شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
آدم" حين قيل له: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥]، "فقيل: هي جنة الخلد" وهو قول جمهور الأشاعرة، بل حكى ابن بطال عن بعض المشايخ إجمال أهل السنة عليه؛ لأن اللام للعهد ولا معهود غيرها، ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾، وذلك صفة جنة الخلد؛ ولقوله: اهبطوا منها، والهبوط يكون من علو إلى سفل ولا يستقيم ذلك في بستان مخلوق على الأرض، ولأن موسى لما لقى آدم ﵉ وقال له: أنت أتعبت ذريتك وأخرجتهم من الجنة لم ينكر ذلك آدم، وإنما قال: أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق. الحديث الصحيح، ولو كانت غيرها لرد على موسى. "وقيل" هي "غيرها" حكاه منذر بن سعيد زاعمًا كثرة الأدلة عليه، وحكاه الماوردي والرازي وابن عقيل والقرطبي والرماني وغيرهم، واختلف القائلون به، فقال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصبهاني، وحكاه الثعلبي عن القدرية هي بستان بالأرض، أي: بأرض عدن؛ كما في القرطبي، أو بأرض فلسطين، أو بين فارس وكرمان؛ كما في البيضاوي. قال الرازي وابن عقيل: ويحمل هؤلاء الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما في: اهبطوا مصرا، وقيل: هي جنة أخرى كانت فوق السماء السابعة، وهو قول أبي هاشم، ورواية عن الجبائي. قال ابن عقيل: وهي دعوى بلا دليل فلم يثبت أن في السماء غير بساتين جنة الخلد. ا. هـ. "جعلها الله دار ابتلاء" لآدم وواء؛ "لأن جنة الخلد إنما يدخل إليها يوم القيامة" وهذه قد دخلت قبله، "ولأنها دار ثواب وجزاء لا دار تكليف وأمر ونهي" فلو كانت هي ما وجدوا فيها، "ودار سلامة" من الآفات وكل خوف وحزن، "لا دار ابتلاء وامتحان" وقد وجدا فيها "ودار قرار" لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨]، "لا دار انتقال" وقد انتقلوا منها، فدل ذلك كله على أنها غيرها. "واحتج القائلون بأنها جنة الخلد" قيل: هي واحدة لها أسماء، وقيل: سبع، ورجح جماعة أنها أربع؛ لما في سورة الرحمن وتحتها أفراد كثيرة لحديث الصحيح: "إنها جنان كثيرة" وعليهما فإطلاق المصنف مجاز من تسمية الكل باسم الجزء، أي:
1 / 117