293

شرح التدمرية - ناصر العقل

تصانيف

إثبات أهل السنة للأسباب
قال رحمه الله تعالى: [ومع هذا فلا يُنكرون ما خلقه الله من الأسباب، التي يخلق بها المسببات، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف:٥٧]، وقال تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ﴾ [المائدة:١٦]، وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة:٢٦]، فأخبر أنه يفعل بالأسباب].
هنا الأدلة صريحة بأن نسبة كل الأمر إلى الله ﷿، وكل الأمر يأتي بالأسباب حتى الشر، كقوله ﷿: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة:٢٦] فالضلالة بأسباب، والهداية بأسباب، والأسباب كلها من الله ﷿، وهذا يتبين بشكل أوضح من خلال الكلام القادم، لكن كيف يقال: بأن ننسب الشر إلى تقدير الله؟ نعم يقال ذلك؛ لأن الله ﷿ ما فعل ذلك ولا قدره إلا لحكمة؛ ليميز الخبيث من الطيب، والهدى من الضلال، وليميّز أيضًا بين أهل الهدى وأهل الضلال في النهاية، ولأن الدنيا دار امتحان، والامتحان لا يمكن أن يُميّز فيه بين الناجح وغير الناجح، بين الهالك والفائز، إلا بمثل هذا التمييز، كما قال الله ﷿: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:٣٥] فمرد ذلك كله إلى حكمة الله ﷿.
وهؤلاء غالبًا يسمون بـ (أهل الكسب)، أي: كسب الأشياء، فيقولون: إن الله ﷿ يفعل عند الأسباب لا بالأسباب، وهذه فلسفة سيتكلم عنها الشيخ بتفصيل أكثر، لكن يقصدون بها أن الله ﷿ إنما يخلق القدرة للقادرين، فالإنسان الحي الذي يتحرك يخلق الله له القدرة على الحركة أثناء عزمه على الفعل، مع أنه لم توجد عنده قدرة لا قبل ولا بعد، وهذه فلسفة لا طائل تحتها، ولا تعدو أن تكون نوعًا من التحكم، وإساءة الأدب مع الله سبحانه، وكأن الله عاجز عن أن يجعل هذا الإنسان أو الحيوان قادرًا على الفعل قبل أن يفعل بعده، ولذلك سموا بـ (أهل الكسب) بمعنى: أن الإنسان يكسب الشيء فجأة وصدفة من غير قصد.

29 / 7