ظهور الانفصال عند المسلمين في أبواب الشريعة بعد ظهور التصوف
هنا مسألة: وهي أنه لما ظهر اسم التصوف وانتظم هذا الاسم في أواخر المائة الثانية، ظهر إشكال لم يكن له وجود في زمن القرون الثلاثة الفاضلة، فإنه لما حصل ما يمكن أن نسميه: انفصال بين العلوم، بدأ المسلمون -حتى الخاصة منهم- ينقسمون، فتجد أن بعض الخاصة مشتغل بفقه الفروع، وأمضى جل عقله وتفكيره ونظره في تحصيل مسائل الفروع على مذهب معين، والانتصار لهذا المذهب، وتحرير المذهب، ولذلك قد تجد في أعيان الفقهاء المتأخرين من هو ليس من أهل حسن القول، لا نقول: من أهل السلوك في شخصه، فهذه أحوال بينه وبين الله، الأصل فيهم العلم والفضل، لكن في تقريرهم وكتابتهم ليس لهم اشتغال بتكييف وتقرير مسائل السلوك، وليس لهم اشتغال ربما بما هو ألصق بالفروع التي يتكلمون بها وهي مسائل الحديث؛ ولذلك ظهر عند كثير من الفقهاء الاستدلال بالضعيف أو بالمتروك أحيانًا في الانتصار لمذهب من المذاهب الفقهية، فظهر من يشتغل بالفقه اشتغالًا محضًا، ووجد من يشتغل بعلم الحديث اشتغالًا محضًا، ووجد من يشتغل بالوعظ اشتغالًا يغلب عليه، ومن يشتغل بالسلوك والتصوف اشتغالًا يغلب عليه، ومن يشتغل بالكلام والجدل والنظر اشتغالًا يغلب عليه.
وهذا حقيقته نوع من الانفصال في حركة العلوم، ابتدأت فيما يظهر من أواخر القرن الرابع، ثم انتشرت انتشارًا ذريعًا في القرن الخامس والقرن السادس.
وهذا الإشكال امتد إلى هذا العصر، ولذلك يلاحظ في العالم الإسلامي أن الوعاظ يغلب عليهم أنهم ليسوا من أهل الفقه والعلم المتين، مع أنه قد يكون عندهم شيء من العلم اليسير.
5 / 12