شرح العقيدة الطحاوية
محقق
أحمد شاكر
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ
مكان النشر
والأوقاف والدعوة والإرشاد
تصانيف
العقائد والملل
وَلَا شَكَّ أَنَّ جُمْهُورَ الْعَالَمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ -تَعَالَى - مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا قَوْلُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْفِطْرَةِ أَنَّ كَوْنَ الْمَفْعُولِ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَعَهُ - مُمْتَنِعٌ مُحَالٌ، وَلَمَّا كَانَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الْآخِرَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، فَكَذَا تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ﷾ هُوَ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ. فَإِنَّ الرَّبَّ ﷾ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَتَكَلَّمُ إِذَا يَشَاءُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (١). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ (٢). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ (٣). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ (٤). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ (٥).
وَالْمُثْبَتُ إِنَّمَا هُوَ الْكَلام (٦). الْمُمْكِنُ الْوُجُودُ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ النَّوْعُ دَائِمًا فَالْمُمْكِنُ (٧). هُوَ القديم (٨). عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي أَجْزَاءِ الْعَالَمِ شَيْءٌ يُقَارِنُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَأَمَّا دَوَامُ الْفِعْلِ فَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْكَمَالِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ صِفَةَ كَمَالٍ فَدَوَامُهُ دَوَامُ الكَمَالٍ.
قَالُوا: وَالتَّسَلْسُلُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، لَمْ يَرِدْ بِنَفْيِهِ وَلَا إِثْبَاتِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، لِيَجِبَ مُرَاعَاةُ لَفْظِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَمُمْكِنٍ: فَالتَّسَلْسُلُ فِي
(١) سورة آلِ عِمْرَانَ آية: ٤٠. (٢) سورة الْبَقَرَةِ آية: ٢٥٣. (٣) سورة الْبُرُوجِ الآيتان: ١٥ - ١٦. (٤) سورة لُقْمَانَ آية: ٢٧. (٥) سورة الْكَهْفِ آية: ١٠٩. (٦) في باقي النسخ «الكمال». ن. (٧) في باقي النسخ زيادة «وَالْأَكْمَلُ». ن. (٨) في باقي النسخ «التَّقَدُّمُ». ن.
1 / 85