شرح القويسني على السلم المنورق للأخضري

أحمد بن عمر الحازمي ت. غير معلوم

شرح القويسني على السلم المنورق للأخضري

تصانيف

ـ[شرح القويسني على السلم المنورق للأخضري]ـ المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي http://alhazme.net [الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ١٠ دروس]

صفحة غير معروفة

عناصر الدرس * نبذة عن الشرح. * شرح مقدمة الناظم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. المقرر هو: «شرح السلم المنورق في فن المنطق»، وهو لعبد الرحمن الأخضري، والشرح لحسن درويش القويسني، وهو شيخ جامع الأزهر لم يعرف له تاريخ ولادةٍ، وإنما كان حيًّا عام خمس وخمسين ومائتين وألف، ألف ومائتين وخمس وخمسين. والسلم له شروحات متعددة، ولكن تختلف من حيث الطول ومن حيث الاختصار ومن أجودها في نظري هو هذا الشرح ويمتاز ميزتين. الأولى: الاختصار. والثانية: المزج. والشرح الممزوج بالنسبة لطالب العلم المبتدئ والمتوسط والمنتهي، المتون التي شرح بالمزج العناية بها أولى دراسةً وتدريسًا، وما عداه يكون مرجعًا أو يجرد أو نحو ذلك، والمراد بالمزج هو الذي يخلط فيه الشرح مع المتن، يأتي بكلمة ويدخل بينها كلمة أخرى وهكذا حتى يأتي على المسائل التي ذكرها الناظم وقد يزيد على ما ذكره الناظم، وهذا أفيد لطالب العلم من حيث إذا كان المتن محفوظًا يكون الفهم له أكثر وأرسخ، بخلاف المتن الذي تعلق فيه المتن يوضع في أعلى الصفحة ثم يؤتى بمعاني الأبيات وقد يترك بعض الكلمات التي تكون في المتن فلا تشرح أو بعض المسائل ولا يحل عبارات المتن، نقول: هذا فائدته قليلة لطالب العلم، والعناية به ينبغي أن تكون أقل من العناية بالشروحات الممزوجة، إذًا لهاتين الميزتين كان الاختيار لهذا الكتاب، ثُم شروحات السلم متقاربة «إيضاح المبهم»، «وشرح المصنف» وكذلك «الملوي» الملوي يعتبر شرحًا ممزوجًا لأنه صعب، وكذلك بعض الشروحات المعاصرة إنما هي من باب التعليق على المتن، وإن كان الدمنهوري في «إيضاح المبهم» يحاول أن يقف مع الألفاظ، لكنه ليس كالشرح الممزوج على كلٍّ هذا الكتاب العناية به أولى وهو مختصر ليس بطويل، وهو واضح العبارة في الجملة. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أظهر لأرباب العقول حقائق المعقول على التحقيق، ودلهم على تصحيح طرق التصور والتصديق، فاستنتجوا بها بدائع الأسرار من دقائق الأنظار، واستخرجوا بها عرائس الأبكار من مخبئات الأسرار، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي شيد قواعد الإسلام بأفصح منطقٍ وأوضح خطاب، وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم العرض والحساب. ــ - الشرح - ــ بسم الله الرحمن الرحيم هذه مقدمة المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه قد كتبها بنفسه لما سيأتي، وضمنها براعة الاستهلال وهي أن يذكر في مقدمة كلامه ما يشعر بالمقصود، وهو فنٌ من أنواع أو من فنون البديع عند البيانيين، يذكر في مقدمة كلامه ما يشعر بالمقصود.

1 / 1

قوله: [الحمد لله]. افتتح بالحمد كما هو الشأن في ما سيأتي في كلام الناظم رحمه الله تعالى في التعليق على الشرح [الذي أظهر لأرباب العقول] أي: لأصحاب العقول. لما ذكر أرباب العقول الفن إنما هو من فنون المعقول، بمعنى أن المنطق إنما يدرك به الفكر ونحو ذلك، حينئذٍ قوله: ... [لأرباب العقول]. هذا فيه براعة استهلال، والعقول جمع عقل وستأتي الإشارة إليه يقال: عَقَلَ عَقْلًا إذا أدرك الأشياء على حقائقها. يُسمى عقلًا، إدراك بمعنى العقل، والعقل ما يكون به التفكير والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات ويتميز به الحسن من القبيح والخير من الشر يُجْمَعُ على عقول، ما يكون به التفكير، يعني: الذي يحصل به التفكير، لأننا عندنا فِكْرٌ ومُفَكَّرٌ فيه، الْمُفَكَّر فيه هو كما سيأتي حركة النفس، أو التفكير الفكر نفسه حركة النفس من المعقولات إلى حركة النفس في المعقولات، حركة النفس في المعقولات تسمى فكرًا في لغة العرب، هذه الحركة إنما تكون في شيءٍ معين له وجودٌ في الخارج العقل الذي يدرك هذه الأشياء يسمى عقلًا، أو الإدراك الذي يكون به هذه الأشياء يسمى عقلًا كما سيأتي في موضعه، [حقائق المعقول على التحقيق]، [حقائق] جمع حقيقة، وهي الشيء الثابت يقينًا، وحقيقة الشيء خالصه وكنهه [على التحقيق] التحقيق المراد به ذكر الشيء بدليله، وهو مصدر حَقَّقَ على وزن فَعَّلَ يقال: كلام محقق محكم الصنعة رصين، حقق الأمر أثبته وصدقه، ويقال: حقق الظن، وحقق القول والقضية والشيء الأمر أحكمه، [ودلهم على تصحيح طرق التصور والتصديق]، [دلهم] دلالة إرشادٍ وتوفيق [على تصحيح طرق التصور والتصديق] وهما قسما العلم كما سيأتي، العلم ينقسم إلى تصور، وإلى تصديق. ومنه صحيح ومنه فاسد، [فاستنتجوا بها] ... [فاستنتجوا] السين هذه للطلب [فاستنتجوا] نتيجة كما سيأتي قضيةٌ لازمةٌ لمقدمتين قولنا: العالم حادث، اللازم لقولنا: العلم متغير، وكل متغيرٍ حادث.

1 / 2

[بدائع الأسرار] أسرار البديع يعني: قدم وأخر لبدائع الأسرار، أي: من أسرار البديع، والأسرار جمع سرٍ وهو ما يكتمه المرء في نفسه، والبدائع قولهم: جمع بديع، بدعه بدعًا أنشأه على غير مثالٍ سابق فهو بديع، إذًا الأسرار البديعة الأسرار التي تكون في النفس استنتجوا بواسطة هذه الحقائق ما يكون في النفس وهو خفي، ثم هذا الاستنتاج على غير مثالٍ سابق، ففيه دقةٌ من حيث الإبداع [من دقائق الأنظار]، يعني: من الأنظار الدقيقة، أيضًا فيه تقديمٌ وتأخير، والأنظار جمع نظر كما سيأتي وهو: الفكر والتأمل، وله معنًى اصطلاحي ومعنًى لغوي، والدقيقة من دق الشيء غمض وخفي معناه فلا يفهمه إلا الأذكياء، [واستخرجوا بها]، [بها] الضمير يعود إلى ماذا؟ [فاستنتجوا بها] أي إلى حقائق المعقول، [واستخرجوا بها] أي حقائق المعقول، ويمكن أن يعود الضمير على طرق التصور والتصديق وهو أقرب لأنه أقرب مذكورٍ [واستخرجوا بها عرائس الأبكار من مخبئات الأسرار] هو معنى الجملة السابقة أعادها بجهة الكناية [واستخرجوا بها عرائس] جمع عروس، وعروس نعتٌ يستوي فيه الرجل والمرأة، رجلٌ عروس ورجالٌ عُرُس بضمتين وامرأةٌ عروس ونساءٌ عَرائس، إذًا أراد هنا المؤنث [واستخرجوا بها عرائس الأبكار]، [الأبكار] جمع بِكْر، وهي العذراء. [من مخبئات الأسرار]، يعني: من الأسرار المخبئة، يعني: المستورة، لأنه من خَبَّأَهُ من باب قَطَعَهُ مَا خُبِئَ وَاخْتَبَأَ، يعني: ما استتر. أي: الأسرار المستترة، [والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ] جمع بين الحمد والصلاة والسلام [على سيدنا) قائدنا [محمدٍ الذي شيد] وقوم ... [قواعد) وأصول [الإسلام بأفصح منطقٍ] المنطق المراد به الكلام، أي: الكلام الفصيح، ولو قال: بأبلغ منطق. لكان أولى لأن البلاغة تستلزم الفصاحة من غير عكس، قالوا: كلامٌ بليغ كلامٌ فصيح، والبلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته فهي جزءٌ من حد البلاغة [وأوضح خطاب] أوضح خطاب، يعني: الخطاب الواضح، المنطق الفصيح والخطاب الواضح، والخطاب هو: توجيه الكلام للغير، ففيه مرادفةٌ لقوله: [منطقٍ]. [وعلى آله] أتباعه على دينه [وأصحابه صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين)، يعني: صلاة مع السلام والسلام مع الصلاة امتثالًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]. ثم قال: [إلى يوم العرض والحساب]. وهي مؤبدة في الدنيا.

1 / 3

وبعد فيقول مرتجي عفو ربه الغني حسن بن درويش القويسني: قد كنت قرأت في بعض السنين كتاب «السلم» لجماعةٍ من المبتدئين فسألوني أن أملي عليه كلماتٍ توضح ما أشكل منه، وتفتح ما أُغلق منه، مع الاقتصار على معانيه وإعراب مبانيه، فأمليت عليه ما تيسر من حفظي، ولم أراجع فيه مادةً سوى محلين أو ثلاث، راجعت فيها شرح شيخ شيوخنا العلامة الملوي، ثم استأذنني بعض الإخوان عامله الله باللطف والإحسان أن يجرده ويخليه من الإعراب لكونه غير لائقٍ بهذا الشأن. فأذنت له في ذلك، فجرده من الإعرابِ، فجاء بحمد الله جملةً كافيةً في فهم الكتاب لذوي الألباب، وأنا أسأل من اطلع عليه أن يتجاوز عما يراه من خطأٍ وزلل، وعلى الله الاعتماد والتكلان، وإليه الملجأ وبه المستعان، وأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به النفع العميم، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. ــ - الشرح - ــ [وبعد] أي بعد ما ذُكِرَ من الحمدلة والصلاة والسلام على النبي ﵌، [فيقول] الفاء واقعة لجواب الشرط [فيقول مرتجي عفو ربه الغني]، [مرتجي] ارتجى يرتجي فهو مرتجي، يعني: مأخوذٌ من الرجاء وهو الأمل. إذًا يقول: مؤمل [عفو ربه الغني حسن بن درويش القويسني] هذا عطف بيان [مرتجي] هذا فاعل وهو مضافٌ إلى مفعوله فاعل مضاف إلى مفعوله ارتجى عفو ربه [وعفو] هنا الأصل هو مفعولٌ به.

1 / 4

[قد كنت قرأت في بعض السنين كتاب السلم]، [قرأت] يعني للطلاب تدريسًا «السلم المنورق» وأل فيه للعهد الذهني [لجماعةٍ من المبتدئين] الذين شرعوا في علمٍ قد يكون مبتدئين مطلقًا وقد يكون مبتدئين في خصوص الفن، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، والمبتدئ هو الذي بدأ في العلم ولم يتصور بعد المسائل، الذي لم يتصور المسائل يعني: لم يعلم حقيقة المسائل، ما يدري ما هو الفن؟ وفي ماذا يبحث هذا الفن؟ يسمى مبتدئًا، فإن تصور المسائل دون دليل فهو المتوسط، فإن تصور المسائل مع أدلتها فهو المنتهي هكذا [فسألوني أن أملي عليه كلماتٍ]، وهذا تواضعٌ منهم بأن هذا الشرح إنما هو كلمات وليس بذات الشرح الذي يكون في مرتبة شروح المتون عند أهل العلم [توضح] هذه الكلمات [ما أشكل منه]، يعني: من السلم. يقال: أشكل الأمر التبس. [وتفتح] أي هذه الكلمات [ما أُغلق منه] يعني من السلم، قالوا: أَغْلَقَ واْسَتغْلَق المسألة عَسُر فهمها [مع الاقتصار على معانيه وإعراب مبانيه] انظر هنا جمع بين الأمرين: الإعراب، والمعنى. بأن الثاني يوصل إلى الإعراب والمعنى، لأن الأول يوصل إلى الثاني، يعني: فهم المعاني إنما يكون بإعراب المباني، هذا هو الأصل، الأصل لغةً وعقلًا وعرفًا عند أهل العلم أن المعاني إنما تستنبط بفهم الإعراب، ولذلك هو طريقٌ لفهم المعاني قد يوجد المعنى العام دون إعراب، وهذا الذي يُزَهِّدُ بعض طلاب العلم في دراسة النحو كونه يدرك بعض المعاني العامة وبعض ما يدركه من خارجٍ عن اللفظ فيظن أنه لا يحتاج إلى النحو لأنه فهم، وإذا فهم حينئذٍ بطل فائدة النحو نقول: لا، المعاني الدقيقة والمعاني التي يريدها المتكلم سواءً كان في القرآن أو في غيره هذه لا يوصل إليها ولا يتوصل إليها إلا بفهم لسان العرب الذي هو إقامة الإعراب. إذًا [مع الاقتصار] على ماذا؟ [على معانيه وإعراب مبانيه]، يعني: الألفاظ. [فأمليت عليه ما تيسر من حفظي، ولم أراجع فيه مادةً سوى محلين أو ثلاثة]، وكأن هذا الكتاب يكون محفوظًا وفيه فائدة وهي: أن أهل العلم كانت تكتب عنهم الكتب إملاءً، وهذا موجودٌ قديمًا وحديثًا ومثل ما ذكره المصنف هنا ما يوجد الآن في تفريغ الأشرطة التي يمليها أهل العلم من الدروس ثم بعد ذلك تحول إلى كتب وهي من جنس ما ذكره المصنف هنا.

1 / 5

[راجعت فيها شرح شيخ شيوخنا العلامة الملوي، ثم استأذنني بعض الإخوان عامله الله باللطف والإحسان أن يجرده ويخليه من الإعراب لكونه غير لائقًا بهذا الشأن]، يعني: الإعراب الدقيق الذي لا يُحتاج إليه غير لائقٍ بهذا الشأن. [فأذنت له في ذلك] يعني التجريد من صنع الطلاب، [فجرده من الإعرابِ، فجاء بحمد الله جملةً كافيةً في فهم الكتاب لذوي الألباب]، أصحاب الألباب يعني: العقول. [وأنا أسأل من اطلع عليه] على هذا الكتاب ووقف [أن يتجاوز عما يراه من خطأٍ وزلل]، زلل بمعنى الخطأ، [وعلى الله الاعتماد والتكلان، وإليه الملجأ والملاذ والاعتصام وبه المستعان، وأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به النفع الأمين، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير]، قالوا: جَدُرَ بكذا وله جدارة صار خليقًا به، فهو جدير حينئذٍ يكون من باب الإخبار، لأنه لم يثبت من جهة النص وصف الله تعالى بالجدارة وأنه جدير وإنما يكون من جهة الإخبار. - - - بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ لأَرْبَابِ الحِجَا

1 / 6

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) أي: أؤلف مستعينًا ببسم الله، والاسم مشتقٌ من السمو، والله عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان استعملتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطَع بالتخفيف وقطَّع بالتشديد، وابتدأ بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملًا بقوله ﷺ: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي ناقص وقليل البركة. (الحَمْدُ) أي الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختياري على جهة التعظيم ثابت، (لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا سواء جعلت فيه أل للاستغراق وهو ظاهر، أم للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص جميع الأفراد، أم للعهد بمعنى أن الحمد المعهود الذي حمد الله به نفسه، وحمده به أنبياؤه وأولياؤه وأصفياؤه مختص به، والعبرة بحمد من ذكر فلا فرد منه لغيره على كل تقدير بدلالة المطابقة على الاحتمال الأول وبدلالة الالتزام على الثاني وبالادعاء على الثالث، وابتدأ بالحمدلة ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وعملًا بخبر «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»، وجمع بين الابتدائين عملًا بالروايتين، وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما، إذا الابتداء حقيقي وإضافي، فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي حصل بالحمدلة، واختار في جملة الحمد الاسمية على الفعلية اقتداءً بالآية ولدلالتها على الثبات والدوام، وقدم لفظ الحمد على لفظ الجلالة لرعاية المقام، وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته، فرعاية المقام أنسب للبلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام (الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا) أي: أظهر وأوجد (نَتَائِجَ) جمع نتيجة وهي قضية لازمة لمقدمتين، كقولنا: العالم حادث اللازم لقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث. (الفِكْرِ) يطلق على المفكر فيه مجازًا، وعلى حركة النفس في المعقولات، أي: انتقالها من المبادئ إلى المطالب، وعلى النظر الاصطلاحي اصطلاحًا فيعرف الفكر على الأخير بأنه: ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى أمر مجهول، فالأمور المعلومة المقدمتان: الصغرى، والكبرى، والأمر المجهول هو: النتيجة. كما تقدم تمثيله (لأَرْبَابِ) أي: أصحاب الحِجَا بالقصر، أي: العقل، وهو نور روحاني به تدرك النفس المعلومات الضرورية والنظرية، وفي تصدير الكتاب بذكر النتائج والفكر والعقل براعة استهلال وهي أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يُشعر بمقصوده، ففي ذلك إشعار بالمنطق الذي يتكلم فيه على النتائج والفكر، أي: النظر، وهو من العلوم العقلية. ــ - الشرح - ــ

1 / 7

[قال المؤلف رحمه الله تعالى] هذا من كلام الشارح: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) هذا من كلام الأخضري رحمه الله تعالى في مقدمة السلم، وجرى على ما شاع وذاع عند أهل العلم من افتتاح المنظومات، وإن كانت شعرًا بالبسملة، والشارح رحمه الله تعالى تكلم على مفردات البسملة كما هو العادة عندهم أنهم لا يتركون شيئًا من ألفاظ المتن. [أي أؤلف]، ... (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) أي أؤلف مستعينًا ببسم الله)، هنا قال: ... [أؤلف]. وأي هذه تفسيرية، وهنا استعملها في مقام تفسير المركب، لأن التفسير هنا للجملة ما معنى بسم الله الرحمن الرحيم؟ معناها أؤلف مستعينًا بسم الله، والأصل فيما يفسر به المركب أن يؤتى بلفظ يعني، هذا الأصل فيه، لكن قد يتوسع بعض أهل العلم في إطلاق أي التفسيرية التي تكون في الأصل للمفردات في موضع تفسير المركبات، والعكس بالعكس. [أي أؤلف]، [أؤلف] أرد أن يفصح عن المتعلق الذي تعلق به الجار والمجرور لأن (بسْمِ) هذا جار مجرور، والباء هنا حرفٌ أصلي حينئذٍ لابد له من متعلقٍ يتعلق به. ما هو هذا المتعلق؟ قدَّرَهُ المصنف هنا فعلًا، وقدره خاصًا، فعلًا لأن الأصل في العمل للأفعال، وخاصًا يعني: ليس عامًا، لأنه أدل على المقصود [مستعينًا]. هذا تفسير لمعنى الباء [بسْمِ اللهِ] ما المراد بالباء هنا؟ قال: المراد بها الاستعانة، [أؤلف مستعينًا بسم الله] وقدم هنا [أؤلف] حال كوني [مستعينًا] هذا حالٌ من فاعل أؤلف أؤلِّف أنا حال كوني مستعينًا قدم أؤلف مستعينًا على بسم الله والعكس هو الأصح أن يقال: أي بسم الله أؤلف حال كوني مستعينًا، ليدل على القصر والحصر وهو: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. أي: بسم الله لا بسم غيره، وهذا إنما يؤخذ من التقديم والتأخير قوله: [أؤلف مستعينًا بسم الله]. لو أخر [أؤلف مستعينًا] لكان أولى.

1 / 8

[والاسم] في قوله: [بسم]. [مشتقٌ من السمو]، وعلى المذهب الصحيح، وهو مذهب البصريين بمعنى العلو. [والله] الذي هو المضاف إليه، لأن الاسم مضاف ولفظ الجلالة مضافٌ إليه، [عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق بجميع المحامد] الله علم ولا شك أنه أعرف المعارف، وعلى الصحيح أنه علمٌ مشتق بمعنى أنه يدل على ذاتٍ وصفةٍ، وقد غلط من قال: بأنه علمٌ جامد يدل على الذات فقط. وهذا غلط، ولذلك ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: من نسبه إلى سيبويه فقد أخطأ عليه خطئًا بالغًا. [علمٌ على الذات]، [الذات] بمعنى ما قام بنفسه، يعني: يقابل الصفة ويرادف النفس، هذا المراد في مثل هذا المواضع، [علمٌ على الذات] إذًا هي المسمى، وإذا كان كذلك فحينئذٍ يكون الذات هنا مرادفٌ للنفس ما قام بنفسه وهي مولدة ليست عربية لأنها في لسان العرب إنما تستعمل في مقابلة ذو التي بمعنى صاحب، تقول: رَأَيْتُ ذَا عِلْمٍ وَذَاتَ عِلْمٍ. كما تقول: رَأَيْتُ ذَا عِلْمٍ. يعني: صاحب علمٍ، وذات علمٍ يعني: صاحبة علم، هذا الأصل تستعمل في لغة طي بمعنى التي، وهذان استعمالان مشهوران في لسان العرب، وأما إطلاق الذات بمعنى النفس كما يقال: جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، جَاءَ زَيْدٌ ذَاتُهُ. وهذا اصطلاحٌ مولدٌ وهو من بدع أهل الكلام، حينئذٍ استعمله بعض من هو على جادة عقيدة السلف فيحمل على معنى الإخبار لأنه صفة لله ﷿، فإذا قيل: الله ذاتٌ، أو الله علمٌ على الذات. يكون من باب الإخبار لا من باب الصفات، لأن باب الصفات توقيفي بمعنى أنه لا بد له من دليلٍ يثبت به اللفظ، وهذا اللفظ من حيث المعنى وهو ما يقابل الصفة نقول: المعنى صحيح ثَمَّ ذاتٌ موصوفةٌ بصفات، إذ العقل يستلزم أن يكون ثَمَّ صفة وموصوف، إذًا ما هو الموصوف؟ لا بد أن يكون مغايرة في الجملة للذات للصفة حينئذٍ نقول: لفظ الذات إطلاقه في الأصل أنه إطلاقٌ بدعي، ولكن استعمله أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله تعالى وابن القيم، وغيرهما.

1 / 9

والمراد به ما يقابل الصفة، حينئذٍ يكون مرادفًا للنفس ويكون من باب الإخبار [عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود]، كذلك واجب الوجود هذا لم ينطق به السلف، وإن كان المعنى صحيحًا، ويختلف مع أهل الكلام في طريقة الإثبات، الوجود قد يكون واجبًا، وقد يكون ممتنعًا، وقد يكون جاهزًا، وأما لفظ الوجود من حيث هو فنقول: هذا اللفظ من حيث الوصف إنما يكون مشتركًا بين الحادث وبين القديم الأزلي، يعني: يشترك فيه كلٌ من الممكن والواجب والحادث والقديم الأزلي، فالله تعالى يوصف بأنه موجود، والحادث تلك المخلوقات كذلك توصف أيضًا بأنها موجود، ولكن للممكن وجود يخصه، وللخالق جل وعلا وجودٌ يخصه، وحينئذٍ يكون الاشتراك في مطلق المعنى وإطلاق اللفظ فحسب، ثُم إذا أضيف إلى الخالق جل وعلا تميز، وإذا أضيف المخلوق كذلك تميز كمطلق السمع والبصر ونحو ذلك من الألفاظ المشتركة من حيث هي، يعني من حيث المعنى الكلي، وأما إذا أضيفت حينئذٍ تمايزت، وهنا [واجب الوجود] هذا خاصٌ بالله ﷿ و[واجب الوجود] هو الذي لا يتصور في العقل عدمه، يعني: يمنع العقل أن لا يوجد، وهذا خاصٌ بالله ﷿، وأما جائز الوجود فهو ما يتصور العقل وجوده وعدمه، كسائر المخلوقات، وأما الممتنع فهو ما لا يتصور في العقل وجوده، كخالقٍ ثانٍ مع الله ﷿ هذا يمتنع عقلًا، ومن هنا صارت الأحكام العقلية ثلاثة: جائز، وممتنع، وواجب. [واجب الوجود] هذا خاصٌ بالله ﷿، إذًا الوصف بالوجود نقول: من حيث المعنى، أو المعنى الكلي، أو مطلق المعنى هذا مشترك بين الخالق والمخلوق واللفظ كذلك، زَيْدٌ مَوْجُود والله تعالى موجود، لكن زيد وجوده سبق بعدم ويلحقه فناء، وأما وجود الله تعالى فلم يُسبق بعدم ولا يلحقه فناء، إذًا افترقا من حيث الوصف، ومن حيث إطلاق اللفظ بأن الله تعالى موجود نقول: هذا كالقول في لفظ الذات يعني: لم يأتي لفظ الوجود في الكتاب والسنة، حينئذٍ يكون من باب الإخبار.

1 / 10

[المستحق] لذاته جل وعلا [لجميع المحامد] يعني جميع أفراد المحامد. [والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان] يعني الرحمن على وزن فعلان صفةٌ مشبهة، والرحيم فعيل صفةٌ مشبهة [استعملتا] يعني هاتان الصفتان للمبالغة التقوية والتأكيد من الأصل رَحِمَ وليس عندنا رَحُمَ، ولكن لا يمكن أن يشتق على الجهة الصفة المشبهة إلا من الفعل اللازم وصوغها باللازم لحاضر، وصوغها أي: الصفة المشبه من اللازم. فهي تختص بالفعل اللازم، ورحم الله زيدًا هذا متعدي أليس كذلك؟ رحم الله زيدًا هذا متعدي، وإذا كان رحم متعديًا امتنع اشتقاق الصفة المشبه منه لأنها خاصة باللازم، قال جمهرة من النحاة والصرفيين: إذا جاء الاشتقاق والصفة المشبَّه من فعل والأصل فيه أنه متعدي قالوا: ينقل إلى باب فَعُلَ. ولذلك حينئذٍ نقول: الرحمن الرحيم صفتان مشبهتان مشتقتان من رَحُمَ، يعني: الأصل فيه رَحِمَ متعدد، ثم ننقله إلى باب فَعُلَ ومر معنا أن فَعُلَ كله لازم إذا كان كذلك حينئذٍ إذا جاء متعديًا ننقله أولًا إلى باب فَعُلَ، ثم بعد ذلك نشتق منه الصفة المشبه من باب طرد القواعد حينئذٍ [من رحم] نقرأه على وزن فَعُلَ، فإن قيل: الأصل رَحِمَ. نقول: نعم الأصل فيه أنه من باب فَعِلَ، لكن لقوله: [صفتان مشبهتان]. والصفة المشبه لا تشق إلا من اللازم لا من المتعدي كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى: وصوغها من لازم لحاضرِ ... كطاهر القلب جميل الظاهرِ

1 / 11

حينئذٍ نقول لهذه القاعدة تقول: [استعملتا للمبالغة من رحم]. الرحمن الرحيم اسمان كريمان من أسمائه جل وعلا دلان على اتصافه بصفة الرحمة وهي: صفة حقيقية ثابتة له جل وعلا على ما يليق به، ولا يجوز القول بأن المراد بها لازم معناها، يعني: لازم الرحمة وإرادة الإحسان والإنعام، وإن كان هو من مدلول اللفظ الرحمن له دلالات دلالة على الذات، ودلالة على الصفة، ودلالة على الذات والصفة معًا، دلالتان أُولَيَان من باب التضمن الدلالة السارية على الذات والصفة من باب المطابقة ولها لازم، يعني: دلالة لزوم. وهذا يدل على أنه حي، كريم، جواد ... إلى آخره، وكذلك يدل على الإحسان والإنعام حينئذٍ إثبات الرحمة لا يلزم منه نفي الإحسان، لكن الذي يكون من باب التحريف عند أرباب التعطيل أن يجعل الرحمن مدلوله المطابقي هو: إرادة الإحسان والإنعام. هذا الذي ينكر، فإذا قيل: الرحمن في الأصل إنما هو الرحمة ولا يعقل منها إلا رحمة المخلوق، إذًا هو مجاز من باب إطلاق المجاز وإرادة اللازم، إذًا فسروا المعنى بماذا؟ باللازم نقول: هذا باطل، وإنما نثبت الرحمن وهو دال على صفة حقيقة ثابتة لله ﷿ تليق بجلاله لا تماثل رحمة المخلوقين ومن لازمها الإحسان والإنعام هذا لا تنافي فيه نقول: لا بد منه، لكن أن يكون مدلول اللفظ هو: اللازم. هذا الذي يكون ممتنعًا، واختلف في الجمع بينهما فقيل: المراد بالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء في الدنيا، لأن صيغة فَعْلان تدل على الامتلاء والكثرة، وهذا الذي أشار إليه الشارح [والرحمن أبلغ من الرحيم] لأنه جاء على وزن فَعْلان وفعلان فيه زيادة على الرحيم من حيث استعمال العرب لمادة فعلان لما يدل على الامتلاء والكثرة، والرحيم أقل عددًا يعني من حيث الحروف من الرحمن، لأن زيادة البناء الوزن تدل على زيادة المعنى، إذًا الرحمن أوسع حينئذٍ تعم رحمته كل شيء في الدنيا، والرحيم حينئذٍ يختص بالمؤمنين في الآخرة، وقيل: العكس. وابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الرحمن دال على الصفة القائمة بالذات، فهي صفة ذاتية، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فهي صفة فعلية، وذلك إذا اجتمعا، إذًا [والرحمن أبلغ]، يعني: أكثر بلاغة. حينئذٍ اشتركا في أن كلًا منهما بليغ الرحمن الرحيم كل منهما بليغ إلا أن الرحمن أبلغ من الرحيم لماذا؟ قال: [لأن زيادة البناء] فَعْلان [تدل على زيادة المعنى كما في قطَع التخفيف] يعني بدون تثقيل وتشديد. [وقطَّع بالتشديد] لا شك أن ثَمَّ فرقًا قَطَعَ قَطَّعَ خَرَجَ خَرَّجَ قَتَلَ قَتَّلَ، ولذلك مر معنا في الصرف أن فَعَّلَ يدل في الأصل على التكثير، وهذا هو الذي عناه المصنف هنا، إذًا الرحمن أبلغ من الرحيم لأنه في منزلة قَطَعَ وَقَطَّعَ فَقَطَعَ هو الرحيم وقَطَّعَ هو الرحمن [وابتدأ بالبسملة] إذًا لماذا ابتدأ الناظم بالبسملة؟ البسملة مصدر [اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملًا بقوله ﷺ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي ناقص وقليل البركة]. والحديث ضعيف وقوله: [اقتداءً بالكتاب العزيز].

1 / 12

بمعنى أن الاقتداء إنما حصل لكون الرب جل وعلا افتتح القرآن بـ بسم الله الرحمن الرحيم، أول ما تفتح القرآن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، إذًا لكون الخالق جل وعلا ابتدأ كتابه بالبسملة كذلك كل مصنف يبتدئ كتابه بالبسملة، وهذا جرى عليه أهل العلم وهو محل إجماع لكنه إجماع عملي ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ (الحَمْدُ) قال: [أي: الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختياري على جهة التعظيم]. اشتهر أن الحمد في اللغة ثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم خرج به ما كان على جهة الخوف مثلًا أو على جهة ليس فيها جهة التعظيم فلا يسمى حينئذٍ حمدًا وإن سمي مدحًا، [وعرفًا فعلًا ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره] وهذا فيه خلل لقوله: [من حيث إنه منعم على الحامد]. حينئذٍ إذا تعلق الحمد بغير الخالق جل وعلا حينئذٍ يحمد من حيث إنه منعم، يعني: يحمد على الصفات المتعدية دون الصفات اللازمة كالكبرياء والتعالي ونحو ذلك، وهذا غلط إنما يحمد الله تعالى على صفاته مطلقًا سواء كانت الصفات لازمة لا تتعدى إلى المخلوق، أو كانت الصفات متعدية ولها أثر على المخلوق والناظم أو الشارح هنا فسره بتفسير أيضًا هو موجود في كتب أهل العلم (الوصف بجميل الصفات) إذًا الصفات الجميلة من باب إضافة الصفة إلى الموصوف [على الجميل الاختياري] لا الجميل القهري كالجمال ونحوه فإن الوصف به أو الثناء عليه لا يسمى حمدًا وإنما يسمى مدحًا، ... [على جهة التعظيم] فإن كان الوصف بجميل الصفات على جميل الاختيار لا على جهة التعظيم حينئذٍ لا يكون حمدًا وإنما يكون مدحًا، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يرى أن المدح هو: ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. وهذا معنى جيد [(لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا] (لِلَّهِ) قال: [ثابت (لِلَّهِ)]. الحمد ثابت لله، [ثابت] ماذا أراد بها الشارح هنا؟ أراد أن يبين لك متعلق الجار والمجرور، يعني: خبر المحذوف الحمد مبتدأ أين خبره؟ لله، هل لله بعينه هو الخبر؟ الجواب: لا، وإنما هو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، ما تقديره؟ قال: [ثابت]. إذًا هذا تصريح، وهذا من فوائد المزج أنه يذكر لك أثناء الشرح المتعلقات أو المحذوفات، [ثابت (لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا] هذا من باب الاختصاص كأنه يقول لك: اللام في لله للاختصاص أو للاستحقاق. وضابط اللام التي تكون للاختصاص أن تقع بين ذاتين وتدخل على من يملك؟ من لا يملك أو ما لا يملك الْحَصِيرُ لِلْمَسْجِدِ، الْبَابُ لِلدَّارِ دخلت اللام هنا بين ذاتين حصير والمسجد، ودخلت على ما لا يملك والمسجد لا يصح منه الْمُلْك وَالْمِلْك وإنما هو من شأن العقلاء، [استحقاقًا] اللام التي تكون للاستحقاق أن تقع بين معنى وذات الحمد لله [سواء جعلت فيه أل للاستغراق وهو ظاهر أم للجنس]، [سواء جعلت فيه]، يعني: في الحمد.

1 / 13

(أل) الداخلة على الحمد [للاستغراق] وضابطها هي التي يصح حلول لفظ كل محلها حقيقةً لا مجازًا، وهي التي يجعلها الأصوليين من صيغ العموم ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ﴾ [العصر: ٢، ٣] ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ يعني: كل إنسان. أل هذه للاستغراق، وإذا كان كذلك حينئذٍ صح حلول لفظ كل محلها، وصح الاستثناء من مدخولها هذه تسمى ماذا؟ أل الاستغراقية، حينئذٍ الحمد لله كل أنواع الحمد ثابتة لله تعالى صح المعنى، ولذلك قال: [وهو ظاهر أم للجنس]. وهو الذي يصح حلول لفظ كل محلها مجازًا لا حقيقةً، ولا يصح الاستثناء من مدخولها الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ، أي: جنس الرجل خير من جنس المرأة. وليس المراد به ماذا؟ الأفراد وليس المراد به الأفراد، ويحتمل أن مراده بالجنس هي التي يعبر عنها بأنها ما صح أن يحل لفظ كل محلها مجازًا لا حقيقةً، ولا يصح الاستثناء من مدخولها أَنْتَ الرَّجُلُ عِلْمًا أَنْتَ كُلُّ رَجُلٍ، يعني: الذي اجتمعت فيك صفات الرجال لكن ليس كل الصفات وإنما هي صفة العلم [وهو ظاهر في الاستغراق أم للجنس] كانت أل للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص جميع الأفراد، يعني: جنس الحمد الذي هو مطلق الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختيار على جهة التعظيم لله، الجنس من حيث هو بقطع النظر عن الأفراد التي تقع في الخارج سواء كانت أفرادًا قليلةً أو كثيرةً وهذا يلزم منه ماذا؟ إذا اختص الجنس لزم منه اختصاص الأفراد أليس كذلك؟ إذا قلنا: هذا الشيء خاص بزيد. حينئذٍ نقول: كل فرد من أفراد هذا الشيء فهو خاص بزيد حينئذٍ إذا اختص الجنس الذي هو حقيقة الحمد من حيث هو الوصف بالجميل إلى آخره بالله ﷿ حينئذٍ كل فرد من أفراد الحمد فهو خاص بالله ﷿ [أم للعهد] وهي واضحة [بمعنى أن الحمد المعهود الذي حمد الله به نفسه، وحمده به أنبياؤه وأولياؤه وأصفياؤه مختص به]، إذًا يحتمل في أل أن تكون استغراقية، أي: كل أنواع الحمد الواقعة في الخارج لله ﷿، ويحتمل أن تكون أل للجنس، أي: جنس الحمد خاص بالله، ويلزم منه أن الأفراد تكون خاصة بالله ﷿، أو تكون أل للعهد والمعهود حينئذٍ حمده لنفسه جل وعلا وحمد أنبيائه وأصفيائه [والعبرة بحمد من ذكر] يعني حمد الله ﷿ وأنبيائه وأصفيائه [فلا فرد منه لغيره على كل تقدير)، [فلا فرد منه]، يعني: من الحمد. [لغيره] لغير الله ﷿ [على كل تقدير]، يعني: سواء جعلنا أل استغراقية، أو جنسية، أو عهديه فالحمد بجميع أفراده لله ﷿، ولا يخرج منه فرد من أفراد الحمد لغير الله ﷿، والمعنى حينئذٍ يكون صحيحًا [بدلالة المطابقة على الاحتمال الأول] الذي هو أل الاستغراقية، لأن أل الاستغراقية تدل على ماذا؟ تدل على الأفراد في الخارج مطابقة ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾، يعني: كل إنسان زيد، وعمرو، وخالد ...

1 / 14

إلى آخره، إذًا دل اللفظ على ما وضع له في لسان العرب، والعام اللفظ العام الشمول والإحاطة إذا دل على جميع أفراده في الخارج الدلالة تكون مطابقية، وسيأتي معنى مطابقية [وبدلالة الالتزام على الثاني] أل التي للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس بالخالق جل وعلا اختصاص أفراد الحمد به وهو واضح، [وبالادعاء على الثالث] ما هو الثالث؟ كونها للعهد، لأننا ادعينا ماذا؟ قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. ادعينا أن الحمد هنا المراد به حمده جل وعلا لنفسه وحمد أوليائه من الأنبياء والأصفياء، وهذا يحتاج إلى دليل [وابتدأ بالحمدلة ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً]، يعني: جمع بين الأمرين البسملة والحمدلة. ابتدأ الناظم بالحمدلة هذا مصدر [ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وعملًا بخبر «كل أمر ذي بال»]، يعني: شأن وحال ومرتبة في الإسلام في الدين [«لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»] وهذا الحديث كسابقه، إذًا وجمع بين الابتدائَيْنِ عملًا بالروايتَيْنِ لأن الحديث السابق «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه». وهذا «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه». إذًا كيف نجمع بينهما؟ إما هذا أو ذاك حينئذٍ قالوا: نجمع بينهما نبدأ بالبسملة أولًا ثم بالحمدلة ثانيًا عملًا بالروايتين واقتداءً بالكتاب، لأن القرآن بدأ بالبسملة ثم ثنى بالحمدلة، وهذا جمع بين الأمرين [وإشارة]، يعني: فيه إشارة [إلى أنه لا تعارض بينهما] يعني بين الأثرين الحديثين والابتدائيين. [إذا الابتداء] نوعان: ابتداء حقيقي، وابتداء إضافي. الابتداء نوعان: ابتداء حقيقي، وابتداء إضافي. والابتداء الحقيقي هو: الابتداء بما تقدم أمام المقصود ولم يسبقه شيء، يعني: لم يسبقه حرف واحد ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ البسملة هل سبقها شيء؟ لا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ سبقها شيء؟ نعم سبقها شيء، لكنه ليس من المقصود فحينئذٍ جعلوا الابتداء نوعين ابتداء حقيقي وهو الذي لم يسبقه شيء البتة كالبسملة هنا. وابتداء إضافي وهو: الابتداء بما تقدم أمام المقصود وإن سبقه شيء، لكنه لا يكون متعلقًا بالمقصود بمعنى أن الكلام هنا في ماذا؟ في المنطق وما يتعلق به المقصود يأتي من قوله: (وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ). هذا الذي قصده الناظم لماذا أراد أن يكتب؟ لماذا أراد أن يخطب؟ لماذا أراد أن يحرر؟ إلى آخره نقول: لأجل كذا. حينئذٍ صار المقصود إذا لم يتقدم على البسملة أو الحمدلة قالوا: هذا لم يتقدم وإن تقدمه شيء.

1 / 15

[فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي حصل بالحمدلة، واختار في جملة الحمد الاسمية على الفعلية اقتداءً بالآية ولدلالتها على الثبات والدوام]، (الحَمْدُ لِلَّهِ) لم قال: (الحَمْدُ لِلَّهِ). ولم يقل: أحمد الله؟ لماذا جاء بالجملة الاسمية ومعلوم أن الجملة نوعان: جملة اسمية، وجملة فعلية. قال: [اقتداءً بالكتاب]. اقتداءً بالآية أيُّ آية؟ آية الفاتحة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الكلام متعلق بافتتاح الكتاب [ولدلالتها]، أي: الجملة الاسمية على الثبات والدوام بخلاف الجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، إذا قلت: زَيْدٌ أَسَدٌ. يعني: مطلقًا في كل وقت. هذا الأصل فيه فهي دالة على الثبات والدوام، إذا قلت: قَامَ زَيْدٌ. هذا لا يدل على أن زيد قائم مطلقًا، وإنما في وقت دون وقت، إذًا فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، هنا قال: (الحَمْدُ لِلَّهِ). أي: الحمد الدائم الثابت لله تعالى. [وقدم لفظ الحمد على لفظ الجلالة لرعاية المقام] للأصل لأنه مبتدأ ولله هذا خبر والأصل أن يتقدم المبتدأ على الخبر، [ولرعاية المقام وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته] لفظ الجلالة الله أهم لا شك لأنه هو المحمود فالأصل أن نقول: لله الحمد. لكن نقول: هنا قدم أولًا لأن الأصل في المبتدأ أن يتقدم ثم رعاية للمقام لأن المقام هنا ما هو؟ أراد أن يحمد الله تعالى، إذًا الحمد مقدم، إذًا يكون مقدمًا على لفظ الجلالة، [وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته فرعاية المقام أنسب للبلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام] وهذا يأتي بحثه في موضعه إن شاء الله تعالى (الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا)، (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي) نعت هذا (قَدْ أَخْرَجَا) الألف هذه للإطلاق [أي أظهر وأوجد] والإظهار والإيجاد متقاربان أخرج ماذا؟ (نَتَائِجَ) هذا مفعول لقوله: (أَخْرَجَا). وأخرجا قلنا الألف هذه للإطلاق والموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني: الحمد لله المخرج (نَتَائِجَ) (نَتَائِجَ) هذا مفعول قوله: (أَخْرَجَا). جمع نتيجة، [وهي قضية لازمة لمقدمتين] مقدمتين فأكثر [كقولنا: العالم حادث] هذه قضية [لازمة لقولنا: العالم متغير وكل متغير حادث] هذا سيأتي في باب القياس. إِنَّ القِيَاسَ مِنْ قَضَايَا صُوِّرَا ... مُسْتَلْزِمًا بِالذَّاتِ قَوْلًا آخَرَا المراد هنا أنه جاء بلفظ النتائج وهي جمع نتيجة وهي من اصطلاح المناطقة حينئذٍ يكون في نظمه براعة استهلال. الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ ... ...............

1 / 16

إذًا نتائج والفكر هذه ألفاظ يستعملها المناطقة حينئذٍ صار في الكلام براعة استهلال، وأما النتيجة وضبطها سيأتي في محله (نَتَائِجَ الفِكْرِ) مضاف ومضاف إليه و(الفِكْرِ) بكسر الفاء وإسكان الكاف [يطلق على المفكر فيه مجازًا، وعلى حركة النفس في المعقولات] النفس المراد بها الذهن، والمعقولات جمع معقول وهو الشيء المدرك قلنا: العقل هو الذي يكون به الإدراك. العقل هو آلة الإدراك طيب يُدْرِك ماذا؟ يُدْرِك الشيء الْمُدْرَك الذي يمكن أن يُدْرَك، حينئذٍ الْمُدْرِك يسمى عقلًا والْمُدْرَك يسمى معقولًا [حركة النفس] أي الذهن والعقل. [في المعقولات أي انتقالها من المبادئ إلى المطالب] هذا تفسير للحركة، وهذا سيأتي بحثه في باب النظر بجهة التوسل [وعلى النظر] يعني يطلق الفكر على النظر. [الاصطلاحي اصطلاحًا فيعرف الفكر على الأخير بأنه ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى أمر مجهول]، [ترتيب أمور] أمرين أقلها معلومين ليتوصل بهما إلى أمر مجهول سواء كان تصوريًّا أو تصديقيًّا، [فالأمور المعلومة المقدمتان: الصغرى، والكبرى. والأمر المجهول هو: النتيجة. كما تقدم تمثيله]، [العالم متغير وكل متغير حادث]، إذًا العالم حادث هذا سيأتي بحثه في محله ... [(لأَرْبَابِ) أي أصحاب] نتائج الفكر أخرجا (لأَرْبَابِ) متعلق بقوله: ... (أَخْرَجَا). [أي أصحاب (الحِجَا) بالقصر، أي العقل وهو نور روحاني به تدرك النفس المعلومات الضرورية والنظرية] وسيأتي تقسيم العلم إلى نظري وضروري [وفي تصدير الكتاب بذكر النتائج والفكر والعقل براعة استهلال] هذا المقصود، وأما الألفاظ هذه الشرح يأتي في محلها [وهي] أي براعة الاستهلال. [أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يشعر بمقصوده، ففي ذلك إشعار بالمنطق الذي يتكلم فيه على النتائج والفكر، أي: النظر، وهو من العلوم العقلية]، إذًا مقصود الناظم هنا أن يأتي في مقدمة كلامه بما يشعر بالمقصود الذي من أجله صنف هذا النظم. - - - وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ (وَحَطَّ) أي أزال. (عَنْهُمْ) أي: عن أرباب الحجا (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ) بدل من الجار والمجرور قبله أي: أزال الله عن عقلهم الذي هو كالسماء، فأل في العقل بدل عن الضمير، وشبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية (كُلَّ حِجَابٍ) مفعول حط، أي: كل مانع (مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ) أي: من الجهل الذي هو كالسحاب، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه كسابقه، لأن الجهل يمنع العقل عن إدراك العلوم المعنوية كما أن السحاب يمنع النظر من إدراك الشموس المحسوسة فكل من السحاب والجهل وجودي. ــ - الشرح - ــ

1 / 17

(وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، [(وَحَطَّ) أي: أزال. (عَنْهُمْ)، أي: عن أرباب الحجا. (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)] يعني من العقل الذي هو كالسماء. [بدل من الجار والمجرور قبله] حط عنه من سماء العقل، قلنا: هذا بدل من الجار والمجرور قبله، وهذا يذكره بعض النحاة أن البدل قد يكون في الجار والمجرور [أي: أزال الله عن عقلهم الذي هو كالسماء فأل في العقل بدل عن الضمير] على مذهب الكوفيين من جواز ذلك ويمنعه البصريون، [وشبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية] السماء هي محل لطلوع الشمس، والشمس إنما فائدتها ماذا؟ الإشراق الحسي، يعني: يدرك بالشمس الأشياء الحسية تكون الأشياء في ظلمة ثم تطلع الشمس فتدرك بها الأشياء المحسوسة، كذلك العقل يدرك به الأشياء المعنوية، وهذا تشبيه حسن حينئذٍ قوله: [وشبه العقل بالسماء]. أي: العقل الذي هو كالسماء. [لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية]، يعني: العقل، من جهة العقل تصدر المعارف المعنوية [كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية] حينئذٍ يكون من باب إضافة المشبه به للمشبه [(كُلَّ حِجَابٍ) مفعول حط، أي: كل مانع. (مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ)] يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب كذلك كسابقه [أي: من الجهل الذي هو كالسحاب، فالإضافة من إضافة المشبه به للمشبه كسابقه، لأن الجهل يمنع العقل عن إدراك العلوم المعنوية كما أن السحاب يمنع النظر من إدراك الشموس المحسوسة]، وهذا واضح يعني قوله: (كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ). يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب فالسحاب يمنع من إدراك ما ورائه، كذلك الجهل يمنع إدراك ما ورائه، فكل من السحاب والجهل وجودي، وهذا فيه لأن فيه اعتراض على الناظم كيف يشبه الموجود الذي هو السحاب بالجهل الذي هو عدم؟ وكل منهما وجودي. - - - حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَهْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَهْ نَحْمَدُهُ جَلَّ عَلَى الإِنْعَامِ ... بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ

1 / 18

(حَتَّى) للانتهاء، أي إلى أن (بَدَتْ) ظهرت. (لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ) أي المعرفة التي كالشموس والجمع للتعظيم (رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا) أي مخدرات شموس المعرفة. أي: مسائلها الصعبة. شبهت بالعرائس المستترة تحت الخدر (منكشفة) أي: متضحة (نَحْمَدُهُ) أي: نثني عليه الثناء اللائق بجلاله، وحمد بالفعلية بعد الاسمية تأسيًا بحديث «إن الحمد لله نحمده» واختار الفعلية هنا الدالة على الحدوث والتجدد، لأنه في مقابلة الإنعام الذي يحدث ويتجدد. والأول في مقابلة الذات الدائمة المستمرة فأتى لكل بما يناسبه، (جَلَّ) أي عظم، جملة لإنشاء التعظيم، أو خبرية حالية من الضمير (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بنحمده (بِنِعْمَةِ) متعلق بالإنعام، وإضافة لما بعده للبيان (الإِيْمَانِ) أي: تصديق القلب بما علم مجيء النبي ﷺ به ضرورة مع الإقرار باللسان على قولٍ (وَالإِسْلاَمِ)، أي: الخضوع والانقياد بقبول الأحكام، أي: أعمال الجوارح، وجمع بينهما للتغاير مفهومهما، ولأنه في مقام الأطناب وهو مقام الحمد والإكثار من عد النعم. ــ - الشرح - ــ

1 / 19