شرح فتح القدير
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
مكان النشر
بيروت
فإذا كان أبو حنيفة يقول في المستيقظ حقيقة على شاطىء نهر لا يعلم به يجوز تيممه فكيف يقول في النائم حقيقة بانتقاض تيممه قوله والمراد من الماء يعنى الماء في قوله وينقضه رؤية الماء ما يكفى فلو وجد المتيمم ماء فتوضأ به فنقص عن إحدى رجليه إن كان غسل كل عضو ثلاثا أو مرتين انتقض تيممه أو مرة لا ينتقض لأنه في الأول وجد ما يكفيه إذ لو أقتصر على أدنى ما يتأدى به الفرض كفاه بخلاف الثاني
وقال الشافعي رضى الله عنه لا يجوز مع وجود الماء وإن قل حتى يستعمله فيفنيه فحينئذ يتيمم لأن قوله تعالى
﴿فلم تجدوا ماء﴾
يفيده لأنه نكره في سياق النفى وصار كما إذا وجد ماء يكفى لإزالة بعض النجاسة الحقيقية أو ثوبا يستر بعض عورته
ولنا أن المراد في النص ماء يكفى لإزالة المانع لأنه سبحانه أمر بغسل الأعضاء الثلاثة والمسح ومعلوم أنه بالماء ثم نقل إلى التيمم عند عدمه بقوله
﴿فلم تجدوا ماء﴾
فبالضرورة يكون التقدير فاغسلوا وامسحوا بالماء فإن لم تجدوا ماء تغسلون به وتمسحون ما عينته عليكم فتيمموا
والقياس على الحقيقة والعورة فاسد لأنهما يتجزءان فيفيد إلزامه باستعمال القليل للتقليل ولا يفيد هنا إذ لا يتجزأ هنا بل الحدث قائم ما بقى أدنى لمعة فيبقى مجرد إضاعة مال خصوصا في موضع عزته مع بقاء الحدث كما هو والمراد من القدرة أعم من الشرعية والحسية حتى لو رأى ماء في حب لا ينتقض تيممه وإن تحققت قدرة حسية لأنه إنما أبيح للشرب ولو وهب له ماء وجب القبول وانتقض التيمم ولو وجد جماعة من المتيممين ماء مباحا يكفى أحدهم انتقض تيمم الكل لقدرة كل منهم لتحقق الإباحة في حق كل منهم بخلاف ما لو وهب لهم بأن قال صاحب الماء هذا لكم أو بينكم فقبضوه حيث لا ينتقض تيمم أحد منهم لأنه لا يصيب كلا منهم ما يكفيه على قولهما
وعلى قول أبى حنيفة لا تصح هذه الهبة للشيوع فلو أذنوا لواحد منهم بالوضوء عنده لا يجوز إذنهم لفساد الهبة وعندهما يصح فينتقض تيممه كما لو عين الواهب واحدا منهم فإنه يبطل تيممه دونهم حتى لو كان إماما بطلت صلاة الكل وكذا لو كان غير إمام إلا أنه لما فرغ القوم سأله الإمام فأعطاه تفسد على قول الكل لتبين أنه صلى قادرا على الماء
وأعلم أنهم فرعوا لو صلى بتيمم فطلع عليه رجل معه ماء فإن غلب على ظنه أنه يعطيه بطلت قبل السؤال وإن غلب أن لا يعطيه يمضى على صلاته وإن أشكل عليه يمضى ثم يسأله فإن أعطاه ولو بيعا بثمن المثل ونحوه أعاد وإلا فهى تامة
وكذا لو أعطاه بعد المنع إلا أنه يتوضأ هنا لصلاة أخرى وعلى هذا فإطلاق فساد الصلاة في صورة سؤال الإمام إما أن يكون محمولا على حاله الإشكال أو أن عدم الفساد عند غلبة ظن عدم الإعطاء مقيد بما إذا لم يظهر له بعد إعطاؤه
فرع يبتلى الحاج بحمل ماء زمزم للهدية ويرصص رأس القمقمة فما لم يخف العطش ونحوه لا يجوز له التيمم
قال المصنف في التجنيس والحيلة فيه أن يهبه من غيره ثم يستودعه منه
وقال قاضيخان في فتاواه هذا ليس بصحيح فإنه لو رأى مع غيره ماء يبيعه بمثل الثمن أو بغبن يسير لا يجوز له التيمم فإن تمكن من الرجوع في الهبة كيف يجوز له التيمم اه
صفحة ١٣٥