286

شرح التدمرية - ناصر العقل

تصانيف

بيان مذهب السلف والخلف في أسماء الله وصفاته
السؤال
نرجو التعليق حول قول القائل: إن السلف قالوا في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات: نؤمن بها كما وردت، ونترك بيان المقصود منها لله تعالى، فيثبتون اليد والعين كل ذلك بمعان لا ندركها، ونترك الإحاطة بعلمها لله، لا سيما وقد نُهينا عن ذلك في قول النبي ﷺ: (تفكّروا في خلق الله ولا تتفكّروا في الله، فإنكم لن تقدروه حق قدره)، ثم يقول: إن الخلف قالوا: إننا نقطع بأن معاني ألفاظ هذه الآيات والأحاديث لا يُراد بها ظواهرها، فهي مجازات، ولا مانع من تأويلها، ولو بحثت الأمر لعلمت أن مسافة الخلاف بين الطريقين لا تحتمل شيئًا من هذا، لو ترك كل منهما التطرف والغلو، وأن البحث في هذا لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة، وهي: النفور عن الله تعالى، ثم يقول: يتفق السلف والخلف على التأويل، وينحصر الخلاف بينهما: أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد؟
الجواب
على أي حال أنا لا أدري كلام من هذا؟ إذ إن الكلام يحتاج إلى أن يُنظر فيه كله، فقد اشتمل على أمور بيّنة وأمور فيها عمومات، وفرق بين مذهب السلف ومذهب الخلف في هذا الجانب، فالسلف يثبتون ما أثبته الله ﷿ لنفسه، وما أثبته له رسوله ﷺ، من غير تشبيه وتمثيل وتكييف، وينفون ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله ﷺ، من غير أن يُعطّلوا أو ينكروا الصفات.
أما مسألة المعاني فهذا كلام مجمل، فإن قصد به المعنى الذي هو مراد الله فهذا يُثبت بالحقيقة التي يريدها الله ﷿، والسلف يثبتون ذلك، لكن أحيانًا قد ترد بعض النصوص التي يُشكل تفسيرها، فيقولون: الله أعلم بمراده، أو نجريها على ظاهرها، ويقصدون بالظاهر الحقائق التي تليق بالله، وهذا هو الظاهر؛ لأنه ما جاء السياق إلا لإثبات حق، ولإثبات كمال لله ﷾، وما وراء الظاهر من الكيفيات التي لا يعلمها إلا الله ﷿ فنتوقف فيه، أما مذهب الخلف فهو يخالف، ولا شك أن الحق لا يتعدد؛ لأنه إذا تعدد ضاع الناس، وهذا في المعطيات، بينما في الاجتهاديات يتعدد الصواب أو عدمه؛ لأن الاجتهاديات مبنية على أن الناس تُعبِّدوا بأن يستنبطوا المعاني من النصوص، ومن هنا قد يخطئ، ومن يخطئ عن اجتهاد فهو مأجور، ومن يصيب عن اجتهاد فله أجران، ومن أخطأ ولم يقصد الخطأ فلا يضره ذلك؛ لأن المسائل الاجتهادية تتعلق بممارسات الناس، فيجري فيها الخلاف على ضوء اختلاف النصوص أو منازع الاجتهاد من النصوص، أما القطعيات، ومنها: أسماء الله ﷿ وصفاته وأفعاله فلا يجوز تعدد المعنى فيها؛ لأنه إذا تعدد ماذا يعتقد الناس؟! هل تقول: والله أظن الحق كذا! وكذا! وإذا قلت ذلك فهل نستطيع أن نعتقد شيئًا؟ ولذلك الخلف الذين خالفوا منهج السلف في الإثبات ليس لهم رأي واحد، فقد ضاعوا وأضاعوا الناس من خلفهم، فضاعت من خلفهم ملايين المسلمين فيما يتعلق بالله ﷿ في أسمائه وصفاته وأفعاله.
إذًا: مذهب الخلف ليس هو مذهب الحق، وكون بعضهم يقع في مثل هذه المذاهب عن اجتهاد وتأوّل، وقد تكون زلّة من غير قصد، فلا يعني ذلك أن اجتهاده سائغ، فنحن قد نعذره من حيث إنه أخطأ الحق من غير قصد، وأخطأ الحق من غير عمد، لكن لا يجوز أن نقول: الحق عند هؤلاء وعند هؤلاء، أو نقول: السلف على حق، والخلف على حق! فالحق لا يتعدد.

28 / 7