شرح الرحبية للحازمي

تصانيف

ـ[شرح الرحبية]ـ المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي http://alhazme.net [الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ٢٣ درسا]

صفحة غير معروفة

عناصر الدرس * نبذة عن المصنف ونظمه. * شروحات النظم. * شرح المقدمة. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. نشرعُ الليلة في متنٍ يتعلقُ بعلمٍ هو من أجلِّ العلومِ وأشرفها، قد وردت بعضُ الأحاديث منها الصحيح ومنها الضعيف في بيان فضلِهِ، من ذلك ما قد اشتهر عند الفرضيين قولِهِ ﷺ: «تعلَّموا الفرائض وعلِّموه فإنه نصف العلمِ وهو ينْسى، وهو أوّلُ علمٍ يُنتزعُ من أمَّتي». هذا الحديث رواه ابن ماجه أولًا وابن المبارك والحاكم في المستدرك، ورواه عن أبي هريرة البيهقي في سننِهِ وقال: انفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي. هذا ضعيف وبعضهم يقويه يجعله من قبيل الحسن وخاصةً أن الله ﷿ قد تولى قسم المواريث بنفسه في ثلاثِ آيات من سورة النساء وهي قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] الآية. وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] الاية. وقوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦]. هذه الآيات الثلاث جمعت كُلَّ الفرائض، جمعت أصول هذا الفن إن كان بقي شيءٌ من الحساب كما سيأتي بيانه إلا أنه هذا الأصل فيها. ومما اشتهر عند أهلِ العِلْم في الابتداء بهذا الفنّ «الرحبية» المسمى بـ «الرحبية» نسبةً إلى مؤلِّفِها وإن كان اسمها «بُغية الباحث» بِغية أو بُغية يجوز فيه الوجهان وهي لمحمد بن علي بن محمد بن حسن الرحبيّ لذلك قيل «الرحبية» واشتهرت بهذا الاسم، أبو عبد الله المعروف بابن المتفننة، عالمٌ بالفرائض شافعي من أهل رحبة مالك بن طوق مولدًا ووفاةً، وهو صاحب هذه الأُرجُوزة المسماة بُغية الباحث المشهورة بـ «الرحبية» نسبةً إلى مؤلفها، كالآجرومية مثلًا وهذه الألفية لابن مالك ونحو ذلك. وُلِدَ سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة، وتوفي سنة سبعٍ وسبعين وخمسمائة كما نص عليه أكثير من واحدٍ ممن ترجم له. قلنا هذه «الرحبية» تسمى «بُغية الباحث» يقالُ: بَغيتُهُ أبْغِيهِ بُغاءً وبُغًا وبُغيةَ بضم الثلاث الأوائل، وبِغية بالكسرِ طلبته، إذًا البُغية والبِغية المرادُ بها الطِلبَة طِلبةُ الباحث، يعني: ما يطلُبه الباحث، باحث عن أيِّ شيء؟ عن عِلمِ المواريث عِلمِ الفرائض يبحثُ عنه فيجد ماذا؟ بغيتَهُ في هذا الكتاب المسمى بـ «الرحبية»، وبِغية بالكسر طَلَبْتَهُ والبغية كرَضِيّة ما ابتُغيَ، فالبُغيةِ بالكسر والضمِّ وبَحَثَ عنه كَمَنَعَ بَحَثَ فَعَلَ كمنع لأن باحث اسم فاعل، اسمُ فاعل من أي شيء كضَرَبَ على وزنِ فَعَلَ بَحَثَ مَنَعَ، إذًا مثلُهُ فيكون اسم الفاعل على زنةِ فاعِل باحِث، واسْتَبْحَثَ وابْتَحَثْتُ وتَبَحّثْتُ بمعنى فَتَّشَ، إذًا هذه بُغيةٌ لمن فتش علن عِلمِ المواريث، وهذه أرجوزة منسوبةً إلى الرّجَزْ هو بحرٌ من بحورِ الشعر وزنُهُ: مُستَفعلُنْ ستُّ مرات يعني: مُسْتَفْعِلُن مُسْتَفْعِلُن مُسْتَفْعِلُن، هذا الشطر الأول مُسْتَفْعِلُن مُسْتَفْعِلُن مُسْتَفْعِلُن، هذا الشطر الثاني

1 / 1

وليس كل رجز يكون على هذا، لا، قد يكون مُتَعِلُنْ مثلًا، لكن الأصل فيه مستفعِلُن، واختار المصنف هنا النظم على النثر لأنه أسهل في الحفظ كما مرَّ معنا مرِارًا أن المتون العلمية التأصيلية تكون على ضربين: - منها ما هو نظم. - ومنها ما هو نثر. ومن حيثُ الإحكام في الألفاظ النثرُ أجود، من حيث ضبط الألفاظ وضبط الحدود النثر أجود، ولكنَّ النثر هنا بالتجربة عن أهل العلم سابقًا ولاحقًا لا يكادُ يبقى في الذهن يعني حفظه صعب من حيث الإقدام ومن حيثُ استمرار الحفظ في الذهن، حينئذٍ صعُبَ أولًا ابتداء وانتهاءً، فلما كان الأمر كذلك عدل أهل العلم عمومًا في جميع الفنون إلى النظم عدلوا إلى النظم خاصةً هذا الذي يسمى حمار الشعراء. والنظم هو كلامٌ موزون مقفَّى مقصودٌ فإن لم يكن مقصودًا حينئذٍ لا يسمى نظمًا، ولو جاء كلامٌ على وزن مستفعلن مستفعلن مستفعلن، ولا يقال: مشطور الرجز، لا بُدَّ أن يكون مقصودًا «إنما الأعمال بالنيات». فإن لم يكن كذلك فحينئذٍ لا يُسمى نظمًا، وبعض الحمقى حاول أن يأتي ببعض الآيات على بعض الأوزان ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] فجاء بها على بعض الأوزان، إما البحر الطويل أو البسيط فقال قد جاء في القرآن مؤيد لما سبق. قلنا: الموافقة هنا لا تدل على أنه شعر أو على أنه نظم لأنه لا بد، فرقٌ عند العرب بين الشعر وبين النثر، ولذلك هذا أمرٌ أطبق عليه العقلاء الأوائل الذين نزل في شأنهم الشعر فضلًا عن يأتي متأخر ثم يذكر أن في القرآن ما هو وزنٍ من أوزان البحور الست عشر المشهورة. عدد أبيات «الرحبية» مائةٌ وخمسةٌ وسبعون بيتًا، وقيل ستٌّ وسبعون كما سيأتي في موضعه. مِن أشهر مَن شرح «الرحبية» ولا نستوفي كل ما كتب في الفرائض لأن منها ما منثور ومنها ما هو منظوم كما ذكرنا، والنظم أسهل ولذلك اشتهر هذا النظم لسهولته، وهو أسهل من «البرهانية» وإن كان ... «البرهانية» أجمع يعني أكثر مسائل، وكثرة المسائل قد لا ترجح أن يكون النظم هو المعتمد وإنما لا بد من شيئين: أولًا: سهولة النظم لأن المراد ما هو؟ لو أردنا الصعوبة نبحث أو نحفظ من المنثور لا المنظوم، هذا إذا أردنا الصعوبة، وإذا أردنا السهولة حينئذٍ لا بد أن ننظر في طبيعة النظم من حيثُ التراكيب ومن حيث المعنى المفهوم من إطلاق اللفظ نفسه. «الرحبية» إذا قورنت بـ «البرهانية» حينئذٍ هي أوضح، وإن كانت تلك أوسع من حيث المسائل، ثمَّ مرجِحْ أو مرجِّحْ آخر أن يكون «الرحبية» هو محل البحث شهرتها وإذا اشتهر النظم واشتهر المتن حينئذٍ كثرت الحواشي والشروحات والمختصرات على ذلك المتن، حينئذٍ إذا وُجِدَ متن أكثر مسائل من متنٍ إلا أن الشروح والحواشي والخدمة ليست متوفرة قليلة صار ماذا؟ صار ذاك الذي هو أقل مسائل مرجحًا على ما كثرت مسائله من هذه الجهة، وهذا مهم جدًا أن يراعي الطالب الحفظ أولًا: ما اشتهر عند العلماء. وثانيًا: ما كُتِبَ عليه.

1 / 2

والرحبية لا شك أنه أكثر خدمة من غيره، ويكفيه أنه قد كتب عليه الشِّنْشَوري «الفوائد الشِّنْشُوريّة» هكذا ضبطه صاحب التحقيق هناك في شرح المنظومة «الرحبية» للعلامة الْفَرَضِيّ عبد الله بن محمد الشِّنْشَوْرِيّ كسر الشين الأولى وفتح الثانية هكذا ضبطه الباجوري أو الْبَيْجُورِي في حاشيته على هذا الكتاب وهو أوسع حاشيةً على الشِّنْشَوريّ. خطيب الجامع الأزهر توفي سنة تسعٍ وتسعين بعد المائة التاسعة هذا أسهل شرحٍ يعتمد وهو الذي سيكون فيه الاختبار إن شاء الله تعالى الشِّنْشَوريّ، إن أمكن إحضاره هو أولى، وعليه حاشية لإبراهيم البيجوري تسمى ... «التحفة الخيرية على الفوائد الشِّنْشُورية» الشِّنْشَوْرِيّة الشِّنْشُورِيَّة، وشرح «الرحبية» كذلك محمد بن محمد سبط المارديني توفي سنة سبع بعد المائة التاسعة، كذلك عليه حاشية لا بأس بها لمحمد بن عمر البقري الشافعي، والنووي كذلك له شرحٌ مخطوط النووي صاحب «شرح مسلم»، و«المجموع» له شرح على هذه المنظومة، وكذلك شرحٌ للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى مفرغٌ من الأشرطة، وكذلك الحاشية النفيسة على هذا النظم لابن قاسم رحمه الله تعالى، ابن قاسم رحمه الله تعالى يمتاز بجودة التحشية على المتون، له حاشية على «السفّارينية» جيدة، وله حاشية على كتاب «التوحيد» من أنفس ما كتب كما ذكرناه البارحة، وله حاشية جيدة ممتازة جدًّا [في] على الرحبية نفسها، فمن لم يجد للشِّنْشَوْرِيّ فليرجع إلى حاشية ابن قاسم، كذلك سبط المارديني لا بأس به لكن حاشية بن قاسم أجودُ منه. إذًا عرفنا الآن الأصل في الدراسة سيكون على متن «الرحبية» وسبب الاختيار وتقديمه على «البرهانية» وإن كانت «البرهانية» أكثر مسائل من «الرحبية» فلا يشكل على الطالب كما ذكرنا بالأمس، ما اشتهر هو الذي يُعتمد، وما لم يشتهر حينئذٍ لو كان فيه نوع فائدة زيادةً على المشهور حينئذٍ نرجع إلى الأصل، وما دار عند العلماء من تدريسه والتحشية عليه هو الأولى بالاعتماد، ثم إذا أراد التوسعة حينئذٍ يرجع إلى المطوّلات، [فيأخذ] الشِّنْشَوْرِي له «الفتح القريب» شرح كتاب «الترتيب» متوسع جدًا فقه مقارن في الفرائض.

1 / 3

كذلك الألفية في المذهب الحنبلي بل هي فقه مقارن كذلك فيرجع إليها، أما البداية يعتمد «الرحبية» ونكتفي بما يذكره هنا الشِّنْشَوْرِي، ولا نذكر خلافًا كما ذكرناه بالأمس لصعوبة الفن، الفن فيه نوع صعوبة، وكون المتن شافعيًّا صاحبه شافعيّ لا يقدح في التفقه على المذهب الحنبلي، لأننا معاشر الحنابلة نسير على ما خطَّه أولئك الأئمة في هذه البلاد في كونه الذي يُدرّسْ تفقهًا ليس تعصبًا تفقهًا أن نسير على المذهب الحنبلي، هذا الأولى في كل بلدٍ اشتهر فيه مذهبٌ فالأرجح لذلك الطالب أن يدرس ما اشتهر عنده في تلك البلاد، فمن اشتهر عندهم الشافعي حينئذٍ يدرس الفقه الشافعي وكل ما يتعلق بالشافعي، ومن اشتهر عندهم المذهب الحنفي كذلك، والمذهب المالكي كذلك هذا أولى للاعتماد، ولذلك الشوكاني لما كتب رسالته في أدب الطلب ونحو ذلك قال: أذكُرُ ما اشتهر في بلدنا اليمن صنعاء. وكلِّ طالب علمٍ يتجه إلى ما اشتهر عنده، وإنما تذكر تلك الكتب والمصنفات بناءً على أنها مما يُقْرَأُ ولا يلزم أنه إذا قرئ كتاب عندنا هنا أن يقرأ هناك، ولا العكس، حينئذٍ كونه شافعيًّا مع كوننا حنابلة هاه تفقهًا لا تعصبًا لا بأس بهذا # .. ١٢.١٠، نقول: نحن الحنابلة تفقهًا لا تعصبًا، كيف العمل؟ نقول: أولًا فقه المواريث في الجملة أكثر مسائله الأصول مجمعٌ عليها، والفوارق بين المذاهب الأربعة إنما هو شيء يسير، ولذلك يمكن أن يستدرك على ما ذكره الناظم هنا من كونه على المذهب الشافعي نقول: مذهب الحنابلة كذا ونكتفي بهذا، فما كان مرجحًا عند الحنابلة نبدأ به مما لم يذكره المصنف، ولذلك لم يذكر باب الرَّدْ، ولم يذكر توريث [الأرحام] ذوي الأرحام لأنه ليس عندهم توريث لذوي الأرحام، لكن نحن سنزيده، وكذلك باب الرَّد سنذكره إن شاء الله تعالى لأنه هو المرجح، إذًا كونه شافعيًّا نقول: لا يقدح فيما اتجهنا إليه من تدريس المذهب الحنبلي. نبدأ مما ذكره المصنف وهو ابتداءه بالبسملة، فقال رحمه الله تعالى: ... (بسم الله الرحمن الرحيم). وذكرنا مرارًا وتكرارًا أن الابتداء بالبسملة أكثر ما يُستدل له بأنه اقتداء بالكتاب العزيز. ثانيًا: عملًا بالسنة القولية فيما اشتهر من حديث فهو ضعيف «كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي: ناقص البركة، أو أقطع، أو أجذم. وهذه الروايات كلها ضعيفة، وأجمع أهل العلم المصنفين كما نص على ذلك ابن حجر أنهم إذا أرادوا أن يستفتحوا الكتب والرسائل والمصنفات إنما تُبْدَأ بالبسملة، ومفردات البسملة قد شرحناها مرارًا وتكرارًا فنكتفي بما ذكر. أول ما نستفْتِحُ المقالا ... بِذِكْرِ حَمْدِ ربِّنا تعالا (أول ما نستفْتِحُ المقالا) الألف هذه تسمى ألف الإطلاق، إطلاق الصوت، (بِذِكْرِ حَمْدِ ربِّنا تعالا) تكتب بالألف لمطابقة المقالا، وإن كان الأصل أنها تعالى تكتب بياء هذا الأصل لكن هنا من أجل موافقة نهاية الشطر الأول تكتب كذلك. أوّلُ: هنا بمعنى الأسبق، يأتي أول كذا بمعنى أسبق، يعني الذي يسبق في الذكرِ هو ذكرُ الله تعالى هذا لا ينافي في كما نص بعضهم على أنه لم يفتتح بالبسملة لأنه إذا قال:

1 / 4

أول ما نستفْتِحُ المقالا ... بِذِكْرِ حَمْدِ ربِّنا تعالا فالحمد لله) إذًا ابتدأ بماذا؟ بالحمدلة، إذًا هذا قد يشير أو قد يُفهم أنه لم يذكر البسملة نقول: لا الابتداء نوعان: - ابتداء نسبيّ إضافي. - ابتداء حقيقة. والابتداء بالبسملة ابتداء حقيقي، والابتداء بالحمدلة ابتداء نسبي إضافي يعني بالنسبة إلى ما بعده فلا تعارض. أوّلُ برفع أول على ابتداء، مرفوع على الابتداء ونحن سنجري على الطريقة المعهودة لا بد من فك العبارة، تسهيل والاختصار يكون في طرح المسائل أما حلُّ النظم هذا فرض عين لا بد منه، ما يحتاج إلى إعراب أعربناه، وما احتاج إلى لغة بينّاه وما احتاج إلى تصريف ذكرناه، وما لا يحتاج نسير معه. أوّلُ: يرفع أول على الابتداء مبتدأُه قوله: (بِذِكْرِ) خبر بذكر هذا خبر بناءً على أن الباء زائدة أو للتصوير، إذًا أول مبتدأ، أين خبره؟ (بِذِكْرِ)، والباء هذه إما أنها زائدة ولا إشكال فيها [إما أنها زائدة وإما أنها للتصوير والمعنى أولُ استفتاحنا القول ذكرُ حمدِ ربنا] أولُ استفتاحنا القول ذكر جاء الخبر هذا المراد، أولُ ذكر، استفتاحنا على أن ما هذه مصدرية، والقول هذا مفعولٌ به، ذكرُ حمدِ ربنا أو مصوّرٌ هذا الخبر، مصوّرٌ بذكر حمدِ ربنا ويصح قراءته محفوظ بالرفع أوَّلَ بالنصب والعامل حينئذٍ يكون محذوفًا ننطقُ أول استفتاحنا، فيكون ظرفًا منصوبًا على الظرفية، ويصح قراءته أول بالنصب على أنه ظرف لمحذوف يتعلق به قوله: بذكر، والتقدير ننطق (أول) استفتاحنا (بِذِكْرِ) .. إلى آخر البيت. (أول ما)، (ما) هذه اسم موصول بمعنى الذي، أول الذي نستفتح، والأولى أن تكون (ما) هنا مصدرية، أوّل استفتاح وإذا كانت مصدرية حينئذٍ تؤول مع ما بعدها بمصدرٍ هذا هو الظاهر إنها مصدرية، (أول ما نستفْتِحُ) نستفتح السين هنا والتاء زائدتان المراد نفتتح، أي نبتدأ، وإما أن يقال نستفتح، ولم يقل نبتدأ مباشرة، قالوا من باب التفاؤل، لأنه قال نستفتح فيه الفتح، إذًا سيأتيك الفتح في الفهم ففيه تفاؤل فيه نوع تفاؤل. أول ما نستفْتِحُ المقالا ... بِذِكْرِ حَمْدِ ربِّنا ..... هل بدأ الناظم هنا بالحمد أو هو إخبار بأنه سيبدأ بالحمد؟ الثاني: إذًا هل ثناءٌ أو لا؟ هذا محتمل، يحتمل أنه ثناء، ويحتمل أنه ليس بثناء، هل الإخبار عن تقديم الحمد على غيره الإخبار مجرد الإخبار بكون رتبه التقديم هل هو ثناءٌ أم لا؟ إذا اعتبرناه ثناء حينئذٍ حصل الحمدُ بالأول البيت الأول، وإن لم نعتبره كذلك فحينئذٍ حصل الثناء بالثاني، والظاهر أن هذا إخبار من المصنف بأنه يذكر الحمدَ بعد، ثم حقق ما وعد به بقوله: (فالحمد لله). ويحتمل أن المصنف قد قصد بذلك إنشاء حمدٍ لأنه اعترافٌ بأن الحمد رتبته التقديم وهذا يتضمن الثناء، إذًا استفتح بالبيت الأول حمدًا وأكَّدَ ذلك تصريحًا لا تلويحًا بالبيت الثاني بقوله: (فالحمد لله).

1 / 5

(ما نستفتح) قلنا: استفتاحنا، (أول ما نستفتح) أول استفتاحنا، فما مصدرية لا موصول اسمي بل موصول حرفي، وقال: (نستفتح). ولم يقل استفتح هنا بالنون، لماذا؟ للدلالة على العظمة لأن النون هذه في الأصل إما للمعظِّم نفسه وإما لمن معه غيره نأكل نشرب إما لوحدك وأنت تأكل تقول: نأكل، نشرب. وإما أنك تعظِّم تأكل أكل الثلاث والأربع حينئذٍ صار فيه نوع تعظيم، نكتب ونحو ذلك فيه نوع تعظيم، وإنما أتى بالنون الدالة على العظمة لإظهار تعظيم الله له حيث أهله بالحمد تحدثًا بالنعمة على وجهٍ لأن الأصل في الحمد أنه ذكر لله ﷿ والأصل في الذاكر أن يذكر ربه وحد أو معه غيره؟ الأول فلا يحتاج إلى النون، لأن النون تدل على الجمعية، هذا لأصل فيها، واعتبار التعظيم هذا فرع فهو مجاز حينئذٍ لا عدول للمجاز مع إمكان الحقيقة، لكن هنا لا يمكن القول بالحقيقة لأنه شخصٌ واحدٌ وهو الذي نظم حينئذٍ يتعين أن يكون المراد به شخصٌ واحدٌ، إذًا لماذا أتى بالنون وهي لمن معه غيره نقول: من باب التعظيم. (نستفتح) قلنا: السين والتاء زائدتان للتأكيد والمبالغة، لا للطلب كما في قوله: ﴿يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة:٨٩] ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ السين هنا زائدة والتاء كذلك زائدة ليس فيه طلب، أي يطلبون الفتح، أي النصر عليهم. (أول ما نستفتح) أي: نبتدئ، أي: بدءًا إضافيًّا كما ذكرناه سابقًا، فلا تنافي حينئذٍ بينه وبين الابتداء بالبسملة، وقد أنكر بعضهم أن يكون الناظم هنا بدأ بالبسملة والصواب ما ذكرناه أنه لا تنافي قوله: (أول ما نستفتح). يعني: نبتدئُ، يعني: ابتداءً إضافيًّا نسبيًّا، وأما الابتداءً بالبسملة فهو ابتداءٌ حقيقي وعرفنا فيما سبق الفرق بينهما. (أول ما نستفتح المقالا)، (المقالا) إش إعرابه؟ مفعولٌ به لنستفتح، نستفتح نحن الفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره نحنُ.

1 / 6

و(المقالا) هذا مصدر ميمي مقالا بألفي الإطلاق، يعني: طلاق الصوت، عتابا .. إلى آخره. أي القول، والمراد به القول لأنه مصدرٌ ميمي مقال مَفْعَلْ مَقْوَلْ هذا الأصل، أي: القول وهو اللفظُ الموضوعِ لمعنٍ خلافًا لمن أطلقه على المهمل هذا قولٌ، والصواب ما ذكرناه سابقًا أن القول خاص بالموضوع، وأما اللفظ فيعم الموضوع والمهمل، ويطلق على الرأي والاعتقاد مجازًا، والقولُ والمقالُ والمقالةُ مصادرُ لقالَ يقولُ، وأصلُ قَالَ قَوَلَ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفٌ، ويقالُ لما فشى من القول قالةً وقالًا وقيلًا، ويقال: أقْوَلتَنِي ما لم أقُلْ، وقوّلتني نسبته إليَّ، ورجلٌ مِقْوَلٌ ومقوالٌ وقوّالٌ كثيرُ القولِ ثرثار يعني، (أول ما نستفتحُ المقالا ** بذكرِ) عرفنا بذكر أنه خبر بناءً على أنّ الباء زائدة أو للتصوير حينئذٍ التقدير أول استفتاحنا القولَ ذِكْرُ أسقِطَ الباء، وإذا جعلناها للتصوير يكون الخبر هكذا أول استفتاحنا القولَ مصورٌ بذكر تأتي بكلمة مصوّر، مصوّر هي الخبر وليست بذكرِ إذا جعلنا الباء هنا للتصوير، بذكرِ هذا مضاف وحمدِ مضاف إليه، وحمدِ مضاف وربِّنا مضاف إليه، إذًا ثلاث كلمات متوالية بالإضافة وليس هذا بقادحٍ كما هو مرجَّح عند البيانيين، تتابُعِ الإضافة ليس بقادحٍ في بلاغةِ الكلام، وقد تأتي أربع أو خمس أو أكثر وهي كلُّها مضافة بعضها مضاف إلى بعض، وبعضهم جعل الأفصح أنه ثمَّ مضاف ومضاف إليه فحسب، وأما المضاف إليه فلا يضاف إلى ما يعده والصوابُ ما ذكرناه. (بذكر حمدِ ربنا)، (ربِّنا) ربُّ من أسمائه تعالى ولا يُقالُ لغيرِه إلا مضافًا، ربُّ الدارِ أليس كذلك؟ نقول: هذا مضاف يجوز أن يُطلق على المخلوق؟ نعم أما الربُّ فهو اسمٌ من أسمائه جلّ وعلا. (ربُّنا) المرادِ به المالك والسيِّد والمصلح والْمُرَبِّي، وإذا أطلق دخل فيه معنى الألوهية حينئذٍ يُفسرُ الرب بماذا؟ بالمعبود، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ يعني معبودُنا الله، إذًا يفسر الربُّ ليس بالمالك لأن ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [الأحقاف: ١٣] هل هذا يكفي؟ استقامة على ماذا؟ على أنه لا خالق إلا الله ولا مالك إلا الله ولا رازق إلا الله؟ ليس هذا المراد، وإنما لا يستغاث إلا بالله، ولا يتوجه بسائر العبادات إلا لله ﷿، هذا هو المراد حينئذٍ دخل في معنى الرب معنى المعبود ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ يعني معبودنا الله. إذًا (بذكر حمدِ ربِّنا)، (حمد ربِّنا) أي مالِكِنا ومعبودِنا. (تعالا) بمعنى تعاظم وارتفع، يرسمُ بالألِفِ لمناسبة قوله المقال خطًّا هكذا ذكره غيرُ واحد، يعني: تكتبها في البيت هنا خلاف ما كتبه هنا المحقق تكتب كالمقالا ألف منصوبة واقفة يعني، ولا تكتب على صورة الياء، وإن كان أصلحها الياء، ما كان أصله يكتب بصورة الياء تعاليت، إذًاَ أصله ألف هذه أصلها منقلبه عن ياء، أليس كذلك تعالى تعاليت، إذًا قُلبت الألف ياءً رجوعًا إلى الأصل، لكن لمناسبة المقالا تكتبُ بالألف.

1 / 7

(أول ما نستفتح المقالا ** بذِكرِ) ذِكرِ بكسر الذال لغةً كُلِّ مذكورٍ. وشرعًا: قولٌ سيق للثناءِ أو الدعاء، وقد يُسْتَعْمل شرعًا لكل قول يثاب قائله عليه. إذًا ذكر في البيت الأول أنه سيقدمُ ذكرَ حمدِ ربنا تعالى، يعني: سيحمد الله تعالى، وهل في البيت الأول حمدٌ أو لا؟ نقول: نعم فيه حمدِ لكنه من جهة تضمين أو التلويح لا التصريح، لماذا؟ لأنه أخبر أن رتبة الحمد مقدمةٌ على كلِّ شيء وهذا ثناء، إذا قلت بأن الله ﷾ مقدمٌ حمده على حمدِ من سواه أنت أثنيت على الله ﷿ بأن جعلت حمده وثناؤه مقدمٌ على كل شيء، هذه شهادة وإخبار إذًا هو في نفسه ثناء، إذًا فيه ثناءُ حينئذٍ حَمِدَ أولًا ضمنًا، ثم نطق بما وعد به وصرح فقال: فالحمدُ للهِ على ما أَنْعَمَا ... حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى الفاء هذه تُسمى فاء الفصيحة فعيِلهَ من أفصح إذا أبان وأظهر، وهي الواقعة في جواب شرط مقدر، والتقدير حينئذٍ إذا أردت بيان الحمد الموعود بالاستفتاح به في البيت السابق (فالحمدُ للهِ) إذا أردت بيان الحمدِ الموعودِ به في البيت السابق، (فالحمدُ للهِ) إذا وفَّى بما وعَدَ به سابقًا (فالحمدُ)، الحمدُ أي الثناء على المحمودِ سبحانه مع حبه وتعظيمه، يذكرنه له تعريفات في اللغة وفي الاصطلاح وأكثرها فيه مطعن، لكن أحسن ما يقال الحمدُ هو الثناء على المحمودِ سبحانه مع حبه وتعظيمه وإجلاله، ابن القيم وابن تيمية رحمهم الله تعالى يقول: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. حينئذٍ يشمل ماذا؟ يشمل الثناء في مقابل الصفات الذاتية، والثناء في مقابل الصفات الفعلية، لأن الحمد يكون في مقابل النعمة وغيرها، فيحمدُ الله ﷿ على اتصافه بصفةِ الكبرياء والعظمة هذه ليست صفة متعدية، ويحمدُ الربُّ جلّ وعلا على رحمته بالخلق وهذه صفةٌ متعدية، رحيمٌ بالمؤمنين رحيم حينئذٍ هذه الصفة متعدية على إحسانه على خَلْقِهِ ورَزْقِهِ، وهذه كلها صفات متعدية أفعال له جل وعلا، فيحمد على هذا ولا إشكال، ليس محل خلاف وإنما محل الخلاف هو النقد في الحدَّ المشهور أن الثناء يكون بسبب النعمة من حيثُ كونُهُ منعمًا على الحامد، هكذا قال هذا، وفيه نظر لأن الحمدَ أعم فيُحمَدُ من حيثُ كونُهُ منعمًا ومن حيثُ متصفًا بصفاتِ الجلال والكمال فهو أعم، فإذا قلت: ذكر محاسن المحمود. محاسن هذا يشمل النوعين، إذًا هذا التعريف أجود ذكر محاسن المحمود، أو الثناء على المحمود سبحانه مع حبه وتعظيمه وإجلاله، لأنك قد تذكر ثناء وأنت تكرهُهُ هذا في شأن المخلوق، هل كل من أثنيت عليه وبينت له محاسنَهُ تُكنُّ له المحبة؟ لا، وإلا أين المداهنة وأين النفاق، قد تُثني على شخص وأنت تكرهُهُ ولا تحبه،، أما الحمدُ في حقِّ الخالق فلا يكون حمدًا إلى مع المحبة والتعظيم والإجلال، لأنه عبادة والثناء محلُّهُ يكون في مقابلة نعمةٍ وغيرها فهو أعم من الشكر سببًا، الشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة، شكرتُ الله على إنعامه هذا خاص ولا إشكال فيه، وأما حمدتُ ربي هذا يكون على النوعين.

1 / 8

إذًا سببُ الحمدِ أعم من سبب الشكرِ، وهذه تأتيك آيات ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي﴾ يعني لا بد أن تعرف ما معنى الشكر تقرأ الفاتحة سبعة عشر مرّة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:٢] ويش الحمد هذا؟ إذا ما تعرف مشكلة، أليس كذلك؟ فالحمدُ يكونُ في مقابلة نعمة وغيرها، فهو أعمّ من الشكر سببًا لأنه يُحمد على كل شيء جل وعلا، على كل شيء يحمد، يُثْنَى عليه لأن الثناء يكون باللسان، حينئذٍ يُثْنَى على الرب جلّ وعلا لذاته وصفاته وأحكامه الشرعية والقدرية، لذاته وهذه التي قلنا: محل نزاع مع أصحاب التصنيف، لذاته وصفاته يشمل النوعين متعدية والقاصرة، وأحكامه الشرعية والقدرية، والحمدُ أخص متعلقًا من الشكر، لأن الشكر لا يكون إلا في مقابلة نعمة فهو أخص، والشكر أعمُّ مُتَعَلِّقًا، أي: موردًا لأنه يكون باللسان واليد والقلب. أفادتكم النعماءُ مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا أليس كذلك؟ يدي ولساني والضمير المحجبا، إذًا محل الشكر الأركان كلها القلب واللسان والجوارح، ومحل الحمد بماذا يكون، مورده بأي شيء؟ يكون باللسان فقط. وهذا على القول قول جمهور أهل العلم أن ثَمَّ فرقًا بين الحمد والشكر، وبعضهم يرى أنهما مترادفان وهذا ضعيف، وأظنه اختاره ابن جرير الطبري لكنه ضعيف، والأصح أنه فرق بينهما. (فالحمدُ للهِ) أل هذه للاستغراق وعليه الجمهور جمهور أهل العلم، أو للجنس وعليه الزمخشري، أو للعهد وعليه ابن النحاس والأشهر الأول أنها للاستغراق، وأما قول الزمخشري أنها للجنس وقول ابن النحاس أنها للعهد هذا فيه كلام. (فالحمدُ للهِ) اللام هذه للاختصاص، إذًا الحمد يكون لله ﷿ وهو الثناء أو الوصف بالجميل - كما قال المصنف هنا أو الشارح - ثابتٌ لله، وكلٌّ من صفاته تعالى جميل وهو وصفٌ لله تعالى بجميع صفاته، (على ما أَنْعَمَا)، (على) هذه تعليلية، الحمد لله لماذا؟ لإنعامه ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥] (١)، أليس كذلك؟ يعني: لهدايته إياكم، حينئذٍ تكون على للتعليل بمنزلة اللام، على تعليلية، وما مصدرية، يعني مثل أن مصدرية، وهي محل خلاف هل هي حرف أم اسم؟ والصواب أنها حرف، وما مصدرية فهو موصولٌ حرفي لا موصولٌ اسمي، ما هنا بعضهم قال أنها موصولٌ اسمي، وقدر حينئذٍ العائد، لأنه لا بد عائد (ما أنعم به) وهذا فيه إشكال سيأتي، والأصح أن ما هنا تكون مصدرية فحسب، ولا يجوز أن تكون اسمية لأنك إذا جعلتها اسمية لا بد من عائد، أين العائد؟ لا بد من ضمير (على ما أَنْعَمَا) أنعما به يعود على ما، إذاَ حُذِفَ العائد، ما هو شرط حذفِ العائد؟ إذا دخل عليه حرفُ جرّ وكان هو عينَ الحرف الذي دخل على الاسم الموصول، وهنا على ما، على الذي دخلت على ما ثم قال: (بِهِ). حذف الضمير، لا يجوز حذف الضمير مع اختلاف الحرف بل لو اتحدا لفظًا واختلفا معنىً لا يجوز. كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرّ ... كمُرَّ بالذي مررتُ فهو برْ

(١) أظن الشيخ عنى هذا الجزء من الآية.

1 / 9

حينئذٍ لا يصح أن يكون ما موصولية اسمية، قال به بعض المعاصرين ولم ينتبه لهذا والصواب ما ذكرناه، وما مصدرية فهو موصولٌ حرفي لا موصولٌ اسمي وإلا لاحتاج لعائدٍ محذوف مجرور بغير ما جُرّ به الموصول، والتقدير على ما أنعما به، وهذا ما يصح، فالموصول مجرورٌ بعلى، على ما، جُرّ بعلى، والعائد مجرور بالباء ولا يجوز حذفه حينئذٍ إلا شذوذًا، هذا شاذ وهذا مانعٌ لفظي، هذا يعتبرُ مانعٌ لفظي من جعل ما هنا موصولًا اسميًّا، وهناك مانعٌ معنوي أيضًا لكن هذا يمكن أن يُنَازَعْ فيه لكن الأول أشهر، وهناك مانعٌ معنوي من جعل ما هنا موصولًا اسميًّا وهو أنه لو كانت ما موصولًا اسميًّا كان المحمودْ عليه الْمُنعَمَ به، (على ما أَنْعَمَا) على الذي أنعم به، الذي أنعم، الذي اسم موصول وأنعم به صلة الموصول والموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني على الْمُنْعَم به، والْمُنْعَم به أثرُ الإنعام، والإنعام وصفٌ لله ﷿، والْمُنْعَم به أثرُهُ وأيهما أقوى؟ أن نُثني على صفةٍ بواسطةٍ أو بدون واسطة؟ بدون واسطة، فإذا قلت الحمد لله على إنعامه على الصفة التي أتصف بها، وهي صفةٌ قائمة به، أليس كذلك؟ أو الحمد لله على الْمُنْعَم به يعني على النعم المخلوقات، فحينئذٍ تستلزم ماذا؟ تستلزم مُنْعِمًا، إذًا أنعَمَ ومُنْعِمْ الثاني يستلزم الأول، وإذا نظرت إلى الأول وأثنيت عليه حينئذٍ أثنيت عليه مباشرةً، وهذا صار مقدمًا. إذًا مانع معنوي وهو أنك لو جعلت ما اسمًا موصولًا حينئذٍ تعلق الثناء بالمخلوق، وهو النعم وهذه نقول هي أثرُ الإنعام والحمدُ في الأصل نقول: الثناء على الربِّ جلّ وعلا ويكون بذكر صفاته هو جلّ وعلا، الصفات القائمة به حينئذٍ تثني على تلك الصفات، وأما على الآثار فليس الأمر كذلك، وإن كان يستلزم الثناء على الآثار الثناء على أصل الصفة، هذا لا إشكال فيه، وأيهما أبلغ؟ الأول، وهذا مانع لكنه مانع ترجيح يعني لا يمنع، لو قيل به ما في بأس. لكن الأول المانع اللفظي هذا واضحٌ بيِّن. وهناك مانعٌ معنويٌ أيضًا وهو أنه لو كانت ما موصولًا اسميًّا كان المحمود عليه الْمُنْعَمَ به الذي هو أثرُ الإنعام مع أنَّ الحمد على الإنعام أبلغ وأولى من الحمدِ على الأثر، لأن الأول يعني الحمد على الإنعام حمدٌ على فعل الله من غير واسطة مباشرة صفة الله ﷿ وهي قائمةٌ به، والثاني الْمُنْعَم به حمدٌ عليه بواسطة هذا الأثر، ولاشك أن الحمد مباشرةً بدون واسط أبلغ وأولى وأرجح مما كان بواسطة لكنه ليس بمانع من أصله لا بأس باعتباره، لكنّ الأول هو المرجح.

1 / 10

(فالحمدُ للهِ على ما أَنْعَمَا) والألف هذه للإطلاق، بعضهم قال: ... (فالحمدُ للهِ على ما أَنْعَمَا) على إنعامه أو نِعَمِهِ، هذا اختار أيّ القولين؟ رجح القولين يجوز هذا ويجوز هذا، لكن خفي عليه به أنه لا يجوز حذفه إلا مع اتحاد اللفظ، الحرف الذي دخل على الموصول، وهو على هنا، لو قال عليه حينئذٍ لا بأس به مع شرط أن يكون المعنى متّحد، أما إذا كان المعنى مختلف فلا، على إنعامه أو نعمه هكذا قال بعضهم وقلنا: فيه نظر. والحمد على الأول قال أمكن لأنه وصفٌ قائمٌ به تعالى، والثاني أثرٌ ناشئٌ عن الأول، فالحمدُ على الأول بلا واسطة، وعلى الثاني بواسطة. (على ما أَنْعَمَا)، (أَنْعَمَا) الألف قلنا للإطلاق النِّعمة بكسر النون وسكونِ العين الإحسان، نِعْمَة يقال نُعْمة ونَعْمة، نِعمة: الإحسان ونُعمة بالضم: الْمَسَرّة، ونَعْمَة بالفتح: الْمُتْعَةُ من العيش اللّيِّن، نِعْمَة نَعْمة نُعْمة فرقٌ بينهم، نِعمة بالكسر بكسر النون وسكون العين بمعنى الإحسان، والنُّعمة بالضم المسرّة، والنَّعمَة بالفتح [بفتحِ النون وسكون العين] المراد به العيش أو المتعةُ من العيش اللين: فالحمدُ للهِ على ما أَنْعَمَا ... حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى

1 / 11

حمدًا منصوبٌ على أي شيء؟ منصوبٌ على أنه مفعولٌ مطلق، والعاملُ فيه ما هو؟ الحمدُ لله حمدًا [ها] فيه إشكال أو لا؟ هذا مرّ معنا (الحمدُ لله حمدًا لا ينفد) ما هو الإشكال؟ مصدر يعمل في مصدر لا بأس به، عجبتُ من ضربك زيدًا ضربًا شديدًا، بمثله؟ مثله، الشاهد [ها] من شروط إعمال المصدر لا يكون محلًّى بأل، قلنا: له شروط ثمانية منها ألا يكون محلًّى بأل، يعني ألا تدخل عليه أل وهنا حمد مصدر هذا دخلت عليه أل فالأصل أنه لا ينصب، لأنه إنما نصب المصدر لشبهه بالفعل، وهذا ذكرناه فيه خلاف، والمشهور هذا أنه إنما ينصب لكونه أشبه الفعل، ومعلومٌ أنه ما أشبه الشيء لا يُعطى حكمه وهو الإعمال إلا إذا ابتعد عن وصف الاسمية، وهنا المصدر لما أشبه الفعل عمل متى؟ إذا جرِّد عن أل، وأما إذا دخلت عليه أل حينئذٍ [ها] بَعُدَ شبهُهُ عن الفعل فالأصل فيه أنه لا يعمل، وعلى القول بأنه يجوز ولا يشترط لا إشكال، ولكن الأصح، نقدر له محذوفًا، إذًا حمدًا منصوبٌ والعامل فيه لفظ الحمد السابق، إن قلنا إن أل لا تمنع من إعمال المصدر، أو العامل فيه محذوف، والتقدير أحمدُ حمدًا وهذا ظاهرٌ على أنه مبيِّنٌ للنوع، إذا عرفنا أنه مصدر منصوبًا على المصدرية معلومٌ أن المنصوب على المصدرية ثلاثة أنواع: توكيد أو نوعًا أو عددًا، وهنا توكيد مؤكِّد مبيِّن للنوع، [ها ها] يجوز فيه الوجهان، لكن إذا جعلناهُ منصوب بفعلٍ محذوف على كونه مبيِّنًا للنوع لا إشكال، لأن المبين للنوع يجوز حذفُ عامله لا إشكال فيه، أليس كذلك؟ وأما إذا كان توكيدًا مؤكِّدًا هذا ابن مالك يمنع ذلك، لا يجيز أن يحذف عامل المصدر إذا كان مؤكِّدًا، أليس كذلك؟ [ها] أو العامل فيه محذوف والتقدير أحمدُ حمدًا وهذا ظاهرٌ على أنه مبيِّنٌ للنوع، وعلى الأول أنه مؤكِّد إن قلنا بجواز حذف عامل المؤكِّد [ها] خلافًا لابن مالك جاز وإلا فلا، إذا كان على قولنا بأنه لا يصح إعمال أل ولا بد من تقدير عامل فحينئذٍ يتعين أن نجعل الجملة هنا (بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى) صفة فلا بد من ملاحظة الصفة مع الموصوف ليكون مبيّنًا للنوع فلا يجوز أن يكون مؤكِّدًا لأن العامل هنا محذوف، وإذا كَان كان محذوفًا لا يمكن أن يكون مؤكدًا على رأي ابن مالك السابق الذي ذكرناه، وهو مؤكِّد متى؟ إن لوحظ مجرّدَ الموصوف وقُطِعَ النّظرُ عن الصفة وهي الجملةُ التي بعدهُ، يعني: حمدًا ولم تلتفت إلى ما بعده، حينئذٍ صار مؤكِّدًا إن نظرت إلى الصفةِ مع الموصوف حينئذٍ صار ماذا؟ صار مبيّنًا للنوع، فإن لوحظ الموصوف والصفة كان نوعيًّا أيضًا مع كونه مؤكِّدًا ولا إشكال في ذلك.

1 / 12

(حَمْدًا بِهِ) الضمير هنا يعود على الحمدِ، (يَجْلُو) هذا مبني للفاعل، جلا يجلو بمعنى يُذهِبْ، والفاعلُ هنا ضمير مستتر يعود على [ها، تحركوا] من الذي يذهب عن القلب العمى؟ الله، فالحمد لله حمدًا به يجلو الله، يعني: يُذهِبُ اللهُ بِهِ بذلك الحمد عنِ القلب عماهُ، حينئذٍ يجلو الضمير هنا يعود إلى من؟ إلى الله ﷿، ويجلو بمعنى يُذهِبُ و(عَنِ القَلْبِ) جار ومجرور متعلّق بقوله: (يَجْلُو). و(العَمَى) مفعولٌ به ليجلو، يجلو العمى يذهبُ العمى عن القلبِ، فإذا جُعِلَتْ أل هنا نائبةً عن الضمير المحذوف حينئذٍ يُقدَّر عماه. (بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى) عرفنا أن الباء هنا جار ومجرور متعلق بقوله: (يَجْلُو)، والباء هنا سببية، يعني: بسببه بسبب الحمد بسبب ذلك يجلو الله العمى عن القلب، فالضمير في به يعود على الحمد، والضمير في يجلو يعودُ على الله جل في علاه، والمراد بالقلب هنا اللطيفةُ الربانية لأنها هي التي تنجلي بالمعارف، والمراد بالعمى هنا الجهل، يجلو العمى يعني يذهبُ الجهل ومحل العلم هو القلبُ، أي حمدًا يذهبُ الله به عن القلب عماهُ، والقلب معلوم والعمى مقصور يعني ليس ممدودًا يكتبُ بالياء، والمرادُ بالعمى فقدُ البصرِ هذا واضح عدم البصر، وإطلاقه على عمى البصيرة وهو الجهل إطلاق مجازي، يعني إطلاق العمى الأصل فيه العمى فقد البصر هذا الأصلُ فيه، والعلمُ للقلبِ كالبصرِ للعين هكذا قال ابن القيم، ولذلك سمي بصيرًا من البصر فعيلًا مؤخوذٌ من البصر، لماذا؟ ﴿أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف: ١٠٨]، يعني: على علمٍ، قال بن القيم: البصيرةُ للقلب كالبصرِ للعين، فكما أن الإنسان يُبصر الطريق بعينه - الطريق الحسيّ - فكذلك يبصر بقلبه [ها] يعني بالعلم الطريق إلى الآخرة، والفرقان بين الحق والباطل يكون بالقلب، هذا هو الأصل. إذًا إطلاق العمى على الجهل مجازًا، وهو ما يسمى بالاستعارة التصريحية تقريرها أنه شبه الجهل بمعنى العمى يعني فقد البصر بجامع التحيُّرِ وعدمِ الاهتداء بالمقصودِ بسببِ كلٍّ منهما، وأستُعِيرَ لفظ المشبه به وهو العمى للمشبه على طريق الاستعارة المصرَّحة ... (حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى) سمي الجهل بالعمى لأن الجاهل لكونه متحيرًا يُشبه الأعمى، وأما عمى البصرِ فليس بضارٍّ في الدين. قال الله سبحانه: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]. نَصّ على أن القلب في الصدر، وهذا واضح ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ قال قتادة: البصرُ الظاهر بُلغَةٌ ومنفعة، وبصرُ القلبِ هو البصرُ النافع. هذا واضح وهذا لا يكونُ إلا بعلم الشريعة الكتاب والسنة. إذاَ حَمِدَ أولًا وذكر حقّ الربِّ جل وعلا، ثم انتقل إلى حقِّ المخلوق. وأفضلُ الخلقِ على الإطلاق ... نَبِيُّنا فمل عن الشقاقِ إذًا لما حَمِدَ اللهَ تعالى شرع في ذكر الصلاةِ والسلامِ على النبي محمد ﷺ، فقال: ثمَّ الصّلاةُ بعدُ والسلامُ ... على نبيٍّ دينُهُ الإسلاَمُ

1 / 13

(ثمَّ) هذه تفيد الترتيب الذكري، يعني: بعد ذكرِ ما يستحقه الربُّ جلّ وعلا وهو الخالق من الثناء المطلق والحمد المطلق، حينئذٍ ننتقلُ إلى المخلوق وأفضلُ المخلوقات على الإطلاق هو محمدٌ ﷺ، وهو الواسطة بين الربِّ جل وعلا والعباد، بمعنى أنه هو الموصل الشرع إلى العباد، الأنبياء والرسل لا بأس أن يقال بأنهم واسطة بين الخالق والمخلوق لا إشكال فيه وهذا من حيث ماذا؟ من حيثُ كون النبي أو الرسول مبلغًا عن الرب جلّ وعلا، أما كونه واسطة يصرف له شيءٌ من العبادات هذا باطل.

1 / 14

(ثمَّ) للترتيب الذكري والاختياري الصلاةُ بعدُ يعني بعد الحمدِ، الصلاةُ بعدُ، بعدُ هذا مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه، و(الصّلاةُ) الصلاة اسم مصدر صلَّى وليست مصدرًا، اسم مصدر وليست مصدرًا لأن صَلّى تصليةً هذا المصدر، وأما الصلاة هذه ليست بمصدر، كذلك السلام سلّمَ تسليمًا، وأما السلام فهذا ليس بمصدر، إذًا كلٌّ من الصلاةِ والسلام اسما مصدرٍ وليسا بمصدرين، هذا واضحٌ بيِّن. والصلاةُ في اللغة: الدعاء ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] أي ادعُ لهم، والصلاة المطلوبةُ من اللهِ قيل هي الرحمة، وقيل الرحمةُ المقرونة بالتعظيم، وقيل: المغفرة، وقيل: الكرامة، وقيل: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. هذا رواهُ البخاري معلقًا عن أبي العالية، ورجحه ابن القيم رحمه الله تعالى وخطّأ ما اشتهر عند أرباب التصنيف، وهو ما قاله الأزهري: الصلاة من الله رحمتُهُ، ومن الآدميين الدعاء الثناء، ومن الملائكة الاستغفار. وهذا لا بأس به يجمع بين هذا وذاك. (والسلامُ) السلام قلنا عرفنا أنه اسم مصدر قيل: المراد به التحية السلام، السلامُ عليكم. وقيل: المراد به السلامةُ من النقائِص والعيوب، وقيل اسمُ الله السلام ولا بأس بها كُلِّها. (ثمّ الصّلاةُ بعدُ)، يعني: بعد حمدِ الربِّ جلَّ وعلا، وبعد ما تقدم من البسملةِ والحمدِ (والسلامُ ** على نبيٍّ)، (على نبيٍّ) جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ خبر، ولا يصح أن يكون من باب التنازع لأن السلام والصلاة اسما مصدر، والتنازع لا يكون إلا في فعلين. إذًا السلام والصلاة هنا الصلاة مبتدأ والسلام معطوفٌ عليه، وبعدُ هذا في محل نصب بالمحذوف، و(على نبيٍّ) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، تقديره كائنان على نبيٍّ. ثم الصلاة بعدُ والسلامِ كائنان على نبيٍّ فهو متعلق بمحذوف خبر عنهما، وليس من باب التنازع لأنه لا يجري في المصادر ولا في أسماء المصادر، (على نبيٍّ) لم يقل على رسولٍ مع كونِ الرسول أخص وأشرف لِمَ؟ قالوا: امتثالًا وإتباعًا للآية ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] ما قال على الرسول، إذًا نقول كما قال الله تعالى، ويكون الاختيار موافقًا وتأسيًّا بلفظ الكتاب، وإنما قال على نبي زلم يقل على رسول إتباعًا لقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾، والنبي إنسان أُوحيَ إليه بشرعٍ وإن لم يؤمر بتبليغه على المشهور، فإن أُمر بذلك فرسولٌ أيضًا، فالنبي أعمّ من الرسول، فكلُّ رسول نبي ولا عكس هذا المشهور عند الجمهور، وسبق بعض التنكيت عليه، وقيل هما بمعنى واحد وهو معنى الرسول.

1 / 15

(على نبيٍّ) نبي نبيئُ نبي، إما بالهمز وإما بترك الهمز، بالهمز مأخوذ من النبأ وهو الخبر، حينئذٍ نبي يكون فعيل، وفعيل يأتي بمعنى فاعل ويأتي بمعنى مُفعِلْ وكلاهما مرادانِ هنا لأن النبي ﷺ مُخبِر ومُخبَر، مُخبِرٌ عنِ الله ومُخبَرٌ عن الله بواسطة جبرائيل ﵇، وبلا همزٍ هو الأكثر في النطق لا في التأصيل حينئذٍ يكون مأخوذٌ من النَّبوَةِ وهي الرفعة لأن النبي مرفوع الرتبة على الخلق، فهو مشتق من نبى ينبو إذا علا وارتفع، فياؤه بدلٌ من الواو، نبي الياء الأولى بدلٌ من الواو، ونبي كذلك لا بأس أن يكون ولو بدون همز أن يكون من النبأ، يعني نبيٌّ يحتمل القولين أن يكون من المهموز ومن غير المهموز، من غير المهموز وهو واضح من النَّبْوَة، وأما من المهموز نقول هذا في لغة العرب أنه يجوز إسقاطُ الهمز تخفيفًا، فلا بأس أن يقال نبي ويكون مأخوذًا من النبأ، لا تعارض ولذلك كونه الأكثر لا يلزم منه أن يكون من النبوة لا بل هو محتملٌ للوجهين. (على نبيٍّ دينُهُ الإسلامُ) إيش إعراب ... (دينُهُ الإسلامُ) [ها صفة؟ عجلِّ] (دينُهُ الإسلامُ) الإسلام مبتدأ، ودينه خبر، الإسلا مدينه لكن هذا ما يصح لأن دينُهُ هذا معرفة أم نكرة؟ معرفة لا تتردد، والإسلام؟ معرفة، إذًا كل منهما معرفة، وأيهما أعرف؟ المضاف إلى الضمير أو المحلَّى بأل؟ نحن لا نتعامل مع معنى هنا، النحاةُ ينظرون إلى اللفظ أيهما أعرف؟ [لا إله إلا الله] المضاف إلى الضمير أو المحلّى بأل؟ المضاف إلى الضمير، أيهما أولى بجعله مبتدأ بل قد يتعين، المضاف إلى الضمير لأنه أعرف، إذًا دينه مبتدأ، الإسلام خبر، فالجملة مؤلفة هنا من مبتدأ وخبر، وأما الإسلامُ دينُهُ فهذا يصح عند بعضهم، لكن الصواب لا، لأن المبتدأ الأصلُ فيه أن يكون معرفةً، والخبر أن يكون نكرةً، إذا كانا معرفتين فالأعرف هو الذي يكون مبتدأ والخبر لو كان معرفةً إن كان الأصل فيه أن يكون نكرة إلا أنه لَمَّا كان أدنى مرتبة من المبتدأ في التعريف جُعِلَ خبرًا. إذًا (دينُهُ الإسلاَمُ) هو مواريث ولا إعراب؟ [ها ها] دينُهُ الإسلام إذًا الجملة مبتدأ وخبر، صفة لنبي (على نبيٍّ) نبي هذا نكرة، والجملُ بعد النكرات صفات، ثم الصفة قد تكون مخصِّصَة وقد لا تكون مخصِّصَةْ.

1 / 16

(دينُهُ الإسلامُ) قلنا: نبي هذا نكرة، والجملة بعده مبتدأ وخبر فهي في محلِّ جر صفة، ثم الصفة قد تكون مخصصة للاحتراز، وقد لا تكون كذلك، هنا الإسلام يحتمل أنه الإسلام الخاص الذي جاء به النبي ﷺ، ويحتمل أنه الإسلام العام، على القولين متى تكون مخصِّصة ومتى لا تكون مخصصة؟ فَهِمْتُمْ دينه الإسلام، لأنه قال على نبيّ نحن ما ندري هل هو محمد ﷺ أو غيره، لا تحدد قول نبي أن المراد به محمد ﷺ قد يكون غيره حينئذٍ ... (دينهُ الإسلامُ) الإسلام هل المرادُ به الإسلام الخاص أو العام؟ إن كان المرادُ به الإسلام الخاص حينئذٍ دينهُ الإسلام تعين أن يكون به النبي ﷺ وهو محمد، فيكون قوله: (محمّدٍ) في البيت الذي يليه بدل من قوله نبيٍّ يكون لبيان الواقع، يعني لم يحصل به الاحتراز، فإن قيل: دينُهُ الإسلامُ. الإسلامَ العام هل حصل بالصفة تخصيص؟ لا، إذًا محمدٍ حصل به التخصيص، واضحة؟ (دينُهُ الإسلامُ) هذه صفة وهي جملة في محل جرّ يحتمل أنها هي صفة مطلقة لا إشكال، لكن هل هي للاحتراز أم لا؟ هذا ينبني على تفسير معنى الإسلام، فإن كان المراد بالإسلام الإسلام الخاص، وهو الذي جاء به محمد ﷺ، حينئذٍ نبيٍّ دينُهُ الإسلام الخاص وليس عندنا إلا محمد ﷺ. فقوله: (محمدٍ). بعد ذلك لبيان الواقع فحصل التخصيص. إذًا خرج بقوله: (دينُهُ الإسلامُ). الإسلام الخاص خرج به كل من عدا محمدٍ ﷺ، وإذا قيل: (دينُهُ الإسلامُ) الإسلام العام (نبيٍّ دينُهُ الإسلامُ) كل نبي جاء بالإسلام، أليس كذلك؟ كل نبي جاء بالإسلام وهو القدر المشترك التوحيد حينئذٍ محمدٍ حصل به التخصيص فاحترز به عن غيره. (دينُهُ الإسلامُ) دين لغةً: ما يُدانُ به وينقادُ إليه، وشرعًا: ما شرعُهُ اللهُ من الأحكام والإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءةُ من الشركِ وأهله. هذا الإسلام، إذا أُطْلِقَ الإسلام دخل فيه الإيمان، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، واضحٌ هذا؟ إذًا (دينُهُ الإسلامُ) نقولُ: هذه صفةٌ مخصِّصَة. [نعم] هنا قال (دينُهُ الإسلام) مبتدأٌ وخبرٌ صفةٌ لنبيّ مخصِّصة إن قلنا: بأن الإسلام لا يطلق إلى على دين نبينا ﷺ، فقول الناظم بعد: (محمدٍ) بالجرِّ بيان للواقع.

1 / 17

وإن قلنا بأن الإسلام عام فليست الجملة صفة مخصصة، هي صفة لكنها ليست مخصصة، فقول الناظم بعد: (محمدٍ) مخصصٌ للنبي المذكور، ومعنى الجملة دينُهُ الإسلامُ أحكامه التي يتديَّنُ بها هي الأحكامُ المُعبَّرُ عنها بالإسلام، دين الأحكام التي يُتدين بها، وهي المعبر عنها بالإسلام، لأن الدين هو الأحكام والإسلام هو الأحكام، فكيف يكون دينُهُ الإسلام، حينئذٍ لا بد من صحة الإخبار أن يكون الثاني وهو الإسلام قد صح حمله على الأول، على التأويل الذي نذكره الآن، أحكامُهُ التي يُتديَّنُ بها هي الأحكام المعبر عنها بالإسلام، أو المعنى يكون طريقته التي أتى بها هي الانقيادُ والخضوع لإلوهيته تعالى، فالدين حينئذٍ على معنيين: إما بمعنى الأحكام المُتدَيَّنِ بها، والإسلام بمعنى الأحكام المنقاد لها، فرقُ بين الأحكام، أحكام يتدين بها يُعمَلُ بها وأحكامٌ ينقاد لها، فرقُ بين النوعين لأن الدين هو ما شرعه الله، والإسلام هو الأحكام، فهل يخبر الشيء عن نفسه؟ الجواب: لا، وإما بمعنى الطريقة هذا واضح دينه، يعني: طريقته التي أتى بها النبي ﷺ الإسلامُ، فصح الحملُ، وإما بمعنى الطريقة والإسلام بمعنى الانقياد والخضوع، وعلى هذه الحلين فالإخبارُ ظاهر يعني بين المبتدأ والخبر، وأما تفسير الدين بما شرعه الله كما ذهب إليه الشِّنْشَوْرِيّ هنا وغيره كثير، وأما على تفسير الدين بما شرعه الله من الأحكام والإسلام بالانقياد والخضوع فالحملُ غير ظاهر إلا بتقدير، لا بد من تقدير مضاف أضيف إليه الخبر، وهو أي التقدير دينُهُ متعلَّقُ الإسلام، فيظهر الإخبار بتقدير هذا المضاف لأن الإسلام بمعنى الانقياد والخضوع متعلِّق والأحكام متعلَّق، الدين الذي هو الخضوع متعلِّق، والأحكام متعلَّق وفرقٌ بين المتعلِّق والمتعلَّق. إذًا (على نبيٍّ دينُهُ الإسلام محمدٍ) بالجرّ وش إعرابه؟ يدل كل من كل قوله: نبيٍّ، ولذلك جُرّ، هل يجوز وجهٌ آخر؟ ما هو؟ أن يكون خبر المبتدأ محذوف محمدٌ بالرفع أي هو محمد هل يجوز وجهُ ثالث؟ هل يجوز النصب؟ مفعول به لفعله محذوف أعني محمدًا، وهذا لا يصح إلى على لغة ربيعة، لأنه على تقدير الوقف محمدًا ولغة ربيعة لا يكتبون الألف. وقِفْ على المنصوبِ منه بالألف ... كَمِثْلِ ما تكتُبُهُ لا يختلف

1 / 18

ضربتُ زيدًا تقف عليها بالألف لو وقفت على محمد هنا ليس به ألف، إذًا لا يجري على لغة جمهور العرب أن يكون محمد هنا منصوب، ولذلك الوجهان الأولان سائغات الجر والرفع، وأما النصب فليس بظاهر وإن كان حائزًا في غير هذا المحل، (محمّد) هو لبيان الواقع إن كانت الصفة يعني في السابق، قول دينُ الإسلامُ مخصصة، وللتخصيص إن كانت الصفة المذكورة غير مخصَّصة، إذًا محمد بدلٌ من النبي فيكون مجرورًا، ويجوزُ رفعه على أنه خبرٌ، خبر مبتدأ محذوف، وهو اسمٌ من أسماء نبينا محمدٍ ﷺ بل هو أشرف أسمائه ﵊، سُمِّيَ به لكثرة خصاله الحميدة، وعلمٌ مأخوذ من حُمِّدَ من اسم مفعول المضعّف حمّد محمِّد، مُحمِّد بالكسر هذا اسم فاعل، ومحمَّد بالفتح هذا اسم مفعول، وهو اسمه محمد إذًا حمِّد مضعف اسم المفعول منه محمَّد وهو منقولٌ منه. وهي كما نقل بن الهايم عن أبي بكر بن العربي والنووي رحمهما الله تعالى ألفُ اسمٍ هذه من شطحات الصوفية لا بد أن يجعلوا للنبي ﷺ عددًا من الأسماء، إمّا موازية لأسماء الربِّ جلَّ وعلا بعضهم يعدها مائة، وبعضهم جاوزها الألف، هذا كله أكثرها لا دليل عليه، وإنما أتوا بصفات بعضها لا يصح ثبوته من جهة النصوص، وبعضها اجتهاد، وبعضها فيه نوع كذب. واختار هذا الاسم دون غيره لوجوهٍ منها أن الله تعالى ذكره في القرآن العظيم في مساق الامتداح، ومنها أنه أشهر وأكثر استعمالًا في السنة للصحابة والتابعين فمن بعدهم، (محمّدٍ) محمدٌ خاتمُ رسل ربه، خاتمِ خاتمُ يجوز فيه الوجهان، خاتمُ بالرفع على أنه صفة لمحمد، محمد هذا علم حينئذٍ ما بعده صفة خاتَم خاتِم يجوز فيه الوجهان خاتِم خاتَم، المرادُ هنا الميم خاتمُ بالرفع لأن الصفة المرفوع مرفوع وذلك إذا كان محمد بالرفع، محمدٌ خاتمُ، محمدٍ خاتمِ يكون بالخفض، خاتمُ رسلِ ربِّه خاتم بفتح التاء اسمُ آلةٍ، أي: الذي خُتموا به.

1 / 19