[شرح ديكنقوز]
لكون كل منهما سببا للنجح، وإضافته إلى النجاح من قبيل إضافة السبب إلى المسبب، وليس في الصبي استعارة مصرحة إذ المراد به معناه الحقيقي، بل مكنية شبهه بالطير في طلب النجاح وإثبات الجناح له قرينتها، والجناح مع كونه استعارة تحقيقية كما عرفت قرينة للمكنية، إذ لا يجب أن يكون قرينة المكنية استعارة تخييلية، بل قد تكون تحقيقية كما يفهم من كلام صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: ﴿يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ﴾ وفي استعارة الجناح غير فائدتها العامة تجنيس قلب البعض بالنجاح وقوله: "وراح" أي كف "رحراح" أي واسع عطف على قوله جناح النجاح وسعة الكف كناية عن الشمول والإحاطة وعدم قوت شيء منه، مثل طول الذراع وبسط الباع، أي هذا الكتاب للصبي مثل الكف الواسع إذ جعل وسيلة لأخذ العلوم وإحاطتها لا يفوته شيء منها، كما أن ذا الكف الواسع يحيط بما لم يحط به غيره بسببه، والواو في قوله: "وفي معدته" أي في ذهن الصبي استعار المعدة للذهن لكون كل منهما محلا للغذاء فإن الذهن محل غذاء الأرواح كما أن المعدة محل غذاء الأشباح للعطف والجار والمجرور متعلق براح في قوله: "حين راح" أي حصل هذا الكتاب قدم عليه للسجع استعار الراح وهو البيتوتة للحصول تشبيها له بها في التمكن والتقرر، وفي هذه الاستعارة فائدة التجنيس التام وعامل الظرف أعني حين ما يدل عليه لفظ المثل في قوله: "مثل تفاح أوراح" عطفه تنبيها على استقلال كل واحد منهما في كونه مشبها به مثل قوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ يعني أن ذلك الكتاب جناح النجاح وراح رحراح ومثل تفاح أو راح أي شبههما في المنفعة وقت حصوله في ذهنه وخاطره وقوله: "وبالله" لا بغيره متعلق بقوله: "أعتصم" قدم عليه للتخصيص كما أشرنا إليه وقوله: "عما يصم" أي يعيب متعلق بأعتصم "وأستعين" إليه في جميع المهمات "و" قوله "هو" أي الله تعالى مخصوص بالمدح الذي في قوله: "نعم المولى" أي الناصر "و" هو "نعم المعين" لما ختم كلامه في ديباجة كتابه وبين مقوله شرع يبين أن الكتاب المجموع في الصرف الموسوم بمراح الأرواح فقال: "اعلم" إحضارا لذهن المخاطب وترغيبا له في استماع ما يعقبه ثم دعا له "أسعدك الله" تنشيطا له وليتفاءل بالإسعاد في مطلع الكلام ولا محل للجملة الدعائية من الإعراب ومفعول اعلم قوله: "أن الصراف" أي المريد لتحصيل علم الصرف ولا شك أنه حال إرادته لتحصيله محتاج، ففي الكلام ترغيب له على تحصيل الأبواب السبعة حيث أوهم أن العالم بالصرف على وجه المبالغة "يحتاج" على الاستمرار التجددي "في معرفة الأوزان" أي الموزونات الجزئية التي هي الغاية والغرض من تحصيل الصرف "إلى" معرفة أحكام "سبعة أبواب" أي أنواع من أنواع الموزونات فما ظنك بغيره وما يقال من أن العالم
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
لظفر والخلاص شبه الصبي بالطير في النجاة وهذا الكتاب بالجناح في السببية يعني كما أن الطير ينجو من مهلكة العدو بسبب الجناح كذلك الصبي ينجو من مهلكة الجهل ويظفر بالمقاصد العلمية بسبب هذا الكتاب، قوله: وهو مبتدأ أو جناح خبره وللصبي يتعلق بمحذوف؛ إذ هو حال من الخبر لأنه مفعول في المعنى، إذ تقدير الكلام أشبه هذا الكتاب بجناح النجاح ولم يلزم ذكره أداة التشبيه في كونه مفعولا معنى فيكون من قبيل زيد عمرو راكبا أي زيد كعمرو راكبا قوله: "وراح" أي طريق عطف على جناح "رحراح" أي واسع يعني كما أن الطريق الواسع يوصل سالكه إلى مقاصده كذلك هذا الكتاب يوصل الصبي إلى مطالبة العلمية "وفي معدته" أي في ذهن الصبي "حين راح" أي بات ذلك الصبي "مثل تفاح أوراح" أي خمر شبه هذا الكتاب بهما في النفع والقوة يعني كما أن التفاح والراح إذا استعملا ينفعان البدن ويقويانه كذلك هذا الكتاب إذ تقرر مسائله في ذهن الصبي ينفعه فكأنه حصل له المطالب العلمية، قوله: وفي معدته متعلق بمحذوف إذ هو حال من التفاح؛ لأنه مفعول معنى كما في جناح النجاح، لكن أداة التشبيه مذكورة ها هنا وهو مثل وهو معطوف على الخبر فتقدير الكلام وهذا الكتاب مثل تفاح أوراح كائنين في ذهن الصبي حين النوم وعليه حكاية بعض الحكماء من تعجبه ممن مات وفي بطنه تفاح أو خمر "و" قوله "بالله" يتعلق بقوله: "أعتصم عما" أصله عن ما فأدغم النون في الميم بعد قلب النون ميما لقربهما في المخرج "يصم" أي يعيب والمستكن فيه عائد إلى ما أوصله يوصم كيوعد فأعل كإعلاله، قوله: "وأستعين" عطف على أعتصم أي وبالله أستعين أي أطلب الإعانة في كل مطلوب "وهو" أي الله تعالى "نعم" وهو فعل مدح منقول من قولك: نعم فلان إذا أصابت نعمه إلى المدح فأزيل عن موضوعه فشابه الحروف فلم يتصرف وبيان النقل أنه كسر النون إتباعا للعين فصار نعم بكسرتين ثم حذفت كسرة العين تخفيفا فصار نعم كذا قيل "المولى" أي الناصر "وهو نعم المعين. اعلم" أيها الطالب لهذا الفن والشارع فيه "أسعدك الله" دعاء للمخاطب بقوله اعلم "أن الصراف" أي الشارع في الصرف وإنما عبر به إما بتأويل الإرادة أي أن من أراد أن يكون صرافا وإما تفاؤلا كأنه حين شرع صار صرافا، وإما باعتبار ما يئول إليه كما في قوله تعالى: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ والمعصور العنب وإنما قال: "يحتاج" دون محتاج ليدل على التجدد "في معرفة الأوزان" أي الصيغ مثل نصر ورد وأخذ ووعدو قال: ورمى وطوى "إلى" معرفة "سبعة أبواب"
1 / 5