفسخ وهو تفرق يعرض في المواضع اللحمية من العضلة ومتى أخذ الفصل على هذا فليفهم من الأوجاع ما ينحدر عن الظهر إلى المرفقين على طريق المشاركة في العلة لا نفس التفرق، وإنما ينتفع في هذه الأوجاع بفصد العرق بطريق الاستفراغ المشترك."
23
[aphorism]
قال بقراط: "من دام به التفرع وخبث النفس زمانا طويلا فعلته سوداوية."
[commentary]
التفسير: "الأعراض التي توجد لأصحاب * الماليخوليا (86) كثيرة متفننة إلا أن التي يعمهم منها هو هذان أعني التفزع والكأبة وذلك أن خلط السوداء والبخار السوداوي إذا غلب على الدماغ أظلم الروح النفساني فيعتري صاحبه ما يعتري الإنسان في الظلمة من الخوف والحزن فمتى دام هذا العارض وليس يعرف له سبب فصاحبه واقع في الوسواس السوداوي لا محالة أو في مرض أخر كالجذام أو السرطان والعلة التي يتقشر فيها الجلد أو الجرب أو كالبهق الأسود."
24
[aphorism]
قال بقراط: "انتقال الورم الذي يدعى الحمرة من خارج إلى داخل ليس بمحمود وأما انتقاله من داخل إلى خارج فمحمود."
[commentary]
التفسير: "الحمرة والخراج والدبيلة والجدري والحصبة وجميع ما هذا سبيله من الأمراض المادية متى انتقلت من الأعضاء الشريفة التي في باطن * البدن (87) إلى ما يلى الجلد فهو محمود ومتى كان انتقالها على البدل حتى بتواري المادة في باطن البدن فهو رديء مهلك، وربما بقيت المادة من ظاهر البدن بالتحلل دون الإنتقال إلى داخل ويفرق بينهما بردأة النبض والتنفس متى كان انتقال ويتزايد الأعراض الرداة أيضا ومتى كانت غيبه بالتحلل هدات الأعراض وخفت لا محالة ولذلك يعني كل العناية بالجذب إلى موضعها متى كان انتقال من داخل إما بالمججة أو بالاضمدة الجاذبة ولا يعني بالإستفراغ أصلا لا بالقيء ولا بالإسهال إلا أن تكون المادة متحركة من ذاتها إلى ذلك."
25
[aphorism]
قال أبقراط: "من عرضت له في الحمى رعشة فإن اختلاط ذهنه يحلها عنه."
[commentary]
التفسير: "الخلط الفاعل للحمى المحرقة يوجد محصورا في داخل العروق، فإذا انتقل إلى العصب أحدث الإرتعاش، فإذا شارك الدماغ العصب في سوء المزاج وصارت إليه بخارات حارة نارية حدث اختلاط الذهن وهذا الإختلاط يحل الحمى لكنه تلقيه في علة أخرى، وربما يؤدي بصاحبه إلا الهلاك لأنه يعرض معه الروح الدماغي أن يتوهي كله أو جلة فيتعطل الأفعال النفسانية أجمع ويموت الإنسان مختنقا لأن الصدر لا يتحرك. ولهذا متى برد الرأس ممن هذه حاله * تبريدا (88) قويا فإن من لم برد بدنه بعد قد يعود عليه الحمى فيسلم بعض ويهلك بعض ومن لا يعود الحمى فبعد يوم أو يومين يضعف شديدا ويهلك لا محالة. وزعم بعض أن الاختلاط يحدث لأن المادة تنتقل من البدن إلى الدماغ وهذا ليس بشيء لأن من المحال أن تنتقل المادة في الحمى المحرقة من عروق البدن إلى الدماغ ولا يعرض معه ورم، ومن المحال أن لا يكون مع ورم الدماغ حمى. ووجدت في النقل المجهول هذا الفصل هكذا "من كانت به حمى محرقة فأصابه ارتعاش ثم تبع ذلك ذهاب العقل حل الإرتعاش" وقدسهى هذا الناقل فإن الإختلاط إذا كان سببه ما قلنا من مشاركة الدماغ العصب في الأفة زاد في الإرتعاش ولعله ظن أن الهاء والألف في قوله يحلها عائدة إلى الرعشة دون الحمى فلذلك نقل هذا النقل وزعم جالينوس أن بقراط يجوز في قوله يحلها عنه. فإن لفظة الحل لا تطلق إلا في مواضع البرؤ دون الانتقال إلى علة أخرى. وكأنه عنى بقوله يحلها أي يسكنها عنه.
26
[aphorism]
قال بقراط: من كوى أو بط من المتقيحين أو من المستسقين فجرى منه من المدة أو من الماء شيء كثير دفعة فإنه يهلك لا محالة.
[commentary]
التفسير: الكي قد يستعمل في المتقيحين وهم اصحاب المدة في فضاء الصدر بالأدوية المحرقة وذلك أنها ينفط الموضع ويفرغ المادة وقد يكوي بالمكاوي كما يستعمل في الاستسقاء كثيرا. وقد يستعمل في كل فضل تحت الجلد كالحال في الدبيلات وغيرها. فأما البط فيستعمل أكثره في الاستسقاء ربما يستعمل في أصحاب المدة إذا ضاق النفس وضعف جدا. وبقراط عنى في هذا الموضع ما يستفرغ من القيح في الصدر أو الماء من المستسقين شيئا كثيرا دفعة فإن ذلك سقط القوة ويجلب الموت، وليس يختص هذا الضرب بالمتقيحين والمستسقين فقط بل ويعم سائر الأعضاء متى حدث في واحد منها ورم عظيم فتقيح. فإن استفراغ القيح منه في دفعة واحدة خطر لأنه يغشي على صاحبه في المكان وسقط قوته, ثم ربما يهلك وربما يبقي على ضعف من القوة يعسر * برؤها (89) عليه جدا. والسبب في ذلك أن الدم الذي كان نفد والبدن ويولد الروح يتصرف في المستسقين إلى المائية أو إلى الصديدية وفي المتقيحين إلى المدة فينتهك البدن لعدمه الغذاء ونقل الروح في الأعضاء ويضعف القوى. فإذا استفرغت تلك المادة ضربة تبعها * لذلك (90) استفراغ الروح وهو قليل في البدن ما يصير القوة معه إلا الإسقاط ويضطر القلب لذلك إلى أن يوزع الروح والحار الغريزي وهما فيه قليلان على أعضاء البدن فيصير الأمر عند ذلك إلى الغشى انحلال القوة ونقل الروح النفساني أيضا في بطون الدماغ فيضعف بسط الصدر وقبض الصدر. وهذه كلها أسباب جالبة للموت سيما في وقت الحر والبرد المفرطين لأن مع فرط الحار يعرض للروح القليل الذي بقى أن يتحلل ومع فرط البرد أن يجمد الحار الغريزي. وزعم جالينوس أنه قد يعرض لأصحاب المدة أن يتقيح بعض العروق الضوارب لشدة تمدد الوجع وحدة القيح، فيكون المدة سادة لفم العرق المتقيح. فإذا استفرغت ضربة خرج من موضع الروح شيء كثير والماء في بطن المستسقي قد يحمل ثقل الورم الجاسي الذي في الكبد. فإذا استفرغ دفعة عدمت الكبد ما كانت ترتفق له حمل تلك الرطوبة وثقل ورمها فينجذب إلى أسفل وينحدر معه الحجاب وما في الصدر من الآلات. وللرازي ههنا اعتراض ذكرناه في حلنا شكوكه على جالينوس.
27
[aphorism]
قال بقراط: الخصيان لا يعرض لهم النقريس ولا الصلع."
[commentary]
التفسير: "الصلع يعرض ليبس جلدة الرؤس حتى يصير بمزلة الحرق، فلا تتأتي ينبات الشعر فيها كما لا تتأتي في المخنثين والخصيان لاجل تأنث ابدانهم من قبل أن المادة الزرعية إذا لم يستفرغ غمرت الحار الغرازي وأضعفته بكون اجسامهم أرطب فلا يصلعون ولضعف حرارتهم * الغريزي (91) تقل تحلل الرطب منهم فلا تجف جلدة رؤوسهم فلا يمتنع نبات الشعر فيها كالحال في رؤوس النساء والصبيان سوى ويشبه أيضا أن يكون مادة اللحمي تتوفر على رؤوسهم ويميل إليها ولا بهم لا يجامعون فلا يصلعون إذا الجماع يصلع بالتجفيف. وقد وجد في القديم من كان من الناس أصلع فلما جامع نبت شعره وهذا إن كان عجيبا نادرا فلعل سبب صلعته كان عوزا من الحرارة لتوفر الرطوبات في البدن. فلما انتقصت باستفراغ الجماع وبالحركة الجماعية اقتدرت الحرارة بعد ذلك * حتى (92) تصير المادة بخارا دخانيا مولدا للشعر. وإنما لا يعرض للخصيان النقرس إلا في الندرة لأن هذا المرض يعرض لأحد من ثلاث: أما الذين يملؤن من الدم سريعا ويحتاجون في كثرة تولد الدم إلى توفر الحرارة، وهولاء بعيد عن ذلك إذا كانوا يميلون في أمزجتهم إلى البرد، وأما الذي يخالط دمآءهم مرار كثير ودمآء هؤلاء عذبه V1 73A إذا كانت امزجتهم تميل إلى مثل امزجتهم النساء من البرد والرطوبة ولا الدم ولا البلغم يسخنان فيهم وليس يتولد فيهم السوداء، ولذلك تدبر الأبدان المرارية بالترطيب فيندفع عن كثير ممن يعريهم النقرس نوبته، ولعل هذا التدبير أبلغ من الاستفراغات إذا لم يكون في البدن كثير امتلاء، وأما أن التي تجتمع فيها فضول نية كثيرة جدا وما أقل ما يكون ذلك لأنه لا يكون نقرس أو وجع مفاصل الا ومعه حمى كثيرة، ومن أجل ذلك لم يوجد له دور لازم يمكن أن يقال أنه نقرس أو وجع مفاصل، وذلك أن هذا المرض يقوي في الابدان التي تطبخ رطوبتها حرارة قوية فيكسها حدة وحرافة وتصير ذفرة. وأيضا فإن الخصيان لا يجامعون والجماع مدعاه للنقرس إذا كان أصل هذه العلة هو الأفراط في الجماع لأن الجماع تهز مفاصل أصلي الرجلين فيضعفان لذلك ويقبلان الفضلات. وإن حدث في الندرة في بعض الخصيان النفرس فذلك لفرط الشهوة والتخليط في الاغذية والأفراط في السكر ودوام الترفة."
28
[aphorism]
قال بقراط: "المرأة لا يصيبها النقرس إلا إن ينقطع طمثها."
[commentary]
التفسير: "قوله "إلا أن ينقطع طمثها" يدل على أن النقرس إنما لا يعتبر بهن لأن أبدانهن تنقى بالطمث في كل شهر فالنقرس لا يحدث بالنساء ما استقام لهن الطمث ولأن دم النساء عذبه لميل أمزجتهن إلى البرد والرطوبة والإستفراغ ما هو أحد وأدفر في دمآئهن مع الطمث والنقرس على الأكثر إنما يعتري الأبدان الذفرة الحارة. والذين اخلاطهم حادة حريفة ولأن جماعهن قليل ولأنهن لا يتعبن في الجماع إلا قليلا فلا يعرض لهن النقرس كثيرا وربما يعرض * لهن (93) في الدرة إذا اسأن التدبير."
29
[aphorism]
قال بقراط: " الغلام لا يصيبه النقرس قبل أن يبتدي في المباضعة."
[commentary]
التفسير: "الصبيان لا يعرض لهم النقرس لعذوبة دمائهم، لأن فضلاتهم قليلة بسبب انصراف الغذاء إلى النماء ولأن التحلل يكثر فيهم لتوفر حرارتهم، فلا يجتمع في أبدانهم من المواد ما يكون سببا للنقرس ولأنه الجماع لهم.متى وجد صبي بنقرس فذلك ميراث. وذكر جالينوس أنه رأى من الخصيان من أصابه النقرس ولم ير من الصبيان من يصيبه ذلك. قال وما يعرض لهم فهو على طريق انتفاخ الركبة بسبب متلاء من لحم كثيرة لا على طريق النقرس ولزومه ادوار ونوائب. وأما الشبان فيصيبهم النقرس كثير لكثرة الفضل في أبدانهم بسبب كثرة الأكل والشرب ولأن فضلاتهم حادة ولأن مصب الفضل إلى أرجلهم يتسع بكثرة الجماع ولأنهم يكثرون الجماع فيهن مفاصل ارجلهم فيصب إليها الفضل كثيرا. وأما المشايخ فلأن فضالتهم وإن كانت كثيرة فهي غير حادة ويضيق طريق مصب الفضل إلى ارجلهم وتقل مجامعتهم فلذلك لا يصيبهم النقرس كثيرا حسب ما يصيب الشبان إلا ان ما يعرض لهم أمراض أخر وهو أن أرجلهم قليلة النقرس لبردها ولقلة الحار الغريزي فيهم ولبعدها من القلب فلا تنحل فضلاتها كثيرا. قال جالينوس وإنما أطلق أبقراط القول بأن النقرس لا يعرض للنساء والخصيان لأن الناس في زمانه كانوا يحسنون تدبيرهم ويلزمون القصد في المطعم والمشرب والمنكح والرياضة وغير ذلك، وأما في زماننا فما أكثر ما يصيب هولاء النقرس لسوء التدبير. ثم يتوارثون مع ذلك لفساد الزروع. قال ويعرض هذا المرض لمن كان ضعيف البدن بالطبع كما أن الصرع يعرض لمن كان ضعيف الدماغ ثم مع ضعف القدمين ليس بلازم أن يحدث النقرس مع حسن التدبير لأنه لا يوجد معه مادة تجري إليها."
30
[aphorism]
قال بقراط: "أوجاع العينين يحلها شرب الشراب الصرف أو الحمام أو التكميد أو فصد العرق أو شرب الدواء."
[commentary]
التفسير: "هذه التدبير ليست تنفع وجعا بعينه للعين ولا في وقت بعينه حتى أن المعالج إذا اشتهي أن يفصد العليل فصده، وإن اشتهي أن يدخله الحمام ويسقيه شرابا فعل ذلك، بل إنما يتنفع أوجاعا مختلفة في أوقات مختلفة. فأما الفصد ينتنفع إذا كان الوجع من امتلاء دموي، ومتى كان الانتفاخ كثيرا أو السيلان مفرطا والحمرة غالبة فيثني إخراج الدم ويثلث ويتبع الفصد بالحجامة لأنها تخرج الدم من الشرايين الدم سيما إذا كانت غائرة، وذلك أن الاوجاع الدموية للعين ربما كانت من الشرايين دون العروق، فلذلك ينبغي أن يتبع الفصد من القيفالين بالحجامة الغايرة ويعقر الأنف, فإنه يسيل الدم من الشرايين، وإن وجد شريان الصدغ فالجانب العليل أو عرق الجبهة ممتليا فليفصد أيضا. وبعد الفصد أن كان النتفاخ يسيرا أو لا سيلان ولا حمرة فليستعمل الشياف الأبيض، وإن لم يكن كذلك فلا يمس العين بالادوية المبردة المغرية أصلا، فإنها لا يبرد عنها المادة سيما إذا كان الإنصباب قويا, لكنها تمنع من التحلل فتهيج بلايا لأن المادة إذا كانت حادة , فإنها تحدث في القرنية تأكلا لأنها إذا لم يتحلل ومردت القرنية خرقها والدواء المبرد المنحدر في هذه الحالة إذا لم يكن قوي التحدير حلب من الوجع ما لا يحتمله صاحبه. وإن كان قوي التحدير حتى يجعل العين لا يحس بالورم الحار العظيم أضعف القوة الباصرة حتى أن صاحبها بعد سكون الوجع يبقي ضعيف العين أو لا يبصر شيئا البتة. وربما يبقي في طبقات العين غلظ جاسي يعسر برؤه، ولكن في هذه الحالات لا يزاد على جلب اللبن في العين وعلى رقيق بياض البيض، وإن وجد في العين نقطة يقدر أنها بثرة فيوضع عليها قطنة قد غمست في ماء السماق المنقع بماء الورد وشيء من كافور ويمسك الجفن هينهنه ويعاود مرات، ولا يقطر هذا الماء في جملة العين لكن يتعمد موضع البثرة بالتكميد بالقطن. فهذا هو الكلام في * العين (94) بالفصد. وأما الدواء فينبغي إذا كان وجع العين من خلط رديء غالب وأما الاستحمام فينفع إذا كان ينصب إلى العين من المواضع القريبة منها رطوبات حادة، وليس في البدن امتلاء أصلا ويعتبر ذلك بالتكميد. فإن سكن الوجع ولم يعاود أصلا أو لم يعاود بأشد مما كان فليس في البدن امتلاء، وإن وعاود بأشد مما كان فبالجري أن يكون في البدن امتلاء فليستفرغ أولا بالإسهال ثم يستعمل الحمام. فأما شرب الشراب فينفع إذا كان قد لحج في عروق العينين دم غليظ وليس في البدن امتلاء، فإنه يذيب ذلك الدم ويلطف ويستفرغه."
31
[aphorism]
قال بقراط: "اللثغ يعتريهم خاصة اختلاف طويل."
[commentary]
التفسير: "اللثغ بالطباع هم الذين لا يقدرون أن يفصحوا ببعض الحروف، وهي في الأكثر الراء والسين والكاف فياتون باللام مكان الراء وبالثاء مكان السين وبالدال مكان الكاف. ويعرض هذا إذا لم يقدر اللسان أو يعتمد بقوة على المواضع التي يحتاج فيها إلى الافصاح بهذه الحروف إما لأنه سترخي في نفسه كالصبي الذي لا يقدر على المشي لإسترخاء قدميه وقلة لتمكنه من الاعتماد عليهما. فهذا يعرض لرطوبة المعدة فإن إحدى طبقتي المعدة مشتركة بينهما وبين اللسان . وأما لضعف عصبه واسترخائه بسبب رطوبة الدماغ، ولهذا يعتري الصبيان كثيرا, فإذا نشوا زالت في الأكثر إلا أن تكون رطوبة مفرطة ويعتري السكاري بسبب الرطوبة الكثيرة التي تملأ الدماغ الذي هو أصل الاعصاب. ولهذا صار اللثغ لا يصلعون كما ذكر في السادسة من الثانية، وحتى قيل أنه لم يرأ لثغ أصلع وذلك أن عدم الصلع إنما يكون لرطوبة الدماغ إذا الصلع بالحقيقة هو أن يتنقص جوهر الدماغ حتى يفارق عظم اليافوخ الجلد الذي فوقه فيجف جفافا شديدا, وهذا هو الذي يجيء في وقته. فأما الذي يجيء في غير PageVW5P075B وقته فيحدث عن ردائة الأخلاط وإذا كان الدماغ بالطبع في اللثغ رطبا عرض من ذلك أنه ينحدر منه إلى المعدة دائما رطوبات فيعرض له الأخلاط المزمن، فإن كانت المعدة في نفسها رطبة عرض مثل ذلك بعينه إذا الختلاف المزمن عرض لازم لضعف المعدة بسبب الرطوبة وقد يعرض نوع من اللثغة لقصر بعض اللسان وهو مما يندر وجوده جدا. وقد يعرض في بعض الأمراض بسبب اليبس المفرط وهذا أن ليس مما نحن فيه بشيء."
32
[aphorism]
قال أبقراط: "أصحاب الجشاء الحامض لا يصيبهم ذات الجنب."
[commentary]
التفسير: "عنى بأصحاب الجشاء الحامض الذين يعرض لهم هذا الجشاء كثيرا ولهؤلاء لرطوبة معدتهم قل ما يصيبهم ذات الجنب لأن هذا المرض ورم يعرض في الغشاء المستبطن للاضلاع وهذا الغشاء لتلززه واندماجه قل ما تشرب بشيء من الأخلاط إلا ما كان من جنس المرار لأنه بحرارته ولطافته يعرض فيه ولهذا صار من الغالب على طبيعة البلغم وهو الذي عناه بأصحاب الجشاء الحامض قل ما يعتريه ذات الجنب لأن من الغالب عليه البلغم لا يتولد فيه المرار كثيرا إذ الكيلوس الوارد على الكبد من المعدة إذ كان أرطب مما ينبغي لم يستعد للإستحالة إلى المرار. ثم إن كان البلغم مالحا فإنه بملوحته يلذع الأمعاء فيهيجها على دفع ما فيها فليستفر ذلك البلغم ويستفرغ معه سائر PageVW0P185B الفضول. ولهذا قال أبقراط في الأهوية والبلدان من كانت طبيعته بالطبع لينة فقل ما يعتريه الشوصة وسائر الأمراض. فإني أحسب أنه عنى بسائر الأمراض ما يعرض منها بإحتداد الدم كالسرسام والحميات المحرقة والحمرة والقروح الساعية."
33
[aphorism]
قال بقراط: "الصلع لا يعرض لهم من العروق التي تتسع التي تعرف بالدوالي كثير شيء، ومن حدثت فيه من الصلع الدوالي عاد شعر رأسه."
[commentary]
التفسير: «عنى بالصلع الذين يعرض لهم انتثار الشعر في غير وقته، فإن ما يكون منه أصليا لم يعد الشعر بعد ذهابه أصلا لأنه بمنزلة الجفاف النبات كما علمت. فأما ما لم يكن أصليا فهو الذي يسمي انخسار الشعر ويعرض من أخلاط رديئة والخلط وإن كان بلغميا مالحا فإنه إذا اكتسب غليظا في الأمزجة الحارة الواسعة العروق، فإنه يجف ويكتسب بذلك سوداوية وضربا من الإحتراق يمكن أن ينحدر به إلى أسفل ويزول الإنحسار إلا أنه يعرض إما الدوالي أو البواسير. وما دام لا يتولد في البدن من الخلط الرديء إلا البلغم الحريف فإنه يسلم من الدوالي إلا ما لا بال به وذلك قوله في الدوالي كثير شيء يعني أنه لا يحدث بهم دوالي كبار بل ضغار فإنما يعرض لهم انحسار الشعر فقط. فإذا سخن هذا البلغم سخونة يجف بها فإنه يصير من جنس السوداء ويصير إلى أسفل وأحدث الدوالي. وقد * نفى (95) الرازي في هذا الموضع متعجبا لأن انحسار الشعر زعم أنه يحدث عن بلغم مالح. فكيف يحدث إذا انتقل إلى الرجلين دوالي وهو يحدث من دم أسود إلا أنه لما تأمل الملاحين والحمالين ببغداد كثيرا فلم ير من * به (96) دوالي أصلع زعم أنه ليس ينبغي إذا لم يعلم سبب الشيء قياسا لغموضه أن يدفع كونه إذا وجد من جهة التجربة. فأقول إن البلغم المالح إنما يجف ويستحيل إلى جنس السوداء إن كان صاحبه يكد ويسعي في الأعمال الشاقة كما ذكر من أمر الملاحين والحمالين والفيوج ومن يكثر التعب والرياضات الشاقة العسرة ويهتم كثيرا أو يتفق له أن يدمن أكل الأغذية الغليظة الحارة إلا أن الأولى بهؤلاء أن يحدث بهم البواسير دون الدوالي. وأما من يكد ويتعب في الرياضات الشاقة فبالجري أن تحدث به الدوالي.»
34
[aphorism]
قال بقراط: "إذا أحدث بصاحب الاستسقاء سعال كان ذلك دليلا رديئا."
[commentary]
التفسير: "عنى بالاستسقاء الزقي وإنما صار حدوث السعال فيه رديئا لأنه يدل على أن الماء قد بلغ من كثرته أن يزاحم الحجاب. فالحجاب يشغل شيئا من فضاء الصدر فيضيق على الرئه الإنبساط ويحدث لذلك ضيق ف النفس يحوج إلا التساعل. والرازي لما سمع جالينوس يقول إن الماء إذا بلغ إلى قصبة الرئة أعان على الخنق ولم يعلم أنه عنى بذلك أن الماء يصير من الكثرة بحيث يزاحم العصب المتشعب في الرئة يتوسط الحجاب أخذ يناقضه بأن الماء كيف يصير إلى قصبه الرئة وبينهما الحجاب لا يمكن أن يرتفع منه بخار يحرق الحجاب وتصير إلى قصبة الرئة، فظن أنه عنى بقصبة الرئة الحلقوم ويمزاحمة الماء أياها أن يلقاها بنفسه، ويمكن أن يحدث هذا العارض من قبل أن ورم الكبد الحادث في حديتها إذا بلغ من عظمه أن يغضط الحجاب فإنه يهيج السعال لأن الرئه تطلب بذلك أن يخفف بنفسها. فإذا أسعل الإنسان وجدته لا يغني شيئا, وذلك أن السعال إنما ينفع حيث يكون ضيق في أقسام الرئه من شيء يترجرج في قصبتها فإذا أسعل خرج ذلك بالنفث."
35
[aphorism]
قال أبقراط: "فصد العرق إنما يحل عسر البول وينبغي أن يقطع العروق الداخلة."
[commentary]
التفسير: "فصد العرق إنما يحل عسر البول إذا كان الاحتباس من ورم دموي في الكلى أو المثانة. وعنى بالداخل الجانب الأنسى من مابض الركبة، وذلك كما أن العرق الداخل من اليد هو الباسليق لأنه ينحدر من الأبط والخارج القيفال لأنه ينحدر من الكتف كذلك الداخل في الرجل الصافن والخارج عرق النساء. وجالينوس لا يفرق بين فصديهما كثير فرق لأنهما ينشعيبان من عرق واحد إلا أن التجربة تشهد بأن فصد عرق النساء ينفع من به وجع النساء ولا ينفع منه فصد الصافن. وأما بقراط فيأمر في العلل التي دون الكبد بفصد العروق التي في باطن الركبتين والتي على الكعاب إل أن هذا ينفع بعد فصد عرق اليدين من قبل أن فصد العرق الذي PageVW3P090B فوق العضو العليل يمنع من جريان الدم إليه، وفصد الذي تحته ينتزع الدم منه إلا أنه يجلب إليه مما فوقه إذا ابتدىء به ولذلك وجب أن يبدأ بفصد الباسليق أولا ثم يتبع بفصد الصافن. وبقراط وإن لم يميز هاهنا هذا التمييز فإن رأيه يقيضيه."
36
[aphorism]
قال بقراط: "إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج فيمن اعترته الذبحة كان ذلك دليلا محمودا."
[commentary]
التفسير: "الورم في الذبحة يكون في داخل الخنجرة كما علمت في المقالة الثانية، فإذا انتقل إلا خارج حتى يظهر في الحلقوم أمن شره في الأكثر، وهذا الفصل قد يضمن أحد جزيات الكلى الذي حكم به حيث قال انتقال الورم الذي يدعى الحمرة من داخل إلا خارج محمود وبالضد مذموم."
37
[aphorism]
قال بقراط: "إذا حدث بانسان سرطان خفي فالاصلح أن لا يعالج فإنه ان عولد هلك وإن لم يعالج بقى زمانا طويلا."
[commentary]
التفسير: "السرطان الخفي هو المبتدي أو الذي لم يتقرح بعد والذي ليس يظهر في سطح البدن بل هو باطن في عمقه. وأما المبتدي والذي لم يتقرح بعد فينبغي أن يداوي ليلا يعظم ولا يتقرح. وأما الباطن فما رأى أحدا ممن رام علاجه إلا وكان تهيجه له بالعلاج أكثر من تخفيفه عن صاحبه. فإن جالينوس حكى أن قوما لما قطعوا سرطانا في أعلى الفم أو في المقعدة أو في الفرج من المرأة وكؤوه لم ير يدوى بالعلاج إلا تذويب صاحبه وتعذيبه بالباطل وبالجملة. فإن للسرطان عروقا يسقيه من جوانبه وليس يمكن قطعها واستيصالها بالكلية ولذلك متى قطع وكوى فإن المادة تولد فيما حواليه أو في موضع أخر سرطان ثانيا. فإن أمكن في موضع استيصالها باصوله فقد أجاز قوم قطعه. وأما الحذاق فهو أعن ذلك إلا أن يكون منقرحا عظيم الاذي فحينئذ يقطع ويكوي بعد أن ينقى البدن من مادته وتبدل مزاج العليل ليلا تولد مادة أخرى ولذلك فإن الاصلح في كل موضع أن لا يمس السرطان بعلاج قوي. فأما المتقرح منه فلا يمكن أن * يعالج (97) بغسل الصديد منه ببعض الرطوبات التي لا تعفن ولا يهيج القرحة بل يسكن الحرقة التي PageVW3P091A فيها بالماء المطبوخ فيه زرجون الكرم وغيره. فأما أن يرام ابراءه فلا ولذلك قال بقراط أنه إن لم يعالج بقى زمانا طويلا لأنه لا يزداد تقرحا ولا يتأذي صاحبه به."
38
[aphorism]
قال بقراط: "التشنج يكون من الامتلاء ومن الاستفراغ وكذلك الفواق."
[commentary]
التفسير: "التشنج هو تقلص العضل نحو أصله لأن الأجزاء العصبية منه تتقلص نحو أصولها بحركة غير ارادية شبيه بما يعرض من تقلصاها في الحركات الإرادية بالأختيار من الحيوان وقد يكون سبب تقلصها تشربها بالرطوبة كالحال فيما يعرض للاجسام العصبية في الهواء الرطب نحو أوتار العيدان. فإنها إذا تشربت برطوبة الهواء امتدت إلى سطوحها فتنقص من طولها لا محالة وقد يكون سببه اليبس كالحال فيما يصيب هذه الأوتار من الشمس والهواء اليابس. فإنها تجمع من سطوحها إلا العمق فينقص من طولها. وهكذا يعرض للاعصاب إذا ابتلت بالرطوبة أو انقبضت باليبوسة، فإنه يعرض لها القصر في الطول فيعرض التشنج. وأما الفواق فليس هو تشنجا في التحقيق لكنه تقلص يعرض لجرم المعدة طلبا لأن يدفع عن نفسه الاذي شبيه بما يعرض في حال القىء إلا أن المعدة تدفع في حال القىء ما هو مصبوب في تجويفها ولذلك فكأما تروم أن ينقلب إلا خارج. وفي حال الفواق يدفع ما هو مداخل لجرمها ولذلك يتقلص في نفسها ولهذا صارت حركتها في الفواق أشد وأقوى لأن دفع ما هو في تجويفها أسهل عليها من دفع ما هو غائص في جرمها. وإذا كان الأمر على ما قلنا فإن تأذي المعدة في نفس جرمها وقد يكون سببه كثرة في الكمية كالحال إذا دخل شيء مما في تجويف المعدة من الامتلاء في نفس جرمها وقد يكون سببه رداءة في الكيفية كالفلفل السحيق بالشراب. فإن الشراب يوصله إلا عمق المعدة وقد يكون سببه اليبس فإن الذي يعرض في جرم المعدة من يقبض أجزائه بسبب الجفاف تروم الطبيعة أن تمدده لتصلحة فلذلك تولد الفواق فقد تبين أن كل واحد من التشنج والفواق يعرض من الإضداد أعني من المتلاء ومن الاستفراغ."
39
[aphorism]
قال PageVW3P091B أبقراط: "من عرض له وجع فيما دون الشراسيف من غير ورم ثم حدثت به حمى حلت له ذلك الوجع عنه."
[commentary]
التفسير: "الوجع فيما دون الشراسيف إذا لم يكن مع ورم ولا مع لذع وحرقة فهو إما لرطوبة أو لسوء مزاج متخلف أو لريح نافخة والحمى تشفي جميعها لأنها تحل وتذيب وتقطع وتلطف وتسوي المزاج المختلف."
40
[aphorism]
قال أبقراط: "إذا كان موضع من البدن قد تقيح وليس بين تقيحه فإنما لا يبين تقيحه من قبل غلظ المادة أو الموضع."
[commentary]
التفسير: "إذا تقيح موضع من البدن ثم لا يتبين تقيحه فإن ذلك إما لغلظ الموضع بمنزلة أسافل الأقدام فإن القيح قل ما يتبين فيها لغلظها وأما لغلظ القيح في نفسه. وآية ذلك أن يخف الحمى والنافض والوجع فقد فهمت من قبل أن في وقت تولد المدة يعرض الوجع والوجع أكثر مما يعرضان بعد تولدها."
41
[aphorism]
قال أبقراط: "إذا أصاب المطحول اختلاف دم فطال به حدث به استسقاء أو زلق الامعاء وهلك."
[commentary]
التفسير: "المطحول هو الذي في طحاله صلابة مزمنة ومتى حدث به اختلاف الدم فذلك محمود حسب ما حكم به بقراط من بعد لأنه يذهب بتلك الصلابة على طريق دفع الطبيعة الدم السوداوي عن البدن بالإختلاف. فأما إذا أزمن فطال اختلاف الدم فإنه يؤهن الحار الغريزي فيفسد مزاج الكبد بالبرد فيحدث الاستسقاء ويفسد مزاج الأمعاء بدوام مرورة عليها فيحدث الزلق. وجالينوس يرى أن مزاج الكبد إنما يفسد بمشاركة الأمعاء في سوء المزاج."
42
[aphorism]
قال أبقراط: "من حدث به من تقطير البول القولنج المعروف بابلاوس وتفسيره المستعاد منه فإنه يموت في سبعة أيام إلا ان يحدث به حمى فيجري منه بول كثير."
[commentary]
التفسير: "تقطير البول إذا كان من كثرة خام دفعته الطبيعة إلى المثانة ثم تدفعه من بعد إلى الأمعاء الدقاق وحدث منه القولنج المستعاذ منه على سبيل الإنتقال من العلة إلى العلة وليس ينفد في هذا القولنج بشيء من الطعام إلى أسفل ولا يخرج شيء بالبراز أصلا إذا كانت الامعاء الفوقانية مسدودة بكثرة خام غليظ وصاحب هذا الداء يهلك في سبعة أيام لأن منهتى الأمراض الحادة جدا لا يتجاوز هذه المدة. فإن حدث به في هذه PageVW3P092A المدة حمى فإنها تذيب الرطوبة ويبول صاحبه بولا كثيرا وبرأ وإلا فيهلك، فهذا ما أمكنني أن أقوله في تفسير هذا الفصل. وأما جالينوس فيستبعد أن ينسد الأمعاء الدقاق بالأخلاط الغليظة الخامة. وقال أن هذا النوع من القولنج يحدث أما من ورم أو سدة أو رجيع يابس ولهذا ف"ني أحسب أن هذا القولنج لا يحدط بهذا السبب في كل وقت بل إذا انضاف إلى الخلط الخام ثقل في الأمعاء. وأرى أن أبقراط لم يذكر هذا الفصل إلا وقد رأه إلا أن يتوهم أنه قد دلس عليه وقد حمل جالينوس أيضا قوله من حدث به من تقطير البول القولنج على أن القولنج إنما يحدث بمشاركة المثانة وإن التقطير المولد للقولنج بهذه المشاركة لا يكون إلا لورم في مثانة، ثم زعم أن ورم المثانة لا يزاحم إلا المعاء المستقيم. فكيف يولد القولنج المستعاذ منه وهو إنما يحدث في الأمعاء الدقاق فإذا كان الأمر كذلك فبالجري أن يكون هذا الفصل يدل مدلسا على بقراط، فهذا ما وجدته قد قيل فيه."
43
[aphorism]
قال أبقراط: "إذا مضى بالقرحة حولا ومدة أطول من ذلك وجب ضرورة أن يتبين منها عظم وإن يكون موضع الأثر بعد اندمالها غائر."
[commentary]
التفسير: "القرحة إنما تمتد حولا أو أكثر من ذلك لا يندمل أو ينتقص بعد الإندمال من غير خطأ من الأطباء لأحد ثلثة إما لعظم فاسد في موضعها أو لرطوبات رديئة تجري إليها أو لسوء مزاج رديء يصير في ذلك الموضع والعرق بينهما إذا كان عظم فاسد أو خلط رديء أو سوء مزاج إن مع العظم الفاسد ربما يندمل القرحة مرات لصحة اللحم الذي حواليها ثم ينتقص بصديد رقيق بفضل من العظم ويجري قليلا قليل من ذلك الموضع ثم يرم من الرأس ويتولد فيه المدة ويتغور الموضع حتى يتبين العظم. وأما مع الرطوبات وسوء المزاج فليست تندمل ما لم يصلح أمر * السبب (98) المانع وأيضا فإن الموضع من العظم الفاسد لا يكون واسع الغور حسب ما يكون مع الأخرين ويكون اللحم الذي على حواليها صحيحا صلبا. وأما الأخران فموضعهما واسع فاسد اللحم الذي حواليه ولا يزال يزداد ان سعته وردائته لأن القرحة اصناف فمنها ما يسعي في سطح البطن ولا يتجاوز الجلد ويسمي نملة ونار فارسي ومنها ما يسعي فيما دون PageVW3P092B الجلد من اللحم ويسمي آكلة، ومنها ما يكون مع خشكريشة والتهاب قوي فيما حواليها ويسمي حمرة، ومنها ما يكون مع عفونة ويكون عند ذلك مركنة إذا القرحة شيء والعفونة شيء أخر. فإن بقراط عنى بالقرحة في هذا الموضع ما كانت عارية عن هذه الأعراض وبرؤ القرحة التي فيها عظم فاسد يتم بإخراج ذلك العظم، وذلك بأن يزال اللحم بالدواء الحار ثم يقلع العظم إلا أنه يبقي بموضع القرحة غور بعد اندمالها بحسب الجزء الذي ذهب، فإن لم يكون العظم فسد كله بل تأكل سطحه وتفيت فقط ويجب أن يحل الموضع الفاسد منه كله ويحك اللحم ثم يعالج بما ينبت اللحم."
44
[aphorism]
قال أبقراط: "من أصابته حدبة من ربوا وسعال قبل أن ينبت فإنه يهلك."
[commentary]
التفسير: "الحدبة إذا حدثت من تلقاء النفس من غير سقطة ولا ضربة فإنه بإخراج يخرج في مقدم الفقارات. فإن جذب فقارة واحدة أو فقارات متوالية إلى داخل حدث تقصع في الظهر من خلف. وإن كان جذبه الفقارات لأعلى التوالي وجد بجذبه باب في الظهر لأن الفقارات التي هي المتجذبةه منها إلى داخل وإلى خارج وهذا الخراج متى كان صلبا لا يتصح ولا يتقيح فقد يمكن أن يعيش صاحبه مدة ما وإن كان عظيما وفي موضع دي خطر كان ما يحدثه من عسر النفس شديد بسبب الضيق الحادث لإنحناء؟CB1 199 A الإضلاع أولا ولشغل الخراج فضاء الصدر ثانيا وبالجري أن يكون لذلك مهلكا. وإن كان بحيث يجمع المدة فإذا انفجر وصار منه شيء إلا قصبة الرئه أحدث السعال وكان هلك لصاحبه لما يحدثه من الضيق في قصبة الرئه وذلك أن الضيق يتوفر حينئذ على الرئه داخلا وخارجا وواجب إذا كان هذا حادثا بمن لم يدرك بعد أن يكون أقبل له لأن القلب والرئه إذا لم ينم ما يحيط بهما من الإضلاع بما سائر البدن بسبب الخراج فبالجري أن يهلكه سريعا ولأن النفس الذي يعظم ويتواتر شديدا فيمن يحظر أو يرتاض رياضة شديدة يسمي ربوا. وكان النفس يصير في صاحب الخراج كذلك فبالجري قال بقراط من PageVW3P093A أصابته حدبة من ربوا وسعال قبل أن ينبت فإنه يهلك."
45
[aphorism]
قال أبقراط: "من احتاج إلى الفصد أو شرب الدواء فينبغي أن يسقي الدواء أو يفصد في الربيع."
[commentary]
التفسير: "إنما يحتاج إلى الفصد أو شرب الدواء من هو صحيح لأنه إن لم يفصد أو لم يشرب الدواء وقع في مرض إن كان يعتاده أو يتوقع حدوثه له وهذا هو التدبير الذي يعرف بالتقدم بالحفظ. وإنما يفصد في الربيع إن كان حال البدن حال الامتلاء ويشرب الدواء فيه إن كان حال البدن حال فساد الكيموسات لأن تولد الدم والأخلاط أجمع يتوفر في الشتاء إلا أنها تكون كالجامدة لبرد الهواء وينبسط ويكثر في الربيع. فمتى لم يفصد أو لم ينق بالدواء فيه انصب إلى الموضع الذي قد اعتاد مصيره إليه أو إلى الموضع الذي هو أضعف أو هو أكثر استعدادا لقبوله فيولد أمراضا. وأيضا فإن الإستفراغ من شأنه أن يضعف القوة والربيع أعدل الأوقات والقوة تقوي بالإعتدال فيغتنم الاستفراغات الصحية في هذا الوقت إلا أن ما كان من الكيموسات أرطب كالمواد البلغمية. فليقدم استفراغها في أوائل الربيع ليلا يذوب فينصب إلى الموضع من البدن وما كان منها أغلظ كالمواد السوداوية. فالأولى أن يؤخر استفراغها إلى أواخر الربيع ليتلطف بعض اللطافة. وأما الكيموسات الصفراوية فلا على أربابها أن يستفرغوها في أي وقت اختاروا. وإن كان جالينوس يقول أن استفراغها باخرة في الربيع أجود وهو يحكي أنه حفظ عدة من الناس من معاودة أمراض اعتادوها بالفصد والتنقية في الربيع كنفث الدم وحميات الغب والنقرس واوجاع المفاصل وكالسرطان والجذام والوسواس السوداوي وكالربوا والصرع والفالج وإنما صار استفراغ البدن يجب أن يكون في بعض الفصول بالقيء وفي بعضها بالإسهال لأن فصول السنة بحدث بطباعها في الأبدان أخلاطا مختلفة. فالفصول الحارة تحد الأخلاط وتلطفها وتولد المرة فيجب استفراغها بجذتها من فوق. والفصول الباردة PageVW3P093B تحدث بطبائعها أخلاطا غليظة ثقيلة فيجب استفراغها من أسفل بالاسهال
[commentary]
قال أبقراط: إذا حدث بالمطحول اختلاف دم فهو محمود" وهذا قد قدم تفسيره
46
[aphorism]
قال أبقراط: "ما كان من الأمراض من طريق النقرس وكان معه ورم حار فإن ورمه يسكن في أربعين يوما."
[commentary]
التفسير: "النقرس فضل ينحدر إلى مفصل القدمين فينصب أولا إلى فضاء المفصل ثم إلى ما حوله. وإذا امتلأت المفاصل تمددت الرباطات التي تحيط بها وليس يرم العصب والأوتار بل يجتمع بتمديدها ولذلك لا يحدث بالمنقرس تشنج ويختلف المادة في اللطافة والغلظ فاللطيفة يتحلل في مدة أقل والغليظة في مدة أطول إلا أن الغليظة لا يتجاوز تحللها أربعين يوما إذا أحسن الطبيب التدبير والمريض الحمية وأيضا فإن المادة تتحللل من بعض المواضع أسرع وأسهل ومن البعض أبطأ وأنكد ولهذا صار يتأخر مدة تحلل الأورام في المفاصل عن مدة تحلل الأورام الحارة الحادثة في المواضع اللحمية وهي مدة انقضاء الأمراض الحادة التي هي أربعة عشر يوما لأن جوهر اللحم أسخف وأشد تخلخلا من طبيعة الرباطات. وذلك كما أن الرباطات والأوتار والأعصاب ترم ابطاء لأنها أعسر قبولا للمادة لتبلدها وكثافتها وصلابتها كذلك التحلل عنها يكون أبطىء والمواد التي في أفضية المفاصل تحتاج أن تلطف وتسخن وتنفد في هذه الآلات الكثيفة المتلززة ولذلك جعل بقراط حد إنقضاء الورم في أصحاب النقرس الأربعين لأنه حد الأمراض التي جاوزت الحادة ولم يدخل بعد بالتحقيق في عدد الامراض المزمنة."
47
[aphorism]
قال أبقراط: "من حدث في دماغه قطع فلا بد من ان يحدث حمى وقيء مرار."
[commentary]
التفسير: "الحمى تعم كل قطع في عضو يتبعه ورم حار وقيء المرار يعرض لمشاركة المعدة الدماغ وفي زوج العصب وقد تعرض الحمى وقيء المرار لهؤلاء من قبل الوجع الشديد وذلك أن شدة الوجع تهيج الحرارة فالحرارة تجلب المواد والصفراء يسبق غيرها للطاقتها وخفتها PageVW3P094A ويصعد إلى المعدة والرأس وتحدث الحمى والقيء سيما إذا كانت المعدة ضعيفة. فإنها تقبل المرار سريعا ولذلك تنصب إلى المعدة الممرور إذا ابطأ عنه الطعام كثيرا مرار تسقط شهوته للطعام ويوجد في بعض النقول "من أصاب صفاق دماغه قطع أخذ صاحبه حمى وقيء مرار" وبالجري أن يحدث الحمى وقيء المرار إذا كان القطع واقعا بالغشاء الصلب المحيط بالدماغ لأنه يتصل بالدماغ في مواضع كثيرة منه."
48
[aphorism]
قال أبقراط: "من حدث به وهو صحيح وجع بغتة في رأسه ثم أسكت على المكان وعرض له غطيط فإنه يهلك في سبعة أيام إن لم يحدث به حمى."
[commentary]
التفسير: "الصحيح إذا حدث به بغتة صداع فهو لريح غليظة نافخة أو لمادة مالت إلى الرأس دفعة. وبالجري أن تكون المادة البلغمية إذا كانت الحمى تحلها. وإذا صار إلى الدماغ أحد هذين فإنه يصيب صاحبه السكبة والغطيط الذي يعرض له يدل على قوة العلة لأن الأعصاب تسترخي. فلا يفعل العضل تحريك الصدر إلا بجهد شديد حركة ضعيفة. وهذه العلة تقتل في سبعة أيام فما دون ذلك وذلك أن النفس متى كان ضعيفا خفيا جدا فما أقل بقى صاحبه ثلثة أيام فضلا عما فوقه. فإن لم يكن بذلك الخفى أو الإستكراه لم يتجاوز السبعة الايام لأن العلة إذا كانت واقعة بعضو شريف لم يحتمل صعوبة المرض أكثر من هذه المدة إلا أن تحدث بصاحبه حمى في اثنا ذلك. فإنها إذا حدثت استخنت ولطفت وحللت."
49
[aphorism]
قال أبقراط: "قد ينبغي أن يتفقد باطن العينين في وقت النوم فإن يتبين شيء من بياض العينين والجفن مطبق وليس * ذلك (99) بعقب الإختلاف ولا شرب الدواء فتلك علامة رديئة مهلكة جدا."
[commentary]
التفسير: "ظهور بياض العين في النوم مع طلب التغميض إذا لم يكن من عادة المريض في صحته أن يظهر بياض عينيه أو لم يتقدم استفراغ فالأولى أن يدل ذلك على ضعف القوة المتحركة للأجفان ولذلك يعرض هذا العارض بعينه PageVW3P094B عند اللذة لأن الروح يتحلل فيها كثيرا فيتراخي القوى. وقد قال جالينوس أن هذا قد يعرض في الأمراض الحادة بسبب اليبس. فإن الاعضاء تجف في هذه الأمراض فتصير بمثابة * الجلد (100) المدبوغ إلا أن الرازي يخطئه قائلا بأن هذا يعرض كثيرا للناس في وقت النوم وغيره ويبطل سريعا, ولو كان من اليبس لم يجز أن يبطل * سريعا (101) . وكأنه فهم من جالينوس استيلاء اليبس وهو خطأ لكن عضل الأجفان لما كانت قريبة الوضع من الدماغ جدا صار ينالها يسير الجفاف سريعا عند أدنى حر الدماغ سيما واليبس * يستولى (102) على الاجفان إلا أن ذلك الجفاف لا يكون مستوليا. فلذلك يزول سريعا ولذلك يعرض هذا الشارب الدواء وفي الهيضة والذرب ثم يزول بسرعة ولا محالة أن ذلك يعرض بسبب الجفاف ولم كان الجفاف مستوليا لما كان يزول أصلا وعمت الأفة غيرها من الأعضاء وأفهم أن حال الفم في عدم الانطباق على التمام وفي وقت النوم حال العين بعينها في الدلالة على ضعف القوة فإن عضلة الصدع المنطبقة للفك قريبة الوضع من الدماغ ويشاركه في ثلاثة أزواج من العصب فيسير ما يناله من الضعف يوجد موثرا فيها."
50
[aphorism]
قال أبقراط: "ما كان من اختلاط العقل مع ضحك فهو سليم وما كان منه مع هم وحزن فهو أشد خطرا."
[commentary]
التفسير: "الاختلاط مع الضحك أقل خطرا وهو معنى قوله سليم لأن الخلط المهيج له يكون مع حرارته رطبا. وبالجري أن يكون ذلك دما أسود من غير خلط رديء ويكون حال دماغ صاحبه حال دماغ السكران. وذلك أن الرطوبة لا تنكي الدماغ نكاية شديدة وإنما صار هذا الإختلاط مع ضحك لأن الحار الدومي أكثر غريزيا ومعه رطوبة تعينه على الإنبساط فيعرض حالة شبيهة بالفرح والرعونة. وأما الإختلاط الذي معه تقحم وإقدام فهو أكثر خطرا لأنه يكون من حرارة ويبس والحرارة تكون نارية شديدة اليبس ونكايتها للدماغ قوية. والاختلاط الذي معه هم وحزن متوسط بينهما لأنه يكون من برد ويبس واحتراق رمادي، وإنما يكون الهم PageVW3P095A والحزن لأن البرد يجمع واليبس يقبض وكلاهما يمنعان الحار من الإنبساط فيعرض حاله هي ضد الفرح وهي الهم والحزن. ولهذا قالو أن الطحال من آلات الضحك بالعرض لأنه يصفي الدم من الخلط البارد اليابس فيخلص الدم حال رطبا. وذكر جالينوس أن الاختلاط المري معه هم وحزن وبالجري أن يكون ذلك إذا صار احتراقه رماديا. وأفهم أن أعسر اصناف الاختلاط انحلالا ما كان عن احتراق الخلط الأسود وأكثرها تقحما وإقداما ما كان عن احتراق المرة الصفراء وأسلمها ما كان عن احتراق البلغم وأقلها حزنا وكابة ما كان عن احتراق الدم."
51
[aphorism]
قال أبقراط: "نفس البكاء في الأمراض الحادة التي معها حمى دليل رديء."
[commentary]
التفسير: "عنى بنفس البكاء أن ينقطع في الوسط حتى يكون دخول الهواء وخروجه في مرتين كالحال عند بكاء الصبي. وهذا هو الذي عناه بالتغير في الرابعة وسببه في الأمراض الحادة إما من ضعف عضل الصدر تابع القوة وإما صلابة من آلات التنفس وإما التهاب من القلب شديدا جدا. وذلك أن القوة الضعيفة إذا أعجزت عن أن تبسط الصدر تقدر الحاجة وقفت كالمستريح ثم يعود فتستمر فعلها. والآلة الصلبة لا يواتي القوة التي يبسطها فيقف بالإنبساط قسرا, وسبب الصلابة في هذا الموضع هو اليبس،وفي غير الأمراض الحادة قد يكون بردا وتمددا من ورم والقلب إذا التهب جدا حفر القوة حتى يقطع الانبساط في الوسط * طلبا (103) الإخراج الاجزة الدخانية بالانقباض ويقطع الإنقباض قبل تمامه طلبا التناول الهواء للترويح. وأما عند البكاء فيعرض مثل هذا النفس لشغل الإنسان بما عرض له من الحزن فلا يتنفس بمقدار الحاجة حتى إذا حمى القلب جدا ينتبه على استمام الحاجة من النفس لم تمهل حرارة القلب أن يجري الإنبساط على المقدار * الواجب (104) بل يحويج إلى قطعه."
52
[aphorism]
قال أبقراط: "علل النقرس تحرك في الربيع وفي الخريف على الأمر الأكثر."
[commentary]
التفسير: "الأخلاط تكون في الشتاء ساكنة كالجامدة وتذوب وتبسط في الربيع ويكثر انصبابها إلى المواضع الضعيفة والتي اعتاد السيلان إليها. وأما في الصيف فتكون PageVW3P095B متحللة فلا تجتمع وتنحصر بالبرد الخريفي في بواطن الأبدان وقد احتدت بحرارة الصيف وزادت بالإستكثار من الفواكه الرطبة فنصب إلى الموضع الذي عرفت ولذلك فإن علل النقرس تتحرك في الربيع وفي الخريف على الأكثر."
53
[aphorism]
قال أبقراط: "الأمراض السوداوية يخاف منها أن تأول إلى السكتة والفالج والتشنج والجنون والعمى."
[commentary]
التفسير: "أحسب أنه لم يعن بالأمراض السوداوية نفس الأمراض بل المتهيئين للوقوع فيها * لمن (105) يكون في صحته ماليخوليا. فإن هؤلاء مستعدون للوقوع في الأمراض التي ذكر على أنه لو فهم منه نفس الأمراض كان جديرا بأن يكون حقا. فإنا نرى كثيرا ممن به صرع سوداوي برأ منه بجنون يصيبه كما يوجد كثيرا ممن به جنون برأ بصرع يعرض له ولا التفات إلى ما قاله الرازي من أنه رأى من يطول به الماليخوليا والسرطان في الوجه وفي أصول الأذن وفي الثدي وفي مواضع أخر كثيرة ولا يصيرون لا إلى السكتة ولا إلى العمى لأن ما لم يره الرازي مما يندر وجوده لا يقوم بقضاء على ما يصححه القياس. وإذا كان الأمر على ما * قلنا (106) ثم كانت الأمراض التي ذكرناها ماعدا الجنون يحدث عن الخلط الأسود حسب حدوثها عن البلغم فلا عجب أن ينقل البعض منها إلى البعض. وأما الجنون فقد ينتقل إليه الأمراض السوداوية إذا احترق الخلط الأسود."
54
[aphorism]
قال أبقراط: "السكتة والفالج يحدثان خاصة لمن كان سنة فيما بين الأربعين إلى الستين."
[commentary]
التفسير: "أما جالينوس فرأى أنه عنى بالسكتة والفالج ما يحدثان عن السوداء وهما يعرضان للكهول لأن * سنهم (107) يقتضي غلبة هذا الخلط وذلك فلو وصل هذا الفصل بما قبله فقيل الأمراض السوداوية تخاف منها أن تؤول إلى السكتة والفالج الذان يحدثان خاصة لمن سنة فيما بين الأربعين إلى الستين كان حقا. فأما السكتة والفالج الحادثان من البلغم فيحدثان في السنن الذي يتلوا هذا. وأما الرازي فزعم أنه لم يعن بهما إلا الحادثان من البلغم لأنه لا سن من الإنسان أشد استعدادا لهذين المرضين إذا حدثا من البلغم من PageVW3P096A سن الكهول من قبل أن كلي سن الصبى والشباب حاران بعيدان من حدوث الأمراض الباردة الرطبة، وفي الصبى إن كان رطوبة فإن حرارته غريزية والتحلل يتوفر فيه فيسلم من الأمراض الرطبة. فأما الشبان فمزاجهم مضاد في الكيفيتين جميعا للبلغم، وأما المشايخ فاليبس غالب على أمزجتهم. فإن الحيوان كلما كان أسن كان دماغه * أجف (108) فلم يبق من الاسنان ما هو أكثر استعدادا لهذين المرضين إذا كانا بلغميين من الكهول. فأما أن الكهول مستعدون لهما من * أجل (109) غلبة السوداء فبعيد لقلة حدوثهما من السوداء حتى لم يجد طبيبا يروم أن يرطب مفلوجا أو مسكتا، وافهم أن ما ذكره الرازي هو علة لا مكان وجود هذين المرضين من البلغم في سن الكهول وليس هو علة في أن الكهول أقبل لهما من سائر الإسنان من قبل أن المشائخ. وإن كانوا أجف من سائر الإسنان أعضاء أصلية فإنهم أرطب الإسنان رطوبات فضلية. وهذان المرضان إنما يعرضان من الرطوبات الفضلية دون الأصلية، وإذا كان سن المشائخ بهذه الصفة ثم هو أبرد * الأسنان (110) الأخر مزاجا وبالجري أن يكون أشد الأسنان استعدادا القبولة في هذين المرضين من البلغم. ولو لم يوجد من مائة ألف مفلوج ومسكوت إلا واحد له أحد هذين المرضين من السوداء كان قول جالينوس في أن الكهول أقبل لهذين المرضين من السوداء صحيحا."
55
[aphorism]
قال أبقراط: "إذا بداء الثرب فهو لا محالة يعفن."
[commentary]
التفسير: "الثرب غشاء * ينبسط (111) * في (112) المعدة فما دونها فمتى ظهر في * الجراحات (113) الواقعة بالمراق ولبث أنى لبث مكشوفا فإنه يبرد بردا إذا أرد إلى موضعه لم إلى مزاجه بل يعفن بحصوله في موضع حار, فيولد في الجراحة فتقاء ولذلك يقطع الاطباء ما يبدؤ منه اللهم إلا أن يكون زمان ظهوره قصيرا جدا والزمان حارا أو يسيل عليه دم حار. فإنه إذا صادف هذه الإتفاقات لم يبرد، وإذا أرد إلى موضعه لم يعفن. وربما يعفن ويسود قبل الرد إلى موضعه، وذلك إذا لبث أكثر قليلا مكشوفا. فأما ما يظهر من الثرب من أطراف الكبد والتفافات PageVW3P096B الامعاء فإنها وإن بردت بردا شديدا فإنها لا تصير بحيث إذا ردت إلى موضعها لم يعد إلى طبعتها الأولى، ولذلك لا يعفن ولا يولد الفتق في الجراحة."
56
[aphorism]
قال أبقراط: "من كان به وجع النساء وكان وركه ينخلع ثم يعود فإنه قد حدث فيه رطوبة مخاطية."
[commentary]
التفسير: "مهما اجتمع في نقرة مفصل الورك رطوبة بلغمية ابتلت * معها (114) رباطات فاسترخت خرج لأجلها الزائدة التي في عظم الفخذ عن النقرة التي في عظم الورك خروجا سهلا سريعا ويعود أيضا إلى موضعه * سريعا (115) ."
57
[aphorism]
قال أبقراط: "من اعتريه وجع في الورك مزمن وكان وركه ينخلع فإن رجله كلها يضمر ويعرج إن لم يكوء."
[commentary]
التفسير: "متى عرض لمفصل الورك ما ذكره من الانخلاع بسبب الرطوبات البلغمية المخاطية فإنه يعرض للرجل أولا أن يعرج إذا لم يرجع إلى موضعها ثم تضمر على طول الزمان وينقبض كما يعرض لسائر الأعضاء التي تعدم حركتها الطبيعية ولأن تجاويف العروق التي هي مصب الغذاء إلى الرجلين يفسد بالألتواء فيعدم الرجل غذأها لكلي المعنيين إلا أن يكوى الموضع. فإن تلك الرطوبة يفني بالكلي ويشتد رخاوة الجلد في الموضع الذي كان يقبل ذلك العظم إذا انخلع فيمنعه عن التقلب عن موضع بعده." PageVW0P00 0
المقالة السابعة
1
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف في الأمراض الحادة دليل رديء.
[commentary]
التفسير: برد الأطلاف كالأنف والأذنين والكفين والقدمين في الأمراض الحادة يدل على أن في الأعضاء الباطلة ورما يبلغ من حرارته أن يجتذب الدم إليه بمنزلة جذب المحجمة الدم من البدن كله فتبرد الأطراف لنقصان الدم فيها وتلتهب الأحشاء التهابا لا يقدر صاحبه أن يلقى عليه ثوب. وقد علمت في الرابعة أن برد الأطراف في الأمراض الحادة قد يكون لنقصان الحار الغريزي وضعفه عن الانتشار إلى الأطراف، ولا يكون مع هذا الضرب التهاب في الداخل ولا شيء من علامات الورم. وأما في الأمراض المزمنة فليس برد الأطراف بدليل PageVW0P202A سوء ويستعان في هذا الباب بالفصل السادس والعشرين من هذه المقالة.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت في العظم علة وكان لون اللحم عنها كمدا فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: العظم إذا قبل عفونة شديدة فإن اللحم الذي ينبت بعد انكشافه يكمد لونه لأن الصديد الذي ينصب من ذلك العظم يكون حارا عفنا. وربما اسود اللحم ويكون رخوا ويوجد الصديد * أشد (1) نتنا ويكون * أكالا (2) خبيثا ويحتاج عند ذلك إلى العلاج بالكي لأن الدواء الحار * قلما (3) ينجح فيه والأسعى سعيا وحيا. وأما إذا كان الفساد والعفونة في العظم يسيرا لم يكن اللحم فاسدا للون، ولهذا علق رداءة الدلالة بفساد اللون اللحم.
3
[aphorism]
قال أبقراط: حدوث الفواق وحمرة العينين بعد * القيء (4) PageVW5P082A دليل رديء.
[commentary]
التفسير: * حمرة العينين تلزم الورم الحار في الدماغ لأن الآلات الخاصية بهما ناشية إما من الدماغ نفسه أو من غشائه، ويلزم ورم المعدة لأن القيء الذي PageVW0P202B يعرض معه يملأ الدماغ مرارا أو أبخرة مرارية فتهتك (5) الغشاء فتحمر له * العينان (6) ، إلا أنها بورم الدماغ أخص. وأما الفواق فيلزم * من (7) أذى المعدة إذا كان المؤذي في جرمها دون * تجويفها (8) سيما إذا كان المؤذي في فمها أو في المريء. ومتى لم يكن المؤذي فيها دل على أن الدماغ الذي هو مبدأ العصب قد حدث فيه ورم عظيم بالقرب من * زوج (9) العصب المنحدر إلى المعدة. وكذلك * فإن (10) الفواق الحادث عند القيء إذا اقترن به حمرة العينين دل على ورم إما في المعدة أو في * الدماغ (11) . وقد يحدث الفواق بعد القيء المفرط وبعد جميع الاستفراغات الأخر إذا * أفرطت (12) ويدل على الهلاك لأن حدوثه يكون من اليبس فالأول دليل رديء والثاني مهلك.
4
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد العرق إقشعرار فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
التفسير: القشعريرة بعد العرق تدل على أن الكيموس الذي اندفع بالعرق لم يكن نضيجا وأن الطبيعة للم يمكنها PageVW0P203A أن تمسكه إلى وقت الإنضاج التام بل دفعته للضرورة ثم لم تقو على إخراجه مع العرق. ولذلك يدل إما على خور الطبيعة وانهزامها فيعرض الهلاك وإما على تطاول المرض إن اقترن به سائر علامات السلامة.
5
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء أو حيرة فذلك * دليل (13) محمود.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون عنى باختلاف الدم خروجه من أسفل عند انفتاح العروق التي في المقعدة. فإن الدم السوداوي والذي ناله ضرب من الاحتراق يستفرغ به، وذلك محمود. وقد يبرأ الجنون بالاستسقاء على طريق الانتقال من العلة إلى العلة، وذلك إذا عجزت الكبد عن دفع الفضلة الجنونية عن * نفسها (14) فتحتبس فيها وتولد الاستقساء، وليس ذلك بمحمود لأن أبقراط من عادته أن يطلق هذا الحكم على أمثال هذا اللهم إلا أن يحتمل قوله «فذلك دليل محمود» على الاطلاق بل PageVW0P203B بحسب الإضافة وهو انتقال المرض من عضو أشرف * إلى (15) آخر أقل شرفا مما * يحمد (16) والدماغ أشرف من الكبد إلا أن في هذا بعد نظر لأن القوى الدماغية وإن كانت أشرف فإنما يحتاج إليها في حسن الحياة والقوى الكبدية يحتاج إليها في إبقاء * الحيوة (17) . وأما الحيرة فقد قال جالينوس إنها * بالزيادة (18) في الجنون أولى من أن يزيله * إلا (19) أن يفهم منه اشتداد الجنون فإن من الأمراض ما إذا اشتد جلب بحرانا فزال. ولذلك قال قد رأينا لمن به جنون يسير اشتد * به (20) جنونه فقوي * ودام (21) * فكان (22) بذبك سكونه. ولعله عنى بالحيرة ضد الاشتداد وهو هدوء الجنون حتى لا يكون معه توثب وإقدام PageVW5P082B ولا محالة أن الطبيعة أقوى * معه (23) على نضج مادة العلة ودفعها. وأنا أحسب أن هذا من الفصول المدلسة فإن الاضطراب فيه كثير.
6
[aphorism]
قال أبقراط: ذهاب الشهوة في المرض المزمن والبراز الصرف دليل رديء.
[commentary]
التفسير: ذهاب الشهوة بعد تطاول المرض يدل على موت القوة الشهوانية. وقد كان يجب بعد PageVW0P254A تطاول المرض أن تنهض الشهوة عند انخزال المرض، ولذلك صارت الهشاشة للطعام في كل مرض علامة جيدة كما ذكر من قبل. وأما البراز الصرف فقد قال جالينوس إنه الذي لا تخالطه مائية لكنه من جنس المرار إما الأصفر أو الأحمر أو * الكراثي (24) أو الزنجاري أو السوداوي، ويدل هذا على أن الحرارة قد أفنت مائية البدن، وذلك دليل رديء. وفي بعض النقول * «وولوع (25) الاختلاف» فيكون المعنى فيه سقوط القوة. والأولى عندي أن يكون أبقراط عنى بما قاله الجمع بين ذهاب الشهوة والبراز الصرف فإنهما إذا اجتمعا * دلا (26) على الرداءة للعلة التي عرفتها من قبل حيث قال الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن دليل رديء.
7
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث من كثرة * الشراب (27) إقشعرار واختلاط ذهن فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: شرب الشراب إذا بلغ من كثرته أن يخنق الحار الغريزي ويخمده صنيع الحطب الكثير بالنار فيولد لذلك النافض PageVW0P204B أو يملأ الدماغ دما وريحا حارين، وذلك فيمن هو أسخن مزاجا سيما مزاج الرأس. ويولد لذلك اختلاط العقل فبالحرى أن يكون ذلك دليلا رديئا.
8
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انفجر خراج إلى داخل حدث عن ذلك سقوط القوة وقيء وذبول * نفس (28) .
[commentary]
التفسير: عني بالخراج الدبيلة. فإذا انفجرت إلى داخل ثم كان انفجارها إلى المعدة حدث القيء. وإن كان إلى الصدر والرئة حدث الاختناق والسعال وإلى المعاء * اختلاف (29) المدة، وإنما يعرض سقوط القوة بسبب الانفجار دفعة، فإن كل انفجار دفعة مولد للغشي والسقوط كما فهمته من قبل، وذلك لانحلال الروح الحيواني كثيرا. ولأن الأعضاء تتأذى بالقيح جدا فيعرض لذلك دبول النفس، وإنما يعرض * القيء (30) لأن الانفجار على الأكثر يكون إلى المعدة والأمعاء.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن سيلان الدم اختلاط في الذهن أو * تشنج (31) فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: PageVW0P205A جالينوس يرى أنه عنى باختلاط الذهن اضطراب أفعال الدماغ بسبب الخواء فإن العضو إذا ضعف شديدا اضطربت أفعاله كالحال في اليد والرجل المرتعشين PageVW5P083A إذا لم * يتمكنا (32) من الثبات لضعفهما، وهذا دليل رديء. ويمكن أن يكون اختلاط من اختلاف الدم غير هذا، فإن مع اختلالف الدم * به (33) تحتد المرة فإذا صارت إلى الدماغ حدث اختلاط قوي، وهذا * يدل (34) على المكروه لأن مع الاختلاف يجب أن تنحدر المرة إلى أسفل فإذا تصاعدت إلى فوق دلت على رداءة الحال. والفرق بين الاختلاطين أن الحادث من الخواء لا يكون قويا ويحدث بأخرة عند سقوط القوة أو الإشراف عليه ، * وكأنه (35) حالته شبيهة بالهذيان عند الاستسقاط أو تقاربه والآخر يكون اختلاطا تاما ويحدث قبل الاستسقاط . وأما التشنج فيدل على جفاف الأعضاء الأصلية حتى يبلغ الأمر بالأعصاب إن صارت إلى التشنج، PageVW0P205B فإن عنى أبقراط بأن اجتماع الأمرين * دال (36) على غاية الرداءة، * وإن (37) عنى به انفراد أحدهما فالتشنج أقوى دلالة على الهلاك.
10
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث في القولنج المستعاذ منه قيء وفواق واختلاط ذهن * وتشنج (38) فذلك دليل سوء.
[commentary]
التفسير: العرض الذي لا يفارق هذا الضرب من القولنج هو أنه لا ينحدر شيء من الثفل إلى أسفل. وإنما يعرض التهوع عند اشتداد الأمر، وذلك إذا لم تقدر الطبيعة أن تدفع * شيئا (39) إلى أسفل لانسداد الطريق فتروم أن تدفع من فوق. * وإن (40) اشتد التهوع تقيأ الرجيع لأن الأمعاء إذا اشتاقت إلى دفع ما فيها من * البراز (41) لطول مكثه فيها ولم يتأت لها أن تدفعه إلى أسفل اضطرت أن تتحرك حركة مستكرهة بخلاف طبيعتها فتقذف * بما (42) يؤذيها إلى فوق، ويكون ذلك عند الإشراف على الهلاك. والتشنج والاختلاط يعرضان * لمشاركة (43) الدماغ المعدة في الآفة.
11
[aphorism]
PageVW0P206A قال أبقراط: إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: رداءة هذا من قبل أن المادة إذا كانت من الكثرة بحيث لا تسعها الأضلاع حتى يفيض منها شيء إلى الرئة حدث ذات الرئة، ولا ينعكس هذا حتى يحدث من ذات الرئة ذات الجنب لأن المادة في ذات الرئة إن كانت يسيرة خرجت بالنفث، وإن كانت كثيرة أهلكت بالخنق. ويوجد هذا الفصل في بعض النسخ «من بعد ذات الجنب ذات الرئة». وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن من شأن ذات الجنب أن ينتقل إلى ذات الرئة والآخر أن ذات الرئة يحدث بعد ذات الجنب. ومن البين أن ذات الجنب يسكن في الانتقال إلى ذات * الرئة (44) وأنهما يجتمعان إذا حدث ذات الرئة بعد ذات الجنب إما اجتماعهما فعلى الوجه الذي قلناه وإما حدوث ذات الرئة بعد سكون ذات الجنب فعلى طريق PageVW5P083B الانتقال في العلة أو لأن المادة تولد في انفجار في ذات الجنب سوء مزاج في الرئة يتبعه ورم فيحدث PageVW0P206B ذات الرئة.
12
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ذات الرئة السرسام.
[commentary]
التفسير: هذا ليس يعرض دائما لكن إذا كان ذات الرئة من فضل حاد كثير مراري يرتفع له إلى الرأس بخار حاد كثير فإنه يملأه ويولد السرسام. ويوجد هذا الفصل في بعض النقول «إذا تبع ذات الرئة السرسام كان ذلك دليلا رديئا». وهذا إن فهم اجتماعهما * فالرداءة (45) من قبل اجتماع المرضين معا.
13
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الاحتراق الشديد التشنج والتمدد.
[commentary]
التفسير: التشنج والتمدد من أي احتراق كانا من الحمى الشديدة أو من حر الهواء أو من الكي بالنار فإنهما يحدثان عن يبس العصب، ولذلك فهما رديئان. ويمكن أن يفهم على أن الاحتراق يجلب المادة بنفسه وبتوسط ما يهيجه من الوجع والمادة * تورم (46) فيحدث التشنج والتمدد * الامتلائين (47) ، وذلك * شر (48) إلا * أنه (49) أقل شرا من الأول.
14
[aphorism]
* قال أبقراط: وعن الضربة على الرأس البهتة واختلاط الذهن رديء (50) .
[commentary]
التفسير: البهتة هي أن يبقى الإنسان ساكنا PageVW0P107A لا يعقل من أمره شيئا، * وهذه (51) واختلاط العقل يدلان على أن الضربة وصلت إلى الداخل وأن الآفة قد نالت الدماغ نفسه وأن القوى الدماغية اضطربت أفعالها أو رجعت عن التصرفاتها * أصلا (52) . وذلك أن الدماغ إما مبدأ * للقوة (53) المدبرة أو آلة لتصرفاتها، ولذلك بالحرى أن تعرض البهتة والاختلاط عند ما تناله الآفة.
15
[aphorism]
قال أبقراط: وعن نفث الدم نفث المدة.
[commentary]
التفسير: إنما يتبع نفث الدم نفث المدة إذا كان بقايا الدم الذي ينفث يستحيل في مجاري الرئة إلى المدة، وذلك إذا كان الدم رديئا سريع الاستحالة. وأحسب أن جالينوس هذا عناه بقوله إن ليس كل دم ينفث يتبعه نفث المدة بل الدم الخبيث ودم الرئة على الأكثر هو بهذه الصفة. ويمكن في الدم المنفوث إذا كان حريفا أن تقرح الرئة ويحدث لذلك * ورم (54) فيها. فإذا تقيح صار إلى نفث المدة. وعلى هذا الوجه يحدث من نفث المدة السل.
16
[aphorism]
PageVW0P207B قال أبقراط: وعن نفث المدة السل والسيلان، فإذا احتبس البصاق * مات (55) .
[commentary]
التفسير: إذا كان نفث المدة من الرئة تقرحها فمن البين أنه قد يؤذي إلى السل وهو هزال البدن مع حمى دقية بسبب قرحة الرئة. والسيلان يطلق عند اليونانيين على انتثار الشعر. فإن كان هذا عناه * أبقراط (56) فإنما يحدث ذلك من فناء غذائه واستيلاء الجفاف على البدن عند غاية PageVW5P084A الهزال. وإن كان عنى به انطقال الطبيعة فإن ذلك قد يحدث أيضا بأخرة من السل ويدل على ضعف القوة، وكلاهما يعرضان عند قرب الهلاك. وإنما يحتبس البصاق إذا ضعف العليل عن أن ينفث ما في رئته فيسد ذلك مجاري نفسه ويموت المريض ميتة المختنقين.
17
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ورم الكبد الفواق.
[commentary]
التفسير: إنما يتبع الفواق ورم الكبد إذا كان الورم عظيما قوي الحرارة * فتشاركها (57) المعدة فيه بسبب العصب. وذلك أن العصب PageVW0P208A الذي * يأتيهما (58) إنما يتشعب من مبدأ واحد. وأيضا فإن الورم إذا كان بالصفة المذكورة فإنه يتولد في الكبد * بسببه (59) مرار شديد الحرارة. فإذا انصب إلى أعالي الأمعاء * وتراقى (60) منها إلى المعدة حدث فيها لذع يهيج الفواق. وقد يظن قوم أن عظم ورم الكبد يضغط المعدة. فإذا كان فيها ريح لا تجد منفذا هيجت الفواق.
18
[aphorism]
قال أبقراط: وعن السهر التشنج واختلاط الذهن.
[commentary]
التفسير: إفراط السهر يجفف البدن لأن البدن يعدم معه الاغتذاء ويكثر منه التحلل فيعرض التشنج اليابس. وأما الاختلاط العقل فيعرض إما لإفراط اليبس فإن فرط يبس الدماغ كاف في إحداث الاختلاط أو لأن الدم يحتد ويميل إلى طبيعة المرار.
19
[aphorism]
قال أبقراط: وعن انكشاف العظم الورم الذي يدعى الحمرة.
[commentary]
التفسير: هذا ليس يعرض دائما لكن إذا اتفق أن * يكون (61) مع القرحة وجع شديد فإنه يهيج الحرارة، وكلاهما يجلبان المواد إلى ذلك الموضع. PageVW0P208B فإذا انكشف العظم في القرحة فربما وجد اللحم الذي حوله قد حدث فيه الورم المعروف بالحمرة وهو عرض رديء من هذا الوجه ومن جهة أن الحمرة ربما تفسد العظم وإنما تمنع لسوء المزاج ورداءة المادة من اندمال القرحة.
20
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الورم الذي يدعى الحمرة العفونة والتقيح.
[commentary]
التفسير: أحسب أنه في هذا الفصل يبين رداءة الحمرة التي توجد عند انكشاف العظم. وذلك أن المرار المولد للحمرة إذا كان رديئا أحدث العفونة في لحم القرحة أو في العظم المنكشف * وأحدث (62) لا محالة في القرحة * تقيحا (63) لا سبيل إلى برئها إلا بزوال القيح.
21
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الضربان الشديد في القروح انفجار الدم.
[commentary]
التفسير:: إذا كان مع القرحة ورم حار وقع الإحساس بحركة الشرايين لتزيد حركتها بالحرارة * الحادثة (64) * وللضيق (65) الحادث بسبب الورم. PageVW5P084B ولأن ما في القرحة من اللحم لضعفه لا يحتمل حركتها وإن لم تكن متزيدة ولا وجد هناك ضيق بل يناله مصادمتها إياه * حسن (66) مؤلم وهو الوجع * الضرباني (67) PageVW0P209A * فكم (68) بالحرى أن يكون ذلك إذا وجد معنيان آخران وإذا تشوقت الطبيعة إلى دفع الأشياء المؤذيةة في العروق * جعلت (69) حركتها أعظم عظيما مستكرها وهو الذي سماه أبقراط اشتداد الضربان فيحدث انفجار الدم.
22
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الوجع المزمن فيما يلي المعدة التقيح.
[commentary]
التفسير: الوجع * المزمن (70) لا يمكن أن يكون إلا لورم عسر النضج. وذلك أن البرد وسوء المزاج * المختلف (71) والريح الغليظة والمرار الملذع لا تبقى طويلا إذا دبر بما ينبغي. فأما الورم فسيتقيح لا محالة على أطول الزمان إذا أمهل ولم يقتل.
23
[aphorism]
قال أبقراط: وعن البراز الصرف اختلاف دم.
[commentary]
التفسير: البراز الصرف هو أحد المرارين إذا انحدر وحده من غير رطوبة مائية. وهذا لا محالة يجرد الأمعاء ويولد فيه قرحة تؤذي إلى اختلاف الدم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: وعن قطع العظم اختلاط الذهن * إن (72) نال الخالي.
[commentary]
التفسير: عنى بالعظم قحف الرأس PageVW0P209B وبالخالي السطح الداخل من اللقحف وهو الموضع الذي يحوي الدماغ وغشائه. والقطع إذا وصل إلى هذا الموضع فقد وصل إلى غشاء الدماغ، وإذا وصل إليه فقد وصل إلى الدماغ نفسه، لأنه يواصل الدماغ * بتوسط (73) الغشاء الآخر فيحدث لذلك الاختلاط. وماريوس ألحق قوله إن نال الخالي بقوله التشنج من * مفتتح (74) الفصل الآخر وهو حق، إلا أن الفصل الأول يبقى كذبا لأنه ليس يلحق قطع العظم لا في الرأس ولا في غيره من الأعضاء اختلاط ما لم تصل الآفة إلى أغشية الدماغ.
25
[aphorism]
قال بقراط: التشنج من شرب الدواء مميت.
[commentary]
التفسير: الدواء المسهل أو المقيء إذا أفرط في فعله جفف الأعضاء الأصلية ,يحدث بجفاف العصب التشنج المهلك.
26
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف عن الوجع الشديد فيما يلي المعدة رديء.
[commentary]
التفسير: برد الأطراف قد يكون لورم عظيم PageVW0P210A في الأحشاء أو لتراجع الحرارة بالانطفاء أو لانغمار الحرارة بسبب كثرة المادة عليها سيما إذا كانت باردة، وقد فهمت هذا كله. وقد يكون لوجع شديد في الجوف ينقبض بسبب الحار الغريزي ويتبعه الدم فيخلو الرأس والكفان والقدمان من الدم. وهذا هو الذي ذكره أبقراط هاهنا وهو جزء واحد من الجملة.
27
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالحامل زحير كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
التفسير: الزحير * قرحة (75) تحدث في PageVW5P085A المعاء المستقيم وتطالب صاحبها بالقيام المتواتر وينال الرحم بسبب مجاورته المعاء المستقيم أن يتحرك حركة المعاء لدفع المؤذي فيسقط ولأنه ينال * بدن (76) الحامل كله والرحم على الخصوص في الحركة المتواترة ومن أذى الزحير الشديد أن يتعب و=يضعف فيسقط.
28
[aphorism]
* قال أبقراط: إذا انقطع شيء من العظم أو الغضروف لم ينم.
[commentary]
التفسير: هذا قد مر * تفسيره (77) .
29
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P210B إذا حدث بمن غلب عليه البلغم الأبيض اختلاف قوي انحل * عنه (78) مرضه.
[commentary]
التفسير: قد جرت عادة اليونانيين أن يسموا الاستسقاء اللحمي * بلغما (79) أبيض لأن البلغم يستولي فيه على جملة البدن ويغتذي الأعضاء بدم بلغمي، وينسب البلغم * إلى (80) الأبيض وإن كان البلغم كله * أبيض (81) * للتفرقة (82) كما يقال فقار الصلب والفقار لا يكون إلا في الصلب والاختلاف القوي فيه يحل هذا المرض.
30
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف وكان ما يختلف زبديا فقد يكون سبب اختلافه شيء ينحدر من رأسه.
[commentary]
التفسير: الاختلاف لا يصير زبديا إلا وتخالط ريح غليظة ورطوبة لزجة وتتحرك الريح في وقت مخالطتها الرطوبة حركة شديدة حتى تتقطع هي وتنقسم في نفسها وتقطع تلك الرطوبة * وتقسمها (83) إلى أجزاء صغار كثيرة. وسبب حركة الريح إما حرارة كثيرة وإما أن تكون الريح متحركة في نفسها. والرطوبة قد تنحدر من الرأس إلى المعدة وقد تنصب إليها من العروق. PageVW0P211A وقد يكون متولده فيها أو في المعاء. وأحسب أن أبقراط إنما خصص هذا النوع من الاختلاف بالدماغ وإن كان قد يكون عن غيره لبعد المسافة فإن الريح يحتاج في * اشتباكها (84) بالرطوبة إلى زمان * ما (85) وحركة ما. والمسافة من العروق وإن كانت طويلة فإن تولد الريح فيها يكون أقل وما يتولد فيها يكون ألطف. وأما الدماغ فإن مادة الزبد أعني الريح والرطوبة فيه كثيرة. * وأما (86) الريح فبسبب ما يرد عليه الهواء بالاستنشاق. وأما الرطوبة فلما تلقيها العروق في بطونه ولأنه يغتذي بالغذاء الرطب. وأما من ظن أن الرطوبة التي تصير من الدماغ إلى المعدة إنما تصير زبديا إذا صارت أولا إلى الرئة فنكذبه مشاهدتنا النوازل التي تنزل من الدماغ إلى * الرئة (87) عادمة * للزبدية (88) رأسا * ولا (89) الدم * المنفوث (90) من الرئة يكون في جميع الحالات زبديا. وعلى أن ما ينحدر من الرأس إلى المعدة إن صار إلى الرئة أولا فإنه يحتاج أن يدخل بطون القلب أولا ثم * ينفذ (91) إما إلى PageVW0P211B الأجوف ومنه إلى * حدبة (92) الكبد * وإلى (93) مقعرها ثم يخرج من الباب إلى استدارات الأمعاء وإما أن يصير من بطون القلب إلى الأبهر ومنه إلى PageVW5P085B الشعب التي تنبث في الجداول فكيف يمكن أن يبقى زبديا وقد خالطه الدم * ونفذ (94) مسافة من العروق طويلة.
31
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به حمى * فكان (95) ما يرسب في بوله ثفل شبيه بالسويق الجريش فذلك يدل على أن مرضه طويل.
[commentary]
التفسير: البول الشبيه بالسويق الجريش هو الذي يسمى * الدشيش (96) . وذلك أن الدشيش هو * حلال (97) السويق وكل من يبول مثل هذا البول فإما أن يموت سريعا أو يطول مرضه جدا. * والسبب (98) في ذلك أن هذا الثفل يدل تارة على تفتت الأعضاء الأصلية، وهذا هو الذي يهلك سريعا * ويكون (99) لونه أبيض. ويدل تارة على أن الحرارة قد ميزت بعض الدم من الكبد * فأخمدته (100) بالاحتراق، وربما * دل (101) على انحلال اللحم وتفتته * ويعمها (102) حمرة اللون. PageVW0P212A ويفرق بينهما * بأن (103) الأجزاء اللحمية أقل حمرة وأشد اتصالا وأسرع إجابة للتفتت بالإصبع والأجزاء الدموية أشد حمرة وأقل اتصالا وأسرع إجابة للتفتت. ويدل تارة على بلغم قد أحرقته الحرارة وجففته ويكون دما ذي اللون. وهذه الضروب هي التي تدل على طول المرض لأن الطبيعة تحتاج في نضج * أمثال (104) هذه الأثفال وإصلاحها إلى زمان طويل ويعم هذه الضروب أجمع * الحمى (105) والالتهاب وعدم دلائل النضج.
32
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الغالب على الثفل الذي فى البول المرار وكان أعلاه رقيقا دل على أن المرض حاد.
[commentary]
التفسير: المرار إذا أطلق من غير تقييد بالأصفر أو الأسود فإنما يعني به المرة الصفراء لا غير. ومتى غلبت على الثفل دلت * على (106) حدة المرض وعلى الخبث والرداءة لأنه يدل على أن المادة حادة مرارية أخذه إلى التعفن والفساد ورداءته بحسب غلبة صفرته. * فإن (107) كان مع بول أبيض رقيق نقص من حدته لعدمه النضج PageVW0P212B إلا أنه يدل على الهلاك لمعنيين معا. وأما قوله وأعلاه رقيقا فإن جالينوس فهم منه في الرقة في المكان ثم أخذ يتعجب أن هذا كيف يدل على الحدة والرقيق غير نضيج ويدل على طول المرض ثم حكى أن قوما فهموا من الأعلى الزمان يعني أن الثفل إذا كان في أول * أمره (108) رقيقا ثم يصير مراريا من بعد دل على أن المرض حاد، وهذا ليس بشيء. وذكر حنين أنه عنى بالرقة في الأعلى الانخراط في الشكل لأن الثفل إذا كان نيا كان ثقيلا غليظا مسطح الأعلى، وإذا كان نضيجا كان مقبب الأعلى. وقد أحسن في هذا لأنه قد يكتسب تقدمة معرفة بأشكال أعالي الثفل وأسافله فقد قيل في الثفل المتعلق إنه إذا كان مائل الأهداب PageVW5P086A إلى فوق دل على طول المرض، وإذا كان مائلها إلى أسفل دل على سرعة البرء لأن الأول يدل على تولد الرياح والثاني على انفشاشها.
33
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله PageVW0P213A متشتتا دل على اضطراب قوي.
[commentary]
التفسير: تشتت البول هو أن يكون مختلف الأجزاء أعني أن * يكون (109) منقسما إلى مائية وأجزاء أخر متفرقة فيه وإذا رسبت تلك الأجزاء تسمى أثفالا نخالية ويدل على انحلال السطح الظاهر من الأعضاء الأصلية كما يدل الدشيشي على أن الانحلال والتفتت قد بلغ إلى عمق الأعضاء والاضطراب القوي الذي قاله هو مقاومة المرض * للطبيعة (110) * ومعاندته (111) لها. وذلك أن الطبيعة لو كانت مستولية * كانت (112) أجزاء البول واحدة مستوية، ولهذا متى كانت الأثفال النخالية أصغر كان الاضطراب أقوى كالحال في الدشيشي لأنه يدل على استيلاء الفساد لأن الفساد إذا كان في العضو في مواضع متقاربة فهو شر منه إذا كان في مواضع متباعدة، ومع الأول أجزاء صغار ومع الثاني أجزاء كبار. وافهم أن مثل هذا البول * ربما (113) دل على جرب * في (114) المثانة. ويفرق بينهما بأن مع الأول * التهابا (115) وحمى وضعف قوة وبول غير نضج PageVW0P213B ومع الثاني بول نضيج والقوة سليمة وليست الحمى.
34
[aphorism]
قال أبقراط: من كان فوق بوله عبب دل على أن علته في الكلى وأنذر منها بطول.
[commentary]
التفسير: قد فهمت أن العبب هو امتداد رطوبة لزجة حول ريح غليظة. فمتى كان العبب أصغر * وأسرع (116) انفشاشا دل على أن الريح ألطف والرطوبة أقل لزوجة أو عادمة لها، ومتى كان أكبر وأبطأ انفقاء دل بالضد. وليس العبب يوجد في مرض الكلى وحدها بل قد يوجد في مواضع أخر، ثم ربما دل باللون على نفس المرض كما يدل باجتماع السواد والشقرة معا على اليرقان وبالبياض وحده على الصرع أو الصداع، وربما وجد في انحلال بعض العلل البلغمية * كالفالج (117) والسكتة والصرع والنقرس ولا يدوم بل لا يكون أكثر من أيام قلائل ويكون مجيئه أكثر. وأحسب أن أبقراط إنما خصص كلامه بعلل الكلى لأن العبب فيها أردأ إذ يدل على ضعف الحار الغريزي فيكون الريح أغلظ PageVW0P214A والرطوبة * ألزج (118) ، ولذلك ينذر بطولها لأن الرياح الغليظة مع الرطوبة اللزجة أعسر نضجا وتفشيا. ولذلك ربما وجد العبب في أبوال الأصحاء من قبل ضعف الكلى بسبب من الأسباب التي يضعف الحار الغريزي فيها كالحال فيمن أفرط في استعمال الباه في غير حاجة إليها وهؤلاء يشكون أبدا ضعفا في الرجلين وعجزا عن PageVW5P086B * الحركة (119) ووجعا ليس * بقوي (120) في نواحي القطن سيما في الانحناء * والانتصاب (121) والانقلاب من * جنب (122) وهؤلاء ومن شاكلهم ممن ضعف الحار الغريزي في كلاهم يبولون بولا أبيض كثير المقدار ذا * عبب (123) كثير بطئ * الانفقاء (124) . وربما يوجد في بعض العلل الحادة في الكلى بول عببي، وذلك إذا فتح البول بحدته أفواه بعض العروق الضوارب حتى * خرج (125) منها شيء من الروح وينزرق مع المائية إلى خارج فاشتبك بها، وهذا خارج عما قاله أبقراط.
35
[aphorism]
قال أبقراط: من رأى فوق بوله دسم جملة دل ذلك على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
PageVW0P214B التفسير: البول الدسمي يدل على حرارة نارية تذيب شحم الكلى أو * شحم (126) سائر البدن أو اللحم السمين الذي للأعضاء أو الدسم الذي في جواهر الأعضاء. وعند ذلك تأخذ الأعضاء في التفتت وتوجد الأثقال التي تقدم ذكرها. والفرق بين ذوبان شحم الكلى وذوبان شحم أو دسم غيرها من الأعضاء أن الذوبان * الكلوي (127) يكون كثيرا لكثرة الشحم فيها ويخرج دفعة لقربه من الإحليل. وهذا * هو (128) الذي عناه أبقراط بقوله جملة. ويوجد متميزا في البول لقلة تموجه مع المائية. وأما دسم الأعضاء الأخر فيكون قليلا ويخرج شيئا بعد شيء ومختلطا بالمائية. وزعم الرازي أن من سبيل جالينوس كان أن يبين أن شحم الكلى وهو فوق الكلى كيف يخالط البول، فإن كان * يغوص (129) فكيف ذلك، والشيء الذائب إنما يسيل إلى أسهل المواضع * فكيف (130) يسيل إلى خارج. وافهم أن الأجوف النازل إلى أسفل البدن قبل أن يتكي على الصلب يتشعب منه شعب دقاق شعرية تنبت PageVW0P215A في لفافة الكليتين وفي الأجسام التي هناك، وربما كان * انشعابها (131) من القناة الصائرة منه إلى الكلية * اليسرى (132) . فكما يصير الغذاء في هذه الشعب إلى الشحم كذلك يرجع ذوبانه فيها إلى الكلى حسب الحال في سائر البدن فإن الذوبان فيها يرجع إلى الكلى في العروق التي يصير فيها الغذاء إلى البدن.
36
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به علة في كلاه وعرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها وحدث به وجع في صلبه فإنه إن كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج، وإن كان ذلك الوجع في المواضع الداخلة فأحرى أن * تكون (133) الدبيلة من داخل.
[commentary]
التفسير: من * كانت (134) به علته في كلاه وقد * تقدمت (135) له بعض الأعراض * الكلوية (136) ثم حدث له وجع في موضع العضل من الصلب أنذر بخراج يخرج به إما في العضل الخارج من الصلب إن كان الوجع مائلا إلى خارج أو في العضل الداخل وهو المسمى المتن PageVW0P215B * إن (137) كان الوجع في الداخل. وربما يحدث الخراج في نفس الكلى إما أميل إلى خارج أو إلى داخل. PageVW5P087A وتفرق بين الخراج في العضل الداخل أو في الكلى بأن وجع الكلى أكثر غورا ويلزمه في أوائله حميات غير محرقة غير قوية مختلطة عادمة لنوبة * معلومة (138) أصلا مع قشعريرة، ويكون الإحساس عند الانبطاح بالشيء الثقيل كأنه معلق من قطنه أكثر. وأما وجع المتن فأقل غورا وأكثر ضربانا وصاحبه لا يقدر على أن يثنى صلبه أصلا.
37
[aphorism]
قال أبقراط: الدم الذي يتقيأ من غير حمى سليم وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة والدم الذي يتقيأ مع الحمى رديء.
[commentary]
التفسير: الدم الذي يخرج بالقيء ولا حمى معه فسببه إما انفتاح عرق أو قرحة لا ورم معها، ولذلك يبرأ بالأشياء القابضة سريعا. وأما الذي مع حمى فمع القرحة ورم، وليس يمكن أن يبرأ إلا ويزايد عظما وخبثا لأن الورم يحتاج في برئه إلى أن ينضج ويتقيح. وفهم قوم PageVW0P216A من قوله يتقيأ القذف من الرئة وقصبتها. وهذا ليس يصح لأن قذف الدم من الرئة وإن لم يكن مع حمى فإنه من بعد إذا طال تعرض الحمى لا محالة لأن الرئة ترم.
38
[aphorism]
قال أبقراط: النزلة التي تنحدر إلى الجوف الأعلى * تتقيح (139) في عشرين يوما.
[commentary]
التفسير: الجوف الأعلى هو الذي يحويه الصدر وتشغله الرئة والنزلة التي تنحدر من الرأس في قصبة الرئة إنما تنحدر إلى الرئة. وعنى بالتقيح النضج. وصار يتقيح في مدة عشرين يوما لأن اليوم العشرين هو يوم البحران لا يوم الحادي والعشر كما يوجبه عدد الأسابيع ولا الثاني والعشرين كما وجد في بعض النسخ فإن ذلك خطأ.
39
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول وأصابه وجع في نواحي الشرج والعانة دل ذلك على أن * ما (140) يلي مثانته وجع.
[commentary]
التفسير : هذا الفصل * مفسر (141) في أواخر المقالة الرابعة.
40
[aphorism]
قال * أبقراط (142) : متى عدم اللسان بغتة * قوته (143) أو * استرخى (144) PageVW0P216B عضو من الأعضاء فالعلة سوداوية.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون عنى بعدم اللسان * قوته (145) أن لا يتمكن من تبيين الألفاظ على حقائقها، ويمكن أن يكون عنى PageVW3P103B به الاسترخاء وهو فقدان الحس والحركة، وهذا هو الأولى * كما (146) قاله «أو استرخى عضو». وجالينوس * يفسر (147) بالحيرة في السبب الذي له * إذا (148) استرخى في اللسان أو أي عضو آخر بغتة فالعلة سوداوية لأن الاسترخاء قال * قد (149) يحدث من السوداء أو قد يحدث من البلغم قال وإنما قال بغتة لأن الاسترخاء قد يحدث قليلا بعد قليل بسبب الورم الذي يصلب وبسبب سوء المزاج الذي يستولي قليلا قليلا. وافهم أن * الروح الحساس إذا خالطه البخار الغليظ السوداوي امتنع من النفوذ في آلات الحس فيعرض الخدر والاسترخاء دفعة. وقد حكى روفس أنه شاهد ماليخوليا يزعم أنه غير فاسد بالموت لأنه ليس يحس بالجوع والعطش ولا بالألم إذا ضرب قال فأحميت حديدة بالنار PageVW0P217A ووضعتها على ساعده فاحتملها زمانا طويلا بقول زدني كيك، فإن نارك باردة ثم بعد الجهد الكبير لما رأى لحمه يحترق وشم رائحة القتار يسيرا، انتبه على أن ما قاله كاذب. وأيضا فإن (150) السوداء لغلظها وأرضيتها تصلب العصب وتفعل فيه * جسوا (151) حسب ما تفعله في الورم المعروف بسقيروس PageVW5P087B * فتمنع (152) مسالك الروح النفساني من أن * يعبرها (153) الروح. وأما البلغم فيفعل بلينه ورخاوته وفرط رطوبته ما يفعله في الأورام الرخوة من سهولة الانغمار فلا يمنع الجسم الروحي من أن ينفذ فيه في أول الأمر بعض النفوذ. وأنت تعلم حقيقة هذا * مما (154) قاله شمعون في كتابه في باب الصرع، فإنه قال هناك إذا كان مع الصرع ارتعاش واضطراب فإنه بلغمي لأنه لا يمكن في البلغم أن يمنع جميع مجرى الروح في العصب. فأما من صرع فاستسقطت أعضاؤه كلها فإنه من السوداء وهو شر من الأول لأنه يخاف منه أن * يسد (155) جميع مسالك الروح فيقتل PageVW0P217B العليل سريعا، وهذا القدر يليق بالطبيب أن يقوله. * وأما (156) التحقيق فيه فيليق * بالمباحث (157) الطبيعية وهو أن كل واحد من الحس والحركة يتبع * مزاجا (158) يميل إلى الحرارة والرطوبة باعتدال * والسوداء (159) تضاد هذا المزاج بالكيفيتين جميعا والبلغم يضاده بكيفية واحدة. وذلك أن * تعلم (160) أن الحس يحتاج إلى اعتدال من الحرارة * لأن (161) اللحم أكثر إحساسا من PageVW3P104A العصب. وذلك أن وجع العصب خدري أي قليل الحس ووجع اللحم شديد مبرح وورم العصب مع عظمه لا يؤلم كثيرا، وإنما يعلم عظمه من التشنج الذي يصيبه من بعد، * وربما (162) وجد تحت بعض العروق التي * تفصد (163) عصبة إذا انقطعت بنصفين في الفصد لم يشعر به صاحبه إلى أن يخدر * يده (164) من بعد. ولو كشفت عصبة من حيوان، * وجد (165) إذا غرز لحمه يضج ويضطرب أكثر مما يفعل إذا غرز عصبة. وإنما جعل كذلك لأن العصب كالمجاز لقوة الحس واللحم كالمصب إليه * والحرارة قرينة للحس فأيهما وجد تبعه قرينه. وأيضا فإن الحرارة والحركة حليفتان فأيهما وجدت هيجت صاحبتها. وذلك أن الحركة تثير الحرارة والحرارة تبعث على الحركة وهما تجانسان الحياة لأن وجودهما شرط في وجود الحياة. وهكذا حال ضديهما اللذين هما البرد والسكون فإن السكون يبرد والبرد يجمد وهو أبلغ من السكون وهما يناسبان الموت. وأيضا فإن الإحساس انفعال واليبس مانع من سهولة الانفعال إذ هو أقوى الكيفيتين المنفعلتين، ولهذا لم يصلح أن يكون القلب مع كونه مبدأ القوة الحس والحركة مبدأ للأعصاب إذ كان الحس يحتاج في حصوله إلى جوهر رطب يقبل سريعا ويؤدي إلى جوهر يابس يحفظه والحركة تحتاج إلى آلة مؤاتية للفعل والرطوبة تجعلها كذلك واليبس يعوقها عن الانطباع والمؤاتاة (166) .
41
[aphorism]
قال أبقراط: * إن (167) حدث * بالشيخ (168) بسبب PageVW0P218A استفراغ * مشي (169) أو * قيء (170) فواق فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
PageVW5P088A التفسير: هذا الفواق يعرض من اليبس وإنما خصه * بالشيخ (171) إما لأنه أردأ فيه لضعفه بسبب اليبس أو لأنه أسرع حدوثا فيه بسبب جفاف * أعضائه (172) الأصلية.
42
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى ليست من مرار فصب على رأسه ماء حار كثير أنقضت بذلك حماه.
[commentary]
التفسير: أشار أبقراط بهذا إلى الحميات اليومية التي لا مواد لها تحتاج أن تنضج ولا عفونة معها، فإن من حم هذه الحمى من أي سبب كان انتفع في وقت الانحطاط بصب الماء الحار عليه، ولم يعن بصب الماء الحار على الرأس * تخصيص (173) الرأس بصب الماء عليه لكنه * عنى (174) الاستحمام فإن العادة فد جرت إذا أريد صب الماء على البدن كله بأن يقال بقلب على رأسه الماء. وبالحق أن كل من حم من سخونة الروح فإنه يحتاج بأخرة إلى أن يقلب عليه الماء الحار * لتنفش (175) حرارة الحمى وتتحلل الأبخرة الحارة. فأما من كانت حماه PageVW0P218B لورم أو * كيموس (176) وبالجملة إذا كانت * مع (177) عفونة خلط فإن الاستحمام لا يوافقه ما لم يستفرغ وينضج المادة.
43
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة لا تكون ذات يمينين.
[commentary]
التفسير: هذا لم يعن به أن تكون اليسرى أقوى من اليمنى، فإنه داخل في حكم الأعسر وهو تشويه في الخلق وليس في التشويهات فضيلة، والحرارة في الأعسر لا تقوى على أن تمد الجانبين ولا في الرجال. وإنما عنى بذلك أن يتمكن من العمل باليسرى حسب * تمكنه (178) باليمنى، ويسمي في الذكور أعسر. وإذا لم يكن ذلك * اعتيادا (179) فهو لتوفر القوة في الجانبين بسبب توفر الحار، فإن الحار أشد مناسبة للفعل والنساء لضعف الحار فيهن لا يوجدن كذلك ولا الرجال * إلا (180) الأقوياء بل غاية النساء أن يعملن باليد اليمنى أعمالا معتدلة. ولهذا حكى أبقراط أن النساء الصقالبة يكونن اليد اليمنى منهن ليأتي اليد التي في ذلك الجانب غذاء أكثر فيزيد في قوتها. وحكى جالينوس PageVW0P219A عن قوم من * متخلفي (181) القدماء أنهم قالوا * مكان (182) ذات يمينين ذات يمين وفهموا منه أن المرأة لا تحمل في الجانب الأيمن من الرحم * وقوم (183) قالوا ذات فرجين يعني أن الرجل قد يكون له مع الذكر فرج المرأة فيكون ذا فرجين وهو الخنثي. * فأما (184) المرأة فلا يكون لها مع الفرج ذكر الرجال وهذا كله سخف من القول.
44
[aphorism]
قال أبقراط: من * كوى (185) من المتقيحين فخرجت منه مدة بيضاء نقية فإنه يسلم، وإن خرجت منه مدة حمائية فإنه يهلك.
[commentary]
التفسير: عنى بالمتقيحين أصحاب المدة في الصدر وهؤلاء قد يكون ليستخرج به تلك المدة. PageVW5P088B فإن خرجت المدة بيضاء نقية فإنه يسلم لأن بياض المدة يدل على أن الحرارة المولدة لها لم يشبها من * النارية العفنية (186) إلا اليسير النزر فلذلك سلكت بها سبيل الاستحالة والتشبه بلون الأعضاء الأصلية وهو البياض. وإنما لا تكون في بياض المني واستوائه لأن الحرارة في توليد المدة لا بد من أن يشوبها PageVW0P219B عفن. وإنما تجمد الملساء لأنها دالة على استواء النضج في جميع الأجزاء. وذلك أن اختلاف النضج في أجزاء الخلط يجعل المدة مختلفة الأجزاء. ومعنى قوله «نقية» أي لا تكون كريهة الرائحة لأن عدم الكراهة في الرائحة يدل على قلة العفونة وقوة الهضم. وأما إذا كانت المدة حمائية كانت * متغيرة (187) في اللون والقوام والرائحة وبالحرى أن يدل على فساد المدة فتفسد آلات الصدر ولذلك يهكل. ولهذا ليس ينبغي متى كان ما ينفثه صاحب * القيح من المدة (188) غير أبيض ولا * نقي (189) أن يقدم على كيه لأن ذلك لا يجدي عليه نفعا.
45
[aphorism]
قال أبقراط: * من (190) كانت في كبده مدة فكوي فخرجت منه مدة بيضاء نقية فإنه يسلم وذلك أن المدة في غشاء، وإن خرج منه شبيه بثفل الزيت هلك.
[commentary]
التفسير: ذكر جالينوس أن أبقراط أخبر بالعلة التي لها يسلم بعض أصحاب هذه العلة وذلك إذا كان جوهر الكبد سليما لأن المدة في غشائها وأن البعض يهلك إذا كان الفساد قد سعى إلى جوهر الكبد. وأما الرازي فإنه PageVW0P220A * بقي بالحيرة (191) قائلا بأن غشاء الكبد ليس يمكن أن يكون فيه ورم إذا تقيح بلغ من كمية أن تسيل المدة فضلا عن أن تحتاج أن تنفث فتخرج اللهم إلا أن يفهم من الكبد موضع الكبد من مراق البطن وهو ما يعلوه، إلا أن من فهم من قوله الغشاء غير غشاء الكبد بل ما يقرب منه كان قول أبقراط مكذبا له فإنه قال "من كان في كبده مدة" ثم أدخل الغشاء في جملة الكبد. وأنت فافهم أن النفاخات إذا كانت تتسارع إلى غشاء الكبد كما * يستفهمه (192) من بعد فليس من المستبعد إذا كانت من داخل ثم تفقأت أن يمتلئ الغشاء مدة كما إذا كانت من خارج امتلاء البطن من تلك الرطوبة فكان منها الاستسقاء.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العينين وجع * فليسق (193) صاحبه شرابا صرفا ثم أدخل الحمام وصب * عليه (194) ماء حار كثير ثم * فصد (195) .
[commentary]
التفسير: * هذه (196) التدابير إذا * فرقت (197) فاستعمل كل ضرب منها * في (198) موضعه * فقد (199) مضى شرحه من قبل، وإن فهم على الترتيب الموصوف فليس هو PageVW0P220B من كلام أبقراط. ومن زعم أن * الأجود (200) فيمن في بدنه دم غليظ أن * يذاب (201) ويرقق ذلك الدم أولا بشرب الشراب الصرف والحمام ثم يفصد فليعلم أن من في بدنه امتلاء دموي PageVW5P089A وفي عينيه وجع لم يحتمل شرب الشراب * ولا الاستحمام (202) وأن فعلهما لم يؤمن أن تتمزق صفاقات عينيه لكن شرب الشراب والاحتمام إنما يصلحان لمن في عضو منه دم غليظ قد لحج فيه من غير امتلاء في البدن. ولهذا قال جالينوس إن هذا الفصل مدلس.
47
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال فليس يرجى.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل مفروغ من شرحه في المقالة السادسة.
48
[aphorism]
قال أبقراط: تقطير البول وعسره يحلهما شرب الشراب والفصد وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
التفسير: تقطير البول قد يكون لحدته، وينفع منه الفصد إذا كان في البدن امتلاء من دم. وقد يكون لضعف القوة الماسكة بسبب * سوء (203) مزاج مفرط ولا سيما بارد، والشراب PageVW0P221A ينفع منه. وأما عسر البول فمتى لم يكن مع وجع فقد يكون لبرد أو ريح غليظة أو شدة حدثت بسبب دم غليظ من غير امتلاء في البدن، وشرب الشراب ينفع منه ويحله. وإن كان مع وجع فهو لورم، فإن كان معه امتلاء والقوة قوية فالفصد * يشفيه (204) لا محالة. والعروق الداخلة هي الأبطء من اليد والصافن من الرجل.
49
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهر الورم والحمرة في مقدم الصدر فيمن اعترته الذبحة كان ذلك * دليلا محمودا (205) * لأن المرض يكون قد مال إلى خارج (206) .
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يقتضي أن * يكون (207) ملحقا بكلام أبقراط لأنه مع إيثاره الإيجاز والإلغاز لا يعيد فصلا قد مر له في المقالة السادسة لأجل الزيادة القائلة لأن المرض يكون قد مال إلى خارج.
50
[aphorism]
قال أبقراط: من * أصابته (208) في دماغه العلة التي يقال لها * سفاقيلوس (209) فإنه يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
التفسير: العضو إذا أخذ يفسد بالعفونة إلى أن يبتدئ يذهب نضارة لونه ويسكن PageVW0P221B الضربان لأن الحس يخدر، سمى غانغريا. فإذا استحكم هذا العارض حتى يبطل الحس اصلا ويموت العضو فهو * سفاقيلوس (210) ويدعي عندنا الخبثية وهو ما يعرض من اسوداد أطراف اليدين والرجلين لدم غليظ ينصب إليها. فإنه إذا عفن عفن * العضو (211) وسوده، والعضو إذا فسد الفساد المسمى * سفاقيلوس (212) فليس يمكن أن يرجع إلى * حاله (213) الأولى لأنه ميت. ولهذا يجب أن يفهم من قوله «من * أصابته (214) في دماغه العلة التي يقال لها * سفاقيلوس (215) » أي من ابتدائه غانغريا في دماغه حتى أشرف على الوقوع في * سفاقيلوس (216) . * وكما (217) أن غانغريا إذا وقع في اللحم * وفي (218) سائر الأعضاء فإنه برأ، كذلك الحال في الدماغ إلا أن الدماغ لشرفه لا يحتمل غانغريا مع * صعوبتها (219) كثيرا، ولذلك يهلك في الثلاثة الأيام الأول. فإن جاوزها فإن العلة تكون قد * انحطت (220) ، PageVW5P089B وقوة الدماغ قد نهضت لمقامتها، PageVW0P222A ولذلك يبرأ العليل.
51
[aphorism]
قال أبقراط: العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب الموضع الخالي الذي في الرأس وانحدر الهواء الذي فيه فسمع له صوت لأن نفوذه وخروجه تكون في موضع ضيق.
[commentary]
التفسير: إن فهم هذا الفصل على أن العطاس إنما يكون من الدماغ، وذلك إذا سخن الدماغ ورطبت المواضع الخالية منه، * واقتضى (221) أن لا يكون عطاس إلا من الرأس لأن الدماغ قد سخن ورطب الموضع الخالي منه. ونحن نجد من أدخل في أنفه * ريشة (222) أو سحاة يعطس. ولذلك فالأولى أن يفهم أن العطاس الذي يكون من الرأس إنما يحدث إذا أسخن الدماغ ورطب الموضع الخالي منه. وخليق أن تكون رطوبة الموضع الخالي من الدماغ ليس يحتاج إليه في حدوث العطاس الكائن من الرأس لأن الرطوبة لا تهيج العطاس دون أن تنحل فتصير ريحا على ما يظهر عيانا في * الرطوبات (223) التي تنحدر من المنخرين من غير حدوث عطاس ضرورة. PageVW0P222B وإنما يكون * عطاس (224) إذا كانت الرطوبة لذاعة فيعرض من ذلك ما يعرض لمن أدخل في أنفه شيئا يلذعه. فالعطاس إذن على الإطلاق إنما يعرض للذع ينال بعض آلات الشم فتنهض الطبيعة لا زالت بهواء كثير تجتذبه ثم تدفعه كما يفعل بالأنبوب الذي ينفخ ليخرج ما * فيه (225) . وإنما يحتاج في العطاس على الإطلاق إلى أن يستنشق الإنسان هواء * يملأ (226) به رئته ودماغه ليرتفع ما في الرئة منه دفعة * بانقباض (227) الصدر ويندفع ما في الدماغ بحركة من الطبيعة فيخفف ثقل الرأس * وتنقى (228) مجاري الأنف. أما تخفيفه ثقل الدماغ فلأن العطاس الدماغي إنما يكون إذا انحلت الرطوبات التي في المواضع الخالية من الدماغ حتى تصير هواء، وإنما هواء ينهض الحار الغريزي لأن اجتماع الرطوبات فيها إنما يكون لضعفها. وعنى بالموضع الخالي بطون الدماغ، ويجوز أن يفهم منه الموضع المحيط به من خارجه، فإن ما هناك من الهواء يمكن أن ينفذ في جرمه PageVW0P223A ويصير إلى بطونه. وأما تنقية مجاري الأنف إما التي * تصير إلى (229) الدماغ فيما ينحدر من الهواء عن الدماغ وإما الذي يصير إلى الفم فيما يرتفع من الهواء من أسفل. * فأما (230) الصوت فقد وصف أنه يكون من العطاس لكثرة ما يخرج من الهواء دفعته من موضع ضيق.
52
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع شديد في كبده فحدثت به حمى حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
التفسير: الوجع الشديد في الكبد من غير حمى لا يمكن أن يكون إلا لريح نافخة. فإن الذي من ورم يكون معه لا محالة حمى، والذي من السدد لا يكون شديدا بل يكون معه ثقل. وقول أبقراط «فحدثت به حمى» يدل على أنه لا حمى مع الوجع. وإذا كان ذلك ثم حدثت الحمى فإنها تحل الريح ويسكن الوجع.
53
[aphorism]
PageVW5P090A قال أبقراط: من احتاج إلى أن يخرج من عروقه دم فينبغي أن يقطع له العرق في الربيع.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل مفسر في * أواخر (231) المقالة السادسة.
54
[aphorism]
قال أبقراط: من تحيز فيه PageVW0P223B بلغم * فيما (232) بين المعدة والحجاب * وأحدث (233) به وجعا إذ كان لا منفذ له ولا إلى واحد من الفضائين فإن ذلك البلغم إذا جرى في العروق إلى المثانة انحلت عنه علته.
[commentary]
التفسير: أما مارينوس فكان يقول لو كان بلغم بين المعدة والحجاب لم يمكن أن يدخل إلى العروق كما تدخل الرطوبة المائية الرقيقة في أصحاب الاستسقاء فتجري في البول، بل كان ينحدر إلى أسفل حتى يصير إلى عظم العانة. قال وإنما أراد أبقراط أن يكون البلغم فيما بين جرم الحجاب الخالص الذي هو لحم وبين أعلى الغشاء الممدود على البطن. وجالينوس يقول إن الشك في مصير البلغم من هذا الموضع إلى العروق بعينه قائم. ومع ذلك فإنه ليس يستعاد لهذا الموضع من الغشاء اسم المعدة. قال والأولى أن يفهم عما بين المعدة والحجاب الفضاء الذي هو دون الحجاب في جوف الغشاء المسمى * فاراطنين (234) ، وإن البلغم في هذا PageVW0P224A الموضع تدفعه الطبيعة إلى العروق لأنها متى PageVW3P107A كانت قوية لم يعجزها طريق ينفذ فيه الشيء الذي تريد إنفاذه، وإن كان الشيء غليظا والطريق ضيقا فإنها تدفع المادة في الوصل * التي (235) بين الأعضاء وإن كانت عظاما مثلا، ولذلك فهي تدفع المدة عن فضاء الصدر بالسعال وتدفع الدم من الجلد وهو صحيح في المواضع التي انكسر فيها عظم، وذلك * بأن (236) تلطفه * قليلا (237) تدفعه. ولهذا قال الرازي إن جالينوس ليس يطلب في هذا الموضع منفذا بربخيا بل يرى أن البلغم ينفذ من ذلك الموضع إلى العروق على طريق الرشح. وافهم أنت أن من الممكن أن يكون أبقراط عنى بالبلغم الماء فإنه يطلق لفظة البلغم على الاستسقاء كثيرا ويتحيزه فيما بين المعدة والحجاب وفوقه في الفضاء الذي فيما دون الحجاب في جوف الصفاق الممدود على البطن على ما يراه جالينوس. وقد فهمت في الفصل القائل «إذا كان PageVW0P224B بإنسان استسقاء فجرى الماء منه في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه» أن الماء كيف يصير من هذا الموضع في العروق إلى المثانة. * ويمكن أن يكون عنى به البلغم نفسه ويتحيزه فيما بين المعدة والحجاب وفوقه في الموضع الذي قاله مارينوس لأن أبقراط قد صرح بأنه لا منفذ إلى أحد الفضائين وهما فضاء الصدر وفضاء البطن. وإذا وقف البلغم في ذلك الموضع أحدث وجعا بالتمديد. فإن دخل منه في الأجوف الصاعد إلى الحجاب صار منه إلى المثانة وكان دخوله بطريق الرشح على ما يراه جالينوس. وإن اندفع * منه إلى الأجوف الصفاق صار منه إلى المثانة على الوجه الذي عرفت من قبل. وهذا الوجه أليق بنفص أبقراط. وإن كان قد قال لا منفذ له إلى أحد الفضائين فإنه عنى بالمنفذ أن يكون معهودا والمنفذ الذي في الصفاق إلى الكبد ليس بمعهود إلا في الأجنة (238) .
55
[aphorism]
قال أبقراط: من * امتلأت (239) كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء PageVW0P225A إلى الغشاء الباطن امتلأ بطنه ماء ومات.
[commentary]
التفسير: إن الكبد يسرع إليها نفاخات الماء أكثر * من (240) سائر الأعضاء، وتتولد تلك النفاخات في غشاء الكبد، ويدلنا على هذا كباد PageVW5P090B الحيوانات المذبوحة. فإنه يوجد في أغشيتها هذه النفاخات كثيرا. فإذا اتفق أن يتفقأ تلك النفاخات حدث ما ذكرنا من اجتماع المدة في الكبد. وإذا انفجر إلى خارج بالمنفذ الذي يدخله العرق الصائر من * سرة (241) الجنين إلى كبده انصب إلى الفضاء الذي تحت الحجاب حدث الاستسقاء لأن في هذا الفضاء بعينه يجتمع الماء في المستسقيين. وهذا هو الفضاء الذي فوق الثرب وتحت فاراطنين. والماء الذي يجتمع فيه من تفقأ النالنفاخات يكون حارا حريفا محدثا * للتأكل (242) . والأولى أن يفهم قوله «الغشاء الباطن» * يعني (243) ما يليه، وإلا فالغشاء هو الثرب. وليس يمكن أن يجتمع في داخله شيء دون أن يعرض فيه PageVW0P225B تأكل إذ لا خرق ولا ثقب فيه. وأما حكمه بالموت على من حدث * له (244) هذا العارض فهو على الأكثر فإن الواحد * فالواحد (245) من المستسقيين قد يسلم.
56
[aphorism]
قال أبقراط: القلق والتثاوب * والاقشعرار (246) يبرئه شرب الشراب إذا مزج واحد سواء بواحد سواء.
[commentary]
التفسير: ينبغي أن يفهم أن أبقراط عنى بحدوث هذه الأعراض للأصحاء، فإن * من (247) كان مريضا أو مشرفا على الحمى فيعرض له لذلك قلق أو تثاوب أو قشعريرة فليس يؤمر بشرب الشراب. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه الأعراض توجد للأصحاء لسببين أحدهما من الأسباب البدنية والآخر من الأسباب * النفسية (248) . أما البدنية فإنه متى وجد في فم المعدة رطوبة مؤدية غير * كثيرة (249) ولا مصبوبة في فضائها، بل مداخلة لجرمها عرض لصاحبها القلق وهو أن يمل الحال التي هو عليها ويشتهي أن ينتقل إلى أخرى. وعلى هذا النحو يوجد القلق * للمرضى (250) ، وذلك إذا ثقل عليهم الشكل الذي PageVW0P226A اضطجعوا عليه واشتهوا أن ينقلبوا إلى شكل آخر. وأما التثاوب فيعرض إذا كان في عضل الفكين فضلة من جنس الريح كما إذا كانت هذه الفضلة في عضلات الكتفين واليدين والظهر حدث التمطى. والقشعريرة تحدث إذا انصبت رطوبة رديئة يسيرة تحت الجلد. ومن البين أن الشراب * الممزوج (251) على النصف يقي منها أجمع لأنه * ينضج (252) ويهضم ويعدل ويحرك على الاستفراغ. والرازي لشغفه بالرد على أهل الصواب يخطئ جالينوس في سقي الشراب لإزالة البلغم الغائص في جرم المعدة قائلا بأن القيء أولى بأن يشفي ذلك من الشراب. وذهب عليه ما لا يذهب على العوام PageVW5P091A * من (253) أن القيء إنما يخرج ما هو مصبوب في تجويف المعدة. فأما ما هو مداخل بجرمها وفيما بين طبقاتها فالقيء لا يخرجه أصلا. وأما الأسباب النفسية فهي الوحدة وطول الفكر فإن الإنسان إذا ظل نهاره يفكر في المطالب العلمية يضجر ويقلق ويتكسر بدنه وتقع عليه PageVW0P226B التمطى والتثاوب وكلما أمعن في الفكر واختار * الوحدة (254) اشتد ذلك عليه حتى يفرغ إلى مفاوضة صديق في بعض ما يتعاطاه من العلم أو مؤانسة إنسان تستأنس به أو يتفرج بالانتقال من موضع إلى موضع أو يشرب أقداحا ممزوجة بقدر ما * يثقل (255) رأسه ويسخن بدنه ويزيل ذلك عنه * أجمع. (256)
57
[aphorism]
قال أبقراط: من تزعزع دماغه فإنه تصيبه في وقته سكتة.
[commentary]
التفسير: * الزعزعة (257) تحريك شديد خارج عن الطبيعة يعرض الدماغ عند ما يسقط الإنسان من موضع عالي فيقع على رأسه أو تناله ضربة قوية على الرأس. وربما يعرض هذا بعينه للنخاع حتى تضطرب مواضع تأليف الفقارات ويكاد بعض العصب الذي ينبت منه ينهتك، إلا أن الذي ينال الدماغ من * الوهن (258) التحرك أكثر مما ينال النخاع بحسب ما له من الفضاء الذي ليس يوجد مثله للنخاع. ويعرض PageVW0P227A للقوة النفسانية في تلك الحال أن تنقبض لتأذيها بتلك الحركة والإشراف على الخطر ويكمن ويسكن. ويعرض لبعض الأعصاب أن * يتمدد (259) تمددا شديدا، وللبعض أن ينهتك، ويعرض لكمون القوى الدماغية وسكونها عن التصرفات أن يبقى الإنسان عادما للحس والحركة والصوت. فإن لم ينهتك شيء من الأعصاب فإنه يرجي له أن * ينتعش (260) ، وإلا فلا.
58
[aphorism]
قال أبقراط: من كان لحمه رطبا فينبغي أن يجوع فإن الجوع يجفف الأبدان.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون أبقراط عنى بهؤلاء الأصحاء فإن من كان منحرف المزاج عن الاعتدال إلى الرطوبة فإن التدبير المجفف ينفعه على طريق * التقدم (261) بالحفظ. ويمكن أن يكون عنى * بهم (262) المرضى فإن من كان مرضه من الرطوبة فإن التدبير المجفف ينفعه على طريق المضادة فإن المرض يداوي بالضد والجوع يجفف بطريق العرض. وذلك أن البدن إذا عدم الأخلاف PageVW0P227B بدل ما يتحلل منه عرض له أن يتيبس سيما، والذي يتحلل من كل عضو هو أرطب ما فيه. وإنما لا يعرض الجفاف الذبولي للحيوانات التي تنحجر طول مدة الشتاء لأن المحلل من البدن هو الحرارة * إما (263) الداخلة أو الخارجة. وقد عدمت هذه الحيوانات في الشتاء كلتي الحرارتين * فلذلك (264) صار لا يتحلل PageVW5P091B منها شيء إلا النزر الذي * يوجد (265) * لتضاد عنا ضره (266) . وذلك القدر لا يؤثر فيه أكثر من الضعف الذي يناله إلى أن يعود إلى الاغتذاء * ثانيا.فصل (267) أما الفصول العويصة من هذا الكتاب * والتي (268) انتظمت ضربا من الغموض فقد بالغناء في شرحها ما لم يبق بحسب ظني في شيء منها موضع أشكال بعد أن جعلنا كلام جالينوس فيها كلها أصلا وقانونا. وأما الفصول السهلة فقد لخصنا ما قاله فيها ثم قل ما مضى * منها (269) فصل إلا وألحقنا به ما يزداد بذلك بيانا ووضوحا مما كنا قد أخذنا منه في كتبه الأخر. فإن من PageVW0P228A يخوض في شرح جزء من أجزاء الطب وقد سبق جالينوس ففحص عنه بعينه فهو في كل ذلك غارف من بحره * ومقتف (270) أثر سعيه ومنزلته في ذلك * عندي (271) منزلة ناقل * التمر (272) إلى * هجر (273) وجالب البرد إلى عدن. وأما الفصول المدلسة والتي قد أعيذ ذكرها بأخرة من الكتاب فتركنا ذكرها شفقة على فوت الزمان بما لا يجدي نفعا.
المقالة السابعة
1
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف في الأمراض الحادة دليل رديء.
[commentary]
التفسير: برد الأطلاف كالأنف والأذنين والكفين والقدمين في الأمراض الحادة يدل على أن في الأعضاء الباطلة ورما يبلغ من حرارته أن يجتذب الدم إليه بمنزلة جذب المحجمة الدم من البدن كله فتبرد الأطراف لنقصان الدم فيها وتلتهب الأحشاء التهابا لا يقدر صاحبه أن يلقى عليه ثوب. وقد علمت في الرابعة أن برد الأطراف في الأمراض الحادة قد يكون لنقصان الحار الغريزي وضعفه عن الانتشار إلى الأطراف، ولا يكون مع هذا الضرب التهاب في الداخل ولا شيء من علامات الورم. وأما في الأمراض المزمنة فليس برد الأطراف بدليل PageVW0P202A سوء ويستعان في هذا الباب بالفصل السادس والعشرين من هذه المقالة.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت في العظم علة وكان لون اللحم عنها كمدا فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: العظم إذا قبل عفونة شديدة فإن اللحم الذي ينبت بعد انكشافه يكمد لونه لأن الصديد الذي ينصب من ذلك العظم يكون حارا عفنا. وربما اسود اللحم ويكون رخوا ويوجد الصديد * أشد (1) نتنا ويكون * أكالا (2) خبيثا ويحتاج عند ذلك إلى العلاج بالكي لأن الدواء الحار * قلما (3) ينجح فيه والأسعى سعيا وحيا. وأما إذا كان الفساد والعفونة في العظم يسيرا لم يكن اللحم فاسدا للون، ولهذا علق رداءة الدلالة بفساد اللون اللحم.
3
[aphorism]
قال أبقراط: حدوث الفواق وحمرة العينين بعد * القيء (4) PageVW5P082A دليل رديء.
[commentary]
التفسير: * حمرة العينين تلزم الورم الحار في الدماغ لأن الآلات الخاصية بهما ناشية إما من الدماغ نفسه أو من غشائه، ويلزم ورم المعدة لأن القيء الذي PageVW0P202B يعرض معه يملأ الدماغ مرارا أو أبخرة مرارية فتهتك (5) الغشاء فتحمر له * العينان (6) ، إلا أنها بورم الدماغ أخص. وأما الفواق فيلزم * من (7) أذى المعدة إذا كان المؤذي في جرمها دون * تجويفها (8) سيما إذا كان المؤذي في فمها أو في المريء. ومتى لم يكن المؤذي فيها دل على أن الدماغ الذي هو مبدأ العصب قد حدث فيه ورم عظيم بالقرب من * زوج (9) العصب المنحدر إلى المعدة. وكذلك * فإن (10) الفواق الحادث عند القيء إذا اقترن به حمرة العينين دل على ورم إما في المعدة أو في * الدماغ (11) . وقد يحدث الفواق بعد القيء المفرط وبعد جميع الاستفراغات الأخر إذا * أفرطت (12) ويدل على الهلاك لأن حدوثه يكون من اليبس فالأول دليل رديء والثاني مهلك.
4
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد العرق إقشعرار فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
التفسير: القشعريرة بعد العرق تدل على أن الكيموس الذي اندفع بالعرق لم يكن نضيجا وأن الطبيعة للم يمكنها PageVW0P203A أن تمسكه إلى وقت الإنضاج التام بل دفعته للضرورة ثم لم تقو على إخراجه مع العرق. ولذلك يدل إما على خور الطبيعة وانهزامها فيعرض الهلاك وإما على تطاول المرض إن اقترن به سائر علامات السلامة.
5
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء أو حيرة فذلك * دليل (13) محمود.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون عنى باختلاف الدم خروجه من أسفل عند انفتاح العروق التي في المقعدة. فإن الدم السوداوي والذي ناله ضرب من الاحتراق يستفرغ به، وذلك محمود. وقد يبرأ الجنون بالاستسقاء على طريق الانتقال من العلة إلى العلة، وذلك إذا عجزت الكبد عن دفع الفضلة الجنونية عن * نفسها (14) فتحتبس فيها وتولد الاستقساء، وليس ذلك بمحمود لأن أبقراط من عادته أن يطلق هذا الحكم على أمثال هذا اللهم إلا أن يحتمل قوله «فذلك دليل محمود» على الاطلاق بل PageVW0P203B بحسب الإضافة وهو انتقال المرض من عضو أشرف * إلى (15) آخر أقل شرفا مما * يحمد (16) والدماغ أشرف من الكبد إلا أن في هذا بعد نظر لأن القوى الدماغية وإن كانت أشرف فإنما يحتاج إليها في حسن الحياة والقوى الكبدية يحتاج إليها في إبقاء * الحيوة (17) . وأما الحيرة فقد قال جالينوس إنها * بالزيادة (18) في الجنون أولى من أن يزيله * إلا (19) أن يفهم منه اشتداد الجنون فإن من الأمراض ما إذا اشتد جلب بحرانا فزال. ولذلك قال قد رأينا لمن به جنون يسير اشتد * به (20) جنونه فقوي * ودام (21) * فكان (22) بذبك سكونه. ولعله عنى بالحيرة ضد الاشتداد وهو هدوء الجنون حتى لا يكون معه توثب وإقدام PageVW5P082B ولا محالة أن الطبيعة أقوى * معه (23) على نضج مادة العلة ودفعها. وأنا أحسب أن هذا من الفصول المدلسة فإن الاضطراب فيه كثير.
6
[aphorism]
قال أبقراط: ذهاب الشهوة في المرض المزمن والبراز الصرف دليل رديء.
[commentary]
التفسير: ذهاب الشهوة بعد تطاول المرض يدل على موت القوة الشهوانية. وقد كان يجب بعد PageVW0P254A تطاول المرض أن تنهض الشهوة عند انخزال المرض، ولذلك صارت الهشاشة للطعام في كل مرض علامة جيدة كما ذكر من قبل. وأما البراز الصرف فقد قال جالينوس إنه الذي لا تخالطه مائية لكنه من جنس المرار إما الأصفر أو الأحمر أو * الكراثي (24) أو الزنجاري أو السوداوي، ويدل هذا على أن الحرارة قد أفنت مائية البدن، وذلك دليل رديء. وفي بعض النقول * «وولوع (25) الاختلاف» فيكون المعنى فيه سقوط القوة. والأولى عندي أن يكون أبقراط عنى بما قاله الجمع بين ذهاب الشهوة والبراز الصرف فإنهما إذا اجتمعا * دلا (26) على الرداءة للعلة التي عرفتها من قبل حيث قال الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن دليل رديء.
7
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث من كثرة * الشراب (27) إقشعرار واختلاط ذهن فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: شرب الشراب إذا بلغ من كثرته أن يخنق الحار الغريزي ويخمده صنيع الحطب الكثير بالنار فيولد لذلك النافض PageVW0P204B أو يملأ الدماغ دما وريحا حارين، وذلك فيمن هو أسخن مزاجا سيما مزاج الرأس. ويولد لذلك اختلاط العقل فبالحرى أن يكون ذلك دليلا رديئا.
8
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انفجر خراج إلى داخل حدث عن ذلك سقوط القوة وقيء وذبول * نفس (28) .
[commentary]
التفسير: عني بالخراج الدبيلة. فإذا انفجرت إلى داخل ثم كان انفجارها إلى المعدة حدث القيء . وإن كان إلى الصدر والرئة حدث الاختناق والسعال وإلى المعاء * اختلاف (29) المدة، وإنما يعرض سقوط القوة بسبب الانفجار دفعة، فإن كل انفجار دفعة مولد للغشي والسقوط كما فهمته من قبل، وذلك لانحلال الروح الحيواني كثيرا. ولأن الأعضاء تتأذى بالقيح جدا فيعرض لذلك دبول النفس، وإنما يعرض * القيء (30) لأن الانفجار على الأكثر يكون إلى المعدة والأمعاء.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن سيلان الدم اختلاط في الذهن أو * تشنج (31) فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: PageVW0P205A جالينوس يرى أنه عنى باختلاط الذهن اضطراب أفعال الدماغ بسبب الخواء فإن العضو إذا ضعف شديدا اضطربت أفعاله كالحال في اليد والرجل المرتعشين PageVW5P083A إذا لم * يتمكنا (32) من الثبات لضعفهما، وهذا دليل رديء. ويمكن أن يكون اختلاط من اختلاف الدم غير هذا، فإن مع اختلالف الدم * به (33) تحتد المرة فإذا صارت إلى الدماغ حدث اختلاط قوي، وهذا * يدل (34) على المكروه لأن مع الاختلاف يجب أن تنحدر المرة إلى أسفل فإذا تصاعدت إلى فوق دلت على رداءة الحال. والفرق بين الاختلاطين أن الحادث من الخواء لا يكون قويا ويحدث بأخرة عند سقوط القوة أو الإشراف عليه ، * وكأنه (35) حالته شبيهة بالهذيان عند الاستسقاط أو تقاربه والآخر يكون اختلاطا تاما ويحدث قبل الاستسقاط. وأما التشنج فيدل على جفاف الأعضاء الأصلية حتى يبلغ الأمر بالأعصاب إن صارت إلى التشنج، PageVW0P205B فإن عنى أبقراط بأن اجتماع الأمرين * دال (36) على غاية الرداءة، * وإن (37) عنى به انفراد أحدهما فالتشنج أقوى دلالة على الهلاك.
10
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث في القولنج المستعاذ منه قيء وفواق واختلاط ذهن * وتشنج (38) فذلك دليل سوء.
[commentary]
التفسير: العرض الذي لا يفارق هذا الضرب من القولنج هو أنه لا ينحدر شيء من الثفل إلى أسفل. وإنما يعرض التهوع عند اشتداد الأمر، وذلك إذا لم تقدر الطبيعة أن تدفع * شيئا (39) إلى أسفل لانسداد الطريق فتروم أن تدفع من فوق. * وإن (40) اشتد التهوع تقيأ الرجيع لأن الأمعاء إذا اشتاقت إلى دفع ما فيها من * البراز (41) لطول مكثه فيها ولم يتأت لها أن تدفعه إلى أسفل اضطرت أن تتحرك حركة مستكرهة بخلاف طبيعتها فتقذف * بما (42) يؤذيها إلى فوق، ويكون ذلك عند الإشراف على الهلاك. والتشنج والاختلاط يعرضان * لمشاركة (43) الدماغ المعدة في الآفة.
11
[aphorism]
PageVW0P206A قال أبقراط: إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة فذلك دليل رديء.
[commentary]
التفسير: رداءة هذا من قبل أن المادة إذا كانت من الكثرة بحيث لا تسعها الأضلاع حتى يفيض منها شيء إلى الرئة حدث ذات الرئة، ولا ينعكس هذا حتى يحدث من ذات الرئة ذات الجنب لأن المادة في ذات الرئة إن كانت يسيرة خرجت بالنفث، وإن كانت كثيرة أهلكت بالخنق. ويوجد هذا الفصل في بعض النسخ «من بعد ذات الجنب ذات الرئة». وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن من شأن ذات الجنب أن ينتقل إلى ذات الرئة والآخر أن ذات الرئة يحدث بعد ذات الجنب. ومن البين أن ذات الجنب يسكن في الانتقال إلى ذات * الرئة (44) وأنهما يجتمعان إذا حدث ذات الرئة بعد ذات الجنب إما اجتماعهما فعلى الوجه الذي قلناه وإما حدوث ذات الرئة بعد سكون ذات الجنب فعلى طريق PageVW5P083B الانتقال في العلة أو لأن المادة تولد في انفجار في ذات الجنب سوء مزاج في الرئة يتبعه ورم فيحدث PageVW0P206B ذات الرئة.
12
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ذات الرئة السرسام.
[commentary]
التفسير: هذا ليس يعرض دائما لكن إذا كان ذات الرئة من فضل حاد كثير مراري يرتفع له إلى الرأس بخار حاد كثير فإنه يملأه ويولد السرسام. ويوجد هذا الفصل في بعض النقول «إذا تبع ذات الرئة السرسام كان ذلك دليلا رديئا». وهذا إن فهم اجتماعهما * فالرداءة (45) من قبل اجتماع المرضين معا.
13
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الاحتراق الشديد التشنج والتمدد.
[commentary]
التفسير: التشنج والتمدد من أي احتراق كانا من الحمى الشديدة أو من حر الهواء أو من الكي بالنار فإنهما يحدثان عن يبس العصب، ولذلك فهما رديئان. ويمكن أن يفهم على أن الاحتراق يجلب المادة بنفسه وبتوسط ما يهيجه من الوجع والمادة * تورم (46) فيحدث التشنج والتمدد * الامتلائين (47) ، وذلك * شر (48) إلا * أنه (49) أقل شرا من الأول.
14
[aphorism]
* قال أبقراط: وعن الضربة على الرأس البهتة واختلاط الذهن رديء (50) .
[commentary]
التفسير: البهتة هي أن يبقى الإنسان ساكنا PageVW0P107A لا يعقل من أمره شيئا، * وهذه (51) واختلاط العقل يدلان على أن الضربة وصلت إلى الداخل وأن الآفة قد نالت الدماغ نفسه وأن القوى الدماغية اضطربت أفعالها أو رجعت عن التصرفاتها * أصلا (52) . وذلك أن الدماغ إما مبدأ * للقوة (53) المدبرة أو آلة لتصرفاتها، ولذلك بالحرى أن تعرض البهتة والاختلاط عند ما تناله الآفة.
15
[aphorism]
قال أبقراط: وعن نفث الدم نفث المدة.
[commentary]
التفسير: إنما يتبع نفث الدم نفث المدة إذا كان بقايا الدم الذي ينفث يستحيل في مجاري الرئة إلى المدة، وذلك إذا كان الدم رديئا سريع الاستحالة. وأحسب أن جالينوس هذا عناه بقوله إن ليس كل دم ينفث يتبعه نفث المدة بل الدم الخبيث ودم الرئة على الأكثر هو بهذه الصفة. ويمكن في الدم المنفوث إذا كان حريفا أن تقرح الرئة ويحدث لذلك * ورم (54) فيها. فإذا تقيح صار إلى نفث المدة. وعلى هذا الوجه يحدث من نفث المدة السل.
16
[aphorism]
PageVW0P207B قال أبقراط: وعن نفث المدة السل والسيلان، فإذا احتبس البصاق * مات (55) .
[commentary]
التفسير: إذا كان نفث المدة من الرئة تقرحها فمن البين أنه قد يؤذي إلى السل وهو هزال البدن مع حمى دقية بسبب قرحة الرئة. والسيلان يطلق عند اليونانيين على انتثار الشعر. فإن كان هذا عناه * أبقراط (56) فإنما يحدث ذلك من فناء غذائه واستيلاء الجفاف على البدن عند غاية PageVW5P084A الهزال. وإن كان عنى به انطقال الطبيعة فإن ذلك قد يحدث أيضا بأخرة من السل ويدل على ضعف القوة، وكلاهما يعرضان عند قرب الهلاك. وإنما يحتبس البصاق إذا ضعف العليل عن أن ينفث ما في رئته فيسد ذلك مجاري نفسه ويموت المريض ميتة المختنقين.
17
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ورم الكبد الفواق.
[commentary]
التفسير: إنما يتبع الفواق ورم الكبد إذا كان الورم عظيما قوي الحرارة * فتشاركها (57) المعدة فيه بسبب العصب. وذلك أن العصب PageVW0P208A الذي * يأتيهما (58) إنما يتشعب من مبدأ واحد. وأيضا فإن الورم إذا كان بالصفة المذكورة فإنه يتولد في الكبد * بسببه (59) مرار شديد الحرارة. فإذا انصب إلى أعالي الأمعاء * وتراقى (60) منها إلى المعدة حدث فيها لذع يهيج الفواق. وقد يظن قوم أن عظم ورم الكبد يضغط المعدة. فإذا كان فيها ريح لا تجد منفذا هيجت الفواق.
18
[aphorism]
قال أبقراط: وعن السهر التشنج واختلاط الذهن.
[commentary]
التفسير: إفراط السهر يجفف البدن لأن البدن يعدم معه الاغتذاء ويكثر منه التحلل فيعرض التشنج اليابس. وأما الاختلاط العقل فيعرض إما لإفراط اليبس فإن فرط يبس الدماغ كاف في إحداث الاختلاط أو لأن الدم يحتد ويميل إلى طبيعة المرار.
19
[aphorism]
قال أبقراط: وعن انكشاف العظم الورم الذي يدعى الحمرة.
[commentary]
التفسير: هذا ليس يعرض دائما لكن إذا اتفق أن * يكون (61) مع القرحة وجع شديد فإنه يهيج الحرارة، وكلاهما يجلبان المواد إلى ذلك الموضع. PageVW0P208B فإذا انكشف العظم في القرحة فربما وجد اللحم الذي حوله قد حدث فيه الورم المعروف بالحمرة وهو عرض رديء من هذا الوجه ومن جهة أن الحمرة ربما تفسد العظم وإنما تمنع لسوء المزاج ورداءة المادة من اندمال القرحة.
20
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الورم الذي يدعى الحمرة العفونة والتقيح.
[commentary]
التفسير: أحسب أنه في هذا الفصل يبين رداءة الحمرة التي توجد عند انكشاف العظم. وذلك أن المرار المولد للحمرة إذا كان رديئا أحدث العفونة في لحم القرحة أو في العظم المنكشف * وأحدث (62) لا محالة في القرحة * تقيحا (63) لا سبيل إلى برئها إلا بزوال القيح.
21
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الضربان الشديد في القروح انفجار الدم.
[commentary]
التفسير:: إذا كان مع القرحة ورم حار وقع الإحساس بحركة الشرايين لتزيد حركتها بالحرارة * الحادثة (64) * وللضيق (65) الحادث بسبب الورم. PageVW5P084B ولأن ما في القرحة من اللحم لضعفه لا يحتمل حركتها وإن لم تكن متزيدة ولا وجد هناك ضيق بل يناله مصادمتها إياه * حسن (66) مؤلم وهو الوجع * الضرباني (67) PageVW0P209A * فكم (68) بالحرى أن يكون ذلك إذا وجد معنيان آخران وإذا تشوقت الطبيعة إلى دفع الأشياء المؤذيةة في العروق * جعلت (69) حركتها أعظم عظيما مستكرها وهو الذي سماه أبقراط اشتداد الضربان فيحدث انفجار الدم.
22
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الوجع المزمن فيما يلي المعدة التقيح.
[commentary]
التفسير: الوجع * المزمن (70) لا يمكن أن يكون إلا لورم عسر النضج. وذلك أن البرد وسوء المزاج * المختلف (71) والريح الغليظة والمرار الملذع لا تبقى طويلا إذا دبر بما ينبغي. فأما الورم فسيتقيح لا محالة على أطول الزمان إذا أمهل ولم يقتل.
23
[aphorism]
قال أبقراط: وعن البراز الصرف اختلاف دم.
[commentary]
التفسير: البراز الصرف هو أحد المرارين إذا انحدر وحده من غير رطوبة مائية. وهذا لا محالة يجرد الأمعاء ويولد فيه قرحة تؤذي إلى اختلاف الدم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: وعن قطع العظم اختلاط الذهن * إن (72) نال الخالي.
[commentary]
التفسير: عنى بالعظم قحف الرأس PageVW0P209B وبالخالي السطح الداخل من اللقحف وهو الموضع الذي يحوي الدماغ وغشائه. والقطع إذا وصل إلى هذا الموضع فقد وصل إلى غشاء الدماغ، وإذا وصل إليه فقد وصل إلى الدماغ نفسه، لأنه يواصل الدماغ * بتوسط (73) الغشاء الآخر فيحدث لذلك الاختلاط. وماريوس ألحق قوله إن نال الخالي بقوله التشنج من * مفتتح (74) الفصل الآخر وهو حق، إلا أن الفصل الأول يبقى كذبا لأنه ليس يلحق قطع العظم لا في الرأس ولا في غيره من الأعضاء اختلاط ما لم تصل الآفة إلى أغشية الدماغ.
25
[aphorism]
قال بقراط: التشنج من شرب الدواء مميت.
[commentary]
التفسير: الدواء المسهل أو المقيء إذا أفرط في فعله جفف الأعضاء الأصلية ,يحدث بجفاف العصب التشنج المهلك.
26
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف عن الوجع الشديد فيما يلي المعدة رديء.
[commentary]
التفسير: برد الأطراف قد يكون لورم عظيم PageVW0P210A في الأحشاء أو لتراجع الحرارة بالانطفاء أو لانغمار الحرارة بسبب كثرة المادة عليها سيما إذا كانت باردة، وقد فهمت هذا كله. وقد يكون لوجع شديد في الجوف ينقبض بسبب الحار الغريزي ويتبعه الدم فيخلو الرأس والكفان والقدمان من الدم. وهذا هو الذي ذكره أبقراط هاهنا وهو جزء واحد من الجملة.
27
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالحامل زحير كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
التفسير: الزحير * قرحة (75) تحدث في PageVW5P085A المعاء المستقيم وتطالب صاحبها بالقيام المتواتر وينال الرحم بسبب مجاورته المعاء المستقيم أن يتحرك حركة المعاء لدفع المؤذي فيسقط ولأنه ينال * بدن (76) الحامل كله والرحم على الخصوص في الحركة المتواترة ومن أذى الزحير الشديد أن يتعب و=يضعف فيسقط.
28
[aphorism]
* قال أبقراط: إذا انقطع شيء من العظم أو الغضروف لم ينم.
[commentary]
التفسير: هذا قد مر * تفسيره (77) .
29
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P210B إذا حدث بمن غلب عليه البلغم الأبيض اختلاف قوي انحل * عنه (78) مرضه.
[commentary]
التفسير: قد جرت عادة اليونانيين أن يسموا الاستسقاء اللحمي * بلغما (79) أبيض لأن البلغم يستولي فيه على جملة البدن ويغتذي الأعضاء بدم بلغمي، وينسب البلغم * إلى (80) الأبيض وإن كان البلغم كله * أبيض (81) * للتفرقة (82) كما يقال فقار الصلب والفقار لا يكون إلا في الصلب والاختلاف القوي فيه يحل هذا المرض.
30
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف وكان ما يختلف زبديا فقد يكون سبب اختلافه شيء ينحدر من رأسه.
[commentary]
التفسير: الاختلاف لا يصير زبديا إلا وتخالط ريح غليظة ورطوبة لزجة وتتحرك الريح في وقت مخالطتها الرطوبة حركة شديدة حتى تتقطع هي وتنقسم في نفسها وتقطع تلك الرطوبة * وتقسمها (83) إلى أجزاء صغار كثيرة. وسبب حركة الريح إما حرارة كثيرة وإما أن تكون الريح متحركة في نفسها. والرطوبة قد تنحدر من الرأس إلى المعدة وقد تنصب إليها من العروق. PageVW0P211A وقد يكون متولده فيها أو في المعاء. وأحسب أن أبقراط إنما خصص هذا النوع من الاختلاف بالدماغ وإن كان قد يكون عن غيره لبعد المسافة فإن الريح يحتاج في * اشتباكها (84) بالرطوبة إلى زمان * ما (85) وحركة ما. والمسافة من العروق وإن كانت طويلة فإن تولد الريح فيها يكون أقل وما يتولد فيها يكون ألطف. وأما الدماغ فإن مادة الزبد أعني الريح والرطوبة فيه كثيرة. * وأما (86) الريح فبسبب ما يرد عليه الهواء بالاستنشاق. وأما الرطوبة فلما تلقيها العروق في بطونه ولأنه يغتذي بالغذاء الرطب. وأما من ظن أن الرطوبة التي تصير من الدماغ إلى المعدة إنما تصير زبديا إذا صارت أولا إلى الرئة فنكذبه مشاهدتنا النوازل التي تنزل من الدماغ إلى * الرئة (87) عادمة * للزبدية (88) رأسا * ولا (89) الدم * المنفوث (90) من الرئة يكون في جميع الحالات زبديا. وعلى أن ما ينحدر من الرأس إلى المعدة إن صار إلى الرئة أولا فإنه يحتاج أن يدخل بطون القلب أولا ثم * ينفذ (91) إما إلى PageVW0P211B الأجوف ومنه إلى * حدبة (92) الكبد * وإلى (93) مقعرها ثم يخرج من الباب إلى استدارات الأمعاء وإما أن يصير من بطون القلب إلى الأبهر ومنه إلى PageVW5P085B الشعب التي تنبث في الجداول فكيف يمكن أن يبقى زبديا وقد خالطه الدم * ونفذ (94) مسافة من العروق طويلة.
31
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به حمى * فكان (95) ما يرسب في بوله ثفل شبيه بالسويق الجريش فذلك يدل على أن مرضه طويل.
[commentary]
التفسير: البول الشبيه بالسويق الجريش هو الذي يسمى * الدشيش (96) . وذلك أن الدشيش هو * حلال (97) السويق وكل من يبول مثل هذا البول فإما أن يموت سريعا أو يطول مرضه جدا. * والسبب (98) في ذلك أن هذا الثفل يدل تارة على تفتت الأعضاء الأصلية، وهذا هو الذي يهلك سريعا * ويكون (99) لونه أبيض. ويدل تارة على أن الحرارة قد ميزت بعض الدم من الكبد * فأخمدته (100) بالاحتراق، وربما * دل (101) على انحلال اللحم وتفتته * ويعمها (102) حمرة اللون. PageVW0P212A ويفرق بينهما * بأن (103) الأجزاء اللحمية أقل حمرة وأشد اتصالا وأسرع إجابة للتفتت بالإصبع والأجزاء الدموية أشد حمرة وأقل اتصالا وأسرع إجابة للتفتت. ويدل تارة على بلغم قد أحرقته الحرارة وجففته ويكون دما ذي اللون. وهذه الضروب هي التي تدل على طول المرض لأن الطبيعة تحتاج في نضج * أمثال (104) هذه الأثفال وإصلاحها إلى زمان طويل ويعم هذه الضروب أجمع * الحمى (105) والالتهاب وعدم دلائل النضج.
32
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الغالب على الثفل الذي فى البول المرار وكان أعلاه رقيقا دل على أن المرض حاد.
[commentary]
التفسير: المرار إذا أطلق من غير تقييد بالأصفر أو الأسود فإنما يعني به المرة الصفراء لا غير. ومتى غلبت على الثفل دلت * على (106) حدة المرض وعلى الخبث والرداءة لأنه يدل على أن المادة حادة مرارية أخذه إلى التعفن والفساد ورداءته بحسب غلبة صفرته. * فإن (107) كان مع بول أبيض رقيق نقص من حدته لعدمه النضج PageVW0P212B إلا أنه يدل على الهلاك لمعنيين معا. وأما قوله وأعلاه رقيقا فإن جالينوس فهم منه في الرقة في المكان ثم أخذ يتعجب أن هذا كيف يدل على الحدة والرقيق غير نضيج ويدل على طول المرض ثم حكى أن قوما فهموا من الأعلى الزمان يعني أن الثفل إذا كان في أول * أمره (108) رقيقا ثم يصير مراريا من بعد دل على أن المرض حاد، وهذا ليس بشيء. وذكر حنين أنه عنى بالرقة في الأعلى الانخراط في الشكل لأن الثفل إذا كان نيا كان ثقيلا غليظا مسطح الأعلى، وإذا كان نضيجا كان مقبب الأعلى. وقد أحسن في هذا لأنه قد يكتسب تقدمة معرفة بأشكال أعالي الثفل وأسافله فقد قيل في الثفل المتعلق إنه إذا كان مائل الأهداب PageVW5P086A إلى فوق دل على طول المرض، وإذا كان مائلها إلى أسفل دل على سرعة البرء لأن الأول يدل على تولد الرياح والثاني على انفشاشها.
33
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله PageVW0P213A متشتتا دل على اضطراب قوي.
[commentary]
التفسير: تشتت البول هو أن يكون مختلف الأجزاء أعني أن * يكون (109) منقسما إلى مائية وأجزاء أخر متفرقة فيه وإذا رسبت تلك الأجزاء تسمى أثفالا نخالية ويدل على انحلال السطح الظاهر من الأعضاء الأصلية كما يدل الدشيشي على أن الانحلال والتفتت قد بلغ إلى عمق الأعضاء والاضطراب القوي الذي قاله هو مقاومة المرض * للطبيعة (110) * ومعاندته (111) لها. وذلك أن الطبيعة لو كانت مستولية * كانت (112) أجزاء البول واحدة مستوية، ولهذا متى كانت الأثفال النخالية أصغر كان الاضطراب أقوى كالحال في الدشيشي لأنه يدل على استيلاء الفساد لأن الفساد إذا كان في العضو في مواضع متقاربة فهو شر منه إذا كان في مواضع متباعدة، ومع الأول أجزاء صغار ومع الثاني أجزاء كبار. وافهم أن مثل هذا البول * ربما (113) دل على جرب * في (114) المثانة. ويفرق بينهما بأن مع الأول * التهابا (115) وحمى وضعف قوة وبول غير نضج PageVW0P213B ومع الثاني بول نضيج والقوة سليمة وليست الحمى.
34
[aphorism]
قال أبقراط: من كان فوق بوله عبب دل على أن علته في الكلى وأنذر منها بطول.
[commentary]
التفسير: قد فهمت أن العبب هو امتداد رطوبة لزجة حول ريح غليظة. فمتى كان العبب أصغر * وأسرع (116) انفشاشا دل على أن الريح ألطف والرطوبة أقل لزوجة أو عادمة لها، ومتى كان أكبر وأبطأ انفقاء دل بالضد. وليس العبب يوجد في مرض الكلى وحدها بل قد يوجد في مواضع أخر، ثم ربما دل باللون على نفس المرض كما يدل باجتماع السواد والشقرة معا على اليرقان وبالبياض وحده على الصرع أو الصداع، وربما وجد في انحلال بعض العلل البلغمية * كالفالج (117) والسكتة والصرع والنقرس ولا يدوم بل لا يكون أكثر من أيام قلائل ويكون مجيئه أكثر. وأحسب أن أبقراط إنما خصص كلامه بعلل الكلى لأن العبب فيها أردأ إذ يدل على ضعف الحار الغريزي فيكون الريح أغلظ PageVW0P214A والرطوبة * ألزج (118) ، ولذلك ينذر بطولها لأن الرياح الغليظة مع الرطوبة اللزجة أعسر نضجا وتفشيا. ولذلك ربما وجد العبب في أبوال الأصحاء من قبل ضعف الكلى بسبب من الأسباب التي يضعف الحار الغريزي فيها كالحال فيمن أفرط في استعمال الباه في غير حاجة إليها وهؤلاء يشكون أبدا ضعفا في الرجلين وعجزا عن PageVW5P086B * الحركة (119) ووجعا ليس * بقوي (120) في نواحي القطن سيما في الانحناء * والانتصاب (121) والانقلاب من * جنب (122) وهؤلاء ومن شاكلهم ممن ضعف الحار الغريزي في كلاهم يبولون بولا أبيض كثير المقدار ذا * عبب (123) كثير بطئ * الانفقاء (124) . وربما يوجد في بعض العلل الحادة في الكلى بول عببي، وذلك إذا فتح البول بحدته أفواه بعض العروق الضوارب حتى * خرج (125) منها شيء من الروح وينزرق مع المائية إلى خارج فاشتبك بها، وهذا خارج عما قاله أبقراط.
35
[aphorism]
قال أبقراط: من رأى فوق بوله دسم جملة دل ذلك على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
PageVW0P214B التفسير: البول الدسمي يدل على حرارة نارية تذيب شحم الكلى أو * شحم (126) سائر البدن أو اللحم السمين الذي للأعضاء أو الدسم الذي في جواهر الأعضاء. وعند ذلك تأخذ الأعضاء في التفتت وتوجد الأثقال التي تقدم ذكرها. والفرق بين ذوبان شحم الكلى وذوبان شحم أو دسم غيرها من الأعضاء أن الذوبان * الكلوي (127) يكون كثيرا لكثرة الشحم فيها ويخرج دفعة لقربه من الإحليل. وهذا * هو (128) الذي عناه أبقراط بقوله جملة . ويوجد متميزا في البول لقلة تموجه مع المائية. وأما دسم الأعضاء الأخر فيكون قليلا ويخرج شيئا بعد شيء ومختلطا بالمائية. وزعم الرازي أن من سبيل جالينوس كان أن يبين أن شحم الكلى وهو فوق الكلى كيف يخالط البول، فإن كان * يغوص (129) فكيف ذلك، والشيء الذائب إنما يسيل إلى أسهل المواضع * فكيف (130) يسيل إلى خارج. وافهم أن الأجوف النازل إلى أسفل البدن قبل أن يتكي على الصلب يتشعب منه شعب دقاق شعرية تنبت PageVW0P215A في لفافة الكليتين وفي الأجسام التي هناك، وربما كان * انشعابها (131) من القناة الصائرة منه إلى الكلية * اليسرى (132) . فكما يصير الغذاء في هذه الشعب إلى الشحم كذلك يرجع ذوبانه فيها إلى الكلى حسب الحال في سائر البدن فإن الذوبان فيها يرجع إلى الكلى في العروق التي يصير فيها الغذاء إلى البدن.
36
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به علة في كلاه وعرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها وحدث به وجع في صلبه فإنه إن كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج، وإن كان ذلك الوجع في المواضع الداخلة فأحرى أن * تكون (133) الدبيلة من داخل.
[commentary]
التفسير: من * كانت (134) به علته في كلاه وقد * تقدمت (135) له بعض الأعراض * الكلوية (136) ثم حدث له وجع في موضع العضل من الصلب أنذر بخراج يخرج به إما في العضل الخارج من الصلب إن كان الوجع مائلا إلى خارج أو في العضل الداخل وهو المسمى المتن PageVW0P215B * إن (137) كان الوجع في الداخل. وربما يحدث الخراج في نفس الكلى إما أميل إلى خارج أو إلى داخل. PageVW5P087A وتفرق بين الخراج في العضل الداخل أو في الكلى بأن وجع الكلى أكثر غورا ويلزمه في أوائله حميات غير محرقة غير قوية مختلطة عادمة لنوبة * معلومة (138) أصلا مع قشعريرة، ويكون الإحساس عند الانبطاح بالشيء الثقيل كأنه معلق من قطنه أكثر. وأما وجع المتن فأقل غورا وأكثر ضربانا وصاحبه لا يقدر على أن يثنى صلبه أصلا.
37
[aphorism]
قال أبقراط: الدم الذي يتقيأ من غير حمى سليم وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة والدم الذي يتقيأ مع الحمى رديء.
[commentary]
التفسير: الدم الذي يخرج بالقيء ولا حمى معه فسببه إما انفتاح عرق أو قرحة لا ورم معها، ولذلك يبرأ بالأشياء القابضة سريعا. وأما الذي مع حمى فمع القرحة ورم، وليس يمكن أن يبرأ إلا ويزايد عظما وخبثا لأن الورم يحتاج في برئه إلى أن ينضج ويتقيح. وفهم قوم PageVW0P216A من قوله يتقيأ القذف من الرئة وقصبتها. وهذا ليس يصح لأن قذف الدم من الرئة وإن لم يكن مع حمى فإنه من بعد إذا طال تعرض الحمى لا محالة لأن الرئة ترم.
38
[aphorism]
قال أبقراط: النزلة التي تنحدر إلى الجوف الأعلى * تتقيح (139) في عشرين يوما.
[commentary]
التفسير: الجوف الأعلى هو الذي يحويه الصدر وتشغله الرئة والنزلة التي تنحدر من الرأس في قصبة الرئة إنما تنحدر إلى الرئة. وعنى بالتقيح النضج. وصار يتقيح في مدة عشرين يوما لأن اليوم العشرين هو يوم البحران لا يوم الحادي والعشر كما يوجبه عدد الأسابيع ولا الثاني والعشرين كما وجد في بعض النسخ فإن ذلك خطأ.
39
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول وأصابه وجع في نواحي الشرج والعانة دل ذلك على أن * ما (140) يلي مثانته وجع.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل * مفسر (141) في أواخر المقالة الرابعة.
40
[aphorism]
قال * أبقراط (142) : متى عدم اللسان بغتة * قوته (143) أو * استرخى (144) PageVW0P216B عضو من الأعضاء فالعلة سوداوية.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون عنى بعدم اللسان * قوته (145) أن لا يتمكن من تبيين الألفاظ على حقائقها، ويمكن أن يكون عنى PageVW3P103B به الاسترخاء وهو فقدان الحس والحركة، وهذا هو الأولى * كما (146) قاله «أو استرخى عضو». وجالينوس * يفسر (147) بالحيرة في السبب الذي له * إذا (148) استرخى في اللسان أو أي عضو آخر بغتة فالعلة سوداوية لأن الاسترخاء قال * قد (149) يحدث من السوداء أو قد يحدث من البلغم قال وإنما قال بغتة لأن الاسترخاء قد يحدث قليلا بعد قليل بسبب الورم الذي يصلب وبسبب سوء المزاج الذي يستولي قليلا قليلا. وافهم أن * الروح الحساس إذا خالطه البخار الغليظ السوداوي امتنع من النفوذ في آلات الحس فيعرض الخدر والاسترخاء دفعة. وقد حكى روفس أنه شاهد ماليخوليا يزعم أنه غير فاسد بالموت لأنه ليس يحس بالجوع والعطش ولا بالألم إذا ضرب قال فأحميت حديدة بالنار PageVW0P217A ووضعتها على ساعده فاحتملها زمانا طويلا بقول زدني كيك، فإن نارك باردة ثم بعد الجهد الكبير لما رأى لحمه يحترق وشم رائحة القتار يسيرا، انتبه على أن ما قاله كاذب. وأيضا فإن (150) السوداء لغلظها وأرضيتها تصلب العصب وتفعل فيه * جسوا (151) حسب ما تفعله في الورم المعروف بسقيروس PageVW5P087B * فتمنع (152) مسالك الروح النفساني من أن * يعبرها (153) الروح. وأما البلغم فيفعل بلينه ورخاوته وفرط رطوبته ما يفعله في الأورام الرخوة من سهولة الانغمار فلا يمنع الجسم الروحي من أن ينفذ فيه في أول الأمر بعض النفوذ. وأنت تعلم حقيقة هذا * مما (154) قاله شمعون في كتابه في باب الصرع، فإنه قال هناك إذا كان مع الصرع ارتعاش واضطراب فإنه بلغمي لأنه لا يمكن في البلغم أن يمنع جميع مجرى الروح في العصب. فأما من صرع فاستسقطت أعضاؤه كلها فإنه من السوداء وهو شر من الأول لأنه يخاف منه أن * يسد (155) جميع مسالك الروح فيقتل PageVW0P217B العليل سريعا، وهذا القدر يليق بالطبيب أن يقوله. * وأما (156) التحقيق فيه فيليق * بالمباحث (157) الطبيعية وهو أن كل واحد من الحس والحركة يتبع * مزاجا (158) يميل إلى الحرارة والرطوبة باعتدال * والسوداء (159) تضاد هذا المزاج بالكيفيتين جميعا والبلغم يضاده بكيفية واحدة. وذلك أن * تعلم (160) أن الحس يحتاج إلى اعتدال من الحرارة * لأن (161) اللحم أكثر إحساسا من PageVW3P104A العصب. وذلك أن وجع العصب خدري أي قليل الحس ووجع اللحم شديد مبرح وورم العصب مع عظمه لا يؤلم كثيرا، وإنما يعلم عظمه من التشنج الذي يصيبه من بعد، * وربما (162) وجد تحت بعض العروق التي * تفصد (163) عصبة إذا انقطعت بنصفين في الفصد لم يشعر به صاحبه إلى أن يخدر * يده (164) من بعد. ولو كشفت عصبة من حيوان، * وجد (165) إذا غرز لحمه يضج ويضطرب أكثر مما يفعل إذا غرز عصبة. وإنما جعل كذلك لأن العصب كالمجاز لقوة الحس واللحم كالمصب إليه * والحرارة قرينة للحس فأيهما وجد تبعه قرينه. وأيضا فإن الحرارة والحركة حليفتان فأيهما وجدت هيجت صاحبتها. وذلك أن الحركة تثير الحرارة والحرارة تبعث على الحركة وهما تجانسان الحياة لأن وجودهما شرط في وجود الحياة. وهكذا حال ضديهما اللذين هما البرد والسكون فإن السكون يبرد والبرد يجمد وهو أبلغ من السكون وهما يناسبان الموت. وأيضا فإن الإحساس انفعال واليبس مانع من سهولة الانفعال إذ هو أقوى الكيفيتين المنفعلتين، ولهذا لم يصلح أن يكون القلب مع كونه مبدأ القوة الحس والحركة مبدأ للأعصاب إذ كان الحس يحتاج في حصوله إلى جوهر رطب يقبل سريعا ويؤدي إلى جوهر يابس يحفظه والحركة تحتاج إلى آلة مؤاتية للفعل والرطوبة تجعلها كذلك واليبس يعوقها عن الانطباع والمؤاتاة (166) .
41
[aphorism]
قال أبقراط: * إن (167) حدث * بالشيخ (168) بسبب PageVW0P218A استفراغ * مشي (169) أو * قيء (170) فواق فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
PageVW5P088A التفسير: هذا الفواق يعرض من اليبس وإنما خصه * بالشيخ (171) إما لأنه أردأ فيه لضعفه بسبب اليبس أو لأنه أسرع حدوثا فيه بسبب جفاف * أعضائه (172) الأصلية.
42
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى ليست من مرار فصب على رأسه ماء حار كثير أنقضت بذلك حماه.
[commentary]
التفسير: أشار أبقراط بهذا إلى الحميات اليومية التي لا مواد لها تحتاج أن تنضج ولا عفونة معها، فإن من حم هذه الحمى من أي سبب كان انتفع في وقت الانحطاط بصب الماء الحار عليه، ولم يعن بصب الماء الحار على الرأس * تخصيص (173) الرأس بصب الماء عليه لكنه * عنى (174) الاستحمام فإن العادة فد جرت إذا أريد صب الماء على البدن كله بأن يقال بقلب على رأسه الماء. وبالحق أن كل من حم من سخونة الروح فإنه يحتاج بأخرة إلى أن يقلب عليه الماء الحار * لتنفش (175) حرارة الحمى وتتحلل الأبخرة الحارة. فأما من كانت حماه PageVW0P218B لورم أو * كيموس (176) وبالجملة إذا كانت * مع (177) عفونة خلط فإن الاستحمام لا يوافقه ما لم يستفرغ وينضج المادة.
43
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة لا تكون ذات يمينين.
[commentary]
التفسير: هذا لم يعن به أن تكون اليسرى أقوى من اليمنى ، فإنه داخل في حكم الأعسر وهو تشويه في الخلق وليس في التشويهات فضيلة، والحرارة في الأعسر لا تقوى على أن تمد الجانبين ولا في الرجال. وإنما عنى بذلك أن يتمكن من العمل باليسرى حسب * تمكنه (178) باليمنى، ويسمي في الذكور أعسر. وإذا لم يكن ذلك * اعتيادا (179) فهو لتوفر القوة في الجانبين بسبب توفر الحار، فإن الحار أشد مناسبة للفعل والنساء لضعف الحار فيهن لا يوجدن كذلك ولا الرجال * إلا (180) الأقوياء بل غاية النساء أن يعملن باليد اليمنى أعمالا معتدلة. ولهذا حكى أبقراط أن النساء الصقالبة يكونن اليد اليمنى منهن ليأتي اليد التي في ذلك الجانب غذاء أكثر فيزيد في قوتها. وحكى جالينوس PageVW0P219A عن قوم من * متخلفي (181) القدماء أنهم قالوا * مكان (182) ذات يمينين ذات يمين وفهموا منه أن المرأة لا تحمل في الجانب الأيمن من الرحم * وقوم (183) قالوا ذات فرجين يعني أن الرجل قد يكون له مع الذكر فرج المرأة فيكون ذا فرجين وهو الخنثي. * فأما (184) المرأة فلا يكون لها مع الفرج ذكر الرجال وهذا كله سخف من القول.
44
[aphorism]
قال أبقراط: من * كوى (185) من المتقيحين فخرجت منه مدة بيضاء نقية فإنه يسلم، وإن خرجت منه مدة حمائية فإنه يهلك.
[commentary]
التفسير: عنى بالمتقيحين أصحاب المدة في الصدر وهؤلاء قد يكون ليستخرج به تلك المدة. PageVW5P088B فإن خرجت المدة بيضاء نقية فإنه يسلم لأن بياض المدة يدل على أن الحرارة المولدة لها لم يشبها من * النارية العفنية (186) إلا اليسير النزر فلذلك سلكت بها سبيل الاستحالة والتشبه بلون الأعضاء الأصلية وهو البياض. وإنما لا تكون في بياض المني واستوائه لأن الحرارة في توليد المدة لا بد من أن يشوبها PageVW0P219B عفن. وإنما تجمد الملساء لأنها دالة على استواء النضج في جميع الأجزاء. وذلك أن اختلاف النضج في أجزاء الخلط يجعل المدة مختلفة الأجزاء. ومعنى قوله «نقية» أي لا تكون كريهة الرائحة لأن عدم الكراهة في الرائحة يدل على قلة العفونة وقوة الهضم. وأما إذا كانت المدة حمائية كانت * متغيرة (187) في اللون والقوام والرائحة وبالحرى أن يدل على فساد المدة فتفسد آلات الصدر ولذلك يهكل. ولهذا ليس ينبغي متى كان ما ينفثه صاحب * القيح من المدة (188) غير أبيض ولا * نقي (189) أن يقدم على كيه لأن ذلك لا يجدي عليه نفعا.
45
[aphorism]
قال أبقراط: * من (190) كانت في كبده مدة فكوي فخرجت منه مدة بيضاء نقية فإنه يسلم وذلك أن المدة في غشاء، وإن خرج منه شبيه بثفل الزيت هلك.
[commentary]
التفسير: ذكر جالينوس أن أبقراط أخبر بالعلة التي لها يسلم بعض أصحاب هذه العلة وذلك إذا كان جوهر الكبد سليما لأن المدة في غشائها وأن البعض يهلك إذا كان الفساد قد سعى إلى جوهر الكبد. وأما الرازي فإنه PageVW0P220A * بقي بالحيرة (191) قائلا بأن غشاء الكبد ليس يمكن أن يكون فيه ورم إذا تقيح بلغ من كمية أن تسيل المدة فضلا عن أن تحتاج أن تنفث فتخرج اللهم إلا أن يفهم من الكبد موضع الكبد من مراق البطن وهو ما يعلوه، إلا أن من فهم من قوله الغشاء غير غشاء الكبد بل ما يقرب منه كان قول أبقراط مكذبا له فإنه قال "من كان في كبده مدة" ثم أدخل الغشاء في جملة الكبد. وأنت فافهم أن النفاخات إذا كانت تتسارع إلى غشاء الكبد كما * يستفهمه (192) من بعد فليس من المستبعد إذا كانت من داخل ثم تفقأت أن يمتلئ الغشاء مدة كما إذا كانت من خارج امتلاء البطن من تلك الرطوبة فكان منها الاستسقاء.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العينين وجع * فليسق (193) صاحبه شرابا صرفا ثم أدخل الحمام وصب * عليه (194) ماء حار كثير ثم * فصد (195) .
[commentary]
التفسير: * هذه (196) التدابير إذا * فرقت (197) فاستعمل كل ضرب منها * في (198) موضعه * فقد (199) مضى شرحه من قبل، وإن فهم على الترتيب الموصوف فليس هو PageVW0P220B من كلام أبقراط. ومن زعم أن * الأجود (200) فيمن في بدنه دم غليظ أن * يذاب (201) ويرقق ذلك الدم أولا بشرب الشراب الصرف والحمام ثم يفصد فليعلم أن من في بدنه امتلاء دموي PageVW5P089A وفي عينيه وجع لم يحتمل شرب الشراب * ولا الاستحمام (202) وأن فعلهما لم يؤمن أن تتمزق صفاقات عينيه لكن شرب الشراب والاحتمام إنما يصلحان لمن في عضو منه دم غليظ قد لحج فيه من غير امتلاء في البدن. ولهذا قال جالينوس إن هذا الفصل مدلس.
47
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال فليس يرجى.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل مفروغ من شرحه في المقالة السادسة.
48
[aphorism]
قال أبقراط: تقطير البول وعسره يحلهما شرب الشراب والفصد وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
التفسير: تقطير البول قد يكون لحدته، وينفع منه الفصد إذا كان في البدن امتلاء من دم. وقد يكون لضعف القوة الماسكة بسبب * سوء (203) مزاج مفرط ولا سيما بارد، والشراب PageVW0P221A ينفع منه. وأما عسر البول فمتى لم يكن مع وجع فقد يكون لبرد أو ريح غليظة أو شدة حدثت بسبب دم غليظ من غير امتلاء في البدن، وشرب الشراب ينفع منه ويحله. وإن كان مع وجع فهو لورم، فإن كان معه امتلاء والقوة قوية فالفصد * يشفيه (204) لا محالة. والعروق الداخلة هي الأبطء من اليد والصافن من الرجل.
49
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهر الورم والحمرة في مقدم الصدر فيمن اعترته الذبحة كان ذلك * دليلا محمودا (205) * لأن المرض يكون قد مال إلى خارج (206) .
[commentary]
التفسير: هذا الفصل يقتضي أن * يكون (207) ملحقا بكلام أبقراط لأنه مع إيثاره الإيجاز والإلغاز لا يعيد فصلا قد مر له في المقالة السادسة لأجل الزيادة القائلة لأن المرض يكون قد مال إلى خارج.
50
[aphorism]
قال أبقراط: من * أصابته (208) في دماغه العلة التي يقال لها * سفاقيلوس (209) فإنه يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
التفسير: العضو إذا أخذ يفسد بالعفونة إلى أن يبتدئ يذهب نضارة لونه ويسكن PageVW0P221B الضربان لأن الحس يخدر، سمى غانغريا. فإذا استحكم هذا العارض حتى يبطل الحس اصلا ويموت العضو فهو * سفاقيلوس (210) ويدعي عندنا الخبثية وهو ما يعرض من اسوداد أطراف اليدين والرجلين لدم غليظ ينصب إليها. فإنه إذا عفن عفن * العضو (211) وسوده، والعضو إذا فسد الفساد المسمى * سفاقيلوس (212) فليس يمكن أن يرجع إلى * حاله (213) الأولى لأنه ميت. ولهذا يجب أن يفهم من قوله «من * أصابته (214) في دماغه العلة التي يقال لها * سفاقيلوس (215) » أي من ابتدائه غانغريا في دماغه حتى أشرف على الوقوع في * سفاقيلوس (216) . * وكما (217) أن غانغريا إذا وقع في اللحم * وفي (218) سائر الأعضاء فإنه برأ، كذلك الحال في الدماغ إلا أن الدماغ لشرفه لا يحتمل غانغريا مع * صعوبتها (219) كثيرا، ولذلك يهلك في الثلاثة الأيام الأول. فإن جاوزها فإن العلة تكون قد * انحطت (220) ، PageVW5P089B وقوة الدماغ قد نهضت لمقامتها، PageVW0P222A ولذلك يبرأ العليل.
51
[aphorism]
قال أبقراط: العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب الموضع الخالي الذي في الرأس وانحدر الهواء الذي فيه فسمع له صوت لأن نفوذه وخروجه تكون في موضع ضيق.
[commentary]
التفسير: إن فهم هذا الفصل على أن العطاس إنما يكون من الدماغ، وذلك إذا سخن الدماغ ورطبت المواضع الخالية منه، * واقتضى (221) أن لا يكون عطاس إلا من الرأس لأن الدماغ قد سخن ورطب الموضع الخالي منه. ونحن نجد من أدخل في أنفه * ريشة (222) أو سحاة يعطس. ولذلك فالأولى أن يفهم أن العطاس الذي يكون من الرأس إنما يحدث إذا أسخن الدماغ ورطب الموضع الخالي منه. وخليق أن تكون رطوبة الموضع الخالي من الدماغ ليس يحتاج إليه في حدوث العطاس الكائن من الرأس لأن الرطوبة لا تهيج العطاس دون أن تنحل فتصير ريحا على ما يظهر عيانا في * الرطوبات (223) التي تنحدر من المنخرين من غير حدوث عطاس ضرورة. PageVW0P222B وإنما يكون * عطاس (224) إذا كانت الرطوبة لذاعة فيعرض من ذلك ما يعرض لمن أدخل في أنفه شيئا يلذعه. فالعطاس إذن على الإطلاق إنما يعرض للذع ينال بعض آلات الشم فتنهض الطبيعة لا زالت بهواء كثير تجتذبه ثم تدفعه كما يفعل بالأنبوب الذي ينفخ ليخرج ما * فيه (225) . وإنما يحتاج في العطاس على الإطلاق إلى أن يستنشق الإنسان هواء * يملأ (226) به رئته ودماغه ليرتفع ما في الرئة منه دفعة * بانقباض (227) الصدر ويندفع ما في الدماغ بحركة من الطبيعة فيخفف ثقل الرأس * وتنقى (228) مجاري الأنف. أما تخفيفه ثقل الدماغ فلأن العطاس الدماغي إنما يكون إذا انحلت الرطوبات التي في المواضع الخالية من الدماغ حتى تصير هواء، وإنما هواء ينهض الحار الغريزي لأن اجتماع الرطوبات فيها إنما يكون لضعفها. وعنى بالموضع الخالي بطون الدماغ، ويجوز أن يفهم منه الموضع المحيط به من خارجه، فإن ما هناك من الهواء يمكن أن ينفذ في جرمه PageVW0P223A ويصير إلى بطونه. وأما تنقية مجاري الأنف إما التي * تصير إلى (229) الدماغ فيما ينحدر من الهواء عن الدماغ وإما الذي يصير إلى الفم فيما يرتفع من الهواء من أسفل. * فأما (230) الصوت فقد وصف أنه يكون من العطاس لكثرة ما يخرج من الهواء دفعته من موضع ضيق.
52
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع شديد في كبده فحدثت به حمى حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
التفسير: الوجع الشديد في الكبد من غير حمى لا يمكن أن يكون إلا لريح نافخة. فإن الذي من ورم يكون معه لا محالة حمى، والذي من السدد لا يكون شديدا بل يكون معه ثقل. وقول أبقراط «فحدثت به حمى» يدل على أنه لا حمى مع الوجع. وإذا كان ذلك ثم حدثت الحمى فإنها تحل الريح ويسكن الوجع.
53
[aphorism]
PageVW5P090A قال أبقراط: من احتاج إلى أن يخرج من عروقه دم فينبغي أن يقطع له العرق في الربيع.
[commentary]
التفسير: هذا الفصل مفسر في * أواخر (231) المقالة السادسة.
54
[aphorism]
قال أبقراط: من تحيز فيه PageVW0P223B بلغم * فيما (232) بين المعدة والحجاب * وأحدث (233) به وجعا إذ كان لا منفذ له ولا إلى واحد من الفضائين فإن ذلك البلغم إذا جرى في العروق إلى المثانة انحلت عنه علته.
[commentary]
التفسير: أما مارينوس فكان يقول لو كان بلغم بين المعدة والحجاب لم يمكن أن يدخل إلى العروق كما تدخل الرطوبة المائية الرقيقة في أصحاب الاستسقاء فتجري في البول، بل كان ينحدر إلى أسفل حتى يصير إلى عظم العانة. قال وإنما أراد أبقراط أن يكون البلغم فيما بين جرم الحجاب الخالص الذي هو لحم وبين أعلى الغشاء الممدود على البطن. وجالينوس يقول إن الشك في مصير البلغم من هذا الموضع إلى العروق بعينه قائم. ومع ذلك فإنه ليس يستعاد لهذا الموضع من الغشاء اسم المعدة. قال والأولى أن يفهم عما بين المعدة والحجاب الفضاء الذي هو دون الحجاب في جوف الغشاء المسمى * فاراطنين (234) ، وإن البلغم في هذا PageVW0P224A الموضع تدفعه الطبيعة إلى العروق لأنها متى PageVW3P107A كانت قوية لم يعجزها طريق ينفذ فيه الشيء الذي تريد إنفاذه، وإن كان الشيء غليظا والطريق ضيقا فإنها تدفع المادة في الوصل * التي (235) بين الأعضاء وإن كانت عظاما مثلا، ولذلك فهي تدفع المدة عن فضاء الصدر بالسعال وتدفع الدم من الجلد وهو صحيح في المواضع التي انكسر فيها عظم، وذلك * بأن (236) تلطفه * قليلا (237) تدفعه. ولهذا قال الرازي إن جالينوس ليس يطلب في هذا الموضع منفذا بربخيا بل يرى أن البلغم ينفذ من ذلك الموضع إلى العروق على طريق الرشح. وافهم أنت أن من الممكن أن يكون أبقراط عنى بالبلغم الماء فإنه يطلق لفظة البلغم على الاستسقاء كثيرا ويتحيزه فيما بين المعدة والحجاب وفوقه في الفضاء الذي فيما دون الحجاب في جوف الصفاق الممدود على البطن على ما يراه جالينوس. وقد فهمت في الفصل القائل «إذا كان PageVW0P224B بإنسان استسقاء فجرى الماء منه في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه» أن الماء كيف يصير من هذا الموضع في العروق إلى المثانة. * ويمكن أن يكون عنى به البلغم نفسه ويتحيزه فيما بين المعدة والحجاب وفوقه في الموضع الذي قاله مارينوس لأن أبقراط قد صرح بأنه لا منفذ إلى أحد الفضائين وهما فضاء الصدر وفضاء البطن. وإذا وقف البلغم في ذلك الموضع أحدث وجعا بالتمديد. فإن دخل منه في الأجوف الصاعد إلى الحجاب صار منه إلى المثانة وكان دخوله بطريق الرشح على ما يراه جالينوس. وإن اندفع * منه إلى الأجوف الصفاق صار منه إلى المثانة على الوجه الذي عرفت من قبل. وهذا الوجه أليق بنفص أبقراط. وإن كان قد قال لا منفذ له إلى أحد الفضائين فإنه عنى بالمنفذ أن يكون معهودا والمنفذ الذي في الصفاق إلى الكبد ليس بمعهود إلا في الأجنة (238) .
55
[aphorism]
قال أبقراط: من * امتلأت (239) كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء PageVW0P225A إلى الغشاء الباطن امتلأ بطنه ماء ومات.
[commentary]
التفسير: إن الكبد يسرع إليها نفاخات الماء أكثر * من (240) سائر الأعضاء، وتتولد تلك النفاخات في غشاء الكبد، ويدلنا على هذا كباد PageVW5P090B الحيوانات المذبوحة. فإنه يوجد في أغشيتها هذه النفاخات كثيرا. فإذا اتفق أن يتفقأ تلك النفاخات حدث ما ذكرنا من اجتماع المدة في الكبد. وإذا انفجر إلى خارج بالمنفذ الذي يدخله العرق الصائر من * سرة (241) الجنين إلى كبده انصب إلى الفضاء الذي تحت الحجاب حدث الاستسقاء لأن في هذا الفضاء بعينه يجتمع الماء في المستسقيين. وهذا هو الفضاء الذي فوق الثرب وتحت فاراطنين. والماء الذي يجتمع فيه من تفقأ النالنفاخات يكون حارا حريفا محدثا * للتأكل (242) . والأولى أن يفهم قوله «الغشاء الباطن» * يعني (243) ما يليه، وإلا فالغشاء هو الثرب. وليس يمكن أن يجتمع في داخله شيء دون أن يعرض فيه PageVW0P225B تأكل إذ لا خرق ولا ثقب فيه. وأما حكمه بالموت على من حدث * له (244) هذا العارض فهو على الأكثر فإن الواحد * فالواحد (245) من المستسقيين قد يسلم.
56
[aphorism]
قال أبقراط: القلق والتثاوب * والاقشعرار (246) يبرئه شرب الشراب إذا مزج واحد سواء بواحد سواء.
[commentary]
التفسير: ينبغي أن يفهم أن أبقراط عنى بحدوث هذه الأعراض للأصحاء، فإن * من (247) كان مريضا أو مشرفا على الحمى فيعرض له لذلك قلق أو تثاوب أو قشعريرة فليس يؤمر بشرب الشراب. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه الأعراض توجد للأصحاء لسببين أحدهما من الأسباب البدنية والآخر من الأسباب * النفسية (248) . أما البدنية فإنه متى وجد في فم المعدة رطوبة مؤدية غير * كثيرة (249) ولا مصبوبة في فضائها، بل مداخلة لجرمها عرض لصاحبها القلق وهو أن يمل الحال التي هو عليها ويشتهي أن ينتقل إلى أخرى. وعلى هذا النحو يوجد القلق * للمرضى (250) ، وذلك إذا ثقل عليهم الشكل الذي PageVW0P226A اضطجعوا عليه واشتهوا أن ينقلبوا إلى شكل آخر. وأما التثاوب فيعرض إذا كان في عضل الفكين فضلة من جنس الريح كما إذا كانت هذه الفضلة في عضلات الكتفين واليدين والظهر حدث التمطى. والقشعريرة تحدث إذا انصبت رطوبة رديئة يسيرة تحت الجلد. ومن البين أن الشراب * الممزوج (251) على النصف يقي منها أجمع لأنه * ينضج (252) ويهضم ويعدل ويحرك على الاستفراغ. والرازي لشغفه بالرد على أهل الصواب يخطئ جالينوس في سقي الشراب لإزالة البلغم الغائص في جرم المعدة قائلا بأن القيء أولى بأن يشفي ذلك من الشراب. وذهب عليه ما لا يذهب على العوام PageVW5P091A * من (253) أن القيء إنما يخرج ما هو مصبوب في تجويف المعدة. فأما ما هو مداخل بجرمها وفيما بين طبقاتها فالقيء لا يخرجه أصلا. وأما الأسباب النفسية فهي الوحدة وطول الفكر فإن الإنسان إذا ظل نهاره يفكر في المطالب العلمية يضجر ويقلق ويتكسر بدنه وتقع عليه PageVW0P226B التمطى والتثاوب وكلما أمعن في الفكر واختار * الوحدة (254) اشتد ذلك عليه حتى يفرغ إلى مفاوضة صديق في بعض ما يتعاطاه من العلم أو مؤانسة إنسان تستأنس به أو يتفرج بالانتقال من موضع إلى موضع أو يشرب أقداحا ممزوجة بقدر ما * يثقل (255) رأسه ويسخن بدنه ويزيل ذلك عنه * أجمع. (256)
57
[aphorism]
قال أبقراط: من تزعزع دماغه فإنه تصيبه في وقته سكتة.
[commentary]
التفسير: * الزعزعة (257) تحريك شديد خارج عن الطبيعة يعرض الدماغ عند ما يسقط الإنسان من موضع عالي فيقع على رأسه أو تناله ضربة قوية على الرأس. وربما يعرض هذا بعينه للنخاع حتى تضطرب مواضع تأليف الفقارات ويكاد بعض العصب الذي ينبت منه ينهتك، إلا أن الذي ينال الدماغ من * الوهن (258) التحرك أكثر مما ينال النخاع بحسب ما له من الفضاء الذي ليس يوجد مثله للنخاع. ويعرض PageVW0P227A للقوة النفسانية في تلك الحال أن تنقبض لتأذيها بتلك الحركة والإشراف على الخطر ويكمن ويسكن. ويعرض لبعض الأعصاب أن * يتمدد (259) تمددا شديدا، وللبعض أن ينهتك، ويعرض لكمون القوى الدماغية وسكونها عن التصرفات أن يبقى الإنسان عادما للحس والحركة والصوت. فإن لم ينهتك شيء من الأعصاب فإنه يرجي له أن * ينتعش (260) ، وإلا فلا.
58
[aphorism]
قال أبقراط: من كان لحمه رطبا فينبغي أن يجوع فإن الجوع يجفف الأبدان.
[commentary]
التفسير: يمكن أن يكون أبقراط عنى بهؤلاء الأصحاء فإن من كان منحرف المزاج عن الاعتدال إلى الرطوبة فإن التدبير المجفف ينفعه على طريق * التقدم (261) بالحفظ. ويمكن أن يكون عنى * بهم (262) المرضى فإن من كان مرضه من الرطوبة فإن التدبير المجفف ينفعه على طريق المضادة فإن المرض يداوي بالضد والجوع يجفف بطريق العرض. وذلك أن البدن إذا عدم الأخلاف PageVW0P227B بدل ما يتحلل منه عرض له أن يتيبس سيما، والذي يتحلل من كل عضو هو أرطب ما فيه. وإنما لا يعرض الجفاف الذبولي للحيوانات التي تنحجر طول مدة الشتاء لأن المحلل من البدن هو الحرارة * إما (263) الداخلة أو الخارجة. وقد عدمت هذه الحيوانات في الشتاء كلتي الحرارتين * فلذلك (264) صار لا يتحلل PageVW5P091B منها شيء إلا النزر الذي * يوجد (265) * لتضاد عنا ضره (266) . وذلك القدر لا يؤثر فيه أكثر من الضعف الذي يناله إلى أن يعود إلى الاغتذاء * ثانيا.فصل (267) أما الفصول العويصة من هذا الكتاب * والتي (268) انتظمت ضربا من الغموض فقد بالغناء في شرحها ما لم يبق بحسب ظني في شيء منها موضع أشكال بعد أن جعلنا كلام جالينوس فيها كلها أصلا وقانونا. وأما الفصول السهلة فقد لخصنا ما قاله فيها ثم قل ما مضى * منها (269) فصل إلا وألحقنا به ما يزداد بذلك بيانا ووضوحا مما كنا قد أخذنا منه في كتبه الأخر. فإن من PageVW0P228A يخوض في شرح جزء من أجزاء الطب وقد سبق جالينوس ففحص عنه بعينه فهو في كل ذلك غارف من بحره * ومقتف (270) أثر سعيه ومنزلته في ذلك * عندي (271) منزلة ناقل * التمر (272) إلى * هجر (273) وجالب البرد إلى عدن. وأما الفصول المدلسة والتي قد أعيذ ذكرها بأخرة من الكتاب فتركنا ذكرها شفقة على فوت الزمان بما لا يجدي نفعا.
صفحة غير معروفة