شرح ديوان المتنبي
تصانيف
فسمعا لأمر أمير العرب
من أجل ذلك فارق المتنبي سيف الدولة، ولو أنه من المعقول أيضا أن تكون آماله الواسعة في السلطان هي التي حملته إلى مصر، يبغي ما عز عليه في رحاب بني حمدان، ويقول ابن جني: إن المتنبي قد اعترف بأن قصيدته:
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم
ماذا يزيدك في إقدامك القسم
كانت وداعا ... ويا له من وداع.
ولم يكن سيف الدولة على علم بأن وجهة المتنبي بعد مبارحته إياه ستكون مصر، فقد استأذنه الشاعر في الرحيل إلى إقطاعه فأذن له، وكان أبو الطيب يبيت في نفسه أمرا: أن يبرح حدود مملكة سيف الدولة، وأن ينشد بابا آخر غير بابه. جاء في شرح المعري: «فأجمع رأيه على الرحيل من حلب، فلم يجد بلدا يأوي إليه أولى من دمشق؛ لأن حمص من عمل سيف الدولة.» وقال في الصبح المنبي ما يقارب ذلك، وواضح من هذا أن المتنبي لم يرض أن يستأذن سيف الدولة في الرحيل خوف ألا يأذن له، ولا ريب أن سيف الدولة لم يكن ليأذن له، وقد يكون المتنبي أوجس خيفة من بطش الأمير، فلا يبعد عليه ذلك وهو الذي عرض بغدره - بعد - في إحدى الكافوريات.
وسار المتنبي من حلب إلى دمشق، فانتقل من مملكة سيف الدولة الحمداني إلى مملكة أبي المسك كافور الإخشيدي، وقد لبث الشاعر في دمشق مدة، ثم دعاه كافور إليه فسار إلى مصر؛ ويذهب بعضهم إلى أن أبا الطيب لبث في دمشق متلكئا لا يريد الذهاب إلى كافور، فلما دعاه كافور إليه مرتين لم يستطع إلا الذهاب، وهم بذلك يضعون مقدمة للهجاء المر الذي هجا به الشاعر كافورا بعد أن مدحه خير مديح ... ولكن الواضح أن أبا الطيب لم يخرج من بلاد سيف الدولة إلا قاصدا أبا المسك كافورا دون غيره، ولذلك يروى أن والي كافور على دمشق أراده على مدحه - لما كان نازلا ببلده - فلم يرض ذلك، وثابت أن أبا الطيب - لما نزل الرملة في طريقه إلى مصر، ولقي فيها أميرها الحسن بن عبد الله بن طغج - لم يقل فيه مدحا، إلا قطعتين صغيرتين تقدم ذكرهما، وهما:
ترك مدحك كالهجاء لنفسي
وقليل لك المديح الكثير (و)
ماذا الوداع وداع الوامق الكمد
صفحة غير معروفة