163

شرح العقيدة الطحاوية

محقق

أحمد شاكر

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

والأوقاف والدعوة والإرشاد

تصانيف

Creeds and Sects
كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا فَذَلِكَ الَّذِي يُدَّعَى أَنَّهُ مَعْقُولٌ إِنَّمَا هُوَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ حَقَّقَ النَّظَرَ لَظَهَرَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَارَضَ عَقْلٌ صَرِيحٌ وَنَقْلٌ صَحِيحٌ أَبَدًا. وَيُعَارَضُ كَلَامُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ بِنَظِيرِهِ، فَيُقَالُ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَجَبَ تَقْدِيمُ النَّقْلِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَدْلُولَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَرَفَعُهُمَا رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ، وَتَقْدِيمُ الْعَقْلِ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ السَّمْعِ وَوُجُوبِ قَبُولِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ، فَلَوْ أَبْطَلْنَا النَّقْلَ لَكُنَّا قَدْ أَبْطَلْنَا دَلَالَةَ الْعَقْلِ، وَلَوْ أَبْطَلْنَا دَلَالَةَ الْعَقْلِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلنَّقْلِ، لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَكَانَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ مُوجِبًا عَدَمَ تَقْدِيمِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ. وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى صِدْقِ السَّمْعِ وَصِحَّتِهِ، وَأَنَّ خَبَرَهُ مُطَابِقٌ لِمُخْبِرِهِ، فَإِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ بَاطِلَةً لِبُطْلَانِ النَّقْلِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْلُ دَلِيلًا صَحِيحًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَّبَعَ بِحَالٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ، فَصَارَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ عَلَى النَّقْلِ قَدْحًا فِي الْعَقْلِ.
فَالْوَاجِبُ كَمَالُ التَّسْلِيمِ لِلرَّسُولِ ﷺ، وَالْانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يُعَارِضَهُ بِخَيَالٍ بَاطِلٍ يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا، أَوْ نُحَمِّلَهُ شُبْهَةً (١) أَوْ شَكًّا، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ وَزُبَالَةَ أَذْهَانِهِمْ، فَيُوَحِّدَهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ، كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ.
فَهُمَا تَوْحِيدَانِ، لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا بِهِمَا: تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ، وَتَوْحِيدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ، فَلَا يُحَاكِمُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ،

(١) في المطبوعة «بشبهة» وهو خطأ.

1 / 166