شرح ديوان المتنبي
تصانيف
وكان خروج أبي الطيب من شيراز، في الثامن من شعبان، قاصدا بغداد فالكوفة، وسار الشاعر بمراكبه وأحماله وغلمانه حتى بلغ الأهواز، فقطع بذلك واحدا وخمسين فرسخا، ثم سار خمسين فرسخا أخرى حتى بلغ واسط ونزل بها، وبين واسط وبغداد زهاء أربعين فرسخا، كان على الشاعر أن يجتازها قبل أن يصل مدينة السلام، وعلى الطريق إليها بلاد ذكر منها في الروايات التي وردت عن مقتل أبي الطيب: النعمانية، ودير العاقول، والصافية؛ فأما النعمانية فهي في وسط الطريق، وهي قائمة اليوم على الشاطئ الغربي من دجلة، وإلى الجنوب الشرقي من «دير العاقول» وعلى مقربة منه دير قنى أو «قنة» وهو يبعد عن الشاطئ قليلا، وبينه وبين بغداد ستة عشر فرسخا، وأمام دير العاقول «الصافية» وهي على فرسخين جنوب شرقي دير العاقول.
وسار أبو الطيب من واسط قاصدا بغداد في طريقه إلى الكوفة في اليوم السابع عشر من رمضان، وفي ذلك اليوم كتب عنه علي بن حمزة البصري - على روايته - القصيدتين الأخيرتين في شعره.
وبلغ جبل بعد أن قطع زهاء سبعة عشر فرسخا، فنزل عند أبي نصر الجبلي، ثم أخذ طريقه حتى أصبح حيال النعمانية، ثم سار فمر بجرجرايا على أربعة فراسخ من الجنوب الشرقي من دير العاقول، وتقدم بعد ذلك حتى قارب الصافية وبينه وبين بغداد ستة عشر فرسخا، وهنالك خرج عليه فاتك بن أبي جهل الأسدي خال ضبة بن يزيد الذي هجاه أبو الطيب، وكان فاتك في نيف وثلاثين فارسا رامحين وناشبين، ولا ريب أنه كان يتربص لأبي الطيب؛ لينتقم لابن أخته ضبة، وليستولي على ما يحمله معه من ثروة، فقد روي أنه ومن معه كانوا ممن يقطعون طريق الحجاج.
وكان مع أبي الطيب ابنه محسد وغلمانه، وقد وصفهم من قبل في قصيدة رثاء فاتك الميمية، وفي قصيدة توديع ابن العميد، ولا شك أن غلمانه هؤلاء كانوا أقل عددا من عدوهم.
وقاتل الشاعر الشجاع حتى قتل، وقتل ابنه، ويقول صاحب الإيضاح: إنهم «قتلوا كل من معه» وإن كان ذلك يبدو بعيدا، ويروى أن أبا النصر قال : «ولما صح خبر قتله وجهت من دفنه ودفن ابنه وغلمانه، وذهبت دماؤهم هدرا.»
ومن المرجح أن اليوم الذي أودى فيه الشاعر هو يوم الأربعاء الثامن والعشرون من رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة هجرية.
وقد رثى أبا الطيب من معاصريه، أبو الفتح عثمان بن جني بقصيدة أولها:
غاض القريض وأودت نضرة الأدب
وصوحت بعد ري دوحة الكتب
2
صفحة غير معروفة