ومنهم من قال: المدَّعي من يطلب أمرا خفيا على خلاف الأصل أو الظاهر، والمدعى عليه بخلافه، وبنوا على ذلك مسألةً وهي: إذا أسلم الزوجان الكافران قبل الدخول، ثم اختلفا، فقال الزوج: أسلمنا معًا، فنكاحنا باق، وقالت الزوجة: بل سبق أحدنا إلى الإسلام، فالنكاح منفسخ، فإن قلنا: المدعي يخلَّى وسكوتُه، فالمرأة هي المدَّعِي، فيكون القول قول الزوج، لأنه مدعى عليه؛ إذ لا يخلَّى وسكوته، وإن قلنا: المدَّعي من يدعي أمرًا خفيًّا: فالمدَّعي هنا هو الزوج؛ إذ التقارن في الإسلام خلاف الظاهر، فالقول قول المرأة؛ لأنَّ الظاهر معها.
وأما الأمين إذا ادعى التلف، كالمودَع إذا ادَّعى تلف الوديعة، فقد قيل: إنه مدَّعٍ؛ لأنَّ الأصل يخالف ما ادَّعاه، وإنما لم يحتجْ إلى بينة؛ لأنَّ المودع ائتمنه، والائتمان يقتضي قَبولَ قوله) (١).
ثالثًا: المنهج المبين لأبي حفصٍ الفاكهانيِّ ﵀: للمصِّف عنايةٌ بهذا الباب، بل يستطرد أحيانًا إلى دقائق مهمَّة، لا سيما على مذهبه الذي نشأ عليه وهو مذهب مالك، ومن تلك العناية في شرحه قوله في شرح حديث «لا ضرر ولا ضرار»: إذا احتاج جاره إلى غرز خشبةٍ في جداره فهل يجب عليه تمكينه من ذلك، أو له منعه؟ في المسألة قولان مشهوران ...) (٢).
رابعًا: الفتح المبين لابن حجرٍ الهيتميِّ الشافعيِّ ﵀: اعتنى بالمسائل الفقهيَّة التي رأى مناسبتها قريبةً في الشرح الحديثيِّ، فلم يأت بكلِّ ما كان يحتمله الحديث؛ لذا اعتذر مرَّةً عن الإسهاب في موضوعٍ مَّا قائلًا: (ولبعض الشُّرَّاح هنا تفصيلٌ في ذلك بكلامٍ طويلٍ مُمِلٍّ خارجٍ عن المقصود؛ فلذا أعرضت عنه وإن كان فيه أنظارٌ شتَّى ينبغي التفطُّن لها) (٣).
وقال أيضًا: (اختلفوا في قوله ﷺ في الخبر الصحيح: "لا يمنع
_________
(١) جامع العلوم والحكم (٢٣١).
(٢) المنهج المبين (٤٨٤).
(٣) الفتح المبين بشرح الأربعين (٥١٨).
1 / 73