شرح ديوان المتنبي
محقق
مصطفى السقا/إبراهيم الأبياري/عبد الحفيظ شلبي
الناشر
دار المعرفة
مكان النشر
بيروت
- الْمَعْنى يُرِيد أَن حياتهم برضاك عَنْهُم فَإِذا غضِبت عَلَيْهِم غضِبت عَلَيْهِم الْحَيَاة وَلَا عُقُوبَة فَوق هجر الْحَيَاة وَهَذَا من أحسن مَا يكون
٢٤ - يُرِيد أَن هَؤُلَاءِ البوادى مَا جهلوا نعمك بعصيانك والبوادى أهل البدو هُوَ فَاعل جهلت وَلَو كَانَت البوادى صفة للأيادى لَكَانَ حَقّهَا النصب وَسَأَلت شَيخنَا أَبَا مُحَمَّد عبد الْمُنعم النحوى عِنْد قراءتى عَلَيْهِ عَن هَذَا الْبَيْت وَقلت لَهُ يجوز أَن يكون البوادى نعتا للأيادى والبوادى فى نصف الْبَيْت فَكَأَنَّهُ عَنى الْوَقْف وَهُوَ مَوضِع وقف كَقَوْلِك أجب الداعى وَقد يُوقف على قَوْله تَعَالَى ﴿يَوْمئِذٍ يتبعُون الدَّاعِي﴾ بِالسُّكُونِ وَيكون فَاعل جهلت مضمرا فِيهَا فَقَالَ لى أَنْت مقرئ وَقد قست وَمَعَ هَذَا أَنْت حفى فصوب مَا قلت وَيكون البوادى على هَذَا السابقات الَّتِى بَدَت إِلَيْهِم وَقَوله
(ولكِنْ رُبمَا خَفَى الصَّوَابُ ...)
من أحسن مَا قيل وَهُوَ من إعجاز نبوته الَّتِى أعجزت غَيره وَقد ذَكرنَاهَا جملَة عِنْد قَوْله
(وبِضدّها تتَبَيَّنُ الأشْياءُ ...)
٢٥ - الْمَعْنى يَقُول الذَّنب يتَوَلَّد من الدَّلال والبعد يأتى من الْقرب وَذَلِكَ أَن صَاحب الذَّنب يأتى بذنب وَهُوَ يَظُنّهُ دلالا وَقد يكون بعد سَببه الْقرب وَهُوَ من أحسن الْأَشْيَاء وَهُوَ حِكْمَة من أحسن الْكَلَام وَقد جمع فِيهِ معانى
٢٦ - الْإِعْرَاب وجرم مَعْطُوف على ذَنْب تَقْدِيره وَكم جرم وَقيل هُوَ مجرور بِرَبّ الْمقدرَة أى وَرب جرم الْغَرِيب السُّفَهَاء جمع سَفِيه كفقيه وفقهاء وهم الْجُهَّال وَمن لَا عقل لَهُ والجرم الذَّنب يُقَال جرم وأجرم الْمَعْنى يُرِيدكُمْ جرم أَو رب جرم وَهُوَ الذَّنب وَالْجِنَايَة جناه سَفِيه فَنزل الْعَذَاب بِغَيْرِهِ وَهَذَا من أحسن الْكَلَام وَالْحكمَة وَهُوَ مَنْقُول من قَوْله تَعَالَى ﴿وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة﴾ وَقَالَ الْحجَّاج وَالله لأخذن المحسن بالمسئ والطائع بالعاصى وَقَالَ هَذَا الْمَعْنى جمَاعَة مِنْهُم امْرُؤ الْقَيْس
(وقاهُم جَدُّهم ببَنى أبِيهم ... وبالأشْقيَنَ مَا كانَ العقابُ)
وَقَالَ آخر
(رأيتُ الحرْبَ يَجْنيها رِجالٌ ... ويَصلَى حَرَّها قوْمٌ بَراءُ)
وَقَالَ آخر
(جَنى ابْن عمك ذَنْبا فابْتُلِيْتَ بِهِ ... إنّ الفَتى بِابْن عمّ السَّوْءِ مأخوذُ)
وَقَالَ آخر
(نصدّ حَياءً أَن نَراكَ بأعْيُنٍ ... جَنى الذَّنبَ عاصيها فلِيمَ مُطيعُها)
وَقَالَ النَّابِغَة
(كذى العَرّ يُكْوَى غيرُه وَهُوَ راتعُ ...)
وَقَالَ البحترى
(وَلَا عُذْر إِلَّا أنّ حِلْم حليمِها ... يُسَفَّه فى شرّ جَناهُ خليعُها)
1 / 81