شرح العقيدة الطحاوية
محقق
أحمد شاكر
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هـ
مكان النشر
والأوقاف والدعوة والإرشاد
تصانيف
العقائد والملل
اللَّفْظِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَالَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ». وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُفَضِّلَ نَفْسَهُ عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى، لَيْسَ فِيهِ نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَضِّلُوا مُحَمَّدًا عَلَى يُونُسَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ، أَيْ: فَاعِلٌ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (١) فَقَدْ يَقَعُ فِي نَفْسِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ يُونُسَ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ، إِذْ لَا يَفْعَلُ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ. وَمَنْ ظَنَّ هَذَا فَقَدَ كَذَبَ، بَلْ كُلُّ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يَقُولُ مَا قَالَ يُونُسُ: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (٢)، كَمَا قَالَ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ وَآخِرُهُمْ، فَأَوَّلُهُمْ: آدَمُ، قَدْ قَالَ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (٣) وَآخِرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ الِاسْتِفْتَاحِ، مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ وَغَيْرِهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) إِلَى آخِرِهِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفَتْ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَكَذَا قَالَ مُوسَى ﵇: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (٤) وَأَيْضًا: فَيُونُسُ ﷺ لَمَّا قِيلَ فِيهِ: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ (٥)، فَنُهِيَ نَبِيُّنَا ﷺ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِ، وَأَمَرَهُ
(١) سورة الْأَنْبِيَاءِ آية ٨٧. (٢) سورة الْأَنْبِيَاءِ آية ٨٧. (٣) سورة الْأَعْرَافِ آية ٢٣. (٤) سورة الْقَصَصِ آية ١٦. (٥) سورة الْقَلَمِ آية ٤٨.
1 / 121