يكن حيثيته إلا التدلي ولم يكن ذاتا يعرض لها التدلي والفقر الذي هو الفقر المطلق، وهو المشية المطلقة المعبر عنها بالفيض المقدس والرحمة الواسعة والاسم الأعظم والولاية المطلقة المحمدية أو المقام العلوي، وهو اللواء التي آدم ومن دونه تحتها والمشار اليه بقوله: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين أو بين الجسد والروح"، أي لا روح ولا جسد. وهو العروة الوثقى والحبل الممدود بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية.وفي دعاء الندبة قوله عليه السلام: "أين باب الله الذي منه يؤتى أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء. أين السبب المتصل بين الأرض والسماء".
وفي الكافي عن المفضل: "قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام: كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة فقال: يا مفضل، كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده. وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا، حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم. ثم أنهى علم ذلك إلينا". والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام بهذا المضمون كثيرة. فشهود هذا المقام أو التحقق به لا يتيسر إلا بعد التدرج في مراقي التعينات فقبل الوصول إلى هذا المقام يرى السالك بعض الأسماء الإلهية أبهى من بعض، كالعقول المجردة والملائكة المهيمنة، فيسأل بأبهى وأجمل وأكمل. فإذا وصل إلى مقام القرب المطلق وشهد الرحمة الواسعة والوجود المطلق والظل المنبسط والوجه الباقي، الفاني فيه كل الوجودات والمستهلك فيه كل العوالم من الأجساد المظلمة والأرواح المنورة، يرى أن نسبة المشية الى كلها على السواء فهي مع كل شيء {أينما تولوا فثم وجه الله} (البفرة:115) {وهو معكم}(الحديد:4) {ونحن أقرب إليه منكم}(الواقعة:85) {ونحن أقرب اليه من حبل الوريد}(ق:16). فعند ذلك ينفي الأفضلية ويقول:" كل بهائك بهي وكل جمالك جميل". وما ذكرنا مشترك بين جميع الفقرات وإن كان بعضها بالمقام الأول أنسب وبعضها بالثاني أليق.
وأما ما اختصت به هذه الفقرة: فالبهاء هو الحسن والحسن هو الوجود. فكل خير وبهاء وحسن وسناء فهي من بركات الوجود واظلاله حتى قالوا:" مسألة أن الوجود خير وبهاء بديهية".
فالوجود كله حسن وبهاء ونور وضياء. وكلما كان الوجود أقوى كان البهاء أتم ***48]
صفحة ٤٧