شرح القواعد السبع من التدمرية

يوسف الغفيص ت. غير معلوم
126

شرح القواعد السبع من التدمرية

تصانيف

نفي الصفات مع كونه قابلًا لها أكمل من نفيها مع عدم قبوله لها قال المصنف ﵀: [وإذا كان ما لا يقبل الوجود ولا العدم أعظم امتناعًا مما يقدر قبوله لهما -مع نفيهما عنه- فما يقدر لا يقبل الحياة ولا الموت، ولا العلم ولا الجهل، ولا القدرة ولا العجز، ولا الكلام ولا الخرس، ولا العمى ولا البصر، ولا السمع ولا الصمم، أقرب إلى المعدوم والممتنع مما يقدر قابلًا لهما مع نفيهما عنه وحينئذ فنفيهما مع كونه قابلًا لهما أقرب إلى الوجود والممكن، وما جاز لواجب الوجود قابلًا وجب له، لعدم توقف صفاته على غيره، فإذا جاز القبول وجب، وإذا جاز وجود المقبول وجب]. يبين المصنف ﵀ أن من كان مخالفًا ومخالفته بنفي الصفات، وقال: إن الله ﷾ تنفى عنه هذه الصفات، كما تقوله غلاة المعتزلة، فإنهم ينفون الصفات عن الله تعالى مطلقًا -أي: قيام الصفات بالذات- فيقال لهم: هل أنتم تنفون هذه الصفات مع إمكان قبولها، أم تنفونها مع امتناعها؟ فإن قالوا: إنها تنفى مع إمكان قبولها؛ كان هذا تناقضًا؛ لأن ما أمكن له ﷾ من الصفات اللازمة كان واجبًا. وإن قالوا: إنها تنفى عنه ﷾ لعدم إمكانها؛ فإن هذا تشبيه بما هو أنقص من الممكن القابل لهذه الصفات، فيلزم على هذا أن يكون المخلوق متصفًا بكمالات، ويمتنع تحقق أصل هذا الكمال اللائق بالله ﷾ له ﷾، فيكون هذا من باب التشبيه بالجمادات، فضلًا عما قد يكون فوقها من المعدومات والممتنعات. أي: لو قلتم -معشر نفاة الصفات- بأنه تنفى عنه الصفات وهو قابل لها، لكان هذا من حيث العقل الضروري أكمل من أن يقال: إنها تنفى عنه لأنه ليس قابلًا لها؛ لأن عدم قبوله للكمال أشد نقصًا من نفي الكمال مع القول بإمكانه. فإذا قيل عن شيء -ولله المثل الأعلى-: إنه ينفى عنه هذا الكمال؛ كالعلم أو الحكمة أو ما إلى ذلك؛ لأنه ليس قابلًا له، وقيل عن شيء آخر: بأنه لا يتصف بالعلم مع أنه قابل له، فإن هذا أكمل من الأول، إذًا فما نفيت عنه صفة من صفات الكمال لا لعدم قبوله لها، وإنما لعدم قيامها به مع إمكانها، فهذا أكمل من أن يقال: إن هذه الصفة منفية لأنه ليس قابلًا لها، ولذلك فإن هذه الطريقة أنقص. فإن قالوا: إنها منفية عنه مع أنه قابل لها. قيل: هذا تحكم، فإن ما أمكن له ﷾ وجب، ولهذا فإن المصنف ﵀ يغلق على المعتزلة مسألة الجدل، فيقول: إما أن تنفوا الصفات وتقولون: إن سبب النفي هو عدم قبوله لها؛ فهذا أشد نقصًا من كونه قابلًا لها، وإما أن تقولوا: إنها تنفى عنه الصفات وهو قابل لها؛ فإذا قلتم: إنه قابل لها ونفيتم، تناقضتم؛ وذلك لأن الله تعالى ليس كخلقه، فإن الآدمي لك أن تقول: إنه ليس عالمًا، وهو قابل للعلم، بخلاف الباري ﷾، فإنه يمتنع أن يقال: إنه لا يتصف بالعلم وهو قابل له، فإن ما أمكن -أي: ما فرض إمكانه في حقه- من الصفات اللازمة؛ فإنه يكون واجبًا.

10 / 19