المبحث السادس: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه
لم يقتصر اهتمام المُنَاويّ وعنايته بعلمٍ واحدٍ من العلوم الإسلامية، بل هو عالمٌ مشارك في فنون عديدة، وعلوم مختلفة، وبالنَّظر في مؤلفاته التي ألفها في مختلف العلوم تجد هذا واضحًا -كما سيأتي إن شاء الله في المبحث الثَّامن-.
وولي تدريس المدرسة الصَّالحية، فحسده أهلُ عصره، وكانوا لا يعرفون مزيَّة عمله لانزوائه عنهم، ولما حضر الدرس فيها وَرَدَ عليه من كلِّ مذهبٍ فضلاؤه منتقدين عليه، وشرع في إقراء مختصر المزني، ونصب الجدل في المذاهب، وأتي في تقريره بما لم يسمع من غيره، فأذعنوا لفضله وصار أجلَّاء العلماء يبادرون لحضوره (١).
ثناء العلماء عليه:
حظي المُنَاويّ ﵀ بثناءٍ عاطرٍ من ابنه في ترجمته المطوَّلة، (إلَّا أنِّي أحاول الابتعاد عن الأوصاف التي أضفاها ابنه عليه في ترجمته، خشية أن تكون طغتْ عاطفة الأبوَّة فتحكَّمت فيه، فأكتفي بما وصفه به أقرانه ومن جاء بعده) (٢) فمن تلك الأقوال:
١ - ما قال فيه المحبِّيّ: (الإمام الكبير، الحجة الثبت، القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجلُّ أهلِ عصره من غير ارتياب، وكان إمامًا فاضلًا زاهدًا، عابدًا، قانتًا لله، خاشعًا له، كثير النفع، وكان متقرّبًا بأحسن العمل، مثابرًا على التسبيح والأذكار، صابرًا صادقًا، وكان يقتصر يومه وليلته على أكلة واحدة من الطّعام، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها، ما لم يجتمع في أحد ممن عاصره) (٣).
وقال فيه أيضًا: (وبالجملة فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثارًا، ومؤلفاته غالبها متداولة، كثيرة النفع، وللنّاسِ عليها تهافت زائد يتغالون في أثمانها) (٤).
٢ - وقال فيه أبو العباس المقَّريُّ في فتح المتعال: (العلَّامة، محدّثُ العصر، علَّامة
_________
(١) خلاصة الأثر (٢/ ٤١٣).
(٢) مقدِّمة تحقيق الفتح السماويِّ (١/ ٢٦).
(٣) خلاصة الأثر (٢/ ٤٠٠).
(٤) خلاصة الأثر (٢/ ٤٠٠).
1 / 36