179

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

محقق

طه عبد الرءوف سعد

الناشر

مكتبة الثقافة الدينية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا) مَا تَأْتَزِرُ بِهِ فِي وَسَطِهَا
(ثُمَّ شَأْنَكَ) أَيْ دُونَكَ (بِأَعْلَاهَا) اسْتَمْتِعْ بِهِ إِنْ شِئْتَ، وَجَعَلَ الْمِئْزَرَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ: " كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ ﷺ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَمْلِكُ إِرْبَهُ» وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْحَائِضِ الْفَرْجُ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُوَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٢٢) الْآيَةَ فَقَالَ ﷺ: " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» وَسَمَّى مِنَ السَّائِلِينَ ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ، رَوَاهُ الْبَاوَرْدِيُّ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ الْمُوَطَّأِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ يَقْتَضِي مَنْعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ دَلِيلًا قَالَ الْحَافِظُ: وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ: " «أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» " وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ الْفَرْجِ لَا تُوجِبُ حَدًّا وَلَا غُسْلًا فَأَشْبَهَتِ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَهُ، وَفَصَّلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَضْبُطُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْفَرْجِ وَيَثِقُ مِنْهَا بِاجْتِنَابِهِ جَازَ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّوَوِيُّ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ وَجْهِ الْفِرْقِ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ وَمَا بَعْدَهُ لِظَاهِرِ التَّقْيِيدِ، فَقَوْلُهَا: فَوْرَ حَيْضَتِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَةَ الدَّمِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُبَاشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ إِلَى الْمُبَادَرَةِ بِاخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ انْتَهَى
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا لَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ يَعْنِي الْحَيْضَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ شُدِّي عَلَى نَفْسِكِ إِزَارَكِ ثُمَّ عُودِي إِلَى مَضْجَعِكِ»
ــ
١٢٧ - ١٢٥ - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً) نَائِمَةً عَلَى جَنْبِهَا (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) فِيهِ جَوَازُ نَوْمِ الشَّرِيفِ مَعَ أَهْلِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
(وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ) أَيْ قَفَزَتْ وَالْعَامَّةُ تَسْتَعْمِلُ الْوُثُوبَ بِمَعْنَى الْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَارَعَةِ (وَثْبَةً شَدِيدَةً) خَوْفًا مِنْ وُصُولِ شَيْءٍ مِنْ دَمِهَا إِلَيْهِ أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا،

1 / 229