شرح العقيدة الطحاوية
محقق
أحمد شاكر
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ
مكان النشر
والأوقاف والدعوة والإرشاد
تصانيف
العقائد والملل
وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ).
ش: أَمَّا قَوْلُهُ: "وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَهُ". فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (٢). وَإِنَّمَا قَالَ الشَّيْخُ ﵀ هَذَا الْكَلَامَ هُنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ، ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غِنَاهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَ الْعَرْشِ، لِيُبَيِّنَ أَنَّ خَلْقَهُ لِلْعَرْشِ [وَاسْتِوَاءَهُ] (٣) عَلَيْهِ، لَيْسَ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، بَلْ لَهُ فِي ذلك حكمة اقتضته، وكون العالي فوقا للسافل، لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ السَّافِلُ حَاوِيًا لِلْعَالِي، محيطا به، [حاملا] (٤) له، [و] لا أَنْ يَكُونَ الْأَعْلَى مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ. فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، كَيْفَ هِيَ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مُفْتَقِرَةً إِلَيْهَا؟ فَالرَّبُّ تَعَالَى أَعْظَمُ شَأْنًا وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ عُلُوِّهُ ذَلِكَ، بَلْ لَوَازِمُ عُلُوِّهِ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَهِيَ حَمْلُهُ بِقُدْرَتِهِ لِلسَّافِلِ، وَفَقْرُ السَّافِلِ، وَغِنَاهُ هُوَ سُبْحَانَهُ عَنِ السَّافِلِ، وَإِحَاطَتُهُ ﷿ بِهِ، فَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ مَعَ حَمْلِهِ بِقُدْرَتِهِ لِلْعَرْشِ وَحَمَلَتِهِ، وَغِنَاهُ عَنِ الْعَرْشِ، وَفَقْرِ الْعَرْشِ إِلَيْهِ، وَإِحَاطَتِهِ بِالْعَرْشِ، وَعَدَمِ إِحَاطَةِ الْعَرْشِ بِهِ، وَحَصْرِهِ لِلْعَرْشِ، وَعَدَمِ حَصْرِ الْعَرْشِ لَهُ. وَهَذِهِ اللَّوَازِمُ مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْمَخْلُوقِ.
وَنُفَاةُ الْعُلُوِّ، أَهْلُ التَّعْطِيلِ، لَوْ فَصَّلُوا بِهَذَا التَّفْصِيلِ، لَهُدُوا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَعَلِمُوا مُطَابَقَةَ الْعَقْلِ لِلتَّنْزِيلِ، وَلَسَلَكُوا خَلْفَ الدَّلِيلِ، وَلَكِنْ فَارَقُوا الدَّلِيلَ، فَضَّلُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ ﵀، لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ (٥) كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ. وَيُرْوَى هَذَا الْجَوَابُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ.
(١) سورة العنكبوت آية ٦.
(٢) سورة فاطر آية ١٥.
(٣) في الأصل: (لاستوائه) ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في إحدى النسخ. ن.
(٤) في الأصل: (حائلا). والصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.
(٥) سورة الرعد آية ٢.
1 / 258