قلب السالك بفضل الله وموهبته أن النور هو الوجود، وليس في الدار غيره نور وظهور، يا منور النور، يا جاعل الظلمات والنور، الله نور السماوات والأرض. ونورانية الأنوار العرفية والعلوم بمراتبها منه. وإلا فماهياتها ظلمات بعضها فوق بعض، وكدورات متراكمة بعضها في بعض، فنورانية عالم الملك والملكوت وظهور سرادقات القدس والجبروت بنوره، وهو النور المطلق والظهور الصرف بلا شوب ظلمة وكدورة، وساير مراتب الأنوار من نوره. وفي دعاء كميل: "وبنور وجهك الذي أضاء له كل شئ".
وفي الكافي عن القمي عن حسين بن عبدالله الصغير عن محمد بن إبراهيم جعفري عن أحمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبي عبدالله عليه السلام قال:"إن الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان، وخلق الأنوار، وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمدا وعليا. فلم يزالا نورين (نيرين) أولين. إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبدالله وأبي طالب.
في نقل الكلام المنسوب إلى الشيخ محيي الدين
(نور)
قد نسب داوود بن محمود القيصري شارح نصوص الحكم ومحمد بن حمزة بن الفناري شارح مفتاح غيب الجمع والوجود للمحقق العارف محمد بن اسحاق القونوي في شرحيهما إلى الشيخ الكبير محيي الدين العربي الأندلسي: إن النور من أسماء الذات وقد جعل الإسم الذي دلالته على الذات أظهر، من أسماء الذات والذي دلالته على الصفات أو الأفعال أظهر منهما. قال ابن الفناري قلت: الشيخ الكبير بعد ما ضبطها بهذا الجدول (ثم كتب الجدول وذكر في الأسماء الذات النور) قال: وهذه الأسماء الحسنى منها ما يدل على ذاته جل جلاله، وقد يدل مع ذلك على صفاته أو أفعاله أو معا. فما كان دلالته على الذات أظهر جعلناه من أسماء الذات وهكذا فعلناه في أسماء الصفات وأسماء الأفعال من جهة الأظهر، لا أنه ليس له مدخل في غير جدولها كالرب، فإن معناه الثابت فهو للذات والمصلح فهو من أسماء الأفعال وبمعنى المالك فهو من أسماء الصفات.
وقال فيه أيضا: واعلم أنا ما قصدنا بها (أي الأسماء المذكورة في الجدول) حصر الأسماء ولا إنه ليس ثمة غيرها، بل سبقنا هذا الترتيب بينها. فمتى رأيت إسما من أسماء الحسنى فألحقه بالأظهر فيه إنتهى ما نسب إلى الشيخ.
أقول: كون النور من أسماء الصفات بل من أسماء الأفعال أظهر، لأنه في مفهومه مأخوذ مظهرية الغير، فإذا اعتبر في الغير الأسماء والصفات في الحضرة الإلهية كان من أسماء الصفات، وإذا اعتبر به مراتب الظهورات العينية كان من أسماء الأفعال، كما في قوله تعالى:{الله نور السماوات والأرض}(النور:35)، وقوله تعالى:{يهدي الله لنوره من يشاء}(النور:35). وقول سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء، وفي دعاء السمات: وبنور وجهك الذي تجليت به للجبل فجعلته دكا وخر موسى صعقا. فهو تحت إسم الظاهر ورب الشهادة المطلقة أو الشهادة المقيدة، وكذلك الرب الذي عين الشيخ من أسماء الذات، فهو أيضا بأسماء الأفعال أشبه. ولأمثال هذه المقامات زيادة إيضاح وبيان لا يناسب وضع هذه الأوراق والصفحات مع ضيق المجال والأوقات وكثرة تهاجم البلايا وتراكم النقمات. اللهم أصلح العاقبة واقلع شجرة الظلمة.
صفحة ٧٦