الحنفية عندهم الحد الفاصل بين القليل والكثير إن حرك أو إذا تحرك طرفه بتحريك طرفه الآخر صار قليلا، وحده محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة بالغدير الذي طوله عشرة وعرضه عشرة، فإذا كان الماء لم يبلغ هذا المقدار فإنه يتأثر بالنجاسة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يفرق بين القليل والكثير، إن تأثر لونه وطعمه أو ريحه بنجاسة نجس وإلا فلا ، ولو كان قليلا يسيرا، وإليه يجنح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يميل شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى قول الإمام مالك، وهو أنه لا يتأثر الماء إلا بالتغير.
إذن كيف يصحح شيخ الإسلام حديث القلتين مع أنه لا فرق بين القلتين وأكثر أو أقل؟ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يصحح حديث القلتين، لكن حديث القلتين له مفهوم وله منطوق، منطوقه أنه إذا بلغ الماء القلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة، ومفهومه أنه إذا لم يبلغ القلتين أثرت فيه النجاسة، شيخ الإسلام يقول: منطوقه نعمل به، إذا كان قلتين فما زاد ووقعت فيه النجاسة ولم تؤثر فيه لا ينجس، يعمل بمنطوقه، لكن مفهومه لا يعمل به شيخ الإسلام؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فشيخ الإسلام مع كونه يثبت الخبر إلا أنه يعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه؛ لأنه معارض بعموم حديث أبي سعيد.
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ((ثم يغتسل فيه)) بالرفع، الرواية بالجزم ((ثم يغتسل)) ظاهرة تعطف مجزوم على مجزوم، ((لا يبولن)) مجزوم ب (لا) الناهية، ((ثم يغتسل)) عطفت مجزوم على مجزوم، ((ثم يغتسل)) رواية النصب ب (أن) مضمرة بعد (ثم) المنزلة منزلة الواو، الأصل أن (أن) تضمر بعد (واو) المعية و (فاء) السببية، قالوا: (ثم) هنا بمنزلة (الواو) فالفعل بعدها منصوب ب (أن) مضمرة، رواية النصب تدل على أن التحريم إنما هو عن الجمع بين البول والاغتسال، لكن إن بال فقط لا تدل هذه الرواية على التحريم، إن اغتسل فقط لا تدل الرواية على التحريم إلا إذا اقترنا معا.
صفحة ٣٠