إثبات صفة السمع والرؤية لله سبحانه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال رحمه الله تعالى: [﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة:١]، وقوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران:١٨١]، وقوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف:٨٠]، وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:٤٦]] .
هذه الآيات من قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة:١] إلى آخر ما قرأ، فيها إثبات صفة السمع لله ﷿، وفيها إثبات صفة الرؤية، وقد تقدم الكلام على الآيات التي ساقها المصنف ﵀ في إثبات صفة السمع والبصر لله جل وعلا، وعاد ذكر هاتين الصفتين، أما السمع فأعاده باسمه، يعني: بآيات تدل على ثبوت الصفة لله ﷿ بهذا الاسم، وأما البصر فأعاده باسم آخر قد ثبت به النص وهو الرؤية، وكلا الوصفين ثابت لله ﷿، وهو من الصفات الذاتية الثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به.
وأفادنا في هذه الآيات أن الله ﷾ يخص بعض خلقه بالسمع، ويخص بعض خلقه بالرؤية، وهذا التخصيص يفيد معنىً زائدًا على إثبات هذين الوصفين له ﷾، فقوله جل وعلا: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ فيه تخصيص المجادلة بسماع ما تكلمت به، وقوله ﷾: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ فيه تخصيص السمع بقول هؤلاء، وكذلك قوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ فيه أيضًا تخصيص السمع بهؤلاء الذين يسرون ويتناجون بالباطل، وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ﴾ فيه تخصيص موسى وهارون بسماع دعوتهما لفرعون، فهذه الآيات كلها أفادت أن الله ﷾ قد يخص بعض خلقه بسماع خاص، وهذا لا ينفي ثبوت السماع العام الذي ثبت له بالأدلة الكثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) .
والرؤية جاء ما يدل على تخصيص بعض خلقه بالرؤية، كما في قوله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، أما البصر فإنه لم يذكر في كتاب الله ﷿ خاصًا، إنما جاء عامًا، ومن تخصيص الرؤية قوله تعالى: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة:١٠٥] فهذا تخصيص عمل البعض بالرؤية، والخطاب في هذه الآية للمنافقين.
المهم أن الأدلة دلت على أن الله ﷾ يخص بعض خلقه بالسمع، ويخص بعض خلقه بالرؤية، واعلم أيضًا أن من فوائد هذه الآية التي ساقها المؤلف ﵀ أن الله ﷾ يسمع الأشياء بعد وقوعها، يسمع الكلام بعد وقوعه، وكذلك يرى الأشياء بعد وجودها، وهذا فيه أن السمع والبصر يتعلقان بكل مبصر وكل مسموع بعد وجودهما، مع أنه ﷾ سميع بصير أزلًا وأبدًا، فكون السمع والبصر يتعلق بالمخلوقات هذا صفة فعل، وكونه متصفًا به أزلًا وأبدًا هذا صفة ذات.
ومما أفاده ذكر سماعه ﷾ ورؤيته جل وعلا لبعض خلقه تهديده للقائلين قولًا باطلًا، ووعده بالأجر لمن قال قولًا حقًا أو فعل فعلًا حقًا، يعني: من فوائد التخصيص في السمع والبصر الوعد بالجزاء على العمل إن كان خيرًا فهو وعد، وإن كان شرًا فهو وعيد.
ومن فوائده أيضًا النصر والتأييد، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:٤٦]، والمراد هنا: ليس مجرد إثبات مطلق السمع ومطلق البصر أو مطلق الرؤية له جل وعلا، إنما المراد: إنني أعلم بحالكما، وقادر على نصركما وإظهاركما على عدوكما أو على من تدعوان، وثبوت ما تقدم من المعاني أمر قطعي لا حيلة في إنكاره ودفعه.
8 / 2