ولابد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام، وموجدة فيه " هل "، وقد يكون معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة، وذلك إذا كان ذلك الغير (1) لازم الاضمار كما دل همزة " أضرب " ونون " نضرب " على معنى الضميرين اللازم اضمارهما، وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة (2)، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في الفاعل.
والأغلب في معنى الحرف أن يكون معنى الأسماء الدالة على المعاني دون الأعيان، وقد تكون دالة على العين أيضا، كالهمزة في " أضرب " ونون " نضرب " وتاء " تضرب " في خطاب المذكر، فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الافعال.
ثم نقول: إن معنى " من " الابتداء، فمعنى " من " ومعنى لفظ الابتداء سواء، إلا أن الفرق بينهما أن الفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعني " من " مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي، فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء، نحو: الابتداء خير من الانتهاء، ولم يجز الاخبار عن " من " لان الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه؟ بل في لفظ غيره، وإنما يخبر عن الشئ باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة، فالحرف وحده لا معنى له أصلا، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شئ ليدل على أن في ذلك الشئ فائدة، فإذا انفرد عن ذلك الشئ بقي غير دال على معنى أصلا.
فظهر بهذا أن المعنى الافرادي للاسم والفعل في أنفسهما، وللحرف في غيره، ولا يصح الاعتراض على حد الحرف بالصفات، وذلك بأن يقال: إن لفظ (3) طويل، مثلا،
صفحة ٣٧