151

شرح العقيدة الطحاوية

محقق

أحمد شاكر

الناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ

مكان النشر

والأوقاف والدعوة والإرشاد

تصانيف

Creeds and Sects
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ﵀ مِنَ الْأَدِلَّةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (١). وَهِيَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا مَنْ أَبَى إِلَّا تَحْرِيفَهَا بِمَا يُسَمِّيهِ تَأْوِيلًا، فَتَأْوِيلُ نُصُوصِ الْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ، أَسْهَلُ مِنْ تَأْوِيلِهَا عَلَى أَرْبَابِ التَّأْوِيلِ. وَلَا يَشَاءُ مُبْطِلٌ أَنْ يَتَأَوَّلَ النُّصُوصَ وَيُحَرِّفَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا إِلَّا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ مَا وَجَدَهُ مُتَأَوِّلُ هَذِهِ النُّصُوصِ.
وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الدُّنْيَا وَالدِّينَ. وَهَكَذَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي نُصُوصِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَحَذَّرَنَا اللَّهُ أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَهُمْ. وَأَبَى الْمُبْطِلُونَ إِلَّا سُلُوكَ سَبِيلِهِمْ، وَكَمْ جَنَى التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ مِنْ جِنَايَةٍ. فَهَلْ قُتِلَ عُثْمَانُ ﵁ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ! وَكَذَا مَا جَرَى فِي يَوْمِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ ﵁، وَالْحَرَّةِ؟ وَهَلْ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ، وَاعْتَزَلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَرَفَضَتِ الرَّوَافِضُ، وَافْتَرَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ؟! وَإِضَافَةُ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ، الَّذِي هُوَ مَحِلُّهُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَعْدِيَتُهُ بِأَدَاةِ إِلَى الصَّرِيحَةِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ، وَإِخْلَاءُ الْكَلَامِ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِه (٢). حَقِيقَةٍ مَوْضُوعَةٍ صَرِيحَةٍ فِي أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِذَلِكَ نَظَرَ الْعَيْنِ
الَّتِي فِي الْوَجْهِ إِلَى الرَّبِّ ﷻ.
فَإِنَّ النَّظَرَ لَهُ عِدَّةُ اسْتِعْمَالَاتٍ، بِحَسَبِ صِلَاتِهِ وَتَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ: فَإِنْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ: التَّوَقُّفُ وَالِانْتِظَارُ، ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ (٣). وَإِنْ عُدِّيَ بِـ"فِي"فَمَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٤). وَإِنْ عُدِّيَ بِـ"إِلَى"فَمَعْنَاهُ: الْمُعَايَنَةُ بِالْأَبْصَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ (٥). فَكَيْفَ إِذَا

(١) سورة الْقِيَامَةِ الآيتان ٢٢، ٢٣.
(٢) في المطبوعة (خلاف) بدون الضمير، وهو خطأ يختل به سياق الكلام.
(٣) سورة الْحَدِيدِ آية ١٣.
(٤) سورة الْأَعْرَافِ آية ١٨٥.
(٥) سورة الْأَنْعَامِ آية ٩٩.

1 / 154