المقصود أنه انتشر، فالحديث فرد مطلق، غريب غرابة مطلقة في أصل سنده، وهو متلقى بالقبول، مجمع على صحته، وبه افتتح الإمام البخاري كتابه، لكن هل جعله قبل الترجمة أو بعدها؟ باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول الله تعالى: {إنا أوحينا إليك} [(163) سورة النساء] ... إلى آخره، قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت، إلى آخره، فهو أول حديث في الصحيح حتى أن بعضهم نص على أنه قبل الترجمة، قبل قوله: (باب بدء الوحي) ليكون الكتاب أو الحديث كالخطبة للكتاب، بمثابة الخطبة للكتاب، يبين فيها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أن الكتاب في وحي السنة، وقد أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أوحي إلى غيره من الأمر بالإخلاص لله -عز وجل-، {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين} [(5) سورة البينة].
على كل حال هذا الحديث حديث عظيم مفتتح به في كثير من كتب السنة على رأسها أصح الكتب على الإطلاق صحيح البخاري، مشتمل على الشرط الأول من شروط تصحيح العبادة، وهو الإخلاص لله -عز وجل-، وعرفنا أن الثاني هو المتابعة، وإن قال بعض أهل العلم: إنه يكتفى بالشرط الثاني، ولا يلزم الشرط الأول، نكتفي بالذكر في الشرط الثاني، نقول: يشترط لصحة العبادة المتابعة، هل هذا تقليل من شأن الإخلاص؟ لا، ليس مرادهم التقليل من شأن الإخلاص، بل العبادات لا تصح إلا خالصة لوجه الله -عز وجل-، لكن يقول هؤلاء: إن العمل إذا لم يكن على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، إذا لم يكن صاحبه مخلصا لله -عز وجل- لم يكن متابعا فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، العمل الذي فيه شوب شرك لم يتابع فيه عامله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيرى أن المتابعة تكفي، لكن الأولى أن يذكر الإخلاص، وينص عليه، وينبه عليه، ويؤكد عليه؛ لئلا يغفل عنه؛ لأن السامع الذي يسمع أنه لا يشترط لصحة العبادة إلا المتابعة قد يغفل عن الإخلاص، فلا بد من التنصيص على الإخلاص إضافة إلى المتابعة.
صفحة ٧