شرح ديوان المتنبي
محقق
مصطفى السقا/إبراهيم الأبياري/عبد الحفيظ شلبي
الناشر
دار المعرفة
مكان النشر
بيروت
- الْغَرِيب مغبوق هُوَ الذى يسقى عِنْد الغبوق وَهُوَ آخر النَّهَار والمصبوح هُوَ الذى يسقى عِنْد الصَّباح وَالْمرَاد أَنه يسقى بكأس محامد فَحذف الْبَاء وأضاف المغبوق إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ الْمَعْنى يُرِيد إِنَّه مرجو للنفع مخوف الآذى يحمد فى كل وَقت من هَذِه الْأَوْقَات فَكَأَنَّهُ يسقى بكأس المحامد غبوقا وصبوحا
١٧ - الْإِعْرَاب حنق مبدل من قَوْله مرجو وَهُوَ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره هُوَ مرجو الْغَرِيب بدر جمع بدرة كسدرة وسدرا واللجين الْفضة وَهَذَا بَيت // جيد حسن الْمَعْنى // وَالْجمع بَين الْإِسَاءَة والصفح من الطباق الْجيد
١٨ - الْإِعْرَاب من روى الْكَرم بِالنّصب فَالضَّمِير فى فرق للممدوح وَمن روى بِالرَّفْع فالفعل للكرم وحرفا الْجَرّ يتعلقان بالفعلين الْغَرِيب الشحيح الْبَخِيل وشححت بِالْكَسْرِ تشح وشححت بِالْفَتْح تشح وتشح وَرجل شحيح وَقوم شحاح وأشحة وتشاح الرّجلَانِ على الْأَمر لَا يُريدَان أَن يفوتهما والشحاح بِالْفَتْح الشحيح وَالشح الْبُخْل مَعَ حرص الْمَعْنى يَقُول لَو فرق فى النَّاس كرمه الذى يفرق مَاله لَكَانَ النَّاس كلهم أسخياء وَهَذَا من قَول بَعضهم
(أقُولُ إذْ سألوِنى عَنْ سَماحتِهِ ... ولستُ ممَّن يُطيلُ القَوْل إِن مَدَحا)
(لَوْ أنَّ مَا فيهِ مِنْ جُودٍ تَقَسَّمه ... أولادُ آدمَ عادُوا كلهم سُمَحَا)
وَمِنْه قَول الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف
(لَوْ قَسَّمَ اللهُ جُزْءًا مِن محاسنه ... فى النَّاسِ طُرَا لَتمَّ الحُسْن فى النَّاسِ)
وَقَالَ أَبُو تَمام
(لَوْ اقْتُسِمتْ أخلاقُه الغُرُّ لَمْ تجِد ... مَعِيبا وَلَا خَلقا من النَّاس عائِبا)
١٩ - الْغَرِيب من روى ألغت فَهُوَ من اللَّغْو أى تركت وَمن روى ألفت فَهُوَ من الألفة أى اعتادته والسمة الْعَلامَة تكون على أنف الْبَعِير وَالشَّاة وَغَيرهمَا من الدَّوَابّ الْمَعْنى يَقُول أسقطت آذانه كَلَام العذل وألفته فَلَا تعبأ بِهِ وروى ابْن جني ألفت أى اعتادت كَلَامهم فَلم تلْتَفت إِلَيْهِ وأهملته من كَثْرَة مَا يلومونه أى اعتادت مسامعه اللوم وألفته فَهُوَ يعْصى اللوام وَغَيره يطيعهم فَيرى عَلَيْهِم أثر اللوم ظَاهرا كَمَا ترى السمة على الْأنف ٢٠ - الْغَرِيب خلت مَضَت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى قد خلت من قبلكُمْ سنَن﴾ والقرون جمع قرن من النَّاس وَقيل الْقرن مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْخمسين وَقيل المئة الْإِعْرَاب قَالَ ذكره وَحَدِيثه وَلم يقل مشروحان وَذَلِكَ لِأَن الذّكر والْحَدِيث وَاحِد وَقيل هما جملتان حذفت الأولى لدلَالَة الثَّانِيَة عَلَيْهَا وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى ﴿وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه﴾ وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأنْشد
(نحنُ بِمَا عنْدَنا وأنْتَ بِمَا ... عندكَ راضٍ والرأىُ مختلِفُ)
وَمذهب الْمبرد أَن فى الْكَلَام تَقْدِيمًا وتأخيرا وَتَقْدِيره وَالله أَحَق أَن يرضوه وَرَسُوله وَقَالَ قوم بل الضَّمِير عَائِد على الْمَذْكُور كَقَوْل رؤبة
(فِيهَا خُطُوطٌ مِن سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كأنَّه فى الجلْد تَوْليعُ البَهَقْ)
أى كَأَن الْمَذْكُور الْمَعْنى قَالَ الواحدى لم يعرف ابْن جنى الْبَيْت فَلم يفسره وَفَسرهُ ابْن دوست بِخِلَاف الْمَعْنى وَقَالَ إِن الله بشر بِهِ فى كتب الماضين وَهَذَا كذب صَرِيح لِأَن الله تَعَالَى لَا يبشر بِغَيْر نبى أَو لم يسمع قَول أَبى الطّيب
(إِلَى سَيِّدٍ لَوْ بَشَّرَ الله أمَّة ... بِغَيْر نبِىّ بَشَّرَتْنا بِهِ الرُّسْلُ)
الْمَعْنى أَن الْكتب مشحونة بِذكر الْكَرم ونعت الْكِرَام وَهُوَ الْمَعْنى بذلك إِذْ الْحَقِيقَة مِنْهَا لَهُ فَذكره إِذن فى الْكتب مشروح وَيجوز أَن يُرِيد أَنه المهدى الذى ذكر فى الْكتب خُرُوجه انْتهى كَلَامه وَقَالَ غَيره الْمَعْنى أَنْت الذى إِذا خلت الْقُرُون بقى ذكر كرمك وسيرتك بالكتب مشروحا إِلَى أَن تقوم الدُّنْيَا
1 / 250