269

شرح العقيدة الطحاوية

محقق

أحمد شاكر

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

والأوقاف والدعوة والإرشاد

الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالذِّكْرِ وَالذَّبْحِ، وَكَمَا يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ وَالْمَدْفُونُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ"وُجْهَةً"، وَالِاسْتِقْبَالُ خِلَافُ الِاسْتِدْبَارِ، فَالِاسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ بِالدُّبُرِ، فَأَمَّا مَا حَاذَاهُ الْإِنْسَانُ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ جَنْبِهِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى"قِبْلَةً"، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَلَوْ كَانَتِ السَّمَاءُ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ لَكَانَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُوَجِّهَ الدَّاعِي وَجْهَهُ إِلَيْهَا، وَهَذَا لَمْ يُشْرَعْ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَعُ الْيَدُ إِلَيْهِ لَا يُسَمَّى"قِبْلَةً"، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الدُّعَاءِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ تُتَّبَعُ فِيهِ الشَّرَائِعُ، وَلَمْ تَأْمُرِ الرُّسُلُ أَنَّ الدَّاعِيَ يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ بِوَجْهِهِ، بَلْ نَهَوْا عَنْ ذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ [التَّوَجُّهَ] (١) بِالْقَلْبِ، وَاللَّجْأُ وَالطَّلَبُ الَّذِي يَجِدُهُ الدَّاعِي مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضْطَرُّ وَالْمُسْتَغِيثُ بِاللَّهِ، كَمَا فُطِرَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ يَدْعُو اللَّهَ، مَعَ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ مِمَّا يَقْبَلُ النَّسْخَ وَالتَّحْوِيلَ، كَمَا تَحَوَّلَتِ الْقِبْلَةُ مِنَ الصَّخْرَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَمْرُ [التَّوَجُّهِ] (٢) فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْجِهَةِ الْعُلْوِيَّةِ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ، وَالْمُسْتَقْبِلُ لِلْكَعْبَةِ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ هُنَاكَ، بِخِلَافِ الدَّاعِي، فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى رَبِّهِ وَخَالِقِهِ، وَيَرْجُو الرَّحْمَةَ أَنْ تَنْزِلَ مِنْ عِنْدِهِ.
وَأَمَّا النَّقْضُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ فَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ نَقْضٍ، فَإِنَّ وَاضِعَ الْجَبْهَةِ إِنَّمَا قَصْدُهُ الْخُضُوعُ لِمَنْ فَوْقَهُ بِالذُّلِّ لَهُ، لَا بِأَنْ يَمِيلَ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ تَحْتَهُ! هَذَا لَا يخطر في قلب ساجد. ولكن يُحْكَى عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ أَنَّهُ سُمِعَ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَسْفَلِ!! تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَإِنَّ مَنْ أَفْضَى بِهِ النَّفْيُ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ حَرِيٌّ أَنَ يَتَزَنْدَقَ، إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَبَعِيدٌ مِنْ مِثْلِهِ الصَّلَاحُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (٣)، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ (٤). فَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الِاهْتِدَاءَ مِنْ مَظَانِّهِ يُعَاقَبْ

(١) في الأصل: (التوحيد). ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.
(٢) في الأصل: (التوحيد). ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.
(٣) سورة الأنعام آية ١١٠.
(٤) سورة الصف آية ٥.

1 / 272