شَرحُ الزُّرقاني
عَبْد الباقي بن يُوسف بن أحْمَد بن محمَّد الزَّرَقاني المصْريُ
المتوفى سَنة ١٠٩٩ هـ
على
مُخْتَصر سَيْدي خَليل
وَهُوَ الإمام ضَياء الدِّيْن خَليل بنْ إسحاق بن مُوسَى الجنْدي المَالكي
المتوفى سَنة ٧٧٦ هـ
ومعهُ
الفَتح الربَّاني فِيما ذهل عَنه الزّرقاني
وَهُو حَاشيَة العَلامَة محمَّد بن الحَسَن بن مَسعُود البناني
المتوفى سَنة ١١٩٤ هـ
ضَبَطهُ وصحَّحَهُ وخرَّج آيَاته
عَبد السَّلام محمَّد أمِين
الجُزءُ الأول
تنبيه
وضعنا "شَرح الزرقاني" في أعلى الصفَحات وضمنهُ نص "مختصر خَليل" بين قوسين مميزًا باللون الغَامِقُ، وَوَضعنا في أسفل الصّفحات "حاشية البنّاني" وفصَلنا بين الشرح والحاشية بخط
منشورات
محمّد عَلي بيضون
لنَشر كُتبِ السُّنة والجمَاعة
دار الكتب العلمية
بَيروت - لبنَان
1 / 1
دار الكتب العلمية
جميع الحقوق محفوظة
copyright
All rights reserved
Tous droits reserves
ــ
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة
لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان
ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًا أو مجزأً أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيًّا.
Exclusive rights by
dar Al -kotob al-ilimiyah beirut-libanan
No ppart of this publication may be translated، distroubuted in any
form or by any means، or retrieval system، with out the prior written permission of puplisher.
Droits Exculusifs a
Dar al -kotb al ilmiyah beyrouth - liban
It est interdit a toute personne individuelle ou morale d editer sur cassette،
disquette، C.D، ordinateur toute،
sans i'autorisatin signee de i'editeure
ــ
الطبعة الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
ــ
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
رمل الظريف، شارع البحتري، بناية ملكارت
هاتف وفاكس: ٣٦٤٣٩٨ - ٣٦٦١٣٥ - ٣٧٨٥٤٢ (٩٦١١)
صندوق بريد: ٩٤٢٤ - ١١ بيروت - لبنان
dar Al -kotob al-ilimiyah
beirut-lebanan
ramel al- zarif، bohtory st.، melkart bldg.،١st floor
tel. &fax:٠٠ (٩٦١١)٣٧.٨٥.٤٢ - ٣٦.٦١.٣٥ - ٣٦.٤٣.٩٨
P.O.Box: ١١ - ٩٤٢٤ Beirut-lebanon
dar Al -kotob al-ilimiyah
beirut-libanan
ramel al- zarif،Rue bohtory، Imm. melkart،١ere etage
tel. &fax:٠٠ (٩٦١١)٣٧.٨٥.٤٢ - ٣٦.٦١.٣٥ - ٣٦.٤٣.٩٨
B.P.: ١١ - ٩٤٢٤ Beyrouth-liban
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة العلامة سيدي خليل صاحب المختصر (١)
هو خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي. فقيه مالكي من أهل مصر.
كان يلبس زيّ الجند. تعلّم في القاهرة، وولي الإفتاء على مذهب مالك.
من مؤلفاته:
- المختصر في الفقه، ويعرف بمختصر خليل. وهو الكتاب المشروح الذي بين أيدينا. وقد شرحه غير الزرقاني كثيرون، وترجم إلى الفرنسية.
- "التوضيح" شرح به مختصر ابن الحاجب.
- "المناسك".
- مخدرات الفهوم فيما يتعلق بالتراجم والعلوم.
- و"مناقب المنوفي".
وفي وفاته اضطراب كبير؛ وذكر الزركلي في الأعلام أن وفاته في الدرر الكامنة سنة ٧٦٧ هـ، ومثله في حسن المحاضرة وآداب اللغة ومعجم المطبوعات. وفي الديباج المذهب "توفي بالطاعون سنة ٧٤٩". وأورد التنبكتي في نيل الابتهاج ثلاث روايات في وفاته: سنة ٧٦٧ و٧٦٩ و٧٧٦، ورجّح الرواية الأخيرة.
_________
(١) انظر ترجمته في الديباج المذهب (ص ١٨٦) والدرر الكامنة (٢/ ٨٦) رقم الترجمة (١٦٥٣) وحسن المحاضرة (١/ ٤٦٠) وشجرة النور الزكية (١/ ٢٢٣) والنجوم الزاهرة (١١/ ٩٢) ومعجم المطبوعات (٨٣٥) ونيل الابتهاج (١١٢) وكشف الظنون (١٦٢٨، ١٨٣١، ١٨٥١) والأعلام (٢/ ٣١٥).
1 / 3
ترجمة الزرقاني صاحب الشرح (١)
هو عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن محمَّد بن علوان الزرقاني المصري المالكي الوفائي. ولد بمصر سنة ١٠٢٠هـ، وتوفي بها سنة ١٠٩٩هـ.
من مؤلفاته:
- شرح مختصر سيدي خليل. وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
- شرح العزّية.
- رسالة في الكلام على "إذا".
ترجمه البنّاني صاحب الحاشية (٢)
هو محمَّد بن الحسن بن مسعود البناني، أبو عبد الله: فقيه مالكي، من أهل فاس.
كان خطيب الضريح الإدريسي بها، وإمامه.
له كتب، منها:
- "الفتح الرباني" حاشية استدرك بها على الزرقاني ما ذهل عنه في شرحه على "مختصر خليل" وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
- "حاشية على شرح السنوسي لمختصره في المنطق".
- "فهرسة" في إسناد ما أخذه عن أشياخه.
ويقال إنه عرف عند أهل المغرب بـ "بناني" من دون التعريف بأل، للتفريق بينه وبين "البناني" نزيل مصر.
توفي صاحب الترجمة سنة ١١٩٤هـ.
_________
(١) انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٢٧٢) وهدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي (١/ ٤٩٦).
(٢) انظر الأعلام للزركلي (٦/ ٩١) ومعجم المطبوعات (٥٩٠).
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى اله وصحبه وسلم إن أحسن ما نطق به اللسان وخطه القلم حمد من خلق الإنسان وعلمه ما لم يعلم ورزقه التمييز بين الحي واللي وبيّن له كم بين سنن الهدى وسبيل الغي جل من قادر مهيمن أضل وهدى وأحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا فهو المتفضل عليه بالمنطق الفصيح وجوهر العقل الذي يرشده في كل ضنك وفسيح والمنعم عليه بالإدراك الذي يدرك به ما بين الصحيح والمعضل والصريح والموهم والمشكل فسبحانه من حميد عليم قادر مدبر حكيم أدار على من اصطفى من النفوس البشرية كؤوس المعرفة حتى رواها وأرشدها بنور الإلهام وقد حاد بها عن الجادّة هواها فله الحمد على مننه التي لا تدركها الأفهام ولا تحصرها الطروس والأقلام والشكر له على ما به أنعم وإياه منح وله ألهم وبه فتح حمدًا وشكرًا يليقان بجلاله وعظيم سلطانه وعزته وكماله وجزيل إحسانه فهو الفاتح لأبواب لدرايه والمانح عباده من فضله التوفيق والهداية ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الذي تنزّه عن الحدوث علمه ووسع الأنام طوله وحلمه شهادة سالك مهيع الحق القويم موقن بأنه بكل شيء عليم متحقق بأنه لا تدركه العقول وأنه سبحانه غني في علمه عن المنقول والمعقول ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدًا عبده الذي شرح صدره ورفع ذكره ورسوله الذي بلغ نهيه وأمره ومصطفاه الذي أدنى محله وأسنى قدره ونوره الذي أمّن من المحاق بدره نكتة العالم وفائدة الزمان وتتمة الأنبياء ومآل العلم والعرفان نبيّ بلغ الرسالة كما تحملها وفصلها للخليفة أي تفصيل وما أجملها أرقاه الله درجات الكمال وأبان بلسانه العربي أحوال الحرام والحلال كما تلقى ذلك عن ربه وروى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾ [النجم: ٣] فصلى الله عليه من رسول طاهر كريم حف من الله بالسعادة والتكريم وتسربل حلل المجادة والتعظيم وأتحفه بآياته العلي العظيم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)﴾ [الحجر: ٨٧] ووصل رضوانه لصحابته الأجلة الجهابذة الأعلام أئمة الهدى ومصابيح الظلام الذين شادوا قواعد الدين ومهدوها وشرفوا مآثره الشريفة ومجدوها ووهب لهم دار السلام منة منه عليهم بسلام وللسادة التابعين والعلماء العاملين ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
1 / 5
وبعد: فهذا شرح على مختصر العلامة الشهير في الآفاق خليل بن إسحاق لخصته من شرح شيخنا شيخ الإِسلام العلامة المعمر الشيخ علي الأجهوري أبي الإرشاد جمعنا الله معه يوم التناد مشيرًا له بصورة عج وللحطاب بصورة ح وللتتائي بصورة تت وللشيخ أحمد الزرقاني بصورة د ولابن مرزوق من وللمواق ق ولابن غازي غ وللطخيخي طخ وللناصر اللقاني صر وللعلامة الشيخ إبراهيم اللقاني بشيخنا ق والله أسأل النفع به كأصوله والإعانة على التمام وحسن الختام.
ــ
أما بعد: فيقول العبد الفقير الجاني محمَّد بن الحسن البناني منحه الله دار التهاني لما كان شرح الشيخ الأكمل والسري الأجمل فريد عصره ووحيد مصره غاية المنى ومنتهى الأماني وخاتمة الجامعين بين علمي الأصول والمعاني سيدي عبد الباقي بن يوسف الزرقاني على مختصر الشيخ الجليل أبي المودّة خليل سقى الله بمنه ثراهما وأم بسحائب رضوانه ذراهما وعمهما برحمته ونعمهما في رياض جنته شرحًا كفيلًا بعقل الشوارد محفوفًا بفرائد الفوائد تطرب له المسامع وينشط لحسن عبارته القارئ والسامع اتخذته خلًا مواسيًا وطبًا آسيًا فوجدته طبق مرادي ولذلك جعلته حلف أنسي وودادي بيد أنه كثيرًا ما ينزل النقل في غير محله ويلحق الفرع بغير أصله وأعوذ بالله أن أقول إن ذلك من جهله مع أني أعترف له في العلم بالغاية التي لا يدركها مطاول والمرتبة التي لا ينالها مقول ولا محاول وإني بعجزي وضعفي لعليم وربك الفتاح العلم وإن كلًّا بما سنح له يصدع والحق أحق أن يتبع وأتكلم على ما عثرت عليه للشيخ سيدي محمَّد الخرشي في عدة أماكن ولغيره أيضًا في مواطن لكن بيت القصيد هو الأول وعلى كلامه المعوّل هذا بعد أن طلبت من المولى الكريم الرؤوف الرّحيم أن يمدني بتأييده وعونه ومدده وأمنه في حواش يرق لها قلب الجليد ولا يجهل معانيها ومباحثها البليد وإنما جنحت للتأليف رجاء الدخول في حرمة الحديث الشريف إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث هذا وقد قيل طوبى لمن عرف المصير وثمر زمنه القصير في اكتساب منقبة تبقى بعده شهابًا وتخليد عمدة تورثه ثناء وثوابًا فالذكر الجميل كما تخلد استدعى الرحمة وطلبها واستدنى الراحة واستجلبها سميتها "بالفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني" وإلى جناب الله المنيع أستند وعليه في كل أموري أعتمد وبعزته ألوذ وبه من كل أفاك وحسود أعوذ مشيرًا بصورة ز للزرقاني ويخش للخرشي وح للحطاب وضيح للتوضيح وطفى لمصطفى وطخ للطخيخي وع لابن غازي وق للمواق وس للشيخ سالم السنهوري وتت للتتائي وذ للشيخ أحمد الزرقاني وعج للشيخ علي الأجهوري وصر للناصر اللقاني ومس للمسناوي جعلها الله ذخرًا وأجزل لي بها في الدارين أجرًا إنه ولي التوفيق والهادي إلى سواء الطريق بمنه ويمنه.
1 / 6
باب الطهارة
خبر مبتدأ محذوف أي هذا أو مبتدأ خبره محذوف هو في الطهارة وسوّغ الابتداء به وإن كان نكرة وقوع خبره جارًا ومجرورًا ويقدر مقدمًا عليه وجوبًا ويصح نصبه بفعل مقدر أيضًا والرسم يأباه أو مبني على حد ما قيل في الأعداد المسرودة وهو لغة ما يتوصل منه إلى المقصود وهو هنا ليس كذلك لأنه اسم لطائفة من الكتاب لها أول وآخر وليس مدخلًا لشيء نعم لو كان اسمًا للجزء الأول منه لكان له وجه كذا لعصام على الشمائل وقال بعضهم إنه لغة بمعنى الوجه إذ كل باب وجه من وجوه الكلام أي نوع منه فالمعنى هذا نوع من أنواع الكلام فيصح على هذا الثاني إرادة معناه اللغوي واصطلاحًا اسم لنوع خاص من أنواع مسائل العلم محتو على فصول غالبًا ومسائل جمع مسألة قال تت وهي مطلوب خبري يبرهن عليه في ذلك العلم ولا تكون إلا نسبية انتهى وقوله: يبرهن أي يقام عليه البرهان والمراد به هنا مطلق الدليل لا ما عند أهل الميزان وهو ما يركب من الأوّليات ونحوها وكلامه ظاهر في أن المسألة اسم للحكم المخصوص إذ هو الذي يبرهن
ــ
باب الطهارة
قول ز ويقدر مقدمًا عليه وجوبًا الخ فيه نظر إذ التقديم لا دخل له في التسويغ وإنما وجب لئلا يلتبس الخبر بالصفة فإذا كان محذوفًا كما هنا انتفى اللبس وتعين كونه خبرًا لكن قد يقال قد تحذف الصفة للعلم بها أيضًا نحو يأخذ كل سفينة أي صالحة تأمل وقول ز وليس مدخلًا لشيء الخ فيه نظر إذ حيث كان الباب اسمًا لطائفة من نقوش الكتاب أو ألفاظه فهو مدخل للمعاني المقصودة منها فهذا الوجه أحسن مما بعده وهو مناسب للمعنى اللغوي كما قلنا والله أعلم وقول ز كما هو الأصل فيه كما للسعد الخ يعني إن الأصل في القيود الواقعة في التعريفات إنما هو بيان ما تركبت منه حقيقة المعرف في الواقع والاحتراز بها تابع لذلك لا مقصود بالذات ونص كلام السيد في تعريف العلم من حاشية المطول صرح أي السعد بأن المقصود من القيود تحقيق مقام العلمية والاحتراز تابع له كما أن المقصود من قيود التعريفات شرح الماهيات والاحترازات تابعة له فلا بأس أن يقع في قيود التعريفات ما يصح به الاحتراز عن جميع المحترزات لكن المناسب حينئذ أن يتأخر هذا القيد عما عداه اهـ.
وقول ز والصواب كسبية كما في عبارة المحققين الخ هذا صحيح غير أن قيد الاكتساب مستغنى عنه بقوله يبرهن عليه قال طفى فالصواب إسقاط قوله ولا تكون إلا كسبية لخلوه عن الفائدة انتهى.
1 / 7
عليه وهو أحد إطلاقيها وتطلق على القضية بتمامها وقوله ولا تكون إلا نسبية يحتمل أنه أراد أنها مشتملة على نسبة وهذا إنما يأتي على إطلاقها على القضية لا على الحكم الذي أطلقها عليه أولًا ففيه استخدام إذا طلقها أولًا على الحكم وأعاد عليها الضمير بمعنى القضية لا الحكم ومعلوم أن القضية لا بد أن تشتمل على نسبه أي حكم معين كالوجوب فالتقييد بذلك لبيان الواقع كما هو الأصل فيه كما للسعد ويحتمل أنه أراد أنها منسوبة لشيء كأن يقال مسألة كذا وفيه أن هذا أمر لا ينفعك عنها فلا محترز له فهو لبيان الواقع أيضًا وأيضًا النسبة إنما هي في لفظ مسألة وما تضاف إليه لا في معناها مع أنه هو المقصود بالذات والحق إن لفظ نسبية تحريف والصواب كسببية كما في عبارة المحققين أي لا تكون إلا من العلم المكتسب بالاجتهاد لا من العلم الضروري لما صرحوا به من أن ضروريات العلوم لا تعد من مسائله كوجوب الصلوات الخمس وشبهها كما يفيده تعريف الفقه بأنه العلم المشتمل على الأحكام الشرعية العملية التي طريقها الاجتهاد أو المكتسبة من أدلتها التفصيلية ورتب المصنف كالمتقدمين ربع كتابه الأول على خبر بني الإِسلام على خمس وترك الكلام على مبحث الشهادتين لاستقلالهما بالتدوين وذكرهما ابن أبي زيد في رسالته لتمام تعليم من سأله تأليفها وبدأ المصنف من باقي الأركان بالصلاة لأنها عماد الدين كما في خبر وقدم عليها شروطها وقدم من شروطها أعظمها وهو الطهارة لخبر مفتاح الصلاة الطهور وسيذكر بقيتها قبل الصلاة والطهارة لغة النظافة والنزاهة أي مطلقًا كما للبدر القرافي تبعًا لمن وتت أي من الرذائل الحسية كالأوساخ والمعنوية كالمعاصي بالجوارح الظاهرة والباطنة وشرعًا قال ابن عرفة صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أو له فالأوليان من خبث والأخيرة من حدث واللام في قوله لموصوفها لشبه الملك والاستحقاق لا للتعليل لأنه يقتضي أن المعنى أن
ــ
قلت الظاهر أن قوله ولا تكون إلا كسبية ليس قيدًا من تمام تعريف المسألة حتى يعترض بالاستغناء عنه إنما هو كلام مستأنف قصد به بيان الحاصل من تعريفها فلا يكون الصواب إسقاطه تأمل وقول ز أي مطلقًا كما للبدر الخ يفيد أن الطهارة لغة حقيقة في المعنيين معًا وهما النزاهة من الرذائل الحسية ومن الرذائل المعنوية وهو مقتضى قول التنبيهات أصل الطهارة النزاهة والتخلص من الأنجاس والمذام ومنه ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾ على تفسير قلبك أو نفسك أي خلصها ونزهها عن الآثام وأنجاس المشركين اهـ.
لكنه خلاف ما في ح من أن استعمالها في التنزيه عن العيوب مجاز فانظره وقول ز وشرعًا قال ابن عرفة الخ اعلم أن للطهارة في الشرع معنى آخر به عرفها المازري وغيره وهو رفع الحدث وإزالة النجاسة كما في قولهم الطهارة واجبة واعترض ابن عرفة تعريفها بهذا المعنى بأنه إنما يتناول التطهير والطهارة غيره لثبوتها دونه فيما لا يتنجس وفي المطهر بعد الإزالة قال ح وقد يقال إن هذا التعريف أولى لأن المراد تعريف الطهارة الواجبة المكلف بها والمكلف به إنما هو رفع الحدث وإزالة النجاسة لا الصفة الحكمية اهـ.
1 / 8
إيجاب استباحة الصلاة لأجل موصوفها لا له والمعنى على جعلها الشبه الملك والاستحقاق ظاهر أي أن الطهارة أوجبت للموصوف بها استباحة الصلاة وأورد على تعريفه أنه غير جامع لخمسة أشياء:
أحدها: طهارة الميت فإنها أوجبت استباحة الصلاة عليه لا له ولا فيه ولا به.
ثانيها: طهارة الذمية من حيضها ونحوه ليطأها زوجها المسلم وقد يجاب عن هذين بأنه أراد تعريف الطهارة الواجبة على الفاعل في نفسه لا في غيره ولا لغيره أو بأنها طهارة فيهما لولا المانع وهو الموت والكفر.
ثالثها: الأوضية المستحبة التي لا يصلى بها كالوضوء لزيارة الأولياء أو دخول على سلطان أو تلاوة في غير مصحف من غير نية استباحة الصلاة به في الثلاثة وأجيب بأن هذه ليست طهارة شرعية للصلاة وإن ندبت والتعريف للشرعية فقط.
رابعها: الأوضية المستحبة التي يصلى بها كالوضوء المجدد والاغتسالات المسنونة والمستحبة التي يصلى بها وأجيب بمنع أن ذلك طهارة شرعية إذ هي التي يتوقف فعل الصلاة عليها وبأنها شرعية لولا وجود مثلها إذ المثلان لا يجتمعان.
خامسها: إنه لا يشمل طهارة الجسد من الخبث أو منه ومن الحدث وأجيب بأن الياء في به للملابسة أي توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة بملابسته أي ملابسة الموصوف ولا شك أن جسد الشخص القائم به الطهارة ملابس له لكن يرد على هذا أن قوله أو فيه أو له يصير مستدركًا ثم معنى كونها توجب الجواز أنه يتسبب عنها فليس المراد بالوجوب حقيقته لأنه لا يلتئم مع قوله جواز وأورد الأبي في درس شيخه ابن عرفة
ــ
باختصار وقوله وقد يجاب عن هذين الخ اعترض الجواب الأول بمنافاته لقوله في التعريف به أو فيه ويجاب بأن المراد في الجواب الطهارة الواجبة على الإنسان في عبادة نفسه ولا شك أن تطهر بدنه وثوبه ومكانه شرط في صلاة نفسه بخلاف تطهير الميت والذمية لكن يرد عليه أن طهارتهما شرعية وعدم دخولهما في التعريف يوجب كونه غير جامع فتأمله وجوابه في الثالث والرابع بمنع أن ذلك طهارة شرعية فيه نظر إذ كونها مطلوبة من جهة الشارع يوجب أنها شرعية وقوله في الرابع وبأنها شرعية لولا وجود مثلها معناه وبأنها طهارة توجب إباحة الصلاة لولا وجود مثلها وقوله شرط لفعل الصلاة الخ صوابه لصحة الصلاة الخ وقوله قلت السير والتقسيم الخ هذا الكلام كله تطويل بما ليس عليه تعويل والصواب أن أحد اللفظين مقحم لفظ جواز أو استباحة ولا معنى للجمع بينهما أصلًا ويدل له ما يأتي في تعريف حكم الخبث من قوله توجب منع الصلاة الخ فقد اقتصر على لفظ المنع من غير زيادة فتأمله وقوله والثاني كذلك لأنه يقتضي أن معلولها جواز الصلاة فقط الخ غير صحيح إذ ليس في عبارته ما يقتضي الحصر بحال وقوله إن طلب إباحتها يمتنع شرعًا مع التلبس بالمانع الخ غير صحيح إذ الشأن أن الإباحة يطلب حين التلبس بالمانع تحصيلها بالطهارة وأما عند فقد
1 / 9
على هذا المعنى أن الذي يوجب سبب والطهارة ليست سببًا للصلاة وإنما هي شرط وأجيب بأن الطهارة شرط لفعل الصلاة إذ لا يلزم من وجودها فعل الصلاة وسبب لإباحتها إذ يلزم من وجودها وجود إباحة الصلاة ومن عدمها عدم الإباحة وكلامه في التعريف في هذا لا من حيث الشرط ويفيد ما قلناه قوله توجب جواز استباحة الصلاة فإن قلت ما وجه جمعه بين جواز واستباحة قلت السبر والتقسيم أي سرد أقسام الشيء وتقسيمه لأقسام يقتضي كل منهما أن يقول واحدًا من أربعة أشياء:
أحدها: توجب لموصوفها الصلاة.
ثانيها: توجب لموصوفها جواز الصلاة.
ثالثها: توجب لموصوفها استباحة الصلاة.
رابعها: توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة كما نطق به والأول باطل لأنه يفيد أنه متى وجدت الصفة المذكورة وجدت الصلاة لأنها علة. والثاني كذلك لأنه يقتضي أن معلولها جواز الصلاة فقط مع أن معلولها جواز ما منعه الحدث والنجاسة قلت يكون غيرها بالأولى منها فلا بطلان فيه على قياس ما يأتي قريبًا. ثالثها كذلك لاقتضائه أن معلولها طلب إباحة الصلاة ومن البين أنه لا يلزم من وجودها وجوده أي وجود طلب الإباحة والظاهر صحة هذا أيضًا أو تجعل السير للتأكيد وأما الجمع بين جواز واستباحة فيظهر أيضًا أنه غير تام إذ معلولها ليس جواز طلب إباحة الصلاة فقط بل جواز طلب ما منع الحدث والنجاسة منه ويجاب بأنه يفهم منه غير الصلاة بالأولى فالجمع بينهما صحيح وهذا الثاني والثالث فيما طهر كما علمت بل وكذا الأول ويصير معنى توجب الصلاة تسبب الصلاة أي الإقدام عليها ومعنى كونها توجب جواز استباحة الصلاة أن طلب إباحتها يمتنع شرعًا مع التلبس بالمانع لأن الصلاة مفتاحها الطهور كما مر في الخبر فإذا وجد مفتاحها ثبت جواز طلب إباحة الدخول فيها وإذا لم يوجد فلا ويقابل الطهارة النجاسة ويأتي تعريفها (يرفع الحدث) بفتح الحاء والدال المهملتين وهو لغة وجود الشيء
ــ
المانع فهي حاصلة لا يطلب تحصيلها لأنه من تحصيل الحاصل (برفع الحدث) قول ز لخروجها عن الحد بقوله بعد أن لم يكن الخ بل لم تدخل في وجود الشيء حتى تخرج بما بعده لأنه لا يصدق عليها وجود ولا شيء وقول ز وأما الاعدام القديمة فيصدق حد الحدث عليها الخ هذا غير صحيح ولا معنى له فإن الاعدام القديمة لا يصدق عليس، وجود ولا لفظ الشيء ولا قوله بعد أن لم يكن فكيف يصح دخولها تحت قوله وجود الشيء بعد أن لم يكن فافهمه وقوله وعلى الوصف الحكمي الخ أنكر ابن دقيق العيد هذا المعنى الثالث وقال ذكره بعض الفقهاء وهم مطالبون بدليل شرعي على ثبوته فإنه منفي بالحقيقة والأصل موافقة الشرع لها اهـ.
انظر ح وقول ز وعلى المنع المترتب على الأعضاء كلها أو بعضها يقتضي أن الحدث الأصغر متعلق بالأعضاء المخصوصة فقط وفيه نظر بل الظاهر أنه متعلق بجميع الجسد لا
1 / 10
بعد أن لم يكن فالاعدام الطارئة على الوجود لا يطلق عليها حدث لخروجها عن الحد بقوله بعد أن لم يكن وهذه قد كانت فيطلق عليها لغة الفناء لأنها فنيت وأما الاعدام القديمة كعدم العالم في الأزل فيصدق حد الحدث عليها لانعدامها بوجوده ولا يرد على ذلك قولهم ما ثبت قدمه استحال عدمه لتفسير ما بشيء والشيء هو الموجود وشرعًا يطلق كما في ح على أربعة معان على الخارج كقوله الآتي نقض الوضوء يحدث وهو الخارج المعتاد وعلى الخروج كقولهم من أدب الحدث الاعتماد على الرجل اليسرى وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية بمحلها ومنه قوله ومنع حدث صلاة الخ وعلى المنع المترتب على الأعضاء كلها أو بعضها كالحدث الأكبر والأصغر ومنه قوله يرفع الحدث وسواء كان سبب الحدث المذكور حديثًا كمني وبول أو سببًا كردة بناء على أنها سبب كالبعض أو غيرهما كشك في حدث بناء على أنه ليس سببًا كما في د قال ح ويصح إرادة الوصف هنا لتلازمهما فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر لا يقال لا نسلم التلازم فالتيمم يرفع المنع لاستباحة الصلاة وغيرها به ولا يرفع الوصف القائم بالأعضاء إذ لا يرفع الحدث لأنا نقول التيمم لا يرفع المنع رفعًا مطلقًا وإنما هو رفع مقيد بفراغ الصلاة أو وجود ماء قبلها أو فيها إذا كان ناسيه كما يأتي فالتيمم رخصة فالوصف والمنع باقيان انتهى باختصار وبعض إيضاح فقد علم من كلامه أنه يصح أن يراد بالحدث في المصنف المعنى الثالث أو الرابع لا الثاني قطعًا ولا الأول أي الخارج لوقوعه ورفع الواقع محال فإن قيل المنع معنى من المعاني إذ هو حرمة قربان الصلاة مثلًا وقد وقع أيضًا وحصل فكيف يرتفع ورفع الواقع محال فالجواب أن المرتفع استمراره فتباح الصلاة وغيرها ففي التلقين معنى رفع الحدث استباحة كل فعل كان الحدث مانعًا منه أو المعنى يقدر رفعه فهو كما للقرافي من باب تقدير رفع الواقع لا من باب رفع الواقع والمحال هو الثاني دون الأول إذ تقدير رفع الواقع من قواعد الشرع وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم وعكسه كعتق شخص عبده عن آخر فإن الولاء للمعتق عنه لتقدير دخوله في ملكه فقد أعطى المعدوم حكم الموجود انتهى.
ــ
بالبعض فقط وإلا لاقتضى جواز حمل المحدث المصحف على ظهره وهو لا يجوز وقول ز أو سببًا كردة بناء على أنها سبب الخ قال طفى ظاهره الخلاف فيها وليس كذلك إذ لم أر من ذكر أنها سبب وكلام الأئمة صريح في أنها ليست بسبب وإنما ذكر ذلك الشارح فيما يأتي وقال البساطي إنه سهوًا انتهى.
وقوله ولا الأول أي الخارج الخ قال ح وتجويز ذلك على حذف مضاف أي حكم الحدث كما أشار إله البساطي فيه تعسف وتكلف لا يحتاج إليه اهـ.
وفيه أيضًا أنه لا يشمل الحكم المترتب على سبب الحدث كالنوم أو على غيره كالردة
1 / 11
(و) يرفع (حكم الخبث) أي عين النجاسة القابلة للتطهير لا ما ذاته نجسة ولا ما لا يقبل التطهير مما عرضت نجاسته كزيت تنجس كما سيأتي وعرف ابن عرفة حكمها بقوله صفة حكمية توجب لموصوفها منع الصلاة به أو فيه انتهى.
ولم يقل أوله كالطهارة لأن الحدث لا يطلق عليه نجاسة إذ ليس قسمًا منها بل قسيمًا لها نعم هو قسم من مطلق المانع والتعريف ليس له بل لقسم منه وخرج بقوله: حكمية عين النجاسة القائمة بالبدن إذ التعريف للحكمية لا لعينها التي لا تزال بكل قلاع واعترض التعريف بأنه غير مانع لدخول الثوب والمكان المغصوبين في حده إذ كل اتصف بأن فيه صفة حكمية تمنع الصلاة به أو فيه مع أن كلًّا لا يسمى نجاسة وأجيب بأن منع الغصب ليس مقصورًا على الصلاة إذ لبس الثوب والحلول في المكان المغصوبين ممتنع أيضًا وغير ذلك وبأن الغصب لا يسمى في اصطلاح الفقهاء صفة حكمية والتعريف مبني على اصطلاحهم وقد تقرر أن حكم الخبث أعم منه لأنه يوجد مع الخبث وبدونه بخلاف عينه فإنه يستلزم وجودها وجود الحكم فالعين أخص ومن المعلوم أن رفع الأعم يستلزم رفع الأخص وقد وجد الأمر بخلاف ذلك في بعض الصور وذلك فيما إذا غسلت النجاسة وعسر إزالة لونها وريحها فقد ارتفع الحكم ولم ترفع العين وجوابه أن ما يعسر زواله من اللون والربح بمنزلة العلم (بالمطلق) لا بغيره والباء للدلالة أو للسببية وهذا لا ينافي كون الرافع المكلف ولذا لم يقل رافعه الماء لأن ذلك يؤدي إلى ارتكاب المجاز بخلاف هذا قاله د ولا يتوجه على قوله وحكم الخبث أن الحكم قديم فكيف يرتفع لأن حكم الخبث هو الصفة الحكمية كما مر عن ابن عرفة وهي حادثة والحكم القديم هو خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف نعم يتوجه عليه أنه واقع ورفع الواقع محال ويجاب عنه بما مر من أن المرتفع استمراره أو معناه يقدر رفعه وإنما قال يرفع دون رافع لأن نسبة الرفع إلى الماء مجاز قاله الشارح في بعض شروحه زاد بعض عقبه لأن الرافع حقيقة هو الله انتهى وفيه بحث إذ لو أريد الإسناد الحقيقي الإسناد إلى موجد الأفعال حقيقة وهو الله لكان الإسناد في كل فعل أو ما في معناه إسنادًا مجازيًّا فالإسناد في ضرب زيد مثلًا غير حقيقي وهو خلاف تعريفهم الإسناد الحقيقي بأنه إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر وعليه فإسناد الرفع هنا إلى المكلف أو الصبي حقيقة وإلى الماء مجاز فالصواب أن يعلل بأن
ــ
والشك تأمل (وحكم الخبث) قول ز وخرج بقوله حكمية عين النجاسة الخ فيه نظر إذ العين لم تدخل في لفظ صفة حتى يحتاج إلى إخراجها بقوله حكمية وقول ز وأجيب بأن منع الغصب الخ هذا الجواب غير صحيح بل التعريف صادق عليه لأنه ليس فيه قصر على الصلاة تأمل وقول ز وبأن الغصب لا يسمى الخ غير صحيح بل الثوب موصوف بالصفة الحكمية بسبب الغصب الخ (بالمطلق) قول ز لا بغيره الخ تبع ما في ح من أن تصدير الباب بهذه
1 / 12
الرافع حقيقة هو المستعمل له وبني يرفع للمفعول دون الفاعل لقوله وحكم الخبث إذ لو بني للفاعل لأوهم أنه يعتبر في رفع حكم الخبث القصد إلى ذلك وليس كذلك إذ لو نزل عليه مطرًا وألقته ريح ببحر فأزاله لكفى ذلك انظر البساطي وكونه يوهم عند بنائه القصد واضح قاله عج أي مع بقاء الباء وبنائه للفاعل وهو عائد على ما يفهم من يرفع أي يرفع الرافع بالماء المطلق وأما لو حذفت الباء وبني للفاعل وفاعله المطلق فلا يوهم القصد وكلام المصنف مع ضميمة قوله الآتي لا بمتغير لونًا الخ يفيد الحصر ويرد عليه محل الاستجمار ومسألة إذا زال عين النجاسة بغير المطلق والخمر إذا تحجر أو خلل ويجاب بأن الذي يفيده ما ذكر حصر رافع حكم الخبث المائي في المطلق لا رافع حكم الخبث مطلقًا هذا مع أن محل الاستجمار نجس معفو عنه كما يفيده ظاهر المصنف وهو قضية الشارح الكبير في قوله ولو زال عين النجاسة الخ ونحوه قول ابن الحاجب وعن أثر المخرجين أي عفي عنه خلافًا لقول بعض الشراح أن الحكم في الاستجمار قد زال وأيضًا زيادة على الجواب المتقدم قد ذكر المصنف مسألة زوال حكم الخبث بغير المطلق والخمر بعد ذلك فهما مستثنيان من كلامه هنا قاله عج لكن بقي أنه يرد على المصنف أيضًا الثوب الذي يلقى في الخمر ثم يصير خلًا فإن الثوب يطهر كما سينص عليه عج ولم يذكره المصنف إلا أن يجاب عنه بأنه تابع لتخلل الخمر فكأنه ذكره هذا وليس في كلام المصنف ما يفيد أنه لا يتوقف على المطلق إلا رفع الحدث وحكم الخبث فلا ينافي إن الأوضية والاغتسالات المستحبة والمسنونة تتوقف على المطلق أيضًا وفي قوله بالمطلق إشارة إلى انقسام الماء لمطلق وغيره وهو كذلك وتقسيمه إنما هو بالنظر إلى أفراده لا بالنظر إلى حقيقته وماهيته التي عرفها المصنف بعد إذ الماهية لا تقسيم فيها باعتبار ذاتها أشار له ابن عبد السلام بقوله يصح تقسيم الماهية باعتبار أوصافها ورد ابن عرفة له بأنه لا يصح تقسيمه باعتبار أوصافها إذ لا يقال الجسم إما حركة أو سكون يرد بأنه يصح باعتبار أوصافها المحمولة حمل مواطأة نحو الجسم إما متحرك أو ساكن والماء إما حار أو بارد أو مطلق أو غيره انظر الوانوغي (وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد) لازم فالمنفي كماء
ــ
الجملة وسياقها مساق الحد لما يرفع به الحدث يفيد الحصر وإن لم يكن في الكلام أداة حصر والمعنى إنما يرفع الحدث الخ وفيه نظر وقول ز وكلام المصنف مع ضميمة قوله لا بمتغير الخ يفيد الحصر الخ فيه نظر أيضًا بل لا يفيده أصلًا لأن أقسام الماء ليست منحصرة في المطلق والمتغير وحينئذ فما أورده بعده على المصنف غير وارد لأن ذلك مبني على وجود الحصر في كلامه وهو غير موجود فيه تأمل وقول ز وتقسيمه إنما هو بالنظر إلى أفراده الخ أي إلى أنواعه فتقسيم الماء إلى مطلق وغيره كتقسيم الحيوان إلى إنسان وغيره وذلك صحيح (وهو ما صدق عليه اسم ماء) في المطلق طريقان الأولى أنه مرادف للطهور وعليها جرى المصنف لأنه أدخل فيه ما تغير بقراره والثانية أنه أخص من الطهور وعليها ابن
1 / 13
الورد والبطيخ فإنه قيد لازم بخلاف غير المقيد كماء أو قيد بقيد منفك وصف كماء عذب أو ملح أو أضافه كماء مطر وماء ندي فإن ذلك من باب الصفة والموصوف أي ماء ممطور وماء مندى واعترض المصنف بأن لفظ ما صدق يطلق على الإفراد ولا يصح التعريف بها لأنها في معرض الزوال والتعريف إنما يكون بالثابت وهو المفهوم وأيضًا التعريف للحقيقة وهي غير الأفراد ويطلق على ما صح وهو المراد هنا أي ما صح أن يطلق عليه اسم الخ واستعمال المشترك في التعريف مجتنب ويجاب بأن الأول اصطلاح المناطقة لا الفقهاء الذي كتابه فيهم والمراد ما صح عرفًا كما في ح ونحوه في فتاوى السيوطي حيث قال هو الذي يقول رائيه هذا ماء كما عرفه به الشافعي وتبعه به الأصحاب انتهى لا لغة كما في تت فماء البطيخ لا يطلق عليه عرفًا لفظ ماء من غير قيد على ما قال ح وهل يصح إطلاق ذلك عليه لغة وهو المتبادر إذ الأصل اختلاف المعنى اللغوي والعرفي وعلى ما قاله تت لا يصح إطلاق ذلك عليه لغة أم يصح بلا قيد تراجع اللغة ويدخل في حد المطلق ما نبع من بين أصابعه ﷺ وكذا في تعريف من عرفه بأنه الباقي على أوصاف خلقته غير مستخرج من نبات ولا حيوان بناء على أنه تكثير موجود وأما على أنه إيجاد معدوم وهو قول الأكثر كما في الشيخ سالم وأنه لم يقع لغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيدخل في حد المصنف لا في الحد المذكور لغيره فإن قلت هو إيجاد معدوم على كلا القولين فما الفرق بينهما قلت مراد من قال إيجاد معدوم أنه خرج من ذاته ﷺ ماء ومراد الآخران الماء الذي وضع يده فيه أكثر ببركته ولم يخرج من ذاته ماء ثم على القول بأنه إيجاد معدوم هو أشرف مياه الدنيا والآخرة وأما على الآخر فيحتمل أنه أشرف منهما أيضًا ويحتمل أن كلا من ماء زمزم والكوثر أفضل منه هذا وجزم البلقيني بأن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر لغسل قلبه ﷺ به ليلة الإسراء وبحث معه السيوطي بأشياء ردها عليه ابن حجر بشرح العباب ويدخل في حد المطلق أيضًا ماء آبار ثمود ونحوها كآبار قوم لوط فإنه مطلق لكن يكره استعماله على الأصح عند الشافعية لأنه ماء غصب ولا يحرم وقال ح جزم ابن فرحون في ألغازه بأنه لا يجوز الوضوء به ولا الانتفاع به ويستثنى منها البئر التي كانت تردها ناقة صالح ويكفي في علمها التواتر ولو من كفار قاله البلقيني وقال تلميذه الحافظ ابن حجر يظهر أنها علمت النبي ﷺ بالوحي ويحمل كلام شيخنا البلقيني على من يجيء بعده انتهى ثم على أنه يمنع من استعمال آبار ثمود فإن تطهر وصلّى صحت كذا ينبغي الجزء به بالأولى من صحتها بالماء المغصوب قطعًا لعدم نجاسته كما قال ابن فرحون إنه ليس في الحديث تعرض للنجاسة وإنما فيه هو ماء سخط وغضب انتهى.
ــ
الحاجب وابن عرفة وعرف المطلق بأنه الباقي على أوصاف خلقته غير مستخرج من نبات ولا حيوان فيخرج منه ما تغير بقراره فهو طهور غير مطلق انظرح وقول ز وبحث معه السيوطي بأشياء رده عليه ابن حجر في شرح العباب الخ لعل في كلامه قلبًا فإن الحافظ ابن حجر العسقلاني متقدم في التاريخ على السيوطي فانظره وقد يقال مراده به ابن حجر الهيثمي شارح
1 / 14
ونحوه لزروق وزاد أنه لم يرد أنه ﷺ أمرهم بغسل أوعيتهم وأيديهم منه وما أصاب من ثيابهم ولو وقع ذلك لنقل على أنه لو نقل لما دل على النجاسة لاحتمال أنه مبالغة في اجتناب ذلك الماء وهو الذي يؤخذ من كلام الفاكهاني وصرح النووي بعدم نجاسته انتهى.
ففي قول د يستثنى من قوله بالمطلق ماء بئر ثمود فإنه طهور ولا تصح الصلاة به نظر ظاهر إذ لم يعزه لأحد من المذهب وذكر بعض الطلبة أن نحو ما لد لشارح الحدود فليراجع فإن صح قدح في قول عج ينبغي الجزء بالصحة وكما يمنع الوضوء بماء آبارها يمنع التيمم بأرضها كما نقله ونص عليه ابن فرحون وابن العربي قالا وهي مسيرة خمسة أميال انتهى واعترض المصنف بتأخيره تعريف المطلق بعد حكمه عليه بأنه يرفع الحدث الخ ففيه تقديم الحكم على التصور وقول بعض إنه لم يحكم على المطلق بشيء ليس بظاهر لأن الأخبار الواقعة من الفقهاء كالحكم لأنها أخبار بما به الفتوى وإن أراد بحسب اللفظ لأنه لم يقع أحد طرفي الإسناد فهو صحيح في نفسه إلا أن النظر للمعنى والجواب الصحيح أن يقال الواقع هنا تقديم الحكم على التصوير لا التصوّر وهو الممتنع لاستحالة الحكم على الشيء قبل تصوّره وقدم الحكم لأنه المقصود بالذات والتصوير مقصود بالعرض وبالغ على كون الماء مطلقًا بقوله: (وإن جمع) ما صدق عليه مطلق (من ندى) فالضمير راجع لما صدق إذ الذي يجمع الأفراد لا الحقيقة والظاهر أنه لا يضره تغير ريحه بما جمع من فوقه كالبرسيم يجمع من فوقه الندى مع تغير ريحه بالبرسيم لأنه كالتغير بقراره قياسًا على ما قالوه في مسألة بئر بورق شجر وفي مسألة تغير السانية بحبلها ونحوها وقال د ينبغي أن يضر لأن ذلك نادر بخلاف تغيره بقراره (أو ذاب) المطلق ملحًا أو غيره (بعد جموده) بصنعة أم لا ذاب بصنع أم لا كان في محله أم لا وفي الملح خلاف والمشهور ما ذكره المصنف ويأتي الخلاف في ماء طرح فيه ملح قصدًا وتشهير ابن يونس فيه قال ح وإنما لم يحك المصنف هنا فيه الخلاف الآتي فيما إذا وقع في غيره لأنه حينئذ ماء وفي حالة الوقوع من جنس الطعام انتهى.
وفيه بحث قاله عج أي جعله من جنس الطعام حالة وقوعه في الماء ولذا حكي فيه
ــ
الشمائل (وإن جمع من ندى) الظاهر أن ضمير جمع يرجع إلى المطلق وإن المبالغة في الرفع به والمعنى يرفع الحدث بالمطلق وإن كان مجموعًا من الندى الخ وقول ز والظاهر أنه لا يضر تغير ريحه الخ لا خصوصية للريح بل لا يضر تغير شيء من أوصافه كما هو مقتضى إلحاق هذا الفرع بمسألة وإلا ظهر في بئر البادية بهما الجواز (أو ذاب بعد جموده) قول ز وفي الملح خلاف الخ يعني إذا ذاب في غير موضعه فهذا هو محل الخلاف أما الذائب في موضعه فلا خلاف فيه نظر ح وقول ز عن أحمد وفي حالة الوقوع من جنس الطعام الخ غير صحيح إذ تفريقه بين الفرعين مردود بما في ح فإنه بعد أن حكى عن المقدمات في هذا الفرع الأقوال الثلاثة التي تذكر في الفرع الآتي وأن المشهور أنه طهور قال ما نصه وقد سوى في
1 / 15
فيما يأتي الخلاف بحث إذ كان القياس جريان الخلاف إذا كان الماء هو الملح الذائب نفسه بالأولى مما إذا وقع في ماء إلا أن يقال وقوعه في ماء مخالف له في الحلاوة يصيره كالطعام (أو كان) المطلق (سؤر بهيمة) ولعله صرح هنا بكان دون ما قبله مع أنها تحذف مع اسمها بعد أن ولو كثيرًا لأن المعطوف عليهما صرح فيه بفعل خاص وهو جمع وذاب فلو حذف كان هنا لربما توهم أن التقدير أو ذاب سؤر بهيمة أو جمع سؤر وليس بمراد وهو بضم السين المهملة وسكون الهمزة وقد تسهل يطلق على بقية شراب الدواب وغيرها ويقال أيضًا في بقية الطعام هكذا فسره أهل اللغة والمحدثون والفقهاء وفي حديث رواه الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس رفعه سؤر المؤمن شفاء كما في المقاصد وسواء كان طعام حيوان يؤكل أم لا يتوقى النجاسة أم لا ويأتي كراهة سؤر ما لا يتوقى نجسًا ولا يرد على ما هنا لأن الكراهة قدر آخر وما هنا في كونه مطلقًا (أو) كان سؤر (حائض وجنب) مسلمين أو كافرين شاربي خمر أم لا؟ والواو بمعنى أو قاله د ولعل إبقاءها على بابها أولى لفهم طهورية ما إذا كان فضلة أحدهما بالأولى من فضلتهما معًا (أو) كان المطلق (فضلة طهارتهما) قال د أي باقيه وصورة المسألة أنهما اغترفا من إناء وتطهرا به لا نزلا فيه ففي مسلم قالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد بيني وبينه فيبادرني حتى أقول له دع لي دع لي وهما جنبان فكذلك الحائض بالقياس وفي قوله لا نزلا فيه نظر وما استدل به قضية عين لا تخصص الحكم إذ لو نزلا فيه ولم يتغير أحد أوصافه فهو مطلق ولا يخالف قوله بعد وراكد يغتسل فيه إذ الكلام هنا في بيان المطلق سواء كره استعماله مع وجود غيره أم لا؟ ويجاب عن د بأنه تصوير للمسألة كما قال إذ ما نزلا فيه لا يخرج منه شيء حتى يقال فضلة طهارتهما (أو) كان المطلق (كثيرًا) أزيد من آنية الغسل (خلط بنجس لم يغير) أحد أوصافه وهذا يقتضي بحسب مفهومه أن اليسير إذا خلط ينجس ولم يغير ينجس ولكن قوله بعد ويسير كآنية وضوء وغسل بنجس لم يغير يفيد أنه طهور ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم وأيضًا قوله لا بمتغير لونًا أو طعمًا أو ريحًا الخ يفيد طهارته بل طهوريته وعبر بكثير دون لفظ شامل له وللقليل كماء
ــ
المقدمات بين الفرعين فبحث عج معه من غير مستند قصور والله أعلم (أو كان سؤر بهيمة) قوله وسواء كان طعام حيوان يؤكل الخ صوابه سؤر حيوان يؤكل الخ فذكر طعام سهو وقول ز ولا يرد على ما هنا لأن الكراهة شيء آخر الخ هذا هو ظاهر وما في تت من تخصيص كلام المصنف هنا بالمطلق دون كراهة وصوبه طفى قائلًا بدليل أنه لم يذكر هنا شيئًا مما يكره ولقوله أو كثيرًا خلط بنجس فلو كان كلامه في المطلق ولو مع كراهة ما قيد بالكثير اهـ.
غير ظاهر والله أعلم (أو فضلة طهارتهما) قول ز إذ ما نزلا فيه لا يخرج منه شيء الخ فيه نظر بل يخرج منه ما علق بظاهر الجسد فالباقي فضلة قطعًا فشمول المصنف لما نزلا فيه كما قرر أولًا هو الظاهر فتأمله (أو كثيرًا خلط بنجس لم يغير) قوله في النجس ست لغات
1 / 16
لأنه أوقعه في حيز إن وهي تكون غالبًا للخلاف الخارجي ويستثنى من كلامه هنا ماء حلته نجاسة وأجمعت الأمة على أنه كثير إذ لا خلاف في طهوريته لا في المذهب ولا خارجه قال الشيخ سالم فتحصل من كلام المصنف منطوقًا ومفهومًا ثمان صور فأحرق مزاجك في استخراجها انتهى.
وهي كثير خلط بنجس س أو بطاهر لم يغير أو غير فهذه أربعة والأربعة الأخرى يسير خلط بنجس أو بطاهر لم يغير أو غيّر.
فائدة: في النجس ست لغات فتح أوله مع سكون الثاني أو تحريكه بإحدى الحركات الثلاث وكسر الأول مع سكون ثانيه أو كسره لا مع فتحه أو ضمه لعدم وجودهما لغة مع كسر الأول (أو) تغير الماء قطعًا (وشك في مغيره هل) هو من جنس ما (يضر) أو من جنس ما لا يضر فيحمل على أنه من جنس ما لا يضر ويكون الماء مطلقًا وكذا إذا شك هل هو مما يضر أو مما لا يضر وعلى أنه مما يضر هل هو نجس أو طاهر؟ فيحمل على أن المغير طاهر وأنه من جنس ما لا يضر وكذا يكون الماء طهورًا في صورة ثالثة وهي إذا شكل هل تغير أم لا؟ وأما إن تحقق التغير وتحقق أن المغير من جنس ما يضر وشك فيه هل هو طاهر أو نجس؟ فيحمل على أنه طاهر فيكون الماء طاهرًا غير طهور فقول التوضيح في خصوص مسألة وحكمه كمغيره انظر إذا تغير بمشكوك فيه انتهى.
قد علم جوابه بأنه طاهر لا طهور ومنه يعلم أنه لا يصلح دخوله في قوله أو شك في مغيره كما ادعاه الشيخ سالم وإن شمله لفظه بحسب الظاهر وإلا فقوله هل يضر معناه هل يسلب الطهورية أم لا لأن الكلام فيها وأما إذا تحقق سلب الطهورية وشك هل المغير نجس أو طاهر فلا يشمله كلامه إذ هو ليس بصدد الطاهر المستعمل في العادات فقط ومفهوم شك أنه لو ظن أن مغيره مما يضر فإنه يعمل على الظن وإن لم يقو لقول المازري عن مالك في آبار الدور القريبة من المراحيض إذا أنتنت يؤمر بنزحها يومين أو ثلاثة فإن طابت وإلا لم يتوضأ منها لظن حصول التغير من ذلك ابن رشد فإن علم أن نتن البئر ليس من قنوات المراحيض لم يكن به بأس انتهى.
ومثل العلم الظن والشك إذ المضر إنما هو ظن أن المغير مما يضر وهذا في الماء
ــ
الخ فيه نظر بل لم يذكر في القاموس فيه إلا خمسًا ونصه النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر اهـ.
ومراده الفتح والكسر في النون مع سكون الجيم فيهما والتحريك فتح النون والجيم معًا وليس فيه اللغة السادسة وهي كسرهما معًا كإبل فانظره (أو شك في مغيره هل يضر) قوله ولعل اختلاف أهل مصر في ذلك غير المالكية الخ انظر هذا الترجي مع أن الذي ذكره قبله عن البساطي يدل على أن الذي اختلف فيه أهل مصر ليس من قبيل ما علم أو شك أن مغيره ليس من النجس وإنما اختلافهم فيما ظن أن تغيره من النجس مع كثرته فلو حذف هذا
1 / 17
القليل كالآبار كما قال وأما ما كثر فظاهر كلام ابن رشد أنه كذلك عند ظن التغير ومقتضى كلام الباجي عن سماع أشهب في خليج الإسكندرية أنه طاهر البساطي بعد أن ذكر مسألة خليج الإسكندرية واختلفت فتاوى أهل مصر في بركة الفيل والناصرية وهي على هذا الوصف انتهى أي يقل ماؤهما عند انقطاع النيل ويكثر عنه جريانه عليهما مع صب المراحيض فيهما فهي على وصف خليج الإسكندرية فالحاصل أنه إذا تغير الماء وعلم أنه من نجس صب فيه أو من مجاورة مرحاض فمتنجس قطعًا في ماء البئر والخليج وإن علم أنه من غيره أو شك فطهور فيهما ولعل اختلاف أهل مصر في ذلك غير المالكية أو المراد قال المالكية بأنه طهور وقال غيرهم غير طهور وإن ظن أن تغيره مما صب فيه أو جاوره فمتنجس من ماء البئر قطعًا واختلف فيه في ماء الخليج هل هو كذلك وهو ما لابن رشد وهو الجاري على القواعد في الظن أو طهور وهو ما قال الباجي إنه ظاهر السماع أي لكثرته ولكنه يكره استعماله هذا وقال مق الأولى ترك استعمال ما شك في مغيره انتهى.
تنبيه: انظر هل يعتبر ظن المستعمل للماء في جميع ما سبق أو ظن أهل المعرفة وهذا حيث تعارضا وأما حيث ظن المستعمل أنه يضر ولم يعارضه ظن أهل المعرفة فيعمل بظنه قطعًا على الظاهر (أو تغير) ريح الماء (بمجاوره) كجيفة أو ورد ونحوه على شباك قلة مثلًا من غير ملاصقة للماء فطهور ولا يمكن تغير لونه أو طعمه بما ذكر لكن إن فرض تغيره به من غير مماسة لم يضر أيضًا لأنه لم يحله خبث ونحوه حتى يؤثر فيه فإن قلت كيف يتغير ريح الماء بالمجاور غير الملاصق مع أن ريح الميتة أو الورد مثلًا عرض وهو لا يقوم بمحلين كما أنه لا يبقى زمانين فلا يمكن انتقاله للماء أجيب بأنه يبقى ببقاء أمثاله ألا ترى أن البياض يبقى في جسد الإنسان زمنًا طويلًا ببقاء أمثاله وكذا يقال إنه ينتقل مثله وفي المواقف وشرحها ما يفيد هذا ولعل إيضاح هذا قول د معنى التغير بالمجاورة أن الريح المجاور للجسم كالجيفة يتكيف برائحتها ثم يتكيف الريح المجاور لهذا الريح بكيفية هذا الريح وهكذا إلى أن يصل الريح المجاور للماء فيتكيف بتلك الرائحة فلا يلزم بقاء العرض زمانين ولا انتقال العرض من الجيفة إلى الريح ولا من الريح إلى الماء ولا قيام العرض بذاته فيما بين الجيفة والربح وبين الريح والماء وهو من الانتقال انتهى.
ــ
الترجي لكان أولى له فتأمله والله أعلم (أو تغير بمجاوره) قول ز فإن قلت كيف يتغير الخ الحق في الجواب ما في شرح المقاصد ونصه اتفق المتكلمون والحكماء على امتناع انتقال العرض من محل لآخر فما يوجد فيما يجاور النار من الحرارة والمسك من الراحة أو نحو ذلك ليس بطريق الانتقال إليه بل الحدوث فيه بأحداث الفاعل المختار عندنا وبحصول الاستعداد للمحل ثم الإفاضة عليه من المبدأ عندهم اهـ.
1 / 18
لأن الظاهر أن قول الأول وكذا يقال إنه ينتقل مثله يحتاج إلى بيان انتقاله بهذا الوجه أي أنه يتكيف بكيفية الخ وأجاب تت بقوله أو اشتبه على الحس أنه تغير ريحه بمجاوره كجيفة بإزائه وقررناه على خلاف ظاهره لقولهم العرض لا يقوم بمحلين انتهى.
ومقتضاه أن تغير ريح الماء حقيقة مضر ومقتضى الأول أنه لا يضر تغير ريحه ولو تيقن حصوله وهو المعتمد (وإن) كان تغير ريحه (بدهن) أو ورد ونحوه (لاصق) سطح الماء ولم يمازجه فطهور وهذا ضعيف والمذهب أنه يضر لقول ابن عرفة ظاهر الروايات وأقوالهم كل تغير بحال معتبر وإن لم يمازج انتهى.
وارتضاه مق وبحث فيه ح بقوله الظاهر تسليم ما للمصنف كابن الحاجب وفي ابن بشير إشارة له حيث قال المتغير بمخالطة الأدهان غير طهور فقوله بمخالطة يفيد أن تغيره بملاصقه فقط لا يضر كما للمصنف انتهى.
قلت هذا لا يعادل قول ابن عرفة ظاهر الخ ولا نقله عن الشيخ والقابسي ما استقى بدلو دهن بزيت أي أو غيره مما غير أحد أوصاف الماء غير طهور غير أنه يشكل على ابن عرفة ومن وافقه ما ذكره سند كما في ح من أنه إذا تغير ريح أعلى الماء بقطران رسب بأسفله لا يضر حتى يتحقق ممازجته للماء بتغير لونه أو طعمه إلا أن يكون ابن عرفة لا يوافق سندًا على ذلك كما هو ظاهره قاله عج وقولنا تغير ريحه احترازًا من تغير طعمه أو لونه بملاصقة فإنه يضر حتى على ما مشى عليه المصنف أيضًا ويحمل حين تغير أحدهما على أنه مازج (أو) تغير ريحه فقط (برائحة قطران وعاء مسافر) وضع جرمه فيه على ما لسند كما مر أو وضع الماء بمحل قطران بعد زواله منه بحيث لا يكون تغير ريحه من مماس فلا يضر ومثل المسافر وغيره من العرب وأهل البوادي كما في د عن سند وأما إذا
ــ
قال طفى وبه تعلم أن لا حاجة لما تكلفه تت وغيره قلت وإلى هذا يرجع ما ذكر، ز فقوله يبقى ببقاء أمثاله يعني يبقى جنسه ببقاء أمثاله لأن العرض ينعدم في كل لحظة ويوجد الله تعالى مثله في محله على قول أهل الحق إنه لا يبقى زمانين فهو لا يبقى وجنسه باق وقول ز ينتقل مثله يعني بإحداث الله تعالى مثله في المجاور وقوله في إيضاحه إن الريح المجاور للجيفة يتكيف برائحتها يعني بإحداث الله تعالى ذلك فيه وهكذا فيما بعده فيرجع كلامه كله إلى ما في شرح المقاصد والله أعلم.
(وإن بدهن لاصق) قول ز ولا نقله عن الشيخ والقابسي الخ ما نقله ابن عرفة عن الشيخ والقابسي أجاب عنه ح بأنه لا دليل لابن عرفة فيه لما ذكره صاحب الجمع من أن مسألة الدلو كل جزء من أجزاء الماء فيها مازجه جزء من أجزاء الدهن لأن الدهن ينشغ من قعر الدلو وأجنابه بخلاف الدهن الواقع في الماء فإنه يطفو على وجهه ويبقى ما تحته سالمًا اهـ.
وقوله ينشغ هو بالنون والشين والغين المعجمتين أي يرتفع قاله ح (أو برائحة قطران وعاء مسافر) قول ز ومثل المسافر غيره من العرب وأهل البوادي الخ الذي في ح أنه لا
1 / 19
تغير لونه أو طعمه برائحته أو جرمه فيضر ويكون غير طهور وهذا التفصيل ما لم يكن القطران دباغًا فإن كان دباغًا لم يضر به تغير أحد أوصافه أو الجميع كما يفيده ما يأتي عند قوله ويضرّ بين الخ وانظر إذا شك في كونه دباغًا أم لا والظاهر أنه يجري فيه نحو ما تقدم في قوله أو شك في مغيره قال د والظاهر التقييد يكون السفر مباحًا فيخرج العاصي بسفره وأما اغتفار ذلك للعرب وأهل البوادي العصاة فلكونهم مثل العاصي في سفره اهـ.
(أو) تغير ولو بينا (بمتولد منه) كالطحلب وظاهره ولو فصل منه ثم ألقى فيه أو فصل من ماء وألقى في آخر إلا أن يطبخ فيه مطلقًا كما قال غ ويدخل في كلامه التغير بالسمك الحي لتولده منه فإن مات فحكمه كالطاهر فيضر تغيره به وانظر التغير بخرء السمك الحي هل يضر أم لا لأنه لا ينفك عن الماء والظاهر أنه يضر لأن الخرء المذكور ليس بمتولد من الماء وليس من أجزاء الأرض وقد أخبرت أن فضلة التمساح لها رائحة كريهة وتغير الماء القليل ودعوى بعض أنه لا يضر التغير بخرء السمك دون نقل لا يلتفت إليها وجعله البساطي في المغني محل نظر فإن قلت هو مما يعسر الاحتراز منه فهو كالورق والتبن قلت هذا يقل التغير به فنزل منزلة ما يقل سقوطه من الورق والتبن وحرره قاله عج وما أخبر به في التمساح مخالف لقول حياة الحيوان من عجائب أمره أنه ليس له مخرج فإذا امتلأ جوفه بالطعام خرج إلى البر وفتح فاه فيجيء طائر يقال له القطقاط فيلتقط ذلك من فيه وهو طائر أرقط صغير يأتي لطلب الطعام فيكون في ذلك غذاؤه وراحه للتمساح ولهذا الطائر في رأسه شوكة فإذا أغلق التمساح فمه عليه نخسه فيفتحه
ــ
مفهوم للمسافر لأن هذا من قبيل التغير بالمجاور وإن التقييد به مخرج فخرج الغالب لأن الذي يحتاج إلى ذلك غالبًا هو المسافر قال وقول سند لا يستثنى عنه عند العرب وأهل البوادي لا يريد به قصر الحكم عليهم وإنما أراد أن الضرورة إليه عند من ذكر أشد اهـ.
وإذا لم يكن للمسافر مفهوم كما ذكرنا بطل قول أحمد والظاهر التقييد يكون السفر مباحًا تأمل وقول ز ما لم يكن القطران د باغًا الخ أطلق في عدم اعتبار التغير بالدباغ ونحوه نقله الشيخ زروق عن الشبيبي ونقل القلشاني عن ابن عرفة أنه أفتى فيه بالتفصيل بين التغير البين فيضر وغيره فلا يضر وهو الذي ارتضاه ح عند قوله ويضر بين تغير الخ وسيأتي هناك (أو بمتولد منه كالطحلب) بضم الطاء واللام وبفتح اللام أيضًا وهو الخضرة التي تعلو الماء ومثله الخزز بفتح الخاء المعجمة والزاي وهو ما ينبت في جوانب الجدر الملاصقة للماء ومثله الضريع كما قاله اللخمي قال ح ولم أقف على معناه اهـ.
قلت ذكر في القاموس من جملة معانيه أنه نبات في الماء الآجن له عروق لا تصل إلى الأرض ثم قال أو نبات منتن يرمي به البحر اهـ.
وهذا المعنى الثاني ذكره ابن جزي أيضًا عند قوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦)﴾ [الغاشية: ٦] الخ الذي الآية ولا شك أنه مناسب هنا وفي القاموس أن الماء الآجن
1 / 20