في بني عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي ﵊ ولأبي سفيان أيضًا، فهم بمنزلة واحدة، خص هرقل الأقرب لماذا؟ لكونه أحرى بالإطلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره؛ ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، لكن قد يقول قائل: إن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًا له لدخوله في شرف النسب الجامع لهما، يعني إذا كان المحظور بالنسبة إلى الأبعد الطعن في نسبه، هذا أيضًا يمكن أن يقال: إن الأقرب يدعي نسبًا له؛ لأنه يشاركه في هذا النسب أكثر من واقعه، قد يقال هذا، لكن هو بلا شك ﵊ هو ذو نسبٍ وشرف، "فقال -هرقل-: أدنوه مني"، وأمر بإدنائه ليمعن في السؤال ويشفي غليله، "وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره" لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب؛ لأن الحياء في العينين، فإذا كانوا وراء ظهره لا يستحيون منه أن يواجهوه بالتكذيب إذا كذب، ويذكر عن ابن عباس ﵄ وهذا بعدما كفّ بصره قال: "لا تطلبن من أعمىً حاجة، فإن الحياء في العينين"، فهنا جعلهم عند ظهره؛ لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب، وعلى كل حال الحياء خلق شرعي يتصف به الأعمى وغير الأعمى، وكم من مبصر يرد أدنى طلب، وكم من كفيف يخجل ويستحي من أن يرد أدنى طلب، "ثم قال لترجمانه: قل لهم -أي لأصحاب أبي سفيان- إني سائل هذا عن هذا الرجل -أي النبي ﷺ، وأشار إليه لقرب العهد بذكره، عن هذا الرجل، كأنه يشير إليه، أشار إليه لقرب العهد بذكره- فإن كذبني -بالتخفيف أي نقل إلي الكذب- فكذبوه" بالتشديد، وكذب التخفيف يتعدى إلى مفعولين، مثل صدق، تقول: كذبني الحديث، وصدقني الحديث، وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعولٍ واحد، وهما من غرائب الألفاظ؛ لأن الغالب أن الزيادة تناسب الزيادة، يعني الفعل اللازم يعدى بالتضعيف، الفعل اللازم يعدى بالتضعيف، وهذا لما ضعّف قلّ تعديه، بدلًا من أن يتعدى إلى اثنين، صار يتعدى إلى الواحد، وهذا من الغرائب، من غرائب الألفاظ، لماذا؟ لأن الغالب أن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس، قال أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا
5 / 4