النسخ إلى ما هو أغلظ وإلى ما هو أخف
قال المصنف: [وإلى ما هو أغلط، وإلى ما هو أخف] أي: يجوز النسخ إلى ما هو أغلط بالزيادة في الحكم، أو إلى ما هو أخف بالأسهل، وهذا أيضًا محل خلاف بين الأصوليين، فذهب بعضهم إلى: أن النسخ لا يكون إلا بالأسهل؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة:١٠٦] فالأسهل هو الخير أو المماثل، وأما الأشد فلا يكون كذلك، والذين يرون صحة النسخ بالأغلظ والأشد، يقولون: الأشد خير من المنسوخ؛ لأنه أكثر منه أجرًا، وقد عرف النسخ بالأخف مثل قوله تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال:٦٥]، فنسخ بقوله:: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال:٦٦]، فكان ذلك تخفيفًا، وأما النسخ بالأغلظ، فمثله ما ورد من التحريم بعد الإباحة: كتحريم لحوم الحمر الأهلية بعد إباحتها، وذلك مما تكرر فيه النسخ، فقد تكرر النسخ في أربع مسائل وهي: ١- القبلة، فقد كان النبي ﷺ بمكة يصلي إلى البيت الحرام، ثم لما هاجر صلى إلى الشام سبعة عشر شهرًا، ثم نسخت القبلة فأعيدت إلى البيت الحرام.
٢- وكذلك منها متعة النكاح، فقد حرمت بإعلان رسول الله ﷺ النهي عنها، ثم أذن فيها في بعض الغزوات، ثم حرمها وبقيت على التحريم.
٣- ومثل ذلك: الحمر الأهلية، فقد حرم رسول الله ﷺ أكلها، ثم في إحدى الغزوات أذن بأكلها لجوع الناس، ثم بعد ذلك حرمها فاستمرت على التحريم.
٤- ومثل ذلك: الوضوء مما مست النار، فإنه ﷺ كان يتوضأ مما مست النار، ثم ترك الوضوء من ذلك، وكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار.
وهذه الأربع هي التي نظمها الحافظ ابن حجر ﵀ بقوله: النسخ ذو تكرر في أربع جاءت بها الكتب والأخبار في قبلة ومتعة وحمر كذا الوضو مما تمس النار
4 / 5