شرح العقيدة الطحاوية
محقق
أحمد شاكر
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ
مكان النشر
والأوقاف والدعوة والإرشاد
تصانيف
العقائد والملل
الثَّانِي: وُجُودُهَا فِي الْعِلْمِ وَالشُّعُورِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إِنَّهُ مَا فِي قُلُوبِ عَابِدِيهِ وَذَاكِرِيهِ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَجَلَالِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَثَلِ الْأَعْلَى لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ أَصْلًا، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا اخْتَصَّ بِهِ فِي ذَاتِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ أن أَهْل السَّمَاوَاتِ يحبونه ويُعَظِّمُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مَنْ أَشْرَكَ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَاهُ، وَجَحَدَ صِفَاتِهِ مَنْ جَحَدَهَا، فَأَهْلُ الْأَرْضِ مُعَظِّمُونَ لَهُ، مُجِلُّونَ، خَاضِعُونَ لِعَظَمَتِهِ، مُسْتَكِينُونَ لِعِزَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ (١).
الثَّالِثُ: ذِكْرُ صِفَاتِهِ وَالْخَبَرُ عَنْهَا وَتَنزهُهَا مِنَ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ وَالتَّمْثِيلِ.
الرَّابِعُ: مَحَبَّةُ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَتَوْحِيدُهُ، وَالْإِخْلَاصُ لَهُ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ. وَكُلَّمَا كَانَ الْإِيمَانُ بِالصِّفَاتِ أَكْمَلَ كَانَ هَذَا الْحُبُّ وَالْإِخْلَاصُ أَقْوَى.
فَعِبَارَاتُ السَّلَفِ كُلُّهَا تَدُورُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الْأَرْبَعَةِ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُعَارِضُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ (٢) وَبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (٣).؟ وَيَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (٤) عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ وَيَعْمَى عَنْ تَمَامِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (٥) حَتَّى أَفْضَى هَذَا الضَّلَالُ بِبَعْضِهِمْ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤادَ الْقَاضِي، إِلَى أَنْ أَشَارَ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمَأْمُونِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، حَرَّفَ كَلَامَ اللَّهِ بنْفِي وَصْفَهُ -تَعَالَى - بِأَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ!! كَمَا قَالَ الضَّالُّ
(١) سورة الرُّومِ آية: ٢٦. (٢) سورة الرُّومِ آية: ٢٧. (٣) سورة الشورى آية: ١١. (٤) سورة الشورى آية: ١١. (٥) سورة الشُّورَى آية: ١١.
1 / 96