الإثبات يراعى فيه اللفظ والمعنى
هذه القاعدة الشرعية الرسالية التي اتفق عليها الرسل في صفات الله ﷾، يحصل بها التنبيه على مسائل الحروف والمعاني، بمعنى: أن صفات الله ﷾ معتبرة بالكتاب والسنة من جهة الحروف ومن جهة المعاني.
أما اعتبار المعاني: فإن هذه المعاني المثبتة لله ﷾ لا بد أن تكون معلومةً من الكتاب والسنة.
وأما اعتبار الحروف: فإنه يقصد به التنبيه على مسألة أن يكون الإثبات للباري ﷾ موافقًا لنصوص الكتاب والسنة من جهة السياقات.
ويقصد بمسألة السياقات: أن صفات الباري في القرآن جاءت على سياقين:
الأول: سياق الإطلاق.
الثاني: سياق التقييد.
فإن بعض الصفات ذكرها الله ﷾ مطلقة؛ كاتصافه سبحانه بالعلم، والحكمة، والقدرة، ونحو ذلك.
وبعض الصفات جاء ذكرها في القرآن في سياق التقييد، كصفة المكر؛ قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال:٣٠] وكصفة الكيد؛ فإنه جاء في القرآن في سياق التقييد، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق:١٥ - ١٦] وما إلى ذلك.
وعليه: فما ذكره الله في القرآن مطلقًا من الصفات فإن المشروع للعباد أن يثبتوه لربهم من جهة معانيه، ومن جهة سياقاته، أي: أن يذكروه مطلقًا كما ذكر، وما ذكره الله مقيدًا فإنه يُذكر مقيدًا ولا يسوغ إطلاقه، وإن كان بعض المتأخرين من أهل العلم توسعوا في الإطلاق، ولم يفرقوا بين المطلق وبين المقيد، والأصل أن يُقتدى بطريقة القرآن، فإنك إذا قلت: إن من صفات الله: العلم، والعزة، والحكمة، والقوة، والقدرة، فإن هذا عند العقلاء، وعند المخاطبين والمكلفين؛ بل وغير المسلمين، لا يُفهم منه ما يُشكِل في مقام صفات الباري.
ولكن ليس من المناسب في العقل وحتى في الشرع أن يقال: إن من صفات الله الكيد، ومن صفات الله المكر؛ لأن هذا ليس من الحكمة ولا من الفقه، ولا من تحقيق كمال الباري ﷾؛ لأن صفة الكيد ليست كصفة العلم مثلًا، فإن العلم صفة كمال في سائر موارده، وأما صفة الكيد والمكر فإنها تكون كمالًا في مقامها المناسب لها، فيقال مثلًا: إن الله تعالى يمكر بالماكرين، ويكيد على الكائدين من أعدائه ..
وهكذا.
ومن هنا قيل: إنه لا بد من اعتبار سياق القرآن في إثبات صفات الله ﷾، وعليه: فتكون طريقة أهل السنة والجماعة معتبرة بسياق الحروف، ومعتبرة بالمعاني.
3 / 8