الإيمان بالله وصفاته
الواجب في هذا المقام الإيمان بوجوده وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وكل ما سمى الله به نفسه أو سماه به رسوله ﷺ، وكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله وكل ما أخبر الله به عن نفسه من فعل أو أخبر به عنه رسوله ﷺ وجب الإيمان به.
على المبدأ الأساسي: نؤمن بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله في صفات الله على مراد رسول الله ﷺ.
والقاعدة الأساسية لهذا الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ هي قوله ﷾: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، فنفى عن نفسه سبحانه المثلية، وأثبت لنفسه سبحانه أنه السميع البصير، فإذا أردت أن تثبت سمعًا أو بصرًا، فلا يخطر ببالك ولا بخاطرك ولا بفكرك أي سمع وأي بصر على أي مثال كان؛ لأنه (ليس كمثله شيء)، فهو كما قال الشافعي ﵀: نحن مكلفون بإيمان تصديق وإثبات، لا إيمان تكييف وتمثيل.
ومن هنا: كان السلف يثبتون لله صفاته دون تشبيه، وينفون عنه النقائص دون تعطيل، فهو إيمان بلا تكييف ولا تمثيل، ونفي بلا تعطيل.
وعلى هذا قامت عقيدة السلف في الله سبحانه وفي أسمائه وصفاته، أما الذين قالوا: إذا أثبتنا سمعًا أثبتنا الأذن، وإذا أثبتنا بصرًا أثبتنا عينًا؛ فالذي أوقعهم في هذا أنهم يقيسون صفات الله على صفات المخلوق.
والمولى لطفًا بعباده قدّم لهم القاعدة الأساسية: (ليس كمثله شيء)، وذات المولى لا تشبه الذوات، والعقل لا يستطيع أن يتصور كنه ذات الله، إذ لما سألوا الرسول: أخبرنا عن الله، أهو من كذا أو من كذا؟ أقريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فجاء الجواب عن الأولى، وهو السؤال عن الذات: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١-٤]، سألوه عن الذات فأجابهم بذكر الصفات؛ لأن الذات فوق العقل والإدراك، ولهذا فرعون لما سأل موسى: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:٢٣]؟ (وما) عند المناطقة يسأل بها عن الماهية، يقال: ما الإنسان؟
و
الجواب
حيوان ناطق، ما التمر؟ تمرة النخل، فلما سأل فرعون بـ (ما) التي للماهية، والماهية بالنسبة لله لا تشرح ولا تدرك، بل يعرف رب العالمين بصفاته وأفعاله، فأجاب موسى ﵇: ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء:٢٤] .
ثم قال: بل رسولكم مجنون؛ لأنني أسأله بـ (ما) التي لشرح الماهية فيذهب يجيب لي بصفاته.
وهل أنت يا مسكين تستطيع أن تدرك حقيقة الله، إبراهيم ﵇ لما سأله النمرود عن ربه، قال: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة:٢٥٨] فوجده أبله، قال: على مهلك فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب؟ ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة:٢٥٨]، يحاجه في صفات الله وأفعاله، فبهت الذي كفر.
ولهذا لما سألوا: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦] .
وكذلك عندما قالوا: انعت لنا ربك من أي شيء هو؟ فقد كان لهم آلهة من حجر ومدر وذهب إلى آخره، فيريدون من النبي أن يبين ما ربه، فنزلت ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١]، أحدٌ في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وعبوديته، فنعبده وحده: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] .
قالوا: أحدٌ بخلاف واحد؛ لأن الواحد مقابل الاثنين والثلاثة، أما أحد فلا نظير له، تقول: جاء رجلٌ واحد، وفي الدار رجلٌ واحد، أي: ليس اثنين، ما في الدار إلا رجلٌُ واحد، فتنفي أن يوجد اثنان من جنسه، لكن: ما في الدار أحدٌ، تنفي الوجود بالكلية.
إذًا: أنت تؤمن بالله، وبوحدانيته ﷾ في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
5 / 8