شرح العقيدة الطحاوية
محقق
أحمد شاكر
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ
مكان النشر
والأوقاف والدعوة والإرشاد
تصانيف
العقائد والملل
وَلَا نَقُولُ: لَا يَنْفَعُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْخَفِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ النَّظَرِيَّةِ: فَإِنَّ الْخَفَاءَ وَالظُّهُورَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَرُبَّمَا ظَهَرَ لِبَعْضِ النَّاسِ مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَظْهَرُ لِلْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ فِي حَالٍ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ فِي حَالٍ أُخْرَى. وَأَيْضًا فَالْمُقَدِّمَاتُ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً فَقَدْ يُسَلِّمُهَا بَعْضُ النَّاسِ وَيُنَازِعُ فِيمَا هُوَ أجل مِنْهَا، وَقَدْ تَفْرَحُ النَّفْسُ بِمَا عَلِمَتْهُ بالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ مَا لَا تَفْرَحُ بِمَا عَلِمَتْهُ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِلْمَ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوُجُوبِ وُجُودِهِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فِطْرِيٌّ، وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنَ الشُّبَهِ مَا يُخْرِجُهُ إِلَى الطُّرُقِ النَّظَرِيَّةِ.
وَقَدْ أَدْخَلَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى -"الْقَدِيمَ"، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الله تعالى الْحُسْنَى، فَإِنَّ الْقَدِيمَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ: هُوَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَدِيمٌ، لِلْعَتِيقِ، وَهَذَا حَدِيثٌ، لِلْجَدِيدِ. وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ هَذَا الِاسْمَ إِلَّا فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى غَيْرِهِ، لَا فِيمَا لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ (١). وَالْعُرْجُونُ الْقَدِيمُ: الَّذِي يَبْقَى إِلَى حِينِ وُجُودِ الْعُرْجُونِ الثَّانِي، فَإِذَا وُجِدَ الْحديثُ قِيلَ لِلْأَوَّلِ: قَدِيمٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ (٢)، أَيْ مُتَقَدِّمٌ فِي الزَّمَانِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾ (٣)، فَالْأَقْدَمُ مُبَالَغَةٌ فِي الْقَدِيمِ، وَمِنْهُ: الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ (٤)؛ أَيْ يَتَقَدَّمُهُمْ، وَيُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْفِعْلُ لَازِمًا وَمُتَعَدَّيًا، كَمَا يُقَالُ: أَخذني مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ، وَيُقَالُ: هَذَا قَدَمَ هَذَا وَهُوَ يَقْدُمُهُ. وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَدَمُ قَدَمًا، لِأَنَّهَا تَقْدُمُ بَقِيَّةَ بَدَنِ الْإِنْسَانِ. وَأَمَّا إِدْخَالُ"الْقَدِيمِ"فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى- فَهُوَ
_________
(١) سورة يس آية: ٣٩
(٢) سورة الْأَحْقَافِ آية: ١١.
(٣) سورة الشُّعَرَاءِ الآيتان: ٧٥ - ٧٦.
(٤) سورة هُودٍ آية: ٩٨.
1 / 67