وأبهى. فالهيولى لخسة وجودها ونقصان فعليتها دار الوحشة والظلمة ومركز الشرور ومنبع الدناءة ويدور عليها رحى الذميمة والكدورة.فهي لنقصان وجودها وضعف نوريتها كالمرأة الذميمة المشفقة عن استعلان قبحها، كما قال الشيخ والدنيا لوقوعها في نعال الوجود وأخيرة تنزلاته يدعى بأسفل السافلين وإن كانت بنظر أهلها بهية حسناء لذيذة، لأن كل حزب بما لديهم فرحون. فإذا ظهر سلطان الآخرة وانكشفت الحقيقة بارتفاع الحجب عن بصيرة القلب وتنبهت الأعين عن نوم الغفلة وبعثت الأنفس عن مراقد الجهالة وعرفت حالها ومرجعها ومآلها وانكشفت ذميمتها وقبحها وظلمتها ووحشتها.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يحشر بعض الناس على صور تحسن عندها القردة والخنازير". وهذا الكمال الحيواني والخير البهيمي والسبعي أيضا من بركات الوجود وخيراته ونوره وبهائه.
فكلما خلص الوجود من شوب الاعدام والفقدانات واختلاط الجهل والظلمات يصير بمقدار خلوصه بهيا حسنا. فالعالم المثال أبهى من ظلمات الطبيعة، وعالم الروحانيات والمقربين من المجردات أبهى منهما، والعالم الربوبي أبهى من الكل، لخلوصه عن شوب النقص وتقدسه عن اختلاط الأعدام وتنزهه عن الماهية ولواحقها، بل لا بهاء إلا منه، ولا حسن ولا ضياء إلا لديه، وهو كل البهاء وكله البهاء.
قال السيد المحقق الداماد قدس سره في القبسات على ما نقل:"وهو تعالى كل الوجود وكله الوجود وكل البهاء والكمال وهو كله البهاء والكمال وما سواه على الاطلاق لمعات نوره ورشحات وجوده وظلال ذاته". انتهى.
فهو تعالى بهاء بلا شوب الظلمة، كمال بلاغبار النقيصة، سناء بلا اختلاط الكدورة، لكونه وجودا بلا عدم وإنية بلا مهية، والعالم باعتبار كونه علاقة ومنتسبا إليه وظله المنبسط على الهياكل الظلمانية والرحمة الواسعة على الأرض الهيولائية، بهاء ونور وإشراق وظهور، {قل كل يعمل على شاكلته}(الإسراء:84)، وظل النور نور{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}(الفرقان:45) وباعتبار نفسه هلاك وظلمة ووحشة ونفرة، {كل شيء هالك إلا وجهه}(القصص:88). فالوجه الباقي بعد استهلاك التعينات وفناء المهيات، هو جهة الوجوب المتدلية إليه التي لم تكن مستقلة بالتقوم والتحقق ولا حكم لها بحيالها، فهي بهذا النظر هو. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله:
صفحة ٤٨