((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) عرفنا أن (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، فيحرم على الإنسان أن يبول في الماء الدائم، هذا مقتضى النهي، وهل للبول أثر على الماء أو لا أثر له عليه؟ الماء لا يخلو إما أن يكون قليلا ولا شك أن النهي للتحريم في هذه الحالة؛ لأن البول يفسده ويذهب ماليته، وإضاعة المال حرام، وأيضا يحرم الناس من استعماله، فإذا حرم البول في الطريق فلئن يحرم في الماء من باب أولى، يحرم البول في الماء الدائم إذا كان قليلا؛ لأنه يفسده ويذهب ماليته، وإن كان كثيرا لا شك أنه يقذره على غيره وإن كان لا أثر للبول فيه من حيث الطهارة والنجاسة، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وكون غلبة النجاسة على لونه أو طعمه أو ريحه يحكمون بنجاسته، هذا لإجماع أهل العلم وإلا فالزيادة ضعيفة إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، ضعيفة باتفاق الحفاظ، فعندنا الماء إما أن يكون كثيرا، أو يكون قليلا، والحد الفاصل بين القليل والكثير يختلف فيه أهل العلم كل على مذهبه، فالحنابلة والشافعية الحد الفاصل عندهم القلتان، فإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، يعني إذا زاد على قلتين، بلغ قلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة إلا إن تغير في حديث عبد الله بن عمر، وإذا لم يبلغ الماء قلتين فإنه ينجس لمجرد ملاقاة النجاسة، فالبول ينجسه إذا كان دون القلتين، والقلتان تقدران بخمس قرب تقريبا عند أهل العلم، هذا على القول بثبوت حديث القلتين وإلا تصحيحه وتضعيفه أمر معروف عند أهل العلم، صححه طائفة، وحكم عليه بالاضطراب في متنه وسنده آخرون، وعلى كل حال شيخ الإسلام ابن تيمية يثبت الخبر، ابن حجر يصحح الخبر، فالحد الفاصل على هذا القلتان، فإذا لم يبلغ القلتين تؤثر فيه النجاسة، ويحرم استعماله حينئذ؛ لأنه يكون نجسا.
إذا زاد على القلتين ولم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فإنه لا ينجس، لكن يبقى أن البول فيه محرم لعموم هذا الحديث: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) يعني ولو كان كثيرا.
صفحة ٢٩