============================================================
المرصد الثاني- في تعريف مطلق العلم أنه إنما قال: يعسر التحديد الحقيقي دون التعريف مطلقا، وهذا كلام محقق لا بعد فيه لكنه جار في غير العلم كما اعترف به: (المذهب الثالث): (أنه نظري) لا يعسر تحديده (وذكر له تعريفات الأول لبعض المعتزلة أنه اعتقاد الشيء على ما هو به (وهو) أي هذا التعريف (غير مانع لدخول التقليد فيه إذا طابق) الواقع (فزيد) لدفعه (عن ضرورة أو دليل)، فاندفع دخول التقليد (لكن بقي الاعتقاد الراجح) المطابق أعني الظن الصادق الحاصل عن ضرورة أو دليل ظني داخلا فيه (إلا أن يخص الاعتقاد بالجازم اصطلاحا) فلا يدخل الظن فيه قوله: (فظهر أنه إنما قال: إلخ) لأن كلامه المنقول نص في ذلك، وما ذكر سابقا ظااهر في إرادته التعريف مطلقا، فيجب صرفه عن الظاهر بأن مراده، فطريق معرفته المتحقق المعول عليه القسمة والمثال، وإن كان يمكن معرفته بالرسم أيضا إلا أنه لم يقع حيث ظهر فساد الرسوم التي ذكرها القوم.
قوله: (اعتقاد الشيء على ما هو به) اي على وجه ذلك الشيء متلبس به في حد ذأته من الثبوت والانتفاء، والمراد بالشيء الموضوع أو النسبة الحكمية.
قوله: (عن ضرورة أو دليل) أي كائنا ذلك الاعتقاد المطابق عن ضرورة أو دليل واعتتاد المقلد، وإن كان ناشعا عن دليل لأن قول المقلد حجة للمقلل، إلا أن مطابقته ليست ناشئة عن دليل بل اتفاقي، ولذا يقلده فيما يصيب ويخطي، فاندفع ما تحير فيه الناظرون من أن التقليد إذا لم يكن عن ضرورة أو دليل يلزم أن يكون تقسيم العلم بمعنى الصورة الحاصلة إلى الضررري، والنظري غير حاصل لخروج التقليد، وتكلفوا الدفعة بما تمجه الأسماع.
قوله: (فاندفع دخول التقليد) فإن قلت: حصول مطلق الإدراك لا يخلو عن ضرورة او نظر، ما بال التقليد خلا عنهما، قلت: أجيب بأن مبنى كلامه على أن المتبادر من التعريف الضرورة العامة، فيخرج التقليد لأنه ليس عن ضرورة عامة، ولا عن دليل بنظرية المسالة في نفس الأمر، فإن قول المقلد ليس دليل المسألة في نفس الأمر، والمراد بالضرورة في قولهم لا يخلو عن ضرورة، او الضرورة المطلقة، وفيه انه يخرج اكثر العلوم الضرورية إذ لا ضرورة عامة في الحدسيات، والتجربيات مثلا وايضا تخرج الإلهيات إلا أن لا يقول: المعتزلة بها، أو بعلميتها كعدم قولهم بعلم الله تعالى، والصواب في الجواب أن يقال: اعتقاد المقلد نظري لأن الدليل عنده قول المقلد كما صرح به في التوضيح، لكن قول المقلد: ليس الدليل الذي يستتبط منه الحكم في الواقع، والمراد بالدليل هو الدليل في نفس الأمر بقرينة المقام، فيخرج التقليد عن هذا التعريف، واما المراد بالنظر في قولهم مطلق الادراك لا يخلو عن ضرورة أو نظر، فهو النظر المطلق سواء كان صحيحا أو فاسدا فلا محذور فتامل:
صفحة ٧٦