صوفية الأرزاق
القسم الثالث: وهم من سماهم بصوفية الأرزاق، وهؤلاء أقل تأثرًا بحقيقة التصوف ونظمه من القسم الثاني فضلًا عن القسم الأول.
وهؤلاء تسموا بالتصوف وانخرطوا في بعض حضور مجالس التصوف كسبًا للأوقات؛ فإنه من المعلوم أن الوقف في الشريعة أحد أوجه البر والإحسان، وله نظم معروف في الفقه، لكن لما كان بعض المسلمين والصالحين والقاصدين للخير من أهل المال يوقفون -وهذا جرى عليه عمل كثيرين في كثير من الأمصار- بعض الدور وبعض الأماكن وبعض الأرزاق على الصوفية، أو يقولون: على فقراء الصوفية، أو ما إلى ذلك، ولقلة ذات اليد في كثير من بلاد الإسلام؛ صار كثير من العامة يقصد إلى أن ينتسب ويدخل في هذا الاسم حتى يجرى عليه شيء من الوقف، فيكون داخلًا في الحكم شرعًا.
وعليه: فصوفية الحقائق هم الخاصة وفي الغالب هم من المتصوفة أصحاب النظم والمعرفة، ثم كثير من العامة أكثر ما يكونون عليه هم من صوفية الرسم وإن أصابوا شيئًا من تصوف الحقائق، وكثير من العامة أيضًا هم من صوفية الأرزاق وإن أصابوا شيئًا من تصوف الرسم وتصوف الحقائق.
فليس مقصود الإمام ابن تيمية وليس المقصود من القول أيضًا هنا أن نقول: إن صوفية الرسم عندهم براءة مطلقة من تصوف الحقائق، ولا أن صوفية الأرزاق كذلك، إنما المقصود أن يفقه طالب العلم أنه قد ينتسب إلى التصوف من يكون الغالب عليه شعار التصوف لسبب عاشه في بيئته أو إلف عاشه في مجتمعه، فيكون عنده بعض الغلط، وبعض السقط، وربما انتسب لاسم من الأسماء التي عندهم بدع مغلظة، لكنه ليس عليها ولا يعملها ولا يفقهها ولا يصل إلى درجتها، فمثل هؤلاء يقربون إلى السنة والجماعة؛ لأنهم في جملة أحوالهم على السنة وإن انتسبوا إلى من انتسبوا إليه وهم يجهلون كثيرًا من حاله، أو يظنون في حاله كثيرًا من الخير.
إذًا: في تقييم التصوف يراعى هذا التقسيم، وهو من أهم التقاسيم التي ينبغي أن تطبق اليوم، إلا أنه ليس كل من حمل هذا الاسم يلزم أن يكون ضالًا مضلًا خارجًا عن السنة إلى البدع المغلظة في الإسلام، بل قد يكون عنده وجه من الضلال أو وجه من الخطأ أو وجه من الابتداع، لكن لا يلزم أنه قد استحكم في البدعة، وقد أشرت إلى أن جمهور العامة من المسلمين برآء من الاستحكام في البدعة، والإقامة عليها، بل إذا دعوا إلى أصول الهدى والحق فإنهم مقاربون لها، وليس عندهم تمسك مطلق بما يخالفون ذلك.
3 / 5