50

شرح ألفية ابن مالك للحازمي

تصانيف

إن منعنا دلالة الالتزام حينئذٍ توجه النقد إلى هذا الحد بعدم ذكر التركيب، ولذلك نقول: الأولى ألا يُدل على شيء في الحدود بدلالة التزام، لماذا؟ لأن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود، والحدود إنما جيء بها من أجل إيضاح الماهية؟ يعني: الماهية التي سئل عنها وأراد الشارح أو المعرف أو الذي يحل .. إذا أراد أن يشرح الماهية حينئذٍ لا بد أن يذكر أركانها التي يتألف منها، وهنا يتألف من التركيب كما أنه يتألف من اللفظ ومن الإفادة، فلا بد أن يذكر وينص التركيب عليه لفظًا، ولا يكفي أن يحيل عليه بدلالة الالتزام، ولذلك الأولى ما ذكرناه سابقًا أن يقال بالبسط لا بالاختصار، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
قوله: بالوضع، لم يذكره ابن مالك رحمه الله تعالى، قيل: المفيد يستلزمه، لماذا؟ قالوا: لأنه لا يحسن السكوت من المتكلم على كلام إلا إذا كان قاصدًا له، وهذا إذا فسرنا الوضع بمعنى القصد كما سيأتي وهو ضعيف، والصواب: أن يفسر الوضع في الحدود حد الكلام بالوضع العربي، يعني: أن يكون منطوقًا بلفظ عربي، احترازًا عن غيره من اللغات الأجنبية، فإن تكلم بلغة ليست عربية فليس بكلام عند النحاة، وإذا اشترطنا القصد حينئذٍ دخل معنا كلام البربر وغيره، وخرج عنا يعني: عن الحد، كلام الساهي والنائم والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، فهؤلاء هل إذا تكلموا بلفظ مفيد: قام قائم من نومه، وقال لزيد علي ألف، هل هو كلام أم لا؟ هو نائم .. !
نقول: إذا اشترطنا القصد ليس بكلام؛ لأنه لم يقصد .. لم يقصد الذي قاله، إن لم نشترط القصد حينئذٍ قلنا هذا لفظ مفيد مركب وهو بالوضع العربي، وعليه على الصحيح أنه لا يشترط القصد وإنما المراد أن يكون موضوعًا بالوضع العربي، يعني: باللسان العربي .. تكون الكلمات عربية، يصير كلام النائم كلامًا أو لا؟ ما نطق به النائم يصير كلامًا على الصحيح.
بعضهم نفى أن يكون كلامًا، لماذا؟ قال: لأنه إذا قال لزوجته وهو نائم: أنت طالق تطلق أو لا؟ لا تطلق، فيه خلاف؟ ليس فيه خلاف، هل عدم طلاق زوجته لكون كلامه أو ما نطق به ليس كلامًا عربيًا أو لشيء خارج عنه؟ لشيء خارج عنه، وهو أن النائم رفع عنه قلم التكليف، فحينئذٍ الخلاف لا ارتباط له بالأحكام الشرعية، نحن نتكلم في اللغات ولا نتكلم في الشرعيات، فإذا ثبت أنه كلام عربي حينئذٍ انتفاء ترتيب الأحكام الشرعية عليه ليس لكونه ليس كلامًا، وإنما لأمر خارج عنه، ولذلك جاء الحديث: ﴿رفع القلم عن ثلاثة﴾ وذكر منهم: عن النائم حتى يستيقظ.
إذًا: لفظ مفيد، هذا حد الكلام عند المصنف، لم يذكر التركيب ولم يذكر القصد، لماذا؟ قيل: لأن التركيب داخل في قوله: المفيد ضمنًا بدلالة التضمن، وهذا ضعيف جدًا، وقيل: لأنه دل عليه بدلالة الالتزام وهي ضعيفة أيضًا، وكذلك القصد، قيل: المراد بالمفيد أن يكون مقصودًا، يعني: يقصده بقلبه ينويه، فحينئٍذ المفيد دل عليه، والصواب: أنه لا يدل عليه، بل المراد بالمفيد: ما أفاد فائدةً يحسن السكوت عليها.

3 / 16